صلاح الدين بين السنة والشيعة

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى
(Abdelgawad Sayed)

الحوار المتمدن-العدد: 5127 - 2016 / 4 / 8 - 08:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

صلاح الدين بين السنة والشيعة
يبدو أن قصة صلاح الدين، لن تفارقنا لزمن طويل، فقد أصبحت أحد محاور الصراع ، بين القديم والحديث، فى معركة الإنفصال التى يعانيها العالم الإسلامى السنى اليوم، فبينما يراه المتشددون، الذين يحاولون إعادة فرض النظام الإسلامى البائد بالقوة، قاهر الغرب الصليبى، فإن الحداثيون، الذين يقرون بمنطق التاريخ، ويحاولون التخلص من الميراث الإسلامى كله، يرونه، وعلى العكس من ذلك، منافقاً كبيراً، ثم ومع الصعود الإيرانى فى السنوات الأخيرة، أصبح هناك معالجة جديدة لقصة صلاح الدين ، قصة ذات بعد واحد هذه المرة ، وليست ذات بعدين ، كقصته فى العالم السنى، فماهى قصة صلاح الدين؟
قصة صلاح الدين هى قصة رجل مغامر، خدمه الحظ ومؤهلات القيادة ، لإن يترقى فى طريق الحياة، من مجرد جندى، إلى سلطان وصاحب إمبراطورية. جاء صلاح الدين إلى مصر مع عمه أسد الدين شيركوه فى أخريات عهد الدولة الفاطمية ، قائداً على جيوش نور الدين محمود ، أحد نواب الخلافة العباسية على الشام، وذلك فى صراع النفوذ الذى نشأ بين الصليبيين، والقادة العباسيين، على إمتلاك مصرالفاطمية بسبب علامات الإنهيار التى بدت عليها فى بدايات القرن الثانى عشر الميلادى. وفى ذلك الصراع ، إنتصر نور الدين محمود وقائديه شيركوه وصلاح الدين ، بينما رحل الصليبيون عن مصر فى النهاية، ثم وبسبب وفاة شيركوه المفاجئة، أصبح صلاح الدين هو القائد، ومن هنا بدأت قصته الحقيقية، إذ تقرب من الخليفة العاضد، آخر الخلفاء الفاطميين، حتى سلم له الأخير مفاتيح الدولة، فما كان من صلاح الدين، إلا أن قتل قادتها ودمر تراثها حتى قضى عليها فى سنوات قليلة، وأعلن ولائه للخليفة العباسى السنى، ومات الخليفة العاضد المريض، وهو لايعلم ماذا فعل صلاح الدين بدولة الشيعة ، وتوالت بعد ذلك باقى حلقات قصة صلاح الدين سريعة، حتى جعلت منه هذه الأسطورة، فعندما إستدعاه سيده نور الدين للعودة إلى الشام بعد أن أتم مهمته ، إعتذربأن الظروف لاتسمح، وظل يماطل سيده حتى خدمه القدر بوفاة سيده المفاجئة، تاركاً خلفه وريث صغير، هو إبنه الصالح إسماعيل، وأسرة نورية متنازعة، كان من السهل على صلاح الدين، أن يواجهها عسكرياً ويهزمها، ويطلب من الخليفة العباسى أن يمنحه الولاية على أملاك سيده السابق نور الدين ، بحجة أنه الأقدر على مقاومة الصليبيين، فيفعل الخليفة ذلك دون تردد، ويصبح الجندى المغمور سلطاناً، ويبدأ المرحلة الحاسمة من صعوده.
يبدأ صلاح الدين فى منازلة الصليبين فى الشام، ويستولى على أملاكهم قطعة قطعة، حتى يلتقى بهم فى موقعة حطين الشهيرة سنة1187م، ويهزمهم هزيمة منكرة، بسبب خطأ إستراتيجى كبير، إرتكبته القوات الصليبية، حين نصبت معسكرها على التل المقابل لقرية حطين، مما مكن صلاح الدين من ردم آبار المياه، الواقعة أسفل التل، وإشعال النيران حوله ، بحيث تم حصار الصليبيين وإستسلامهم بسهولة، وفى ظل الإنهيارالمعنوى الذى ألم بالمعسكر الصليبى نتيجة لكارثة حطين، واصل صلاح الدين إنتصاراته، وإستولى على المزيد من أملاك الصليبين حتى إستعاد القدس منهم فى نفس السنة، والذين كانوا قد إستولوا عليها مع حملتهم الأولى سنة 1099م، وهكذا أصبح ذلك البطل الأسطورة.
لكن القصة لم تنتهى عند هذا الحد ، فلم يكن من الممكن أن يقبل العالم الصليبى ، بهذه الهزيمة ، ولذا فقد أرسلت البابوية الكاثوليكية الحملة الصليبية الثالثة، وعلى رأسها ثلاثة من أكبر ملوك أوربا، هم الإمبراطور الألمانى فردريك برباروسا، والملك الفرنسى فيليب أغسطس ، والملك الإنجليزى ريتشارد قلب الأسد، ومرة أخرى يخدم القدر صلاح الدين خدمات غريبة، إذ يغرق الإمبراطور الألمانى أثناء عبوره على رأس جيوشه الكثيفة فى أحد أنهار آسيا الصغرى، ليتشتت جيشه ويعود معظمه إلى أوربا، ثم وبعد فترة قصيرة من وصوله، يمرض فيليب أغسطس، ويعود إلى بلاده مع جزء من جيشه ، ويبقى ريتشارد وحده فى مواجهة صلاح الدين، لتدور بينهما مواجهات ومعارك ، لم يكن من شأنها إلا أن تفضح فى النهاية صلاح الدين وريتشارد ، وكل قصة الحروب الصليبية.
خاض ريتشارد حرب ضروس ضد صلاح الدين، وإستطاع إسترداد كثير من المناطق التى كان صلاح الدين قد إستولى عليها من الصليبيين، وخاصة مدينة عكا، التى إرتكب فيها ريتشارد مذبحة كبيرة لأسرى المسلمين، كما حاول الزحف على القدس لأكثر من مرة، لكنه كان يتراجع بسبب قلة المياه فى الطريق، ولإنه أيضاً كان مشغولاً بمحاولة أخيه جون الإستيلاء على عرش إنجلتراً أثناء غيابه، ولذا فقد إهتدى فى النهاية، إلى فكرة غريبة، طرحها على العادل، أخو صلاح الدين ومندوبه فى المفاوضات معه ، وهى أن يزوج العادل بأخته جوانا ، ملكة صقلية ، لتتحقق بين البيتين مصاهرة سياسية، على العادة الأوربية، وتنتهى الحرب بإقتسام مناطق الشرق المسلم ، بينهما، وكان الأكثر غرابة هو موافقة صلاح الدين والعادل على عرض ريتشارد، بينما رفضته جوانا والبابا والصليبيون، بحجة أنها ملكة مسيحية، ولايجوز لها الزواج بمسلم ، مما حدا بريتشارد أن يدور على هذه المشكلة بمحاولة تزويج العادل ، بدلاً من جوانا، بإبنة أخيه ألينور، ومرة أخرى يوافق صلاح الدين والعادل على الفكرة، بينما يرفضها العالم المسيحى، بحيث لم يمكن تحقيق هذه المصاهرة السياسية الفريدة، وينتهى الأمر بصلح الرملة سنة 1192م ورحيل ريتشارد، ووفاة صلاح الدين بعد ذلك بثلاثة أشهر، تاركاً خلفه سؤالاً كبيراً، عن طبيعة ذلك الجهاد المزعوم، الذى كان يجاهده فى سبيل الله؟
هذه هى إذن قصة صلاح الدين كاملة، والتى يستند إليها الحداثيون فى العالم السنى ، وفى معركة الإنفصال الشرسة التى يخوضونها ضد كل الميراث الإسلامى، على نفاق صلاح الدين وأسرته، وهو ماستثبته الأحداث بالفعل بعد ذلك، حين سيستدعى إبنه الكامل، الإمبراطور الألمانى فردريك الثانى، قائد الحملة الصليبية السادسة، لإستلام القدس سلماً، مقابل الحلف والصداقة، ونصرته فى صراعه مع إخوته على ملك الأيوبيين، الذى أسسه لهم صلاح الدين، القصة التى يتجاهلها المتشددون، فى سعيهم اليائس للتمسك بالماضى الإسلامى البائد، ولايرون فيها سوى بطولات صلاح الدين، محرر القدس، وأمجاده. قصة ذات بعدين ، يناضل كل بعد فيها، للتغلب على البعد الآخر.
ولكن كيف يرى العالم الشيعى قصة صلاح الدين، العالم الشيعى وكتابه غير معنيين بكل ذلك، إن رؤيتهم ذات بعد واحد، وهى أن صلاح الدين مجرم قاتل، إنتزع ملك الشيعة وقدمه هدية إلى السنة، هكذا ليس أقل ولاأكثر، بحيث يمكننا فى النهاية أن نقول، أن الصراع حول صلاح الدين فى صفوف السنة، هو صراع ذو معنى وذو مضمون، يمثل حلقة أساسية من حلقات الإنفصال عن الماضى، بينما هو فى صفوف الشيعة، صراع تافه بلامضمون، يمثل محاولة للإحتفاظ بالثقافة القديمة، بشرط قلبها من وجهها السنى إلى وجهها الشيعى. إنه رمز للصراع الكبير الدائر فى الشرق الأوسط الآن، بين عالم يخوض حرب الإنفصال بشجاعة ، وعالم يحاول بعث عصور الدين من الصفر مرة أخرى؟

أهم المراجع :
1-النوادر السلطانية - إبن شداد- مكتبة الخانجى- القاهرة
2-إتعاظ الحنفاء- المقريزى- وزارة الأوقاف - لجنة إحياء التراث- القاهرة
3-الحروب الصليبية د. محمود سعيد عمران
دار النهضة العربية - بيروت

#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات