أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - انوار طاهر - فلسفة التعددية ونظرية البلاغة الجديدة















المزيد.....



فلسفة التعددية ونظرية البلاغة الجديدة


انوار طاهر
باحثة


الحوار المتمدن-العدد: 5121 - 2016 / 4 / 2 - 17:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فلسفة التعددية ونظرية البلاغة الجديدة*

بقلم: شاييم بيرلمان
ترجمة: أنوار طاهر**

أصبح من المتعارف عليه اليوم، أن اغلب المفاهيم الفلسفية تتضمن على خصائص من الخلط الاصطلاحي وعدم الدقة في التحديد والتعريف، ويبدو أن هذا ما يمكن أن ينطبق تماما على مفهوم التعددية’’pluralisme’’ وعلى نقيضه أيضا أي مفهوم الأحادية ’’monisme’’. وذلك يعود في احد أهم أسبابه إلى اختلاف سياقات الحقول المعرفية التي يجري فيها تطبيق تلك المفاهيم، والذي يؤدي بالضرورة إلى إحداث تغيير جذري في معاني تلك المفاهيم ونطاق فاعليتها.

فبينما تكشف الخبرة في مفهوم الحس المشترك sens commun عن ظواهر الوجود اليومي المتكثرة والمتباينة، نجد أن صاحب القصائد العظيمة واحد رواد المدرسة الايلية الفيلسوف اليوناني بارمنيدس (512-450 ق.م) الذي تشكلت معه جينالوجيا تاريخ الميتافيزيقا الغربية التقليدية قد عارض مفهوم كثرة المظاهر بمفهوم الوجود réalité Ê-;-tre/ essence / الثابت والجوهر المطلق الأبدي والنظامي المتناسق والمتطابق مع ما هو ضروري في العقل وليس عرضي. لهذا السبب، تُعرّف فلسفة بارمنيدس بوصفها فلسفة أحادية أنطولوجيةmonisme ontologique في استبعادها أي ظاهرة يزعم بوجودها الرأي العام opinion commune، بوصفها ظاهرة لا يمكن لها أن تكون سوى مظهرا نسبيا للجوهر الثابت للأشياء.

من هنا، تمثل النزعة التوحيدية monothéisme احد أشكال الأحادية، وذلك يتضح من خلال استنادها على فكرة وجود إله واحد حقيقي وجوهري في الكون وهو الخالق لكل الموجودات في العالم. واستبعادها صور التعددية الإلوهية في الديانات القديمة لكونها ليست إلا أوثان. وقد تبلورت تلك النزعة في المفهوم الفلسفي لفكرة الإله الواحد في العصور الوسطى واعتباره الإله الكامل، وأنموذجا للعقل الإنساني والضامن الوحيد لكل حقيقة في العالم. ولم تعد تمثل المعارف الإنسانية سوى انعكاس باهت وغير كامل للمعرفة الإلهية حسب رأي الفيلسوف وعالم اللاهوت المسيحي القديس أوغسطين (354-430 ق.م). نتيجة لذلك، ظلّ المثال الحقيقي بالنسبة للعلماء ولعدة قرون، يتمثل في ضرورة العثور على الحقائق vérités التي لا يدركها سوى العقل الإلهي منذ الأزل.

كان لهذه الفكرة حول الإله الواحد الذي يمتلك الحل الصائب والسليم لجميع المشاكل الإنسانية المتعلقة بقواعد الأخلاق morale وبأي مسألة من المسائل المرتبطة بتوجيه السلوك الإنساني، كان لها الأثر الكبير في نشأة الأحادية القيّمية monisme axiologique التي تتأسس على فكرة أن كل صراع قيّمي يتضمن على طريقة واحدة يمكن بواسطتها القضاء على الاختلاف في الرأي، وتتمثل في اختزال جميع أشكال القيّم وتنوعاتها اللامتناهية إلى مفهوم أحادي يحمل كل دلالات الكمال والإطلاق في الصواب والنفع. وبذلك، سوف لن تكون جميع الظواهر والقيّم المختلفة والمتعددة سوى مظاهر متنوعة لجوهر أساسي ينبغي علينا أن نسعى إليه لغرض إكساب القيّم شكلا أحادي المعنى والاستعمال وذلك من خلال سيطرة أشكال تراتبية ومسستمةhiérarchiser et systématiser . من هذا المنظور، جرى الوصول إلى استنتاج مفاده أن سبب وقوع جميع الصراعات الإنسانية إنما يعود إلى رفض الإنسان الانقياد لأحكام ألتوجيه والإرشاد العقلاني الأحادي، وانصياعه لتأثير الخيالimagination والأهواء passions والمصالح الشخصيةintérêts. وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (1632-1677) -الذي تمثل فلسفته أنموذجا أساسيا متكاملا في الفلسفة الأحادية- في مؤلفه علم الأخلاق L’Ethique (الكتاب الرابع، الفرضية السادسة والتسعون)، في تحديده أن الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي يقوده العقل وحده، وأن مفهوم الحرية متطابق مع العقل تماما، لذلك كل ما ينصح العقل به إنسان بعينه هو ينطبق بالضرورة إذن على جميع الناس (الكتاب الرابع، الفرضية السابعة والعشرون). نتيجة لهذا، لا يمكن للناس الأحرار إلا أن يكونوا متفقين فيما بينهم.

ومن جهة أخرى، عادة ما توضع مفاهيم الأحادية الانطولوجية أو الأحادية القيّمية جنبا إلى جنب مع مفهوم الأحادية المنهجية monisme méthodologique والذي يؤكد على ضرورة استعمال المنهج ألبرهاني باعتباره المنهج الرياضي الوحيد الذي ينبغي إتباعه لغرض الوصول إلى الحقيقة في جميع الحقول المعرفية. لنتوفر على اليقين ذاته الذي نتوفر عليه في المعرفة الرياضية.

أما آخر أشكال الأحادية التي أود الإشارة إليها فهي الأحادية السوسيولوجية monisme sociologique التي تجعل من منظور رؤيتها لعلاقة الفرد مع إله واحد، مثالا يتأسس عليه في دراسة علاقة الفرد مع المجتمع. فعلى سبيل المثال، يعتبر عالم السوسيولوجيا الفرنسي الفيلسوف إميل دوركهايم (1858-1917) أن القواعد règles الأخلاقية التي يفرضها الضمير الفردي هي ليست أوامر إلهية وإنما أحكام قيّمية مفروضة من قبل الضمير الجماعي conscience collective الذي يمثل تعبيرا عن المجتمع حيث يعيش الفرد. وفي ضوء هذا الرأي، تكون الدولة L’Etat هي الأمة nation التي تكتسب تنظيما سياسيا وتشريعيا؛ وترسخ لدى جميع أفرادها مجمل القيّم valeurs المعترف بها والممارسات الإلزامية وذلك من خلال تحديد ما هو مسموح منها وما هو ممنوع وما ينبغي أن يكون، ويجري تحقيق ذلك بواسطة التقليد والتربية.

وتتسم النزعة الأحادية بخاصية القدرة على إنتاج مفهوم نسقي وعقلاني لمظاهر الكون المختلفة في شتى الحقول المعرفية، وعلى تحديد وتشريع حل واحد بعينه لجميع الصراعات الإنسانية، الذي سيؤدي لا محالة إلى القضاء على أشكال المعارضة والاختلاف في الرأي. مما صعَّد بالضرورة من خطاب الأيديولوجيات الأحادية idéologies monistes الذي يعزز من النزعة الاختزالية réductionnisme المتعصبة والمتطرفة في كثير من الأحيان. فعندما تخفق في بسط نفوذ المبادئ التي تدافع عنها، تلجأ على الفور إلى تبرير تلك المبادئ بأسم الرب؛ العقل؛ الحقيقة، مصلحة الدولة أو الحزب، وفرضها بواسطة استعمال أدوات القسر والقوة والبطش بالمعارضين لها. أضف إلى إنزال اشد أنواع العقاب بحق كل فرد مناهض لتلك المبادئ المركزية ورافض للانصياع لها رغم جميع أشكال الممارسات اليومية من التلقين والتثبيت والترسيخ لها، بحجة المعارضة للنظام والإرادة الباطلة. وهذا ما حصل خلال الحروب الدينية الدموية التي عاشتها أوروبا في القرن السادس عشر، وانتهت بأجراء تسوية سياسية بين الأطراف المتصارعة تقوم على الاعتراف بحق كل أمير حاكم في أن يحدد ويفرض في آن واحد الدين الرسمي لرعاياه، فالناس على دين أمرائهم كما تقول العبارة اللاتينية (cujus regio ejus religio). ليعمّ السلام فيما بعد ولتسود بعض من حالة التسامح الديني.

من هنا، استطاعت المجتمعات الإنسانية أن تبلغ مرحلة من التقدم الديمقراطي في النضال من اجل مبادئ حقوق الإنسان وحرية الفكر والتعبير والدفاع عن الحريات الدينية والسياسية. وقد دفعت مجمل تلك التحولات الخطابية بالمفكرين لا سيما في القرن العشرين إلى معارضة الفلسفات الأحادية بخطاب فلسفي يتسم بطابع فكري تعددي إبداعي. فتاريخ معاناة المجتمعات الأوروبية الطويل تحت ماكينة رعب الأنظمة الشموليةtotalitarismes اليمينية منها واليسارية، وممارسات القهر والإساءة الناتجة عن اجتماع الأيديولوجيات الأحادية مع وسائل القسر والعنف لغرض فرضها بالقوة، كانت من أهم الأسباب التي أدت بالفلاسفة والمفكرين إلى تطوير نظريات بأكملها حول مبادئ وأشكال الأنظمة الديمقراطية مثلت فيما بعد مقدمة أولى في مشروع التأسيس لمختلف الأيديولوجيات التعددية المقبلة، علاوة على جعلهم الفرد المادي الواقعي المحسوس نقطة الانطلاق في جميع أبحاثهم وتحقيقاتهم العلمية والفلسفية.

ومن بين أبرز تلك الفلسفات والأكثر إثارة هي "فلسفة القيّم والمعايير الأخلاقية التعددية" التي وضعها أستاذي الفيلسوف البلجيكي وعالم السوسيولوجيا والأخلاق اويغن دوبريل Eugène Dupréel (1879-1967) وعرض لتطبيقاتها المتعلقة منها بالمشاكل السياسية والاقتصادية في كتاب صغير ظهر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بيوم واحد تحت عنوان: التعددية السوسيولوجية Le Pluralisme Sociologique(1). فبدلا من معارضة الفرد مع المجتمع وكأنهما كيانين مستقلين ومنفصلين الواحد عن الآخر، شيَّد دوبريل مفهومه في علم السوسيولوجيا العامة sociologie générale على أساس الفكرة القائلة بالرابطة الاجتماعية rapport social ((التي تحصل بين فردين اثنين في اللحظة التي يكون فيها وجود أو نشاط الواحد منهما مؤثر في سلوك أو في طبيعة الاستعدادات السايكولوجية للآخر، والتي ينتج عنها -وبشكل متوافق مع المعيار الاجتماعي العام normal- حالة من التأثير المتماثل influence réciproque سواء كان ممكن الحدوث/ بالفعل actuelle أم لا زال في الإمكان/بالقوة virtuelle))(2).

إن قابلية التأثير في الآخرين والتي تعد خاصية من خواص الرابطة الاجتماعية، عادة ما تخدم الغاية المرجوة من ممارسات القسر أو الإقناع persuasion أو تبادل المنافع. والفرد الذي يمتلك مثل تلك القدرة على التصرف بطريقة يؤثر بواسطتها على سلوك الآخرين ومشاعرهم من خلال اعتماده على تلك الممارسات مجتمعة أو على واحدة منها، لابد وأن يكون متوفرا بالضرورة على قوة دعم اجتماعية force sociale قابلة للتحول والتبدل على الدوام وفقا لسياقات الروابط الاجتماعية المتغيرة. وتتسم هذه الروابط بكونها ذات طبيعة شديدة التباين والتحول. فإذا توفرت شروط الاتفاق والتوافق وروح التعاون، تتشكل روابط اجتماعية ايجابية وفاعلة. وتكون نافية وسلبية حينما تتأسس على روح العداء والنزاع والمنافسة. ففي الوقت الذي تعزز فيه كل رابطة اجتماعية ايجابية بطريقة ما أو بأخرى قوة الدعم الاجتماعية لبقية الروابط الأخرى، تشكل الرابطة السلبية العامل ألتدميري الذي يحرف تلك القوة عن مسارها. لكن، على الرغم مما تحمله تلك الروابط الاجتماعية من علامات التعارض، إلا انه في إمكانها التعايش معا، تماما كما هو حاصل في المنافسات الرياضية بين الأندية المشتركة في الاتحادات الرياضية الوطنية والدولية. إذ أنه من الممكن أن تتداخل رابطتين اجتماعيتين تداخلا متفاعلا، عندما يتألف كل منهما على عنصر مشترك يجمع بينهما. وفي هذه الحالة، ستشكل الواحدة من هاتين الرابطتين شرطا مكملا وضامنا لدوام فاعلية ممارسات الرابطة الأخرى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، الجهاز التشريعي/القاضي له سلطة على الجهاز التنفيذي/الشرطي من شأنها أن تؤثر كذلك على المتهم، بعبارة أخرى، أن الرابطة الأولى هنا تكون شرطا ضامنا لفاعلية الأخرى(3).

مع مفهوم الرابطة الاجتماعية الضامنة rapport social complémentaire استطاع دوبريل أن يحدد تعريف مفهوم أساسي آخر وهو الفئة الاجتماعية groupe social. حيث رأى إنها تعرّف بوصفها مجتمع مصغر يتألف على عدد من الأفراد المتحدين فيما بينهم والمتميزين عن الأفراد الآخرين بعدد من الروابط الاجتماعية الضامنة والايجابية(4). تتوزع هذه الفئات الاجتماعية بين عائلية؛ مهنية؛ رياضية؛ قومية أو دينية... الخ، وتتباين الروابط الاجتماعية بينها بمقدار تشابه طبيعة الفئات أو اختلافها. فمن المعروف أن الفئات المتطابقة الهوية تكون منعزلة الواحدة منها عن الأخرى، ومنغلقة على أفرادها ولا تسمح بدخول عضو غريب ينتمي إلى فئة اجتماعية مختلفة. بينما تكون هذه الأخيرة منفتحة على ثقافات الفئات الأخرى رغم حالة اللاتجانس والاختلاف الذي سيكون احد البواعث الداعية إلى ممارسة ثقافة التكافل والتعايش السلمي. وهنا تأتي أهمية مفهوم التعددية السوسيولوجية pluralisme sociologique الناتجة عن الواقع التواصلي التفاعلي الذي يتيح لجميع الأفراد بإمكانية الانتماء إلى فئات اجتماعية متعارضة من جهة ومتكافلة ومتعاونة من جهة أخرى، والتمتع في الوقت نفسه بكافة حقوقهم في الحرية والاستقلالية. فما يميز الحياة الروحية الإنسانية من ثراء إنما يعود في جزء كبير منه إلى الطريقة والكيفية التي اعتاد الفرد على نهجها خلال ممارساته الثقافية اليومية في الحياة الاجتماعية ومع مختلف الفئات الاجتماعية المتعايشة وفقا لمبادئ الحرية والمسؤولية والمتضامنة بإخلاص بين بعضها البعض.

من هنا، يمكن القول أن مفهوم التعددية السوسيولوجية ساهم وبشكل كبير في التأسيس لقراءات جديدة ومغايرة لمفاهيم مركزية في علم القيّم والمعايير الأخلاقية؛ والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالفرد كمفاهيم الحرية والمسؤولية. فنحن نعلم أن الإنسان ومنذ ولادته، يشق وهو طفل صغير رحلة في التربية والتلقين من قبل العائلة، ونراه يقلد بصورة عفوية سلوكيات من يحيط به من أفراد أسرته. لحين وصوله إلى مرحلة تعلم مجمل السلوكيات المتلائمة مع العادات habitudes والقواعد règles الخاصة بالفئة التي ينتمي لها، بواسطة ممارسات الأمر بهذا الفعل والنهي عن الآخر، ليصل الفرد إلى مرحلة يتمكن فيها من التمييز بين السلوكيات المقبولة والمسموح به من المرفوضة والممنوعة. يظهر من ذلك أن هناك منظومات قيّمية عديدة ومختلفة تؤثر على الأفراد والفئات الاجتماعية بشكل كبير إلى الدرجة التي يمكننا القول فيها انه كلما كان المجتمع متجانسا ومنعزلا عن التأثيرات الخارجية، كلما كان مجتمعا متطابقا conformiste وتقليديا traditionaliste للغاية. في حين كلما اتجه المجتمع نحو ثقافة التنوع واحترام حق الفرد في الاندماج ضمن تعددية الفئات الاجتماعية المتعايشة مع بعضها البعض، كلما أنتج ذلك بالضرورة صراعات ناجمة عن وجود ما قد يبدو للفرد من حالة تعارض بين قواعد المنظومة القيّمية التي ينتمي لها وبين قواعد منظومات الفئات الأخرى التي يسعى للانضمام إليها في آن واحد. وخير ما يعبر عن ذلك، هو مثال الفرد الذي ينتمي إلى فئة دينية وفئة قومية في الوقت نفسه -هذا النوع من الخلط بين الانتماءات لم يعد موجودا إلى حد ما مع صدور التشريعات والقوانين المدنية في البلدان المتقدمة- فماذا ينبغي عليه أن يفعل إذا صدر قرار على المستوى القومي بوجوب الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، في حين أن الفئة الدينية التي ينتمي لها توصي بتحريم القتل بل وبحمل السلاح أيضا في أحيان أخرى؟ فأمام هذين الأمرين المتناقضين، ينبغي عليه الاختيار بين تطبيق الأمر الأول والتصرف كمواطن صالح ليكون بذلك مخالفا لوصايا وتعاليم طائفته الدينية، والعكس صحيح. وعادة ما يقع الفرد فريسة لمثل هكذا صراع، وهو ما يفسر لنا سبب وقوع ما يسمى بحالة "احتجاج الوعي" l’objecteur de conscience خلال الحرب العالمية الثانية، وهي تشير إلى رفض الفرد أداء الخدمة العسكرية لكونه يعتبرها مخالفة للتعاليم الدينية والأخلاقية. فبدلا من أن يتطابق الفرد مع أوامر هذه الفئة أو لتلك من التي ينتمي لها، نجده يحاول أن يتخذ موقفا مختلفا بشأنها، يسعى فيه إلى عقد مقارنة بين قواعد تلك الفئات ليتمكن من الوصول إلى حكم أخلاقي فيها بالاستناد إلى وجهات نظر تبتكر قيمة جديدة تسمو وتتجاوز على القواعد المعيارية convenances لمختلف الانتماءات الفئوية.

بهذه الطريقة، يجري تشكيل وتفعيل نماذج كلية idéaux universalistes مختلفة تماما، تؤسس لمنظومة قيّمية أخلاقية وذهنية وجمالية يستند عليها المجتمع المنفتح société ouverte حسب اصطلاح الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون (1859-1941). ومع هكذا نظام مجتمع - وعلى النقيض من المجتمع المنغلق société close- لا يمكن تحديد أو تصنيف الفرد وفق انتماءاته الفئوية، والتقليل من فاعليته وقدراته الذاتية على التغيير والمشاركة في الحياة الاجتماعية. لان الفرد في المجتمع المنفتح صار مبدعا للقيّم وعنصرا فاعلا ومساهما في عملية تغيير القوانين وإصدار تشريعات جديدة، وأمسى أكثر صلابة وقوة وثقة بإمكانياته الذاتية. وتعتبر هذه التحولات الهامة التي وصل إليها الوعي الفردي على مستوى الحرية والاستقلالية احد انجازات التعددية السوسيولوجية التي عملت على تحرير الفرد من قيود الانتماءات الفئوية الهوياتية المتطابقة. ومن ثمة، ليصبح في إمكانه، كما في حالة انتيجون في الميثولوجيا اليونانية، أن يثور ضد نظام سلطة l’autorité يراه غير مقبول. كما يمكن أن يصبح الفرد في وضع حرج للغاية نتيجة لما يبذله من جهود لغرض القضاء على حالة التعارض وعدم الانسجام بين المنظومات القيّمية التي ينتمي إليها من اجل الحد من النزاعات التي يمكن أن تحدث بين الفئات الاجتماعية المتعايشة بسلام(5).

فكما تتأسس الحياة الاجتماعية على قاعدة الجهود الفردية في سبيل المساهمة الفاعلة والتعاون المشترك، فهي تتألف أيضا على مجموعة من الصراعات بين الأفراد والفئات التي تسعى إلى السيطرة وإخضاع الخصم بل وفي أحيان أخرى إلى إبادته. وتاريخ الإنسانية حافل بالعديد من الحقب الزمنية الطويلة التي سادت فيها الفوضى والعنف، إلى أن وصل المجتمع الإنساني إلى المرحلة التي تمكن فيها من إعداد وتطوير مؤسسة استثنائية في التنظيم السياسي والتشريعي ألا وهي الدولة l’É-;-tat التي ستتحول فيما بعد إلى مؤسسة تحتكر وسائل استعمال القوة داخل حدود أراضيها، وينبغي على جميع الأفراد التسليم بمبدأ الدفاع عن حقوقهم بقوة السلاح لرفع المظالم وتحقيق العدالة. ومنذ نهاية العصور الوسطى، بدأت إرهاصات عملية تحول هائلة في التشريعات الدستورية والقانونية لتحديد نظام عمل المؤسسات الأمنية في الدولة ordre juridique étatique شملت المحاكم وجهاز الشرطة والجيش، وشكلت فيما بعد احد أهم الركائز الأساسية في بناء النظام الدولي للأمن العام l’ordre public international.
وفقا للمفهوم ألتعددي لا يمكن للدولة الفئوية/الأحادية أداء دورها بفاعلية تامة بوصفها الحافظ للنظام والحاكم حكما عادلا دون تمييز بين الأفراد والفئات الاجتماعية المختلفة والمتعايشة بتناغم وانسجام على أراضيها. وحتى عندما عزز المفهوم الليبرالي للدولة من دورها كمؤسسة تعمل على حفظ الأمن والنظام مؤكدا على عدم قدرة الأفراد والفئات على انجاز المسؤوليات المناطة بهم على وجه أكمل، لم تنجح الدولة المحتكِرة للقوة الأمنية والعسكرية في ألحفاظ على امن مواطنيها، طالما كانت دولة تعبر عن انتماء فئوي هوياتي محدد وتراعي مراعاة مطلقة مصالح هذه الجماعة وتطلعاتها دون أن تأخذ بعين الاعتبار باقي الفئات الاجتماعية الأخرى. وبالطبع، حينما تتبنى هذه الدولة/الفئة المتنفّذة معتقدا دينيا أو أيديولوجيا معينة، وتمسك بزمام السلطة الاقتصادية، فستأخذ بالتحول تدريجيا إلى فئة استبدادية/شمولية totalitaire لا تسمح بوجود فئات مستقلة عنها أو بأفراد معارضين لنظامها؛ وتُلزم أفرادها بالاعتراف بأشكال الحقائق المفروضة عليهم والمسموح بتداولها بينهم وكذلك بصور المثل العليا التي ينبغي عليهم الخضوع لها، والتي يقع في مقدمتها صور تمجيد وتأليه شخصية زعيم/قائد الدولة chef –إن لم يكن مقارنة شخصه بالصفات الربانية في حفظ العالم ورعايته والعلم بالغيب– واعتبار كل ما يصدر عنه من الأفعال والكلام معصوم من الخطأ تماما.

ومن البديهي أن تتلازم مع هذا الشكل من أشكال الأحادية الذي يجعل من زعيم الدولة المصدر الوحيد الضامن لشرعية الحقيقة وجميع القيّم، شروط قمع الحريات وازدراء تام لحقوق الإنسان، إضافة إلى اضطهاد لكل الفئات الاجتماعية التي تسعى نحو تحقيق وجود مستقل عن إرادة الزعيم/الدولة. إذ ينبغي أن تكون جميع الطموحات والتطلعات الإنسانية سواء كانت قومية أم دينية؛ علمية أم فنية واقتصادية أم رياضية في خدمة إرادة الدولة المركزية pouvoir central وما عداها يستحيل أن يكون موضع ترحيب بل ولا يستحق الدعم أو التشجيع. بعبارة أخرى، ستتحول جميعها إلى أدوات خاضعة لمبدأ قيّمي أحادي جوهري la valeur primordiale يشتغل في خدمة معيار المعايير الأوحد والمطلق في تسيير جميع أمور الدولة الشمولية l’É-;-tat totalitaire. ويجري تحديد وتشريع آلية تطبيق وتنفيذ هذا المعيار من قبل النخبة الاستبدادية الحاكمة ووكلائها في السلطة الذين يتفرعون منها. من هنا، يمكن القول أن النزعة الأحادية في تشكيل القيّم تمثل المرتكز الأساسي في عملية دعم وتثبيت الترسانة الأيديولوجية l’arsenal idéologique للسلطة المركزية في الدولة الشمولية. وهذا ما يستلزم ضبط ومراقبة آليات عمل وسائل التواصل، نتيجة لذلك غالبا ما تكون الدولة محتكِرة لجميع تلك الوسائل من اجل أن تتمكن من التحكم المطلق بقوة الدعم الاجتماعية force sociale التي جئنا على تحليل مفهومها في أعلاه. وبالطبع، وفق مثل هذا النظام سيجري اعتبار أي شكل من أشكال المعارضة بوصفه ثورة ضد الحكم، ومن ثمة، لا يكون أمامها غير اللجوء إلى القوة المنظمة داخل الدولة أو خارجها.

وعلى النقيض من الدولة الأحادية l’É-;-tat moniste، تتأسس الدولة التعددية l’É-;-tat pluraliste على مبدأ احترام الحريات وحقوق الأفراد والفئات المختلفة التي قد تتعاون أو تتعارض في كثير من الأحيان. وتعترف بأن سياسياتها هذه تنطوي على كثير من النتائج السلبية وقد ينجم عنها حالات من الفوضى والاضطراب، لكنها تؤكد على أن دور الدولة لا يكون في قمع الحريات وإنما في السعي من اجل تعديل نسبة التجاوزات الفردية التي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر البالغ بالآخرين. نتيجة لذلك، ترفض الدولة التعددية رفضا قاطعا فكرة النظام الكامل ordre parfait والتأسيس له بواسطة معيار واحد، لأنها تعترف بوجود تعددي لمنظومات قيّمية غير متوافقة يحتاج بالضرورة إلى إجراء حوار متواصل لمقاربة وجهات النظر المتعارضة لغرض الوصول إلى تسوية مناسبة ومعقولة raisonnable. وتمثل مظاهر/شروط الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الديمقراطي خاصة المتعلقة منها بحريات الفكر والصحافة؛ وتشكيل الجمعيات والانتساب إليها، شكلا معروفا من أشكال التعددية السوسيولوجية. ومن الطبيعي للغاية أن تقود كل واحدة من هذه الحريات إلى نوع من الإساءة أو الانتهاك لحريات وحقوق الآخرين. وهنا تأتي أهمية دور السلطة التشريعية législateur ومحاكم العدل tribunaux وفلسفة القانون jurisprudence في إرساء وحفظ دعائم الاستقرار السريعة الزوال بين مختلف دعاوى الحقوق المشروعة، حيث سيكون الأمر متعلقا برجل القانون الذي يقوم بالبحث في كل حالة من حالات الدعاوى المطروحة للنقاش والمداولة القانونية للعثور على حل مقبول ومناسب ومعقول ومنصف في آن واحد، لكونه يسعى إلى تحقيق نوع من التوازن والاستقرار(6). إلا إنه من غير الممكن تماما التعبير عن تلك الحلول بواسطة لغة الحساب الرياضية القابلة للقياس، لأن الجهاز ألمفاهيمي المعتمد في علم القانون هو نتاج مقارنات تاريخية بين عناصر غير متوافقة لمسائل تتعلق بحقوق الأفراد والفئات الاجتماعية؛ آليات عمل المؤسسات؛ المصلحة العامة؛ المساواة والمنفعة الاجتماعية؛ الدفاع عن حقوق أصحاب الدخل المحدود والمعوزين والمسنين والمرضى. فكلما كان النظام القانوني للدولة ملتزم تجاه هذه القضايا واضعا في الاعتبار الآثار المترتبة على الصراع الراهن بين احترام الموروث التقليدي والمخاوف المتزايدة تجاه الابتكارات العلمية الجديدة والتقدم الاجتماعي والتكنولوجي، كلما اكتسب قاعدة من الثقة الاجتماعية المستندة في الأصل على ما قد يبدو صحيحا ومناسبا لسياقهم الخاص وليس على ما هو قطعي وجازم وغير تاريخي بالضرورة.

وبهذه الطريقة، لا يمكن لمفهوم التعددية أن يتسع لقواعد دقيقة قابلة للقياس وذلك لأنها قواعد تفترض عملية اختزال لظواهر قيّمية ولتهميش أخرى غيرها لحساب قيّم محددة وذلك بهدف التخلص من عنصر اللاتجانس وفرض حالة من النسقية والتطابق القسرية. بل هو مفهوم يقوم على مبدأ احترام مظاهر التنوع الثقافي والذي يفترض عملية البحث المستمر عن حلول جديدة ملائمة للقضايا الإنسانية التي يتعرض أدق وابسط مكون من مكوناتها التاريخية إلى التبدل بين سياق وآخر، إلى الدرجة التي يقتضي فيها أن يكون رجل القانون على درجة عالية من الانتباه والعناية والحساسية تجاه مختلف التحولات القيّمية والظروف المؤثرة على الحالة موضوع البحث والدراسة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يقوم قاضي السلطة التقديرية pouvoir d’appréciation بوظيفته المتمثلة في استخراج القاعدة القانونية الواجبة التطبيق والتنفيذ من اجل حل النزاع في الدعوى المعروضة عليه، ينبغي عليه أن يحكم فيها ليس بالاستناد إلى رؤيته الذاتية، وإنما من خلال محاولته في أن يعكس رؤية مشتركة تجمع بين رؤية النخبة المستنيرة من المجتمع الذي يعيش فيه وبين الآراء والتقاليد القانونية المسيطِرة في مكان عمله. في الواقع، إن القاضي الذي يعتبر مسؤولا عن الفصل في مثل هكذا نوع من الدعاوى، ينبغي عليه أن يسعى حثيثا من اجل الوصول إلى أحكام قضائية تكون مقبولة لكل من: المحاكم العليا؛ والرأي العام المستنير –خاصة عندما يتعلق الأمر بالأحكام الصادرة عن محكمة النقض Cour de cassation – وكذلك من قبل السلطة التشريعية التي من المؤكد أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة على الفور عندما تبدو بالنسبة إليها قرارات المحكمة العليا Cour suprême غير مقبولة(7).

لاحظ أن توافق الأحكام القضائية الصادرة عن السلطة التقديرية مع أنظمة كل من: السلطة التشريعيةpouvoir judiciaire والسلطة التنفيذية pouvoir exécutif أيضا، الذي قد يعني أن لدى هذه السلطة المختصة الحق في الاختيار بين سلسلة هرمية من السلطات القانونية. لا ينفي بالضرورة أن هناك ثمة حدود قانونية ينبغي على السلطة التقديرية أن لا تتجاوزها، ففي كل مرة تبدو أحكامها الصادرة غير معقولة déraisonnable وغير مناسبة، يجري اعتبارها بمثابة إساءة استعمال للسلطة لا يمكن التسامح معها أو السكوت عنها. وفي هذا الصدد، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن التقييمات المتعلقة بما هو معقول raisonnable وغير معقول في مرحلة زمنية من مراحل تطور مجتمع معين، لا يمكن أن تكون كذلك في مجتمع آخر أو في حقبة تاريخية أخرى. ولنأخذ على سبيل المثال، الحكم الصادر عن محكمة النقض البلجيكية في رفض الدعوى المرفوعة في 11 من نوفمبر لعام 1889للمطالبة بالسماح للمرأة في مزاولة مهنة المحاماة. حيث قامت برفع هذه الدعوى امرأة بلجيكية كانت قد استوفت جميع الشروط المنصوص عليها في القانون، والتي تؤهلها للمطالبة بحقها في الانتساب كعضو في نقابة المحامين، واستندت في ذلك على أن المادة رقم 6 من الدستور البلجيكي تؤكد على مساواة جميع المواطنين البلجيك أمام القانون، ومشيرة إلى عدم وجود نص قانوني يحظر بشكل واضح وصريح عمل المحاماة على المرأة. وتجاه مثل هذه القضية الأولى من نوعها في تاريخ بلجيكا، ردت محكمة النقض بالقول: ((إن لم تأتِ أحكام السلطة التشريعية على الإعلان بشكل صريح عن عدم توفر المرأة على شروط الأهليّة القانونية الكافية لممارسة مهنة المحاماة، فذلك لأنها كانت ترى في ذلك بديهية axiome واضحة إلى درجة كبيرة وكافية لجعلها تكتفي بالإعلان عن أن مهنة القانون مخصصة للرجل فحسب)). فإذا جرى النظر إلى هذا القول الفصل على أنه بديهيا لما يقرب قرن من الزمن، أصبح من غير المعقول ومثير للسخرية أيضا النظر إليه كذلك حتى اليوم. لهذا، وجب الانتظار حتى يوم 7 من ابريل عام 1922 حيث نجحت فيه السلطة التشريعية البلجيكية من استبعاد جميع الأسباب الواردة في الحكم الصادر في عام 1889 والسماح للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة(8).

من هنا، يمكننا القول أن نظام القانون بوصفه تعبير عن الإرادة الوطنية الموحدة، يمثل إذن عملا جماعيا مشتركا يتأسس على مجمل الأعراف والعادات والتقاليد والمبادئ العامة والمتطورة على مر العصور، والتي من الممكن أن تكون موضع إعادة قراءة وتأويل وصياغة قانونية تختلف باختلاف الأنظمة التي تتشكل من خلالها. وغالبا ما يكون هذا الصرح القانوني من نتاج الهيئة التشريعية، وينبغي أن تعمل الأنظمة الديمقراطية على ضمان تطبيق هذا النظام من قبل مجموعة من القضاة الأكفاء والمستقلين عن السلطة التنفيذية، على أن تتوفر هيئة الدفاع عن الدعاوى القانونية أمام هيئة القضاء على محامين أكفاء إلى حد كبير وذلك من اجل الوصول إلى حالة من التوافق بين الطرفين في تقديم تفسير معقول للقواعد القانونية وتطبيق الحكم القانوني الملائم، كل حسب وقائع الدعوى المعروضة عليهم. لهذا، يجري في معظم الأحيان تخصيص محكمة خاصة للقضايا الهامة تكون مؤلفة من عدة قضاة بدل قاض واحد، إضافة إلى هيئة عامة من المحلفين. لأنه في مثل هذا النوع من القضايا المعقدة قد يحصل الكثير من حالات النقض والاستئناف بطريقة تستلزم من القاضي مراجعة وفحص وتدقيق الحكم القانوني لمرات عديدة قبل اكتسابه السلطة الشرعية الكافية لإصداره وتنفيذه.

بالطبع أننا لا يمكن أن نجد مثل هذا الحشد الكبير من الإجراءات والمراجعات والتدابير الاحتياطية في العلوم الرياضية والطبيعية. وذلك يعود إلى ما تتميز به مناهج الاستنباط المعتمدة في علوم القانون من خاصية التعددية التي تتجاوز في العادة منهج الملاحظة البسيطة أو العمليات الحسابية المعروفة. علما أن مفهوم التعددية كما يظهر في علوم السياسة والقانون وعلم القيّم والمعايير الأخلاقية لا ينفصل إطلاقا عن مفهوم التعددية المنهجية pluralisme méthodologique الذي يتوافق مع تعددية طبيعة موضوعات تلك العلوم. وقد أشار الفيلسوف اليوناني أرسطو (384-322 ق.م) إلى ذلك في فقرة مشهورة من كتابه "علم الأخلاق إلى نيقوماخوس" l’É-;-thique à Nicomaque : ((ينبغي علينا أن لا نفترض الدقة أو الصرامة نفسها في جميع أنواع الاستنباط، ليس بأكثر مما نفترضه في جميع الأشياء المصنوعة يدويا ... وسيكون من العبث أيضا التصديق باستنباط احتمالي من قبل عالم الرياضيات ومطالبة الخطيب العام بتقديم البراهين... فالنجار وعالم الهندسة مثلا يبحثان عن الزاوية القائمة ولكن ليس بالطريقة نفسها : فالأول يسعى للعثور على الزاوية التي تكون قائمة بالقدر الذي ينتفع منه في عمله، أما الثاني فهو يبحث عن الجوهر أو الخاصية المحددة التي نميز بواسطتها الزاوية القائمة، وذلك لأنه عالم متأمل في تحديد ما هو صادق ومتطابق مع الحقيقة)) (الكتاب الأول،b1094).

من هنا، جاء تأكيد أرسطو مؤسس المنطق الشكلاني logique formelle على مسألة في غاية الأهمية وهي أنه إلى جانب وجود الاستنباط التحليلي الذي يقوم على تقنيات الاستدلال ألبرهاني المستعملة في إثبات صدق أو خطأ القضايا في العلوم الرياضية، ينبغي علينا الاعتراف أيضا بوجود الاستنباط الديالكتيكي الذي يقوم على تقنيات الخطاب ألحجاجي ألإقناعي المستعملة في مختلف أشكال الحوار والجدال وفي جميع القضايا العملية المتعلقة بعلوم الأخلاق والسياسة والتي نسعى فيها إلى إقناع المخاطَب. وقد قام أرسطو بدراسة وفحص هذه الأشكال من الاستنباط في كتابه الشهير "البلاغة"، وافتخر بكونه أول من عرض لتقنيات الجدال في كتابه "الطوبيقا" Topiques.

في الواقع، إن الأسباب التي نقدمها لصالح أو ضد القضية المطروحة للجدال خاصة عندما يتعلق الأمر بالنقاش أو التحاور وبالتقييم أو الحكم؛ بالاختيار أو اتخاذ قرار معين، لا يمكن أن تتألف من أدلة برهانية تستند إلى مقدمات صادقة لتنتهي إلى نتائج صادقة بالضرورة، وإنما تتألف من مجموعة من الحجج التي تتسم في كونها تتوفر على درجات متفاوتة من عوامل القوة والتناسب والتثبت المنطقي العقلاني كل حسب سياقه. وهذا يعود في احد أهم أسبابه إلى أن هذه الحجج لا تهدف إلى البرهنة على حقيقة قضية منطقية، بل إلى إقناع مخاطَب بعينه أو جمهور من المخاطَبين ورفع نسب تأييدهم إلى القضية موضوع النقاش وتحقيق اتفاق عام. وبالطبع، ما قد يبدو حجة مقنعة بالنسبة لأحد من ذلك الجمهور l’auditoire، قد لا يكون كذلك بالنسبة لغيره من المخاطَبين. نتيجة لذلك، ينبغي أن يتوفر الخطاب discours على التقنيات ألحجاجية الإقناعية البلاغية التي تتوجه بالسؤال في المقام الأول ليس إلى حقيقة الحجج العقلانية وإنما إلى السبب في تأييد مخاطب بعينه لتلك الحجج، وذلك لأن الخطاب ألحجاجي، كما ذكرنا سابقا، لا يبحث عن الحقيقة وإنما يسعى نحو إحداث تغيير في القناعات العامة المطلقة نحو الكثير من القضايا، والذي يعقبه بالضرورة تحول قيّمي/لغوي/لساني وثقافي. عند ذلك الحين، يمكن أن يكون ذلك الخطاب خطابا متوافقا ومتكيفا مع جمهور المخاطَبين. أما إذا حصل العكس، ولم يلتزم الخطيب/المتكلم L’orateur بهذه القاعدة الأساسية فانه سيقترف بذلك الخطأ الأكثر فداحة في الحجاج argumentation -وليس في المنطق الشكلاني كما هو متآلف عليه خطأ- والمتمثل في مصادرة ما هو مصادق عليه مبدئيا pétition de principe(9).

وعلى النقيض من الخطاب ألحجاجي البلاغي يقع خطاب الفلاسفة الأحادي الذي يسعى على الدوام إلى الحدّ من التعددية في الآراء العامة المختلفة بواسطة فرض انموذج وحدة l’unicité الحقيقة. ومن اجل تحقيق هذه الغاية المنشودة، كان ينبغي عليهم ابتكار مصدر متعال يتمثل في العقل الإلهي الذي أصبح هو الضامن لمعايير الدقة والصدق لتلك الحقيقة. أما العقل الإنساني فلا يمكن له أن يمثل سوى انعكاس بسيط له. ولا تقتصر إمكانية العقل الإلهي الثابت والأبدي على تمييز مبدأ الوضوح في ذاته l’évidence لبعض من القضايا فحسب، بل وعلى منحها على الدوام خاصية الصدق المطلق والمفروض الاعتراف بصلاحيته اللامتناهية على كل إنسان عاقل. وهكذا اعتبر الفلاسفة العقلانيون rationalistes أمثال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) والفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا أن مناهج علوم الهندسة الرياضية التي تستند على الحدس والبرهان intuition et démonstration، هي المناهج التي تصلح في أن تكون بمثابة الأنموذج في حل جميع المشاكل الإنسانية، فالقواعد الصالحة valables في العلوم الرياضية صالحة كذلك في جميع المجالات. لكن من اجل العثور على الحل المناسب في جميع الحالات، ينبغي قبل كل شيء تطهير العقل من كافة أشكال الانفعالات والأهواء والمشاعر والخيال والمصالح الشخصية ومن جميع الأحكام المسبقة التي عادة ما تحول دون إمكانية التفلسف عند الإنسان.

وكما نعلم، أن الوصول إلى مثل تلك الغاية الفلسفية والمتمثلة في فرض تداول مجموعة من الحقائق العقلانية المحددة والمطلقة، يتطلب من الإنسان أن يطهر عقله وعلى حد سواء من الاعتقادات اليقينية الشخصية والمعتقدات الدينية والانفصال عن مؤثرات التاريخ والتقاليد والثقافة واستبعادها جميعا بوصفها أحكام مسبقة أيضا تعيق العقل الإنساني عن التواصل مع/وعبر تلك الحقائق المفروضة. وحسب هذا التصور، سنكون في العالم اليوتوبي l’utopie للمجتمع الكوني/الكلي société universelle المؤسس على مفهوم العقل raison /المثال idéalاحد أهم الشعارات التي رفعتها الثورة الفرنسية. لكن نحن ندرك جيدا في الوقت نفسه، أن هذا المثال في الإخاء الكوني/الكلي fraternité universelle كان مقدمة لكل الحروب الثورية والحروب النابليونية –نسبة إلى حاكم فرنسا وقائدها العسكري نابليون بونابرت–. بل وكان من بين الأعمال الإنسانية التي عملت وبشكل كبير على تثبيت وترسيخ تلك الروح العقلانية الغربية. ألم يصبح من المعروف اليوم أن نظام القانون المدني لنابليون Code Napoléon لم يكن سوى تجسيد للايديولوجيا البرجوازية منذ مطلع القرن التاسع عشر.

وعلى النقيض من خطاب الفلسفة الأحادية، سنشهد مع خطاب الفلسفة التعددية philosophie pluraliste تحولا جذريا في المنظومة الأحادية لمفاهيم رئيسية كمفاهيم الحقيقة والعقل والعقلانية. وهذا ما سيتضح أكثر مع فكرة الحقيقة بوصفها معيار norme للرأي العام، فسوف لن يعود في الإمكان لها أن تؤدي هذا الدور إلا وفق الشروط التي تحددها تقنيات المراقبة والفحص لآليات طرق استعمالها وتداولها بالشكل الفعّال الذي لا يسمح إطلاقا بفرض أيديولوجيات حتمية لا يرقى إليها الشك تحت مسمى الحقيقة المطلقة. أما فيما يخص مفهوم العقل، فسوف لن يكون في الإمكان تمييزه بصفات الأبدية والثبات المشتركة بين البشرية جمعاء، وعزله عن الصفات والقدرات الإنسانية الأخرى فضلا عن التاريخ. وإنما سيحدد بوصفه المثال لما هو كلي والابتكار الخاص بالفلسفة الغربية أيضا. أما الدعوة الخاصة بالتقليد الفلسفي منذ العصر اليوناني القديم حول تأسيس نظام عقلاني يستند على تقنيات الخطاب ألحجاجي الاقناعي في الحوار والنقاش، فينبغي قراءتها على أنها دعوة إلى إعادة الاعتبار إلى المخاطَب العام الذي لطالما جرى تهميشه واستبعاده تحت ذريعة تصنيفات تراتبية وهرمية حكمت عليه أن لا يرقى إلى أن يكون عضوا من أعضاء الجمهور الكوني/الكلي auditoire universel أي إلى انموذج المخاطَب النخبوي المثالي. ولطالما تلازمت هذه الغاية المستحيلة التحقق عند الفلاسفة والمتمثلة في التوصل بهذا الأنموذج من الجمهور المثالي auditoire idéal إلى مرحلة التثبت العقلاني والمنطقي convaincre المتكامل، تلازما وثيقا مع شرط التخلي عن تقنيات الإقناع persuasion والحجج التي لا يتمكن بدونها حتى الخطيب نفسه الذي يبحث عن تحقيق ذلك التثبت العقلاني والمنطقي بواسطة خطابه وكتاباته، من كسب تأييد مثل ذلك النوع من المخاطَب/الجمهور. ومع العقلانية الكلاسيكية لاسيما النظام الفلسفي العقلاني للفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (1724-1804)، كانت المناشدة الدائمة للاحتكام إلى العقل في القضايا التي تدعو إلى الجدال تعني -حسب رأي كانت- الخضوع إلى الأحكام المفروضة على الفعل الأخلاقي وكذلك إلى التطابق مع مقولة الواجب المطلق l’impératif catégorique التي تلجأ إلى استعمال الحجج المعترف بصلاحيتها بشكل قطعي وكلي. غير أننا مع نظام التعددية الفلسفية pluralisme philosophique سنشهد عملية تحرر لمفهوم العقل من قيود العقلانية الكلاسيكية التي كانت تحبسه ضمن دائرة تقنيات الاستدلال المستعملة من قبل علماء الرياضيات، حيث سيكون لكل فيلسوف الحرية في اختيار الطريقة التي يقوم بواسطتها بتشكيل وتطوير تصوره المثالي الخاص عن العقلانية idéal de rationalité والمتوافق مع سياقات ما هو مقبول لدى الجمهور الكوني/الكلي(10). شرط أن تخضع هذه الفكرة أو هذا المثال العقلاني وباستمرار لمعيار التجربة من خلال آليات الحوار.

وفي الوقت الذي نلاحظ فيه أن تمركز خطاب النزعة العقلانية الأحادية rationalisme moniste حول مبدأ الوضوح في ذاته نجم عنه استبعاد وإقصاء كل مخاطب لا يشترك مع الآخرين بنفس المبادئ الأولى الواضحة في ذاتها، ومن ثمة، إلى الانتقال ألقسري والحتمي المباشر من مقدمة "تأييد مخاطَب بعينه" إلى نتيجة "تعميم هذا التأييد على المخاطَبين الآخرين". نجد على العكس من ذلك أن الخطاب ألحجاجي الاقناعي لا يمكن أن يكون خطابا قسريا، والفيلسوف الذي يتبنى الخطاب ألتعددي يعترف بالضرورة أن أشكال الحجاج المتعددة والمختلفة قادرة على التوافق والتكيف مع كافة المفاهيم المتغيرة والمتحولة عند الجمهور الكوني/الكلي. وبدلا من محاولة فرض الزعم القائل بوجود حقيقة أبدية، سيكتفي الفيلسوف ألتعددي philosophe pluraliste بعرض رؤيته حول الإنسان والمجتمع والعالم الذي يبدو بالنسبة إليه معقول بما يكفي كي يكون قادرا بواسطة خطابه ألحجاجي الاقناعي من الاستمرار في سعيه نحو تحقيق تأييد المخاطَبين وذلك النوع من الجمهور الكوني/الكلي. هذا المسعى ليس سوى محاولة غير كاملة لكنها قابلة للتطوير على الدوام من خلال الآراء العامة وتطلعات المجتمع حيث يعيش الفيلسوف، وبالمقدار الذي يعتقد فيه بأنها قابلة لأن تكون نماذج كلية متطورة باستمرار بواسطة وسائل الحوار والجدال(11).

أن نحاول إبقاء باب الحوار مفتوحا على الدوام، وتعزيز مفهوم المجتمع المفتوح على إمكانية مشاركة الجميع فيه وأن لا يكون مقتصرا على فئة بعينها. فهذا بالضبط ما تحاول التعددية الفلسفية أن تعمل على التأسيس له في مجتمع تُراعى فيه حقوق الإنسان(12). وذلك لأن التعددية الفلسفية تنطلق من الإنسان المادي الملموس والملتزم تجاه علاقاته مع مختلف الفئات الاجتماعية المتعددة الاتجاهات والانتماءات. وترفض رفضا قاطعا منح أي فرد أو جماعة وتحت أي مسمى ذلك الامتياز في تحديد معيار استثنائي l’unique critère لما هو صالح ولما هو مناسب. هذا الامتياز الذي لم ينجم عنه سوى قمع الحريات الفردية والتضييق على الفئات الاجتماعية المختلفة، لم يجلب لنا بالضرورة سوى المغالاة والتطرف والنزعة الشمولية totalitarisme. من هنا، تدعونا التعددية الفلسفية إلى البحث عن أكثر الحلول معقولية وملائمة وصلابة أمام جميع النزاعات المتكررة بصورة حتمية. وعندما يمثل هذا الحل علامة لما هو معقول raisonnable فسوف لن تدعي التعددية الفلسفية بذلك أبدا أنه يشكل الحل الكامل والفريد من نوعه والنهائي، وإنما ما تسعى إليه هو عرض حلول إنسانية مقبولة -قابلة للإصلاح وللتطوير على حد سواء- للمشاكل المتجددة بطريقة تدعو على الدوام إلى طرح سؤال إمكانية التعايش السلمي بين الفئات الاجتماعية المختلفة التي تفضل تحقيق تسوية عادلة على الخضوع لحالة من القسر المفروض دون رحمة أو هوادة تحت مسمى الولاء لقيمة استثنائية valeur unique مهما كانت درجة أهميتها وتفوقها المطلق على جميع القيّم الأخرى.


مسرد المصطلحات (للمترجمة):

- اويغن دوبريل Eugène Dupréel (1879-1967): فيلسوف وسوسيولوجي وعالم في الأخلاق، يعد من كبار الفلاسفة البلجيكيين في النصف الأول من القرن العشرين ومن الذين اثروا تأثيرا كبيرا على تلميذه الفيلسوف شاييم بيرلمان. ومن أهم المؤسسين لمدرسة بروكسل المعروفة على صعيد الفلسفة وعلم القانون وفي التعددية المنهجية والتداخل بين العلوم. يعتبر أول من أعاد الاعتبار إلى الفكر الفلسفي السفسطائي الذي لطالما جرى نقده وإقصاءه وتهميشه وذلك من خلال مؤلفيه المعروفين: الأول La Légende socratique et les sources de Platon لعام 1922؛ والثاني Les Sophistes. Protagoras, Gorgias, Prodicus, Hippias لعام 1948.وكان للفكر السفسطائي تأثيرا واضحا على أطروحاته الراديكالية حول فلسفته التعددية التي تقع على النقيض من النزعة الأحادية بكافة صورها وأشكالها.
- الأحادية monisme تعود إلى الكلمة اليونانية monos وتعني أحادي أو وحيد unique et seul. وتطلق على كل نظام فلسفي يختزل جميع الأشياء الموجودة ويرجعها إلى مبدأ واحد، سواء كان إلى نفس المادة أو إلى القانون المنطقي أو الفيزيقي الذي تعمل تحت تأثير منه أو إلى معيار أخلاقي واحد.
- التعددية pluralisme تعود إلى الكلمة اليونانية pluralis وتعني الكثرة والتعدد plusieurs et multipl. وتطلق على كل منهج فلسفي يعترف بصور التعددية وأشكالها المختلفة بدء من المفاهيم والمقولات والأسلوبيات اللغوية حتى المعايير الأخلاقية والممارسات الاجتماعية والآراء العامة.
- الحس المشترك sens commun يطلق على مجمل الأفكار والمعارف الاجتماعية المتداولة بين أفراد المجتمع الإنساني، وهي تشمل القيّم والمعايير الأخلاقية والعادات والتقاليد والرموز التي تؤسس لشكل من التواصل بين الأفراد ونمط من العلاقات الإنسانية وكذلك لرؤيتهم وتأويلهم الخاص بواقعهم التاريخي. ويعد مفهوم الحس المشترك من المفاهيم الأساسية التي اعتمدها دوبريل في تأسيس فلسفته التعددية السوسيولوجية؛ والأمر نفسه ينطبق أيضا على الفيلسوف بيرلمان الذي استعان بهذا المفهوم في إعادة قراءة وتأويل فلسفة القيّم والأخلاق في نظرية البلاغة الجديدة.

للتوسع حول مفاهيم الأحادية والتعددية والحس المشترك، يُنظر على التتابع:
MICHEL BLAY (sous la -dir-ection de), Grand Dictionnaire de la Philosophie, Larousse/ CNRS éditions, 2003, pp. 685-688, p. 825, pp.955
ANDRÉ-;- LALANDE : Vocabulaire Technique et Critique de la Philosophie, Presses Universitaire de France, 16e édition, 1926, pp. 648-650, p.783, pp.970-973

وفيما يخص جينالوجيا تطور مفهوم الحس المشترك، يُنظر:
BARBARA CASSIN (sous la -dir-ection de), Vocabulaire Européen Des Philosophies, éditions du Seuil/ Dictionnaires Le Robert, France, 2004, pp.1152-1153

هوامش المؤلف:

* افتتحت المجلة الدولية للفلسفة بهذا المقال عددها الذي خُصص حول مؤسس البلاغة الجديدة الفيلسوف وعالم القانون البلجيكي شاييم بيرلمان (1912-1984) بمناسبة انضمامه كعضو فخري ضمن هيئة أساتذة الشرف في جامعة بروكسل الحرة.
Chaïm Perelman : La Philosophie du Pluralisme et la Nouvelle Rhétorique, un article dans la Revue Internationale de Philosophie, La Nouvelle Rhétorique, The New Rhetoric, Essais en hommage à Chaïm Perelman, Bruxelles-Belgique, 33e années, N. 127-128, 1979, pp. 5-17
وهذا المقال هو في الأصل محاضرة ألقاها بيرلمان باللغة الانجليزية في جامعة ماكغيل في مدينة مونتريال
Texte original d’une leçon, faite en anglais, le 1er novembre 1977 à l’Université McGill, à Montréal

(1) E. Dupréel : Le Pluralisme Sociologique, Office de Publicité, Bruxelles, 1945, 80 pages.
(2) E. Dupréel, Sociologie générale, Presses Universitaires de France, Paris, 1948, p. 5.
(3) للمزيد حول جميع ما ورد أعلاه، يُنظر:
ibid., pp. 10 à 19

(4) Ibid., p. 20
(5) للتوسع حول العرض التحليلي المعمق للفيلسوف دوبريل عن هذا الموضوع، ينظر:
E. Dupréel, Traité de Morale, É-;-ditions de l’Université de Bruxelles, 1967², vol. II, p. 398-440.

(6) أن ذلك العرض للدولة التعددية l’É-;-tat pluralisteكما هو للدولة الأحادية والشمولية l’É-;-tat moniste et totalitaire، لا يؤسس إلا "لنماذج مثالية" types idéaux حسب المعنى الوارد عند عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864-1920) حيث لا يكون الواقع إلا انعكاسا غير كاملا imparfaite لصور الكمال الخاصة بتلك النماذج.

(7) Cf. Ch. Perelman, Logique juridique, Dalloz, Paris, 1976, § 75.
(8) Cf. Ch. Perelman, Le problème des lacunes en droit, essai de synthèse, in Le problème des lacunes en droit, Bruylant, Bruxelles, 1968, pp. 547-548.
(9) حول مبدأ مصادرة ما هو مصادق عليه مبدئيا، وللتوسع حول القراءة التحليلية التي قدمها بيرلمان لهذا الموضوع الإشكالي، يُنظر:
Ch. Perelman et L. Olbrechts-Tyteca, Traité de l’argumentation. La nouvelle rhétorique (1958), É-;-ditions de l’Université de Bruxelles, Bruxelles, 19763, § 28.
(10) حول فكرة الجمهور الكوني/الكلي، يُنظر:
Ch. Perelman et L. Olbrechts-Tyteca, Ibid., §§ 6 à 9.
(11) يُنظر:
Ch. Perelman, Philosophie, rhétorique, lieux communs, in Bulletin de la Classe des Lettres et des Sciences morales et politiques de l’Académie Royale de Belgique, 1972, pp. 144-156.
(12) يُنظر مقالي:
mon essai « peut-on fonder les droits de l’homme ? », in Droit, morale et philosophie, Librairie générale de Droit et de Jurisprudence, Paris, 1976², pp. 67 à 74.


** باحثة ومترجمة من العراق- مختصة في حقل الدراسات الفلسفية والحجاجية.



#انوار_طاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في كينونة الوجود السيزيفي للمرأة
- فلسفة الحب: من التمركز الوضعي الى جدلية المنهج والنظرية والب ...
- نحو نظرية فلسفية في الحجاج
- فلسفة اللسانيات في الخطاب المادي
- إشكالية لسانيات الفلسفة في الخطاب المادي
- الفلسفة والبلاغة بين المنطق والجدل
- فلسفة الحجاج القانوني بين شمولية السلطة وعنف الأيديولوجيا
- الفلسفة والبلاغة من المنطق الى الجدل


المزيد.....




- سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع ...
- مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ ...
- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - انوار طاهر - فلسفة التعددية ونظرية البلاغة الجديدة