|
الديموقراطية في الشرق الأوسط الجديد
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1388 - 2005 / 11 / 24 - 21:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
- الديموقراطية كمصطلح واسلوب تعامل بين النخبة والغالبية قديمة ظهرت كما هو معلوم منذ القدم في – أثينا واسبارطة - ثم تطورت الى وسيلة حكم ونظام سياسي واجتماعي وثقافي منذ عهد الثورة الفرنسية وهو سائد بصورته المتقدمة في العديد من البلدان وخاصة في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية في اطار دولة الدستور والقانون ومؤسسات المجتمع المدني ومبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتداول السلطة عبر الانتخابات الحرة على أساس من توفير الحريات العامة والاساسية ومن ضمنها حرية المعتقد والفكر والنشر والاعلام وصيانة كافة حقوق المواطنة وفي ظل المساواة بين المرأة والرجل وعدم التميز بسبب الجنس والعرق واللون , والعدالة الاجتماعية وتكافىء الفرص والحرية الاقتصادية . - اشكالية التطبيق الديموقراطي ما زالت قائمة في قارات وبلدان العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تتسم بخصوصية استراتيجية اولا وتعدد اطيافها القومية والدينية بدرجة ثانية وعدم حل ومعالجة قضاياها الوطنية بدرجة ثالثة فكل طبقة اجتماعية تحاول تعريف الديموقراطية حسب مصالحها لذلك ظهرت مصطلحات " الديموقراطية البورجوازية " " والديموقراطية الشعبية " والديموقراطية على الطريقة الاسلامية تحت اسم " الشورى " وهناك تيارات تحاول أن تجيّر مبادىء الديموقراطية لمصلحة الخصوصية الوطنية من أديان وتقاليد وثقافات . - منذ بداية القرن الحادي والعشرين وبعد التطورات الكونية العميقة في تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد وتوقف الحرب الباردة وانهيار انظمة شمولية استبدادية في مختلف انحاء العالم وسيادة القطبية الواحدة والاهم في كل ذلك بعد حصول محاولات جادة من جانب النخب الحاكمة واوساطها الفكرية والثقافية في الغرب عموما وامريكا على وجه الخصوص حول اعادة النظر بصورة ايجابية في قضايا السياسة الدولية والسلم والحرب وحق تقرير مصير الشعوب وحقوق الانسان ومسائل التغيير في انظمة الحكم الاستبدادية ومواجهة الارهاب , نقول بان جميع هذه التطورات قد دفعت الهمّ الديموقراطي الى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط . - عالميا كانت اسبقية المبادرة للادارة الامريكية في طرح مشروع تغيير " الشرق الأوسط الكبير " وقد تكون لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 علاقة دفع مباشرة بتسريع الخطوة ولحقت بها اوروبا بحذر غير مبرر قد يكون عائدا الى صراع النفوذ والمصالح تماما مثل الموقف الاوروبي – الاعتزالي - الغريب والبعيد عن مصالح شعوب المنطقة من القضية العراقية وانظمة دكتاتورية اخرى في الشرق الأوسط رغم قرب اوروبا الجغرافي وتاثرها الشديد بما يحدث في هذه البلدان . - عناوين جديدة افرزتها حركة التاريخ الحديث للعملية الديموقراطية ومهام اضافية تطرحها الاحداث المستجدة في هذه المرحلة من حياة الشعوب , ففي تسلسل زمني متواصل انتقلت البشرية من طور الى طور كلما وقع حدث كبير أو طرأ تغير في موازين القوى الدولية وبطبيعة الحال كانت ومازالت مسألة الديموقراطية من أكثر المسائل تأثرا بنتائج التوازنات وطبيعة العلاقات المستجدة بين الدول والقوى والكتل العالمية فقد قامت" عصبة الامم" بتجسيد وقائع زمانها من دول وكيانات بعد انهيار الامبراطورية العثمانية مكمّلة خطوات وأهداف اتفاقية سايكس – بيكو , كما ادت "هيئة الامم المتحدة" وظيفتها في تثبيت نتائج الحرب العالمية الثانية في مسالة موازين القوى الدولية الجديدة ونفوذ القطبين على مستوى الكون من النواحي الاقتصادية والعسكرية والثقافية والتي فسرتها على أرض الواقع اتفاقيات( بوتسدام وطهران ويالطة ) والآن يعيش العالم في وضع انتقالي مؤقت بعد اختلال عميق في موازين القوى بغياب طرف من ثنائية القطبين وتوقف الحرب الباردة وتعاني منطقة الشرق الأوسط من آلام مخاض عسير وشعوبها تترقب الانتقال الى نظام دولي جديد في ظل شروط وظروف عالمية واقليمية تعكس بموضوعية النتائج المتوخاة من التحولات الحاصلة وتحاول جاهدة وبتقديم المزيد من التضحيات انتزاع حريتها الكاملة وتحقيق الاستقرار وتجسيد مصالحها الحيوية في ظل حياة سعيدة كل ذلك ليس ببعيد بل ومتداخل مع جملة من الحقائق الجديدة في عصرنا الراهن التي تشكل المدخل الى التغيير الديموقراطي المنشود لابد من قراءتها بامعان : الحقيقة الأولى : دور الخارج الأساسي في تحقيق التغيير الديموقراطي المنشود في بلدان الشرق الأوسط عموما وفي البلدان الرازحة تحت تسلط الأنظمة الشمولية على وجه الخصوص لاسباب موضوعية ومنها ضعف وحتى انعدام المعارضة الديموقراطية- في أكثر الحالات - بشكل منظم ونجاح الانظمة الاستبدادية في تحطيم هيكلية الطبقات الوسطى التي تفرز عادة الافكار الليبرالية والديموقراطية ومن المفارقة أن للخارج الذي تحتاجه الشعوب الآن في عملية التغيير قسط من المسؤولية في قيام نفس الأنظمة الدكتاتورية المنوطة بالزوال الآن , ومن الأمثلة الحية في مجال الدور الخارجي الناجز في اسقاط الدكتاتوريات يوغسلافيا السابقة وافغانستان والعراق . الحقيقة الثانية : ارتباط نجاح عملية التغيير الديموقراطي في بلدان الشرق الأوسط بمسألة الانتصار على الارهاب وخاصة ارهاب الاسلام السياسي حيث لايجتمع الاثنان والديموقراطية بالنسبة للارهاب عدو ودواء في الآن ذاته وهنا ايضا يظهر دور العامل الخارجي لان الحرب على الارهاب عملية معقدة تحتاج الى امكانيات هائلة وذات طابع عالمي ولا يمكن الانتصار عليه الا بالتحالف الدولي الشامل . الحقيقة الثالثة : لن تتحقق الديموقراطية في الشرق الأوسط الا بعد حل المسألة القومية للشعوب التي مازالت محرومة من حق تقرير المصير وفي مقدمتها الشعب الكردي اضافة الى القضية الفلسطينية وقضايا الأمازيغ وجنوب السودان ومسائل قومية اخرى لذلك فان حل المسالة القومية هي التحدي الرئيسي امام العملية الديموقراطية تلك المسالة التي مازالت بحاجة الى المزيد من الاهتمام من جانب الراي العام في الغرب واوساطه الفكرية والثقافية التي لم تولي الموضوع الاهمية المطلوبة حتى الآن حيث تدرجها في خانة حقوق المواطنة وهي ليست الطريقة الناجحة في حل المسالة القومية بل هي صالحة للدول المستقلة ومجتمعاتها المدنية . الحقيقة الرابعة : العقد الأخير كان غنيا بالعبر والتجارب ومنها أن معظم بؤر التوتر والعنف والارهاب تركز في ساحات الدول متعددة القوميات المحرومة اصلا من الديموقراطية مثل فلسطين وافغانستان والعراق والسودان والجزائر وغيرها ولا شك ان ايجاد حل سلمي لقضايا شعوبها وقومياتها على اساس حق تقرير المصيركفيل بتحقيق السلم والديموقراطية كما أن هذه التجارب قد أفرزت مفاهيم ومبادىء جديدة في حل المسألة القومية ستضاف الى اجندة العملية الديموقراطية مثل : مبدأ" التوافقية "بين القوميات لتفكيك الدولة التسلطية القديمة وبناء الدولة المركبة الحديثة ومبدأ " الشراكة " في السلطة والثروة ونظام " الفدرالية المتطورة "الأقرب الى الكونفدرالية مثل حالتي السودان وكردستان ( يطلق عليها الصديق د خالد صالح تسمية : فدراسي - ) . الحقيقة الخامسة : يتشكل في مواجهة مشروع التغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط الكبير تحالف ثلاثي مضاد من : الأنظمة المستبدة الحاكمة والحركات القومية الشوفينية - العنصرية وجماعات الاسلام السياسي والحالة العراقية خير تعبير عن ذلك التحالف الظلامي الأسود وخاصة في مجال دور نظام سورية الدكتاتوري في دعم وتدريب وارسال الارهابيين وهو متهم اصلا في جريمة اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري ويمارس الارهاب ضد الشعب السوري والاضطهاد القومي بحق الشعب الكردي في سورية وينتهك قرارات مجلس الأمن وارادة المجتمع الدولي . الحقيقة السادسة : كردستان العراق بقيادته السياسية ومؤسساته الشرعية ومجتمعه المدني اصبح جزء متقدما وفاعلا في عملية التغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط وذلك لانخراطه الفعلي في معركة تحرير العراق ومواجهة الارهاب أولا ومشاركته القوية في العملية السياسية في العراق الديموقراطي الفدرالي الجديد ثانيا وبنائه المستمر لأهم وأعظم تجربة في حل المسألة القومية في المنطقة ثالثا ان كل ذلك يضع مسؤوليات اخرى على عاتق شعب كردستان ومنها استكمال الحل الديموقراطي الحقيقي لقضايا شعوب وقوميات كردستان مثل ( الكلدان والتركمان والآشوريين والعرب) لأن الحل المنشود واضافة الى جوهره الانساني المبدئي السليم سيؤكد مرة اخرى على الخصوصية المميزة لشعب كردستان في التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي منذ التاريخ القديم وعصر صلاح الدين الأيوبي ( كما اشار الى ذلك ايضا الدكتور كندال نزان ) وهنا أتذكر ما قاله المخرج السينمائي العربي السوري العالمي مصطفى العقاد الذي راح ضحية الارهاب في عمان مؤخرا عندما سئل لماذا فلم صلاح الدين وهو ليس عربيا : لأنه رمز التسامح والتعايش بين الشعوب بسلام .
* - مختصر بحث الكاتب المقدم الى كونفرانس " دمقرطة الشرق الأوسط " الذي انعقد في اربيل – 19 – 20 11 2005 بدعوة كل من المعهد الكردي في باريس ووزارة الثقافة في حكومة اقليم كردستان .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهادة في الراحل مصطفى العقاد
-
هل صحيح أن استقرار المنطقة مرهون ببقاء النظام السوري ؟
-
رحلة بارزاني : سبعة أيام - عولمت- كردستان
-
نعم انه حل - بعثوي - للقضية الكردية في سورية
-
اعلان - المترددين - في دمشق والمهام العاجلة
-
مأساة متواصلة برسم النظام العالمي الجديد
-
نحو دستور التوافق الوطني السوري - وجهة نظر كردية
-
الرئيس - المعارض - ضد الحزب - الحاكم - !
-
رسالتي الى الملتقى الوطني السوري - باريس 1 -
-
مداخلة في مهرجان تكريم الشاعر قدري جان
-
انفصالية المركز ... ووحدوية الأطراف ... العراق نموذجا 3
-
انفصالية المركز ... ووحدوية الأطراف ... العراق نموذجا - 2
-
نداء الى الجميع حول مؤتمر باريس نعم للقاء نعم للحوار
-
انفصالية المركز ... ووحدوية الأطراف العراق نموذجا ...
-
وأخيرا شرب المستوطنون من بحر - غزّة -
-
- طلاق فوري أو زواج كاثوليكي -
-
عودة الى- ثلاثيّ- زمن الردة
-
ماذا يجري في كردستان ايران ؟
-
في ذكراه السنوية الاربعين ماذا عن صرخة كونفرانس آب المدوية أ
...
-
كيف السبيل لمواجهة ارهاب جماعات - الاسلام السياسي - في كردست
...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|