الوعي التاريخي, هل هو الحلقة المفقودة في تفكير الإنسان العربي؟

محمد احمد الهاشمي

الحوار المتمدن-العدد: 1386 - 2005 / 11 / 22 - 10:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لعل المتتبع لطريقة تعاطي نظم الحكم العربية مع الأزمة السورية يكتشف دون كبير عناء قصر ذاكرة العرب. غير أن قصر الذاكرة هدا ليس هو المرض الذي يعاني منه العرب بل هو مجرد عرض من أعراض خلل بنيوي عميق تعاني منه البنية الذهنية للإنسان العربي وهو خلل ناتج عن لا تاريخية تفكير هذا الأخير مما ينتج في نهاية الأمر نمطا من التفكير يدخل في علاقة متوترة مع الواقع وغير متساوقة مع الزمن وعليه، لن يكون من الصعب الجزم بأن تفكير الإنسان العربي سواء في شقه النخبوي أو الجماهيري لم يتمكن بعد من استيعاب الوعي التاريخي الخلدوني حتى في أبعاده الأكثر وضوحا وبساطة والمتعلق باستخلاص العبر من التاريخ.
يؤكد ابن خلدون في الصفحات الأولى لمقدمته أن إحدى أهم فضائل علم التاريخ يتجلى في فائدة الإقتداء وحسن النظر والتثبت اللذان يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به من المزلات و المغالط.
لماذا لا ينجح العرب في تحصيل هذه الفضائل التي تكفل النجاة من المزلات والمغالط؟ لماذا يصر الإنسان العربي على إعادة إنتاج نفس الأخطاء. بل لماذا يصر العربي على أن يلدغ من جحر واحد مرات ومرات؟
تحاول هذه الورقة تلمس بعض عناصر الإجابة عن هذه الأسئلة والتي تؤطرها الفرضية التالية: إن تخبط السلوك السياسي العربي، إذا جاز الحديث عن هكذا سلوك، يعود إلى كونه صادر عن نمط من التفكير يشكل عنصر الوعي التاريخي حلقته المفقودة.
ويمكن تأكيد هذه الفرضية عبر عدد من مظاهر السلوك والفكر المنتشرين في العالم العربي وهي كثيرة إلى الحد الذي لا يسع معه المجال لاستعراضها، إلا أننا نعتقد أن بحث هذه الفرضية على مستوى انعكاس غياب الوعي التاريخي على وعي الإنسان العربي بذاته وعلى مستوى لغة الخطاب السياسي الذي تنتجه وتستعمله الطبقة الحاكمة يغنيان دون شك عن سواهما.
على مستوى وعي الإنسان العربي بذاته.
يمكن أن نزعم بقدر غير قليل من الثقة أن معظم التيارات الفكرية التي أطرت وعي الإنسان العربي بذاته منذ بداية القرن المنصرم إلى اليوم تصدر عن نفس البنى الذهنية برغم اختلاف تمظهراتها. فالفقيه الأصولي حينما يصر على رفع شعار العودة إلى نهج السلف الصالح وإحياء أمجاد الخلافة الإسلامية فإنما يؤكد في الواقع أن تاريخ العرب والمسلمين انتهى عند نهاية الخلافة الراشدة أو في أحسن الأحوال عند نهاية القرن الرابع الهجري حينما أغلق باب الاجتهاد أما الماركسيون التقدميون، الأرثوذوكسيون منهم على الأقل، فلا يختلفون كثيرا عن الأصوليين، حينما يصرون على إخضاع الواقع للمفاهيم الجاهزة للاشتراكية العلمية رغم أن معطيات هذا الواقع قد لا تكون متلائمة بالضرورة مع المحتوى السيمانطيقي لهذه المفاهيم. فكلا النموذجين يصدران عن نمط من التفكير يحاول مقاربة مشاكل الحاضر و المستقبل بالتماس حلول من الماضي حينما يضفي عليه صفة المطلق، وهنا تبدو المفارقة في ذهنية الإنسان العربي المسلم، فبينما يحاول الانفلات من سلطة الواقع عبر فهمه وتأطيره في مفاهيم ومقولات، لا يفعل شيئا آخر أكثر من استبداله سلطة الواقع بسلطة النص أو المنهج.
على مستوى لغة الخطاب السياسي.
إذا اعتبرنا جدلية التأثير المتبادل بين اللغة والفكر، يمكن القول أن تحليل لغة الخطاب السياسي العربي الرسمي هي مرآة تعكس ثغرات الفكر الذي لا يشكل الخطاب سوى تمظهرا خارجيا له، وهنا يبدو غياب الوعي التاريخي واضحا، ولعل لغة التعاطي الرسمي مع تطورات القضية الفلسطينية أوضح مثال على ذلك. شخصيا لا أكاد أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها تصريحات المسؤولين العرب التي تعقب الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني لكن ما أذكره جيدا أن كل التصريحات إنما تعيد إنتاج إحدى مقولتين: هذا الحادث يهدد بانفجار الوضع/ هذا التصريح أو الإجراء يهدد بنسف عملية السلام .توالت الاعتداءات قتل المئات و شرد الآلاف، هدمت بيوت بل مدن بأكملها ونهبت ثروات بل ودمرت حضارة العراق بأكملها لكن الوضع لم ينفجر بعد في نظر حكامنا المبجلين. فمتى سينفجر الوضع بالله عليكم؟ أعتقــد أن الأوضاع لن تنفجر إلا حينما يتم غزو سوريـا و القضاء على المقاومة اللبنانية والعودة إلى التناحر الطائفي وتقسيم السعودية وباقي دويلات الخليج وربما إنشاء كيان قبطي في مصر، لكنني مع ذلك لا أعتقد أن الرسميين العرب سيكتشفون أن الوضع قد انفجر لسبب بسيط وهو أن الانفجار سيكون قد أودى بهم وبعروشهم. آنذاك سيكون الوقت قد فات للاستفادة من التاريخ لأن هذا الأخير لا يعود إلى الوراء.
وخلاصة القول أن التفكير الصادر عن بنية ذهنية تفتقر إلى مكون أساسي كالوعي التاريخي لا يمكن أبدا أن ينتج قراءة صحيحة للواقع العربي الراهن ولا يمكن أن يرى في استعمال الورقة اللبنانية للضغط على سوريا إعادة إنتاج لسيناريو التخطيط لتدمير العراق وأن هذا الأخير هو ثور العرب الأبيض. كيف يمكن لتفكير حكامنا أن يدرك هذه الحقائق وهولا يدرك أن التاريخ والجغرافيا خلقا وضعا جيوسياسيا جعل منطقة الشرق الأوسط شبيهة بلعبة أحجار الدومينو المتراصة حيث يكفي إسقاط الحجر الأول لتسقط باقي الأحجار تباعا؟

#محمد_احمد_الهاشمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات