نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 5122 - 2016 / 4 / 3 - 13:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تومان يعزف في بيتنا
نعيم عبد مهلهل
كان جارنا الطيب طالب لوتي من امهر سواق شاحنات الحمل ، وكانت اخته المرحومة ( نورية ) ام هناء من امهر الطاشوشات في منطقتنا ، واغلب اصدقائهم من سُمر البصرة ، لهذا كانت الكثير من العوائل البصرية تأتي الى بيتهم ضيوفا .
ذات يوم قرر طالب لوتي ان يتزوج ، ولأن زوج هناء ابنة اخيه وأسمه ( رزاق ) كان راقصا في الفرقة البصرية ، فقد اتى معه الكثير من عازفي الفرقة لاحياء حفل زواج طالب وسط الشارع ، ومن بين من اتوا في هذا الحفل ( تومان البصري ) الشهير من خلال عزفه بالناي بواسطة انفه وليس فمه.
كنت صبيا حين انتبهت الى تومان ومرحه الراقص وضحكته الفطرية وهو يهز عجيزته بمهارة راقص افريقي.
كانت امي مريضة ولم يكن بمقدورها أن تنهض وتذهب الى نورية لتباركها على زواج اخيها ، وعندما علمت بمرض امي وكانت بيتهم مجاور بيتنا ،ارسلت تومان ليعزف لأمي لحنا يبعد عنها هَم المرض.
لم تتعود امي ان ترى بشرا يعزف امامها الموسيقى ويتراقص مثل لاعب سيرك ، فغطت رأسها بعباءتها خجلا .
مرة سنوات طويلة على تلك الحادثة ، حين كنت اسير بشوارع العشار وكانت خاوية من البشر بسبب القذائف الايرانية يوم احتدمت معارك الشلامجة وبحيرة الاسماك.
نزلت من وحدتي العسكرية لابحث عن حمام شعبي يخلصني من تراب الخنادق الشقية واوحال ارض البحيرة ، فوجدتها جميعها مغلقة ، والعشار عبارة عن نهار صمت بدون بشر واسواق وبائعي بهارات.
سكنتني كآبة ، وعرجت في العودة الى وحدتي ، وحين كنت امشي في اسواق حنا الشيخ المغلقة ، تناها الى مسامعي صوت ناي يعزف بعذوبة ، اتجهت صوبه ، لأجد تومان ذاته يجلس وحيدا في زاوية قرب باب كبير لقاعة سينما مغلقة ويعزف معزوفة تتحدث بأسى روحه عن هذا الحزن والخراب الذي تخلفه الحرب.
نظرت اليه بمرح وقلت له :تومان ذات يوم عزفت لامي لتشفيها من الزكام ؟
قال : هاي وين ؟
قلت : في الناصرية .
ضحك وقال : لازم انتم اقارب طالب لوتي .
قلت : كلا ، كانوا جيراننا.
دوسلدورف 3 نيسان 2016
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟