|
حقائق صادمة للسلفيين: عن علماء الدولة العباسية ومبدعيها ! ( 2 من 2 )
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 5128 - 2016 / 4 / 9 - 22:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حقائق صادمة للسلفيين: عن علماء الدولة العباسية ومبدعيها ! ( 2 من 2 )
سوف يذهل القاريء لحجم الجرأة والحرية والإبداع الذي كان متوفراً في الدولة العباسية الأولى، وبالذات دولة المأمون بن الرشيد. نشطت حركة الترجمة من الفارسية والهندية واليونانية، وضجت مكتبة دار الحكمة ببغداد بآلاف المراجع التي اعتبرت زبدة الحضارات السابقة.
أذكر أن ابن سينا كان مولعاً بالفلسفة اليونانية لدرجة أن ثمة مناقشات وجدال حدث بين ابن سينا وأبي الريحان البيروني حيث رفض البيروني التعصب لعلوم اليونان، وأورد حجة يرد بها على ابن سينا وهي القانون الفيزيائي ( المعادن تتمدد بالحرارة )، حيث تساءل البيروني قائلاً ( نحن نسخنا هذه القاعدة من اليونانيين، لكننا لم نفهم لماذا تنفجر القوارير الفخارية عند تجمد فيها )، ويقصد أن حجم الماء يزداد عند التجمد وليس بالضرورة عند التسخين !
أما العقل العربي فقد انطلق إلى فضاء الفلسفة الرحب، ونقول العقل " العربي " على الرغم من أن معظم الفلاسفة والعلماء لم يكونوا من العرب بل من فارس وبخاري وتركمانستان والأوزبك، ولكن اللغة العربية أصبحت هي لغة العلم السائدة، ولهذا نؤكد على أن حضارة العباسيين كانت حضارة عربية، وسوف أتردد كثيراً في وصفها بالإسلامية، ذلك أن توجهات الفلاسفة والمناطقة كانت بعيدة كل البعد عن مسلمات الدين، بل إن معظم جهابذة العلم والفلسفة كانوا لادينيين وملاحدة، وهذه بالذات، الحقيقة المفجعة التي أخفوها عن الناس منذ ألف عام ويزيد.
لكن إلى جانب اللادينيين أمثال الرازي والخوارزمي والبيروني وابن سينا وابن حيان وابن الهيثم والخيام وغيرهم، كان هناك التوحيديون الصوفيون، الذين فضلوا الإيمان بوحدانية الله لكن ضمن مفهوم خاص للإله، ومن هؤلاء كان الحلاج الذي لقى حتفه صلباً، وأبو حيان التوحيدي الذي لقب بهذا اللقب نظراً لقصائده الروحانية الجميلة في توحيد الخالق. لكن حتى عقول هؤلاء لم تنجو من فضاء التفكير الإبداعي الخلاق بفعل الفلسفة اليونانية، حتى أن السلفيين والحنابلة حقدوا على الخليفة المأمون لأنه أدخل الفلسفة أرض العرب.
ذات يوم سئل أبو حيان عن الله فقدم البرهان التالي:
الله شيء أو لا شيء .... ( ليس ثمة احتمال ثالث ) الشيء يمكن قياسه .......... ( كتلة / وزن / كثافة ) الله لا يمكن قياسه إذن الله لا شيء !
قد يخيل للبعض أن أبا حيان كان ملحداً باستنتاجاته تلك، ولكنه في الحقيقة لم يكن كذلك، فقد عقب على البرهان موضحاً أن اللاشيء له من الجلال والغموض والهيبة ما يليق بذات الخالق، فاللاشيء هو عكس الشيء، واللاشيء هو اللامادة وما وراء الطبيعة " الميتافيزيقا "، وهو إذن يسلم بالآية ( ليس كمثله شيء ) !
ابن سينا كان أكثر تطرفاً وتعصباً للفلسفة الإلحادية، فتساءل مثلاً ( لماذا خلق الله الكون ؟! هل كان الإله يعوض نقصاً لديه بهذا الخلق ؟؟! الله – لو صح وجوده – كامل، إذن الكون غير مخلوق ! )، ومثله كان غالبية علماء الدولة العباسية، فمن أين يمكن للمرء أن يتخيل أن الدين كان له دور في الإبداع العلمي والفلسفي والأدبي ؟! إن وصف الحضارة العباسية بالحضارة الإسلامية هو أمر يجافي الحقيقة ويناقض الواقع، وعلى أي حال، ففي الدولة العباسية الثانية حدثت ردة حضارية، خاصة في عهد المهدي الذي افتتح ديوان الزنادقة لمتابعة كتب الفلاسفة والمناطقة وقصائد الشعراء، ثم أصبحت الزندقة تهمة لأي معارض سياسي لحكم العباسيين. تم إحراق مؤلفات كثيرة وأعدم علماء مثل ابن المقفع والحلاج والشاعر بشار بن برد وغيرهم، وفي الحقيقة فإن مسلسل إعدام المفكرين في أرضنا العربية لم يتوقف منذ ذلك الحين وحتى اغتيال شكري بلعيد في تونس عام 2013 !!
أما أبو بكر الرازي، الطبيب والفيلسوف، فلم يؤمن بأي مسلمات عقائدية وقام بالرد على بلاغة القرآن. الرازي ناقش موقف الدين من الانتحار وتساءل: هل يموت المنتحر بإرادته الخاصة أم بإرادة الله ؟؟! إذا كان المنتحر يموت بإرادته الخاصة فإن ذلك يتنافى مع قدرة الله المطلقة واللوح المحفوظ، أما إذا كان سيموت بإرادة الله فلماذا سيعاقب إذن ؟!
ثمة فيلسوف وعالم وفلكي وشاعر كبير هو عمر الخيام. أثناء دراستي في بيرزيت عثرت - بحكم تخصصي في علم الرياضيات والمنطق – على مراجع بها شروحات عن مساهمات الخيام الفذة في حل معادلات الدرجة الرابعة باستخدام القطوع المخروطية. بعض المستشرقين وصفوا الخيام بأنه كان من أعظم العلماء الذي أنجبتهم البشرية. للخيام قصائد شهيرة سميت بالرباعيات والتي غنت السيدة أم كلثوم بعضاً منها.
من أقوله الوجودية في الكون والوجود رباعية قال فيها:
لو كنت كالله لي يدٌ في حركة الأفلاك لمحوت ما للفلك من آثار وخلقت أفلاكاً تدور مكانها وتسير حسب مشيئة الأحرار -------------------------------------
الخلاصة
1- الحضارة العباسية ومنجزاتها العلمية وتقدمها كانت بعيدة عن الدين وعن رجال الدين. 2- فرض الأصوليون والسلفيون المعاصرون تعتيماً رهيباً على منجزات الدولة العباسية في العلم والفلسفة والآداب والفنون. 3- إلى جانب بناء العدد الكبير من المساجد في عصرنا الحالي، يتوق الشباب العرب إلى بناء مسارح ونوادي ومراكز ثقافية ودور للموسيقى والرسم والنحت وقاعات للجمباز ومسابح لكي نتمكن من النهوض بالطاقات الخلاقة. الأصوليون والسلفيون دمروا كل معالم الحضارة. 4- هذا السرطان الفكري والإيدلوجي الخطير مدعوم من القوى الرأسمالية العظمى والقوى الرجعية الاستبدادية صاحبة المصلحة الحقيقية في تدمير أي أفق لأي نهضة عربية.
نلتقي على خير
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاجأة صادمة للسلفيين: عن علماء الدولة العباسية ومبدعيها !!
...
-
الممنوع من النشر في الصحافة الفلسطينية !
-
صمت غزة عن الذل والفقر والفساد .. إلى متى يدوم ؟؟!
-
لهذه الأسباب انهارت الحركة الوطنية أمام التيارات الدينية !
-
الفساد في العالم العربي .. رؤية العقل الجمعي !
-
التعايش مع الفقر والذل .. لماذا وكيف يحدث ؟؟!
-
الأرنب السعيد !
-
بخصوص تدخل كتائب الأقصى في إضراب المعلمين
-
حماس وبائعات الفجل !
-
إلى من يهمه الأمر: لا نريد دولة فلسطينية !!!
-
الفصائل وتزييف وعي الجماهير !
-
ماذا بعد فشل سلطتي فتح وحماس ؟!
-
ما يحدث لنا سببه الأول فساد التعليم !
-
لماذا لا تثور غزة ضد حماس ؟؟!
-
الشذوذ العقلي بين المرض النفسي والإبداع !
-
بلاغ عاجل لمن يهمه أمر غزة !
-
فاطمة ناعوت وزهرة البيلسان !
-
نحو تفكيك أمبراطورية المال والفساد في فلسطين !
-
لا سلام مع العنصريات !
-
لماذا تجبى الضرائب ؟!
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|