عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1387 - 2005 / 11 / 23 - 09:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الوطنية السورية ارتبطت تاريخياً ، بمفهوم السلطة السائدة، حيث اختصر الوطن والشعب والجغرافيا إلى مفهوم السلطة ، فصارت السلطة هي الوطن والوطن هو السلطة .
السلطة بدورها اختصرت المجتمع والوطن بذاتها ، فصارت الناطقة باسمه والممثلة لمصالحه ، وفي ديمومتها ، ديمومة المجتمع وفي زوالها زواله بالضرورة ، وبنفس السياق الفكري يعتقد البعض أن زوال الليبرالية القديمة سبب زوال الديمقراطية والوطن وبإعادة الليبرالية يعود الوطن والديمقراطية؟!
هذه الإيديولوجية تم تعبئتها بأذهان ووعي الشعب وعلى أرضية القمع والخوف وإعلام مركز على دور الإمبرياليات كوحش كاسر يريد التهام المجتمع والأمة ، فصارت وطنية النظام لصالح المجتمع ووحشية الامبريالية تكمن في محاولة التهامه، فكان على الإنسان كي يكون متوازناً مع ذاته ومع السلطة السياسية أن يقف مع النظام وضد الإمبريالية ويتخلى عن اجتماعيته وحزبه وصراعاته وتناقضات مصالحه مع النظام ، وبذلك ضاعت حقوقه وحرياته وكرامته وأرضه ومستقبله وذاته أيضاً من ذهنه واستبدل إياها بذات السلطة وضرورة تأبيدها ، فكان ما أرادت له وكانت هي مسببة أزماته وتخلفه وطائفيته وغيرها .
فأبدت نفسها عن طريق ذلك الوعي وكذلك القمع وأيضاً بعض الخدمات الاجتماعية " إصلاح زراعي ، تأميم مصانع ، بناء مصانع جديدة ، رواتب ودخل جيد في السبعينيات الخ "..
وكانت المحصلة أن مفهوم الحريات العامة والخاصة والديمقراطية وحرية التنظيم والتعبير والاختلاف عن السلطة ومعارضتها ببرنامج مناقض لها قد أصبحت من المسائل المهددة للوطنية والمتعاملة مع الإمبريالية والخائنة للمجتمع والدولة والسلطة.
في المقابل ظهر لدى بعض فصائل المعارضة ميلاً نحو التخلي عن مفهوم الوطنية لصالح مفهوم الديمقراطية ، بطريقة مقابلة هذه بتلك وكأن الاجتماع بينهما أمر غير ممكن أو أن مفهوم الوطنية ذاته لم من الضرورات الواقعية لأي مجتمع يرغب بالاستقلال ، وللفكاهة نقول حدث توزيع للمهمات فالسلطة لها المهمات الوطنية والمعارضة الديمقراطية والإسلامية ؟! لها المهمات الديمقراطية، فانحشر الشعب بين نيران السلطة ونيران المعارضة..
يعلل الأمر أحياناً عند المعارضة الديمقراطية بأن الوطنية السورية مجردة عن الديمقراطية الليبرالية والآن الديمقراطية الإسلامية كانت الجذر الأساسي المشترك لأي برنامج سياسي للسلطة والمعارضة بآن واحد وعلى حساب الحريات والديمقراطية ، وبعد مسيرة طويلة من الاستبداد لم نصل إلى الوطنية بل وبقيت أراضينا محتلة وبالتالي هذا المقياس القديم للوطنية والذي يؤكد على ضرورة التخلي عن الحريات من أجل الدفاع عن الوطن أو كما يقال بسبب الصراع العربي الصهيوني قد سقط تماماً ، بل يمكن القول بصيغة قانونية أن التخلي عن الحريات والديمقراطية من أجل الوطن يؤدي إلى فقدان الحريات والوطن معاً وهو ما وصلت إليه سوريا ولكن المقياس على صحته في سوريا فهو خاطئ بالنسبة للصين مثلاً وهذا يستدعي التفكير ..
رافق هذا الأمر مقياس آخر ينطلق من أن مفهوم الوطنية ككل مفهوم خاطئ ومن الضرورة التركيز على مقياس جديد للحياة السياسية وللشعب يؤكد على المزيد من الحريات والديمقراطية بحيث يؤدي إلى المزيد من التداخل مع المجتمع الدولي وهذه الحريات التي تساعد على التداخل لا يحدد مجالها ، وهنا المشكلة ، حيث تشمل السياسة والاقتصاد بآن واحد بل و تؤكد على الحريات الاقتصادية وسياسة الخصخصة وتهميش دور الدولة ومنعها من حماية الفئات الأكثر فقراً وإعطاء القطاع الخاص الدور الأساسي في قيادة الاقتصاد والدولة لاحقاً وبما يتوافق مع سياسات البنك والصندوق الدولي والشركات المتعدية الجنسيات .
وبمعنى آخر انفصل لدى بعض أطراف المعارضة مفهوم الديمقراطية عن مفهوم الوطنية لتصير الديمقراطية هي هي السحر والدواء الشافي لكل الأمراض وباعتبارها كذلك فهي هي المهمة المركزية والوحيدة وهي القادرة على اختراق وحل كل المشكلات العامة والخاصة والقومية والأقليات والفقر والغنى الخ ..
هذا الوعي ظهر في " إعلان دمشق" الخاص بجزء من المعارضة السورية وفي وعي المؤيدين لها وهو ما يجعل منها معارضة ثقافية للسلطة الحاكمة ، الجوهري في الموضوع ، هوعزل نفسها عن بقية الفئات الشعبية المغيبة بفعل سياسيات القمع والسيطرة للسلطة وهذه المرة ومن جديد تغيّب عن طريق برنامج المعارضة ، فالتخفيف من المسألة الوطنية السورية وكذلك الطبقات الأكثر فقراً والتي يلعب عليها النظام ويدمج بينها وبين انعدام ضرورة الديمقراطية وبينه ، يجعل المعارضة غير قادرة على الفاعلية السياسية وغير قادرة على الاستقطاب الجماهيري وبالتالي لا يمكن الموافقة على تحديد برنامج المعارضة بصورة متمايزة بصورة مطلقة عن برنامج السلطة بل يمكن للمعارضة أن يكون لها مهمات مركزية تتفق بها مع السلطة وتتجاوزها وتطرحها من زاوية مختلفة ومناقضة لها ،أي أن الوطن والقومية والمستوى المعيشي والنظام السياسي الديمقراطي العلماني والموقف من المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى إعادة السيطرة على المنطقة ومن الدولة الصهيونية هي مواقف ومهمات مركزية لايمكن لأي معارضة أن تكون لها هذه الصفة وتستحوذ على الاستقطاب الجماهيري بدون طرح هذه القضايا ،
نشير أيضاً إلى أن استبدادية النظام ودمجه لمفهوم الوطنية بالسلطة قد ألغى القيم الوطنية والتقدمية والديمقراطية عند عموم الناس واستبدلها عبر السيرورة الزمنية بوعي طائفي ، يربط ذاته بمشروع الطائفة أو العائلة أو العشيرة وهنا الخطورة على مشروع الدولة المستقبلية ..
هذا الوعي الملتبس لمفهوم الوطنية والديمقراطية والقومية والموقف من الخارج يحتاج دون أدنى شك لإعادة نقد وتنظير جديد ، وضرورة اشتراط هذه بتلك ..
ثم أن تحليلنا لرؤية السلطة لعلاقة الديمقراطية بالوطنية لا يلغي القول أن ضعف المعارضة في اللحظة الراهنة على أقل تقدير لا يتعلق باستبدادية النظام فقط بل وبهامشية برنامج المعارضة وخياراتها وترهل مفاهيمها وأفكارها وانزياحاتها الفكرية إلى مواقع الفكر اليومي والسطحي .وبالتالي ضرورة الافتراق عن النظام بمفاهيمه وممارساته لا يفترض بالضرورة عدم تحديد البرنامج الوطني من كل القضايا المطروحة ..
يمكن القول أن مفهوم الوطنية بدون الديمقراطية يؤدي بالفعل وضمن الشرط السوري إلى الاستبداد وغياب الوطنية والمواطنة ويقدم المدخل الفعلي للاستعمار الخارجي ..
والديمقراطية بدون وطنية وضمن الشرط السوري أيضاً تؤدي إلى ديمقراطية الطوائف وسيادة مفاهيم الأكثرية الدينية والأقلية الدينية والمذهبية والفكرية وقد تكون المدخل الفعلي للاستعمار الخارجي ..
البرنامج الفعلي للقوى السياسية المعارضة يفترض ويتمحور حول الديمقراطية بكل مكوناتها السياسية حصراً متضمنةً مفهوم تساوى الأفراد أمام القانون بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس .
وكذلك الدفاع عن السيادة الوطنية ومقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني ومشروع الشرق الأوسط الكبير مع تحديد الهوية الاجتماعية للسوريين بالمسألة القومية ورفض تحديدها بالمسألة الدينية أو المذهبية أو الطائفية .
وبالتالي ضرورة اعتبار سوريا جزء من الأمة العربية وفيها أقليات قومية لا بد من احترام حقوقها الثقافية والوطنية وعلى أرضية مفهوم المواطنة، ونضيف أن ديمقراطية القومية العربية في سوريا متعلقة بديمقراطيتها إزاء مسألة الأقليات القومية .
وبالتالي إذا أردنا مستقبلاً يحقق التنمية والحداثة والخروج من التخلف والفقر وتطوير الاقتصاد صناعياً وزراعياً لصالح المجتمع السوري لا بد من أن يتضمن برنامج المعارضات موقفاً محدداً من القضايا الأساسية كالديمقراطية والوطنية والعلمانية واشتراط إحداها الأخرى ..
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟