أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - كُن مرآةً ولا تكن عكازًا














المزيد.....


كُن مرآةً ولا تكن عكازًا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5122 - 2016 / 4 / 3 - 08:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل العقيدةُ هدفٌ أم وسيلة؟ في عُرفي الخاص، الدينُ وسيلةٌ للترقّي وبناء منظومة الأخلاق. فالُله غنّيٌّ عن عبادتنا أجمعين، إنما يريد منّا الصلاح والرحمة والجدّ والصدق والنظافة والسموّ والتحضر وإعمال العقل، فجاءت الشرائعُ لبناء كل ما سبق. دون ما سبق لا قيمة لطقوس دينية نؤديها بأجسادنا لأن الله غنيٌّ عنّا وعن طقوسنا. ذاك هو الدرسُ الذي تعلّمته مبكرًا وسَيّر حياتي كلَّها منذ طفولتي وصباي وحتى اليوم، وسأظلُّ أؤمن به مهما كلفني من مشاكل جمّة وسوء فهم حادّ بيني وبين المتعصبين في كل مِلّة ودين وعقيدة ومعتقد. لهذا أحبُّ كثيرًا الحديث الشريف: “مَن لم تَنْهه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر، فلا صلاةَ له"، رغم رفض ابن تيمية له بزعم ضعف سنده! والفواحشُ، في ميزاني الخاص، تبدأ من القسوة على نبتة صغيرة وليس من نحر عنق إنسان. وربما يكون ذاك الدرسُ الصعبُ هو السبب في دخولي السجن لأنني أشفقتُ يومًا على حيوان يُعذَّب قبل نحره ولا يعرف كيف ينطق ليطالب بالرحمة من القُساة حين يقدمونه قربانًا للسماء. والسماءُ غنيّةٌ عن قرابينَ نقدمها بغلاظة قلب. الدرسُ تعلّمته من أبي المتصوّف وكذلك من حوار دار بين عالم لاهوت مسيحيّ برازيليّ، "ليوناردو بوف"، وبين "دلاي لاما" الحالي، رقم 14، تنزين جياتسو، الراهب البوذي والقائد الدينيّ الأعلى لبوذية التِّبت، ورأس حكومة المنفى بالهند، منذ احتلال الصين للتبت عام 1959، وبالأساس كان أحد رهبان جماعة القبّعات الصُّفر. من مواليد 1935، وتم تنصيبه عام 1950. وهنا، لن أفعل أكثر من ترجمة الحوار كما قرأتُه بالإنجليزية، وفقط. ذاك إن في قراءته، وحسب، وتأمُّل دلالاته، تكمن الفكرة التي أودُّ طرحها، ويكمن الدرس الذي أرى فيه منجاةً للبشرية كلّها.
يقول بوف: "في نقاش مائدة مستديرة جمعت بيني وبين دلاي لاما، حول العقيدة والحرية، سألتُ لاما، في شيء من المكر وكذلك في اهتمام حقيقيّ:
’يا قداستك، أيُّ العقائدِ الأفضلُ؟‘
وظننتُ أنه سيقول: ’بوذية التِّبت‘، أو ’الديانات الشرقية التي هي أقدم كثيرًا من المسيحية‘. على إن الدلاي لاما صمتَ قليلا، ثم ابتسم، ونظر إليّ في عيني مباشرة، وهو ما أدهشني لأنني كنت أعلمُ أن المكر مخبأ في سؤالي. ثم قال:
’العقيدةُ الأفضلُ هي تلك التي تجعلك أقربَ إلى الله. هي تلك التي تجعلك شخصًا أفضلَ.‘
ولكي أخرج من حرجي، الذي سببته تلك الإجابةُ الحكيمة، سألُته:
’وما هي تلك العقيدة التي تجعلك أفضل؟‘ فأجاب:
’تلك التي تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، أكثرَ جمالاً. العقيدةُ التي تفعل معك كل هذا تكون هي الأفضل.‘
كنتُ صامتًا، مأخوذًا بأعجوبة تلك الإجابة وحكمتها التي لا تُدحَض. وأكمل لاما:
’لستُ مهتمًّا يا صديقي بعقيدتك، أو إذا ما كنتَ متديّنًا أم لا. الذي يعنيني حقًّا هو سلوكك أمام نفسك، أمام نظرائك، أمام أسرتك، أمام مجتمعك، وأمام العالم. تذكّر أن الكونَ هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا. وأن قانونَ الفعل وردّ الفعل ليس يخصُّ، وفقط، عالم الفيزياء. بل هو أيضًا قانونٌ يحكم علاقاتنا الإنسانية. إذا ما امتثلتُ للخير سأحصدُ الخيرَ، وإذا ما امتثلتُ للشرّ لن أحصد إلا شرًّا. ما علّمنا إياه أجدادُنا هو الحقيقةُ الصافية: سوف تجني دائمًا ما تتمناه للآخرين. فالسعادةُ ليست شيئًا يخصُّ القدر والقسمة والنصيب، بل هي اختيارٌ وقرار.‘
وفي الأخير قال دلاي لاما:
"انتبه جيدًّا لأفكارك، لأنها سوف تتحول إلى كلمات. وانتبه إلى كلماتك، لأنها سوف تتحول إلى أفعال. وانتبه إلى أفعالك لأنها سوف تتحول إلى عادات. وانتبه إلى عاداتك لأنها سوف تكوّن شخصيتك، وانتبه جيدًّا إلى شخصيتك لأنها سوف تصنع قدرك، وقدرُك سوف يصنع حياتك كلّها."

انتهى الحوارُ الراقي بين الرجلين، وأقول فيه إن المزايدة الإيمانية تدل على فقر عنيف في الإيمان. ناقصُ الإيمان يُكمل نواقصَه من إيمان الآخر. المقدساتُ أعلى شأنًا وأجلّ من أن تُزدرى أو تُهان. ارحموا أنفسكم وكفّوا عن محاكمة الناس والتفتيش داخل ضمائرهم. العقائد قوية وصامدة ليس بالسيف والتصيّد والسجن وقضايا التكفير، إنما بديمومة تحضرها وتحضّر معتنقيها ونظافة أرواحهم. كونوا سفراء جيدين لعقائدكم تضمنون بقاءها، بدلا من أن تحملوا سيوفًا تذودون بها عن مقدساتكم كأنها هزيلة تحتاج إلى من يسندها. لا تكونوا عكازات لعقائدكم، بل كونوا مرايا طيبة تعكس نصاعة إيمانكم وطهارة عقائدكم وسموّ أفكاركم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب


المزيد.....




- تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
- شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل- ...
- أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
- مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس.. ...
- ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير ...
- المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من ...
- ترامب سيرحل الأجانب المناهضين لليهود
- الكنيست يصدق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح لليهود بتس ...
- عاجل| يديعوت أحرونوت: الكنيست يصدق بقراءة تمهيدية على مشروع ...
- اللجوء.. هل تراجع الحزب الديمقراطي المسيحي عن رفضه حزب البدي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - كُن مرآةً ولا تكن عكازًا