|
علاقة المغاربة بداعش .. مقاربة في علم النفس الديني
الاعرج بوجمعة
الحوار المتمدن-العدد: 5127 - 2016 / 4 / 8 - 23:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تناول علم النفس الديني عدة مسائل متعلقة بالفرد المتدين، منها تطرقه إلى مسألة نشوء الدين، وكيف يتطور وينمو هذا الدين سواء ايجابا أو سلبا على الفرد، لذا فعلم النفس الديني هو فرع من فروع علم النفس العام يحاول أن ينفذ إلى المراحل الأولى؛ سواء من تشكل الشخصية أو تشكل الدين أي البواكر الأولى للدين، ودراسة سلوك المتدينين؛ أي دراسة سلوكات الأفراد وتشكل الدين في بنيتهم الدهنية انطلاقا من سلطة الأنا الأعلى (الأب وقيم المجتمع)، وصولا إلى تأثير التنظيمات الكبرى (داعش مثلا) وأثرها في إعادة تشكيل شخصية الفرد وفق المقاس الذي تريد، وهذا حال كثير من المغاربة الذين قدّموا أنفسهم قربانا لزعماء داعش، والأسباب في هذا تختلف من دارس إلى أخر، فعند بحثي في هذا الموضوع وجدت هناك دراسات ذات قيمة لكن قاربت الظاهرة إما من ناحية اقتصادية أو من ناحية جغرافية (مثلا كثير من المغاربة التحقوا من شمال المغرب) ونحن نعرف أن شخصية الفرد الشمالي ليست هي نفسية الفرد الذي يعيش في الصحراء ,,. مما نلاحظ هناك عوز وفقر في الدراسات من ناحية علم النفس الديني، لذا حاولت كباحث في هذا المجال في علم النفس الديني مقاربة هذا الموضوع. لكن قبل المقاربة من ناحية نفسية، لابد من الاشارة إلى بعض الدراسات التي كانت لها قيمة خاصة من الناحية الأكاديمية, فمن بين الدراسات الأكاديمية التي اشتغلت على الموضوع، هناك دراسة أنجزها الباحث بمعهد كارينغي محمد مصباح، تبين أن سبب التحاق المغاربة بتنظيم الدولة الاسلامية في بلاد العراق والشام والمعروف اختصارا بـ "داعش"، هو الوضع البرزخي الذي يعيشه الفرد المغربي، أي يعاني من ظروف صعبة بين الاقتصادي والاجتماعي، هذه الفروق مثلا في شمال المغرب (طنجة ـ تطوان) تجعل من الشاب المغربي يفكر في الهجرة، سواء إلى اسبانيا وهنا هجرة سببها تحسين وضعه الاقتصادي، أو هجرة إلى بلاد الشام والالتحاق بداعش، كملاذ يحقق له الهروب عن الأنظار وسلطة المجتمع والرقابة، هنا التنظيم استطاع توفير فرص للشباب المهمش الذي لم يسمعه أحد في هذا الوطن الجريح (المغرب)، ثم طبيعة الهدايا المغرية التي يقدمها التنظيم لأعضائه المغضوب عليهم في أوطانهم، أي امتيازات سريعة ومربحة وتحقق اللذة العسكرية والاقتصادية. إن علم النفس الديني ينطلق من فرضية مفادها أن الدين جاء نتيجة حاجة إنسانية؛ وأن السحر سبق الدين، أي أن عصر السحر سبق عصر الدين كما يقول أستاذ علم النفس الديني "سيريل بيرت"، أي أن الساحر يحاول أن يؤثر في متلقيه لمعارفه من خلال تسخير ظواهر طبيعية إلى جانبه كالرياح أو خفية أي ادعائه بوجود كائنات تخدم لصالحة، وبالتالي بإمكانها تحقيق المتعة والسعادة لمن وضع الثقة والنية الحسنة فيها. نفس المسألة كشف عنها علم النفس الديني، أي أنه بحث في الطرق والوسائل التي يستخدمها رجل الدين لتأثير في المتلقي أو من يحاول الاطاحة به، وهنا نتذكر كيف كانت الكنيسة الكاثوليكية تقدم صكوك الغفران أو ما يعرف بـ (أندولجنتيا)، أي الصفح عن الخطايا التي يرتكبها الإنسان وطلب المغرفة له. هذه المسألة واردة لدينا في تراثنا المغاربة لكن تحت أسماء أخرى، الغاية منها الخضوع المطلق للشيخ، أو زعيم التنظيم، واردة تحت اسم الشيخ والمريد، والفضل في تبسيط هذه العلاقة يعود إلى الأنثروبولوجي عبد الله حمودي. إذاً، نفس المسألة اشتغل عليها تنظيم الدولة الإسلامية من خلال نحث طوطم للجماعة وإجبار كل ملتحق الإيمان بهذا الطوطم الكبير (أبو بكر البغدادي)، وأي خروج عنه يسمى عصيان والعصيان له معناه ستعرض الجماعة للأخطار كما يبين فرويد في دراسته للطوطم، أو بلغة دينية عصيانه معناه عصيان للرب الذي فوضه وجعله خليفته في الأرض. سبب هذا الخضوع المطلق للشيخ أو قائد الجماعة يفسره علم النفس الديني من خلال العودة إلى المراحل الأولى من شخصية الطفل وكيف يتشكل الجهاز النفسي، هذا الأخير يتشكل من تلاث مكونات أساسية وهي: الأنا ـ الأنا الأعلى ـ والهو. هذه المكونات الثلاثة تتفاعل في شخصية الفرد، أي سطلة لأحدهما تكون له أثار جانبية على الشخصية. إذاً، فالإنسان يكون في أمس الحاجة إلى ذلك البعد الرمزي الذي يلعبه الأب في نفسيته، أي أنه هو القدوة التي يسير عليها، ونفس المسألة بالنسبة للمتدين فهو في حالة ضعف، لذا يحاول دائما البحث عن النموذج والقدوة الذي يقلده ويقتدي به، هنا تبرز شخصية المغربي الملتحق بتنظيم داعش، أي له هوية ممزقة تدمج بين المكونين الوطني والمكون العربي المشرقي. فالمغربي المتدين يدين بالتبعية لمشاييخ الشرق سواء بتبسيط الخطاب الديني أو قرب المشارقة من البلاد المقدسة، فهنا يكون خطاب المشرقي خطاب الحقيقة وخطاب الإطلاقية المستمدة من القرب، أي القرب من الأرض التي نزل فيها الخطاب الديني، على اعتبار أن خطابنا الديني لفقهائنا هو خطاب الاستيراد والتبعية، حتى فقهائنا فمن له القيمة هو الذي تتلمذ وصار مريدا لمشاييخ الشرق. وبالتالي فخطاب الداعية المشرقي يمثل خطاب الحقيقة والقوة، قوة التبليغ وسحر اللغة، لغتنا المغربية لغة مركبة يتداخل فيها الوافد على الأرض أي اللغة العربية بلغة الأرض أي اللغة الأمازيغية، ثم وافد أخر هو لغة الاستعمار وخاصة الفرنسية، فهذا التعدد اللغوي أكسب اللغة المغربية التفرد، لغة فريدة لا تحقق التواصل مع المشرقي، بينما هذا الكائن اللغوي الذي يعيش في شبه الجزيرة العربية لازال يحافظ على ثقل ومكانة اللغة العربية، على اعتبار أنها لغة القداسة، لغة النص المقدس، وبالتالي فالمتدين المغربي يسحر بسحر لغة المشرقي الثقيلة والموزونة، فيقدم النص القرآني باعتباره نصا شعريا، فيكون له تأثير اللغة وتأثير الجسد أيضا، أي سلطة اللباس، لأننا نعرف لباس الدين هو العباءة (أي بالمغربية الفوقية). هذا التحليل الذي نقدمه يفكك شخصية المغربي المتدين التابع للشرق، ويفكك الغاية من الدين، لذا نجد فرويد يؤكد أن الدين ينبع من عجز الإنسان عن مواجهة قوى الطبيعة في الخارج والقوى الغريزية في نفسه، وأن الدين كمكون معرفي من بين مكونات أخرى كالسحر والعلم .. ينشأ ويتكون عند الطفل في المراحل المبكرة من الشخصية، عندما يكون الإنسان مجرد صفحة بيضاء، يتلقى المعارف دون أي استخدام للعقل. هذا القول يجعلنا نتجاوز إطلاقية الدين الذي تروج له بعض الأديان والمتدينين، فعلم النفس الديني يبين بأن كل جماعة بشيرة تخلق دينا خاص بها حسب الحاجة، لذا فالمتدين في الهند ليس هو المتدين في المغرب أو الشرق أو أميركا.. لكل مجتمع تدين خاص به، وبالتالي نكون أما ألاف الديانات وليس فقط الدين الواحد الذي يقول به التنظيم الداعشي الذي استقطب المهمشين والقاصرين، وكوّن قاعدة كبيرة مكنته من التوسع داخل بلاد الشام وخارجها، وصولا إلى دول أروبية أصبح ينشط فيها، نشير فقط إلى أحداث باريس وبلجيكا مؤخرا. كما نشير أيضا قبل الختام إلى أن علم النفس الديني تطرق أيضا إلى مسألة الارتداد الديني، ويقصد به الانقلاب المفاجئ للشخص المتدين، أي من اتجاه ديني إلى أخر أو قد يصبح لا ديني أو عدمي لا يؤمن بأي دين .. هذا التحول يقع غالبا في مرحلة الاستخدام العقلي، لأنه قلنا بأن الدين يتلقن في مرحلة الطفولة وبالتالي يكون الطفل صفحة بيضاء، وتقدم له حقائق يقينية مطلقة حسب الدين الذي هو عليه، لازالت أذكر وأنا في المرحلة الابتدائية من التعليم كيف كان يقول لنا المعلم بأن الإسلام جاء ليخرجنا من الظلمات إلى النور .. فكنت بعقل الطفل المتسائل أطرح أسئلة في نفسي، لأن في ثقافتنا لا تجاهر بالسؤال، وإلا سيقع لك ما وقع للحلاج بقوله "أنا الحق والحق أنا .."، أطرح أسئلة هل كنا قبل الإسلام نعيش حالة من الغابة والفوضى وأذكر الأدغال في منطقتنا، هكذا كنا نعيش والإسلام نقلنا إلى النور. لكن مع نضج الإنسان يتبين له أن دين جماعته ليس هو الدين الوحيد وليس هو الدين الحق الواحد وإنما هناك ديانات أخرى، ينبغي الاعتراف بها وكلها جاءت لتلبي حاجة نفسية. في الأخير يمكن القول، إن التنظيم استطاع تلبية الفراغ النفسي الذي يعيشه الشباب المغربي، فاستطاع أن يحقق له ما لم تحققه له الدولة المغربية من مرحلة الاستقلال إلى اليوم، حقق له الرفاهية (أي كما يتصورها الشباب)، وحقق له العمل فأن تركب ذبابة فهذا عمل، بينما الدولة المغربية عمقت جراح الشباب من خلال نهج سياسة الإقصاء والفوارق الطبقية سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة، كما أنها على مستوى التعليم تقوم فقط بإعادة الانتاج، ونشر ثقافة الجهل المؤسس. لذا اليوم مطالبة ـ الدولة ـ بالمصالحة مع أفرادها لأن الغاية من الدولة كما يقول اسبينوزا هي تحقيق الحرية للمواطنين وحفظ سلامتهم العقلية والجسدية.
#الاعرج_بوجمعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياستنا مريضة في حاجة إلى -طبيب الحضارة-.
-
الفلسفات ما قبل الأفلاطونية: قراءة نيتشه أنموذجاً.
-
أسس البيداغوجيا الرشدية: أهمية صناعة المنطق في التربية.
-
فلسفة الضحك؛ أو كوميديا المدرس.
-
تفكيك الخطيبي لخصوصية الجسم العربي عبر الثقافة الشعبية.
-
مفهوم الشهادة كتجاوز للكوجيطو الديكارتي.
-
المرأة وسلطة القضيب عبر التاريخ.
-
حوار على القمم بين طالب فلسفة وطالب متديّن : حول قضايا علمية
...
-
مجتمع ما بعد التحرش.
-
الموٌكّار (الموسم) في بلاد سوس وثقافة الاختلاف.
-
قراءة في كتاب -السلفية والإصلاح-، لدكتور عبد الجليل بدو.
-
التأصيل لمفهوم الفضاء العمومي ودوره في استنبات فكر حر وديمقر
...
-
حضور الأسطورة في الكتاب المدرسي ودورها في تبليغ الدرس الفلسف
...
-
جنس الإنترنيت ووهم اللذة.
-
نهاية التاريخ فكرة قابلة للتكذيب.
-
فكرة العدالة عند أفلاطون.
-
الاهتمام بالتراث مسألة أصول أم ردة فكرية.
-
رجل بدون قضيب n homme sans phallus
-
في الجنس ينعدم الوعيي.
-
مرض الاكتئاب وأنواعه.
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|