منعم وحتي
الحوار المتمدن-العدد: 5124 - 2016 / 4 / 5 - 17:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنا صغارا، حين كنا نتداول بصوت خافت، حكايات، السي بوكرين، أيقونة تهابها كل أعين السلطة، يغيب لمدة طويلة عن أعيننا، و نحن صبية، ليظهر بعد ذلك ببرنوسه الأمازيغي الأنيق، و قامته الفارعة، لنعلم أنه خرج لتوه من زنزانة نفس الأعين التي تتحسس مشيته عن بعد، ذهابا و إيابا من أمام منزلنا.
و نحن نكبر، و المعلم يلقننا الدروس الأولى، في هندسة الفعل السياسي، و أصول الثورة الفرنسية، والفكر الاشتراكي، و عصب الصراع، لكن ليست وحدها.
بل علمنا أيضا جغرافية المغرب، منابع الأنهار و مسار اختراقها الدقيق للمدن و القرى، فجاج الجبال و قممها، بمسمياتها القديمة و المستحدثة.
علمنا قراءة الخرائط و إحداثيات خطوط الطول و العرض، علمنا تاريخ قبائل المغرب مرورا بالشاوية، الأطلس و الريف، تنوع الصحراء و الشرق.
علمنا فن الخطابة، كان تلقائيا و مقنعا جدا، إلى درجة أنك تحس أن دواخله من تتكلم، بفيض حب الأرض و الإنسان.
علمنا أن نكون كتلة من المشاعر الفياضة، حين تغرورق عيناه، وقد وصل إلى علمه أن أحد رفاقه القدامى، أصحاب العمائم التي ضحت سنوات الرصاص، قد سقط صريع فراش المرض، و تعتمل ذاكرته بمرويات بطولات حقيقية، فتتقد محكياته بدقائق تفاصيل الأحداث كأنها وقعت البارحة.
علمنا كيف نحب الأرض، وأن الذي يفرط في أرضه، كمن يفرط في شرفه، و هو يدرس لنا حقائق تاريخ الحدود الشرقية و الجنوبية، و دسائس الداخل و الخارج و الحاكم.
علمنا كيف نمتلك جرأة أن نقف كالنخل أمام العواصف، و أن لا ننحني لأي كان حين نكون في صف الجماهير، و أن نكون مستعدين لأداء ضرائب خياراتنا الصائبة، مهما كلف الأمر، و هو من رفض بالمطلق أن يتقاضى تعويضا عن تضحياته.
علمنا، أن نحب الفرح و الحياة، و هو يغني لنا مرويات أمازيغية، بصوت شجي يختلج بآمال و أحلام القبائل و أنفتها، عزتها و عنفوانها.
5 أبريل الذكرى السادسة لرحيل المناضل و الرمز، المعلم بوكرين محمد، غادرنا الجسد، لكن لن تغادرنا دروسه و أفكاره، فالبوصلة لا تسقط أبدا.
منعم وحتي / المغرب.
#منعم_وحتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟