|
العرب وغياب الإبداع
عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 5117 - 2016 / 3 / 29 - 00:19
المحور:
الصحافة والاعلام
كليا يغيب الإبداع عن العرب ومنذ أمد يكاد يكون بلا حدود لشدة إيغاله في البعد فكل المحاولات التي سعيت جاهدا من خلالها أن أقدم ذلك في مقالي على انه حقيقة وان للعرب مكانة كبيرة ومشاركة فاعلة في صياغة الحضارة الإنسانية وكل قراءاتي لم تعطيني إلا نتيجة عكسية, أن الإبداع لدينا غائب كليا وأننا امة امتهنت التقليد عبر كل العصور وكل ما أمكنها فعله أنها تخفت تحت عباءة الإسلام وحاولت أن توحد بين الحضارة العربية والحضارة الإسلامية في محاولة مكشوفة للتمويه ولذا فحين نتحدث عن العلماء العرب أو الأطباء أو الفلاسفة أو المخترعين وحتى الأبطال القوميين أحيانا نجد أنفسنا نعدد أسماء لا علاقة لها بالعروبة والعكس صحيح وحين نتحدث عن فن العمارة نجد أننا سطونا على إبداعات غيرنا من الأمم ونسبناها لأنفسنا فنحن خليط عجيب لا شيء يشبهنا إلا كشكول الشحاذين وحالة التغني بالذات هذه لا تعدو عن كونها مجرد أغنيات فارغة لا تستند إلى أية حقيقة على الأرض فكلما أردنا أن نتحدث عن البطولات في أيامنا هذه وجدنا أنفسنا نصرخ باسم صلاح الدين وهو بطل كردي لا عربي سرقناه من كرديته ولم نعد نذكرها لا من قريب ولا من بعيد كما فعلنا مع محمد علي وابنه إبراهيم وكل أسرته فيما بعد. مقلدون فاشلون لكل شيء ولا نملك القدرة على صهر وابتلاع وإعادة إنتاج ما يعجبنا من إبداعات غيرنا بل نمارس النسخ الغبي ولعل الحالة الإعلامية التلفزيونية هي أبشع هذه الأشكال لما لها من تأثير كبير على عقلية المشاهد وتفكيره وسلوكه فلا يوجد برنامج تلفزيوني عربي واحد على سبيل المثال تمكن من الوصول للعالمية أو حتى لان يصبح برنامجا شعبيا عربيا يمثلنا كعرب بشكل أو بآخر وقائمة البرامج المقلدة تطول حتى باسماءها من برنامج من سيربح المليون ووزنك ذهب وستار أكاديمي واراب آيدول ولاحظوا الاستخدتم للكلمات نفسها أحيانا فلا إبداع على الإطلاق بل ولا حتى محاولات للإبداع. كنت قد تقدمت من احدهم ذات يوم بفكرة برنامج تلفزيوني عربي باسم العائلة يقدم فيه نموذج الأسرة العربية المتماسكة والناجحة عبر برنامج شعبي ينشط الفكرة ويدفع بالعائلات للاهتمام بان تكون كذلك أو أن تسعى لتقليد ما تراه كنموذج للأسرة الايجابية, وفكرة أخرى عن الشاب المثقف كنموذج للشباب يحفزهم على القراءة والتثقف والاطلاع على الأدب والفكر وتطوير مفاهيمهم ومبادئهم وقيمهم الايجابية وتغيير مفهوم الجمال عند الشاب والفتاة إلى جمال الخلق والسلوك والمعرفة, وبرنامج آخر بعنوان الشريك يربط بين الشباب العرب والفلسطينيين لإقامة مشروع مشترك فلسطيني عربي على ارض فلسطين وهكذا لكن الرجل ألقى بكل ما كتبت في أدراجه المليئة فهو بحاجة لنموذج غربي جاهز لا يتعب نفسه في التفكير أو المحاولة أو المغامرة لأننا جميعا نخشى الإبداع ونلتصق خلف معاداته بل وجميعنا بداخلنا صغير مقتنع أن الإبداع بدعة خوفا من الجديد والتطور لا إيمانا وتقوى. في العالم الكثير من المنتجات التي تجتاح الدنيا بأسمائها بدءا من كوكا كولا ووجبات الدجاج واللحم المطحون باسماءه وكل الوجبات السريعة الأخرى وانتهاء بكل المعدات والآلات والأجهزة على مختلف أنواعها ورغم أننا نوصف كأمة تحب الأكل أكثر من غيرها إلا أننا لم نتمكن حتى يومنا من تقديم وجبة طعام عالمية واحدة وطبعا لا احد يتحدث عن منتجات العصر الميكانيكية والالكترونية وغيرها. إن استمرارنا في حالة الخوف من الإقدام على فعل الإبداع والابتكار سيبقى سبب عجز وتخلف عربي دائم وبامتياز ودون أن نوغل في فعل الإبداع دون خوف أو وجل, من النتائج إبداعا قائما على أوضاعنا وظروفنا وقيمنا بما يكفي ليكون إبداعا عربيا أصيلا يضع أقدامنا على سلم التطور الحضاري الإنساني ببصمتنا الخاصة والمميزة فإننا سنظل نقوم بدور اللاحقين الذين يتعمشقون على سلم الباص الخلفي ليصلوا إلى حيث يريد لهم الآخرين الوصول لا أكثر. عشرات المحطات العربية برأس مال عربي وكادر بشري عربي تبث طوال الوقت لمجتمع عربي برامج وأفلام أجنبية مترجمة حتى كادت أو أنها ستنجح في المستقبل القريب أن تدفع بكل شبابنا للإحساس بالاغتراب عن واقعهم وحياتهم ومع ذلك يتسابق أصحاب هذه المحطات ودولهم في كبت كل محاولة للانعتاق منهم ومن حكمهم وقيودهم فأنت تبث أفلاما عن الحرية الشخصية والعامة بأشكال وأنماط مختلفة وصارخة أحيانا وتلجأ لترجمة غير حرفية لتخفي بعض المفردات عن بيوتنا في نفس الوقت الذي تشجع فيه إتقان اللغات الغربية كالانجليزية والفرنسية في الشارع والمدرسة والعمل حتى أصبح إتقان لغة أجنبية شرطا من شروط العمل في بلادنا بل ولم يعد احد من شبابنا يقدم مع طلب العمل سيرة ذاتية بالعربية فكيف إذن ستتمكن من الاحتفاظ بأسرة عربية بشروطك وأنت تخترق عقولهم على مدار الساعة بلغة وفكر وثقافة ومنتج غيرهم من النوع الذي تحاربه أي عجب لزمن عجيب وقيادة عجيبة لأمة نائمة قابلة بكل هذا التناقض الخطير.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاطعة الاحتلال... إرادة لا قرار
-
حنان الحروب الفعل قبل الكلمة
-
سيدي الرئيس... احمي ظهرنا... ظهرك
-
عمر النايف يعود إلى جنين
-
حمزة النايف يعود إلى جنين
-
قرأت خبر وفاتي
-
تفاوض في التفاوض عن التفاوض
-
عفوا... فلسطين نحن منشغلون
-
يعالون ... يوجد حل سحري
-
العرب بين جزالة اللغة وضآلة الفعل
-
رسالة الى صديقي الحالم
-
حصانة النائب قضية شعب
-
براء نحن من البراءة
-
الجولان هدية منسية بيد الاحتلال
-
الغام على طريق الوطن
-
ليتساوى أجر الامير والغفير
-
انقلاب المفاهيم ... الثورة من تقدمية المحتوى الى رجعية الاسم
-
لا دبس في الدوحة
-
التفكير العربي والأبواب الموصدة
-
محمد القيق... لا تمت
المزيد.....
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
-
الصين تعرب عن استيائها الشديد إزاء الرسوم الجمركية الأميركية
...
-
حرب تجارية جديدة: كندا تفرض رسوما على سلع أمريكية بقيمة 155
...
-
دراسة تكتشف أسرار الأذن البشرية
-
دلالات طريقة المشي
-
علماء الفيزياء الكمومية يبتكرون فضاء مكونا من 37 بُعدا
-
واشنطن تريد انتخابات بأوكرانيا إذا توقفت الحرب
-
عشرات الآلاف دون مأوى وفي وضع مأساوي بغزة
-
حراك طلابي في صربيا يُطيح برئيس الوزراء وموسكو وبروكسل تراقب
...
-
الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|