أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لماذا هرب الجمل؟














المزيد.....

لماذا هرب الجمل؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5125 - 2016 / 4 / 6 - 16:24
المحور: حقوق الانسان
    


انتفض الرأي العام في مصر من مشهد مخيف غير حضاري حدث الأسبوع الماضي في أحد أكبر شرايين القاهرة، عاصمة مصر، "أم الدنيا"، كما نحب أن نناديها لنتقوّى كلما شعرنا بالضعف وغُصّة من المرارة تجرح حلوقنا. شارع القصر العيني الذي يبدأ من تحت أقدام مستشفى "القصر العيني" الشهير، وينتهي عند ميدان التحرير، قلب مصر وساحة ثوراتها، ونقطة انطلاق حريّاتها. شهدت إحدى ساعات النهار مطاردة عنيفة بين خمسة رجال أشداء يحملون سيوفهم وعصاهم، وبين جمل أعزل يرتعد خوفًا وهو يجري على غير هدى إلى اللامكان. قالت الصحف إن الجمل هرب من نصل الجزار البارد في المجزر القديم “المدبح”. لكن إلى أين الهرب أيها الجمل البائس؟ مقبوضٌ عليك لا محالة، ومقضيٌ عليك لا محالة، وبالطريقة والأسلوب الذي نحدده نحن الجزارون الغلاظ القلب من بني الإنسان دون أن نعبأ بشرائع إلهية ولا أوامر نبوية ولا نصوص مقدسة تقضي باحترام الحيوان والرحمة به. فلنترك الرحمة للرحماء. طارد الجزارون الجمل من حارة إلى شارع، ومن شارع إلى ميدان، ومن ميدان إلى شارع حتى وصل إلى شارع القصر العيني المزدحم أبدًا، فلحقوا به، وتمكّنوا منه، وأعملوا فيه نصالهم ذبحًا ونحرًا ووخزًا على قارعة الطريق، أمام المارة والسابلة وتحت مرأى ومسمع البنايات والمحال ونوافذ البيوت وأسفلت الشارع. فاض الشارع ببركة عظيمة من الدماء المهراقة. أزعجت عيونُ من انزعج، ففر سريعًا ومضى إلى عمله وهو يضرب كفًّا على كفّ دون أن يفكر في اتخاذ إجراء قانوني يواجه الموقف، ولم تزعج عيون من لا ينزعج، فوقف يتفرج وهو يضحك وينثر التعليقات المرحة على من حوله. وانتهى المشهد ببعض المانشيتات الطريفة في الصحف؛ ومرّ الأمر في سلام كما تمرّ كل يوم عشرات الأهوال في مصر، ويطويها النسيان مع صوت أم كلثوم في آخر الليل، وهي تقول: عودت عيني على رؤياك.
لكن السؤال الذي لم يُثر في أي رأس، ولم يُجِب عليه أحد هو: لماذا هرب الجمل؟ ما المشهد المخيف الذي سبق لحظة النحر؛ فأفزعه وجعله يُطلق ساقيه للريح نحو المجهول؟ هل شاهدت عيناه الخائفتان النصالَ وهي تُسنُّ وتُصقل فخفق قلبه بالخوف وهرب؟ وكيف لجمل أعجم أن يعرف أن نصْلَ السكين يذبح ويقتل؟ المفترض ألا يعرف الكائن الأعجم معلومةً تخصّ حياتنا، ما لم يحدث أمامه ما يشرحها. والمفترض ألا يعرف وظائف الأدوات إلا إن شاهدها تُستخدم أمام عينيه مرّة ومرات. هل شاهد الجملُ التعس جِمالا أخرى تُذبح أمام عينيه؟ وهل هذا يتفق مع الشرع الذي يأمرنا بألا نذبحُ ذبيحةَ أمام ذبيحة أخرى لكيلا يملأ الرعبُ قلبها؟ عشرات الفيديوهات تملأ جوانب فيس بوك ودروبه تحكي عن تلك اللحظات الصعبة التي تسبق نحر الذبيحة على أيدي جزارين غير محترفين. وللأسف دائمًا تلك الفيديوهات مختومة بخاتم واحد لا يتغير: “صُنع في مصر". يقول الرسول في الحديث الشريف: “وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح". لكننا قلّما نمتثل لهذا الهدي النبوي النبيل، وقلّما ننفذ تلك البديهة الإنسانية المتحضرة. الحيوان في عيون بعضنا مخلوقٌ لا يشعر ولا يتألم كأنه جماد. أو كأنه "شيء" منحه لنا الله ليس فقط لكي نفيد منه فنركبه لينقلنا من مكان إلى مكان، ويحمل لنا أغراضنا، أو نستخدمه على كل نحو، لكنه مخلوق لكي نعذّبه ونضحك عليه وهو يتألم ونستعذب كل لحظة من لحظات أنينه ووجعه أثناء مفارقة روحه جسده.
متى تعلّمنا هذه القسوة؟ متى غلظت قلوبنا وتحجّرت فما عادت تشفق على المستضعفين من البشر ومن الحيوان؟ هل تراكُم قسوة الحكام وبطش الحكومات علّمنا القساوة على من هم أدنى منّا قوة وبطشًا؟ هل بطش من هو أقوى مني، يُعدّ مبررًا لي لأن أبطش بمن هو أضعف مني؟ في مقال قريب قادم، سأكتب لكم عن "المذبح" في دولة الإمارات العربية المتحدة. سأكتب لكم من خلال زيارة ميدانية أقوم بها بنفسي، لنفرح بهذا الشعب المتحضر الذي نجح في خلق نظام راق وأسلوب نظيف متحضر في التعامل مع الذبائح والحيوانات الداجنة. سأكتب لكم لا لكي نحزن على أنفسنا، حين نقارن بين حالنا وحالهم، إنما لنلمس كيف وصلوا إلى أعلى درجات الترقّي في التعامل مع الذبيحة منذ تجهيزها للنحر وحتى تتحول إلى قطع نظيفة من اللحوم الصالحة للاستهلاك الآدمي. والعُقبى لنا في مصر الطيبة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
- لابد من الموسيقى
- أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي


المزيد.....




- آلاف اليمنيين يتظاهرون دعما للفلسطينيين في غزة
- الأمم المتحدة تحذر: الأسوأ آت بسبب أشد موجة جفاف في إفريقيا ...
- لماذا انتقل عددٌ قليل فقط من طالبي اللجوء إلى إقامات -العمال ...
- الأونروا تكشف عن أكبر خسارة أممية بين موظفيها في غزة
- الأمم المتحدة: الأسوأ آت بسبب أشد موجة جفاف في أفريقيا منذ ق ...
- الإغاثة الطبية الفلسطينية تستنكر تواطؤ المجتمع الدولي مع الا ...
- الكنيست الإسرائيلي يصنف -الاونروا- منظمة ارهابية !!
- اعتقال تسعة متهمين وضبط مخلفات حربية في بغداد
- ليبيا تنفي صلتها بالمعتقلين في جنوب أفريقيا
- حكومة الدبيبة تعلق على اعتقال 95 مواطنا ليبيا في معسكر تدريب ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لماذا هرب الجمل؟