|
الهويات القاتلة
محمود كرم
الحوار المتمدن-العدد: 1385 - 2005 / 11 / 21 - 09:04
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ذات مـسـاءٍ مـزاجـيّ ُ الـلـون والـطـعـم وقـفـتُ عـلـى عـتـبـات روايـتـه الـجـمـيـلـة ( سـمـرقـنـد ) لأهـيـم عـشـقـا ً بـالـتـهـامـهـا ..
ومـنـذ ذلك الـمـسـاء بـدأتُ أتـعـقــّـبُ مـمـلـكـة ( أمـيـن مـعـلـوف ) المـتـورطـة بـالـعـشـق والـتـمـرد والـمـغـامـرة والنـزوح والـتـرحـال الـدائـم ..
من ( سمرقند ) إلى ( حدائـق النور ) إلى ( ليون الأفريقي ) إلى ( صخرة طانيوس ) إلى ( رحلـة بالداسار ) كـنـتُ أرافـق شـخـصـياتـه الـمـتـعددة الـتـي مـزقـتـهـا تـسـاؤلات الـهـويـة والـوطـن والـفـكـر ..
يـعـشـق اسـتـحـضار الـتـاريـخ كما يقول ( شوقي بزيغ ) عـبـر روايـاتـه لا لـكـي يـقـبـع خـلـفـه بـل يـسـتـحـضـر من خـلالـهـا أسـألـتـهـا الـحـائـرة فـي واقـع الـيـوم الـذي يـزدحـم بـالـصـراعـات ..
أراد أن يــُـثـبـت إيـمـانـه بـضـرورة الـحـوار بـدل الـصـراع في عـالـم ٍ يـنـدفـع بـشـراسـة عـبـر بـعـض مـفـكـريـه لـتـرسـيـخ قـاعـدة ( صـراع الـحـضـارات ) وإن عـلى الـعـالـم الـيـوم أن يـؤمـن بـحـقـيــقـةٍ دامـغـة وهـي أن يـتـواصـل كـمـا كـان دائـمـا ً عـبـر الـحـوار ..
ولـم يـكـن كـتـابـه مـا قـبـل الأخـيـر ( الـهـويـات الـقـاتـلـة ) خـروجـا ً عـن اسـتـراتـيـجـيـتـه الـفـكـريـة وفـلـسـفـتـه الـحـيـاتـيـة الـتـي تـجـلـت فـي روايـاتـه الـعـديـدة بـل جـاء تـدعـيـمـا ً لـكـل تـلك الـتـطـلـعـات و مـعـبـرا ً عـن هـاجـسـه الـدائـم بـضـرورة تـجـاوز ( الـهـويـات ) والانـتـمـاءات الـضـيـقـة والـبـحـث عـن الـمـشـتـرك الـثـقـافـي والإنـسـانـي والـحـضـاري لـمـواجـهـة ظـواهـر الـعـنـف وشـرور الـكـراهـيـة وحـرب الـهـويـات والانـقـسـامـات الـقـاتـلـة ..
فـإمـا أن نـكـون إنـسـانـيـيـن نـنـتـمـي إلـى عـالـم الـقـيـم الإنـسـانـيـة فـي إطـار الأخـوة الـبـشـريـة أو أن نـبـحـث فـي هـوايـتـنـا عـن مـا نـتـقـاتـل بـه مـن أجـلـهِ بـعـضـنـا الـبـعـض ..
وإمـا أن نـنـتـمـي إلـى عـالـم الـحـريـات والـديـمـوقـراطـيـات والـحـداثـة الـسـيـاسـيـة فـنـسـتـحـق الـحـيـاة الـحـرة الـكـريـمـة ونـحـقـق بـذلك انـتـمـاءنـا الـحـقـيـقـي للـعـالـم الـذي يـجـب أن يـنـتـصـر أو نـبـقـى مـتـقـوقـعـيـن فـي انـتـمـاءات وهـويـات ضـيـقـة تـتـوجـس مـن الانـفـتـاح والانـدمـاج والـتـفـاعـل والـتـواصـل مـع الـعـالـم الـحـي الـمـتـحـرك ذي الـمـرجـعـيـة الإنـسـانـيـة الـكـونـيـة ..
لـذلك يـتـسـاءل مـسـتـغـربـا ً ( أمـيـن مـعـلـوف ) فـي كـتـابـه ( الـهـويـات الـقـاتـلـة ) عـن ظـاهـرة الـتـعـصـب الـتـي اجـتـاحـت الـعـالـم الإسـلامـي بـعـد أن كـان مـنـارا ً للـتـعايـش والانـفـتـاح فـيـقـول :
( لـمـاذا عـُـرف الـغـرب الـذي يـمـتـلك تـاريـخـا ً طـويـلا ً مـن الـتـعـصـب وكـان يـصـعـب عـلـيـه دائـمـا ً الـتـعايـش مـع الآخـر ، كـيـف يـنـتـج مـجـتـمـعـات تـحـتـرم حـريـة الـتـعـبـيـر ، فـي حـيـن أن الـعـالـم الـمـسـلـم الـذي مـارس الـتـعايـش لـزمـن طـويـل يـظـهـر هـذه الأيـام كـمـعـقـل للـتـعـصـب ) ..
ويـأتـي هـذا الـتـسـاؤل ضـروريـا ً فـي ظـل ظـاهـرة الـتـعـصـب والـتـزمـت الـفـكـري والـديـنـي الـتـي تـنـتـشـر كـالـوبـاء فـي الـجـسـد الإسـلامـي وخـاصـة ً إذا عـرفـنـا أن الـنـزعـة الإنـسـانـيـة الـمـؤمـنـة بـالـتـعايـش مـع الـمـخـتـلـف كـانـت سـائـدة أيـام الـحـضـارة الإسـلامـيـة الـكـلاسـيـكـيـة كـمـا تـحـدث عـنـهـا الـمـفـكـر ( مـحـمـد أركـون ) فـي كـتـابـه الأخـيـر والـذي لـم يـُـتـرجـم إلـى الـعـربـيـة لـحـد الآن ..
ويـُـرجـع ( أمـيـن مـعـلـوف ) سـبـب هـذه الـظـاهـرة فـي كـتـابـه إلـى عـدم تـمـكـن تـيـارات الإسـلام الـسـيـاسـي وحـركـات الإصـلاح مـن مـجـاراة الـحـداثـة والـتـي لا تـعـنـي كـمـا يـقـول احـتـكـارا ً مـعـيـنـا ً لـثـقـافـة مـا أو فـكـرا ً مـا بـل هـي مـفـتـوحـة لـكـل الإسـهـامـات الإنـسـانـيـة الـمـؤمـنـة بـضـرورة الـوصـول إلـى صـنـاعـة الـحـيـاة الـتـي تـحـقـق للـجـمـيـع الـمـسـتـويـات الـمـرتـفـعـة مـن الـكـرامـة والـعـيـش الـرغـيـد وتـدافـع عـن هـذه الاسـتـحـقـاقـات كـواحـدة مـن أهـم الأسـس الـتـي يـجـب أن تـقـوم عـلـيـهـا الـحـضـارات فـي دفـاعـهـا عـن الـحـق الإنـسـانـي حـيـث يـقـول :
( عـنـدمـا تـحـمـل الـحـداثـة عـلامـة ( الآخـر ) لا يـكـون مـفـاجـئـا ً أن نـرى بـعـض الأشـخـاص يـرفـعـون شـعـارات الـسـلـفـيـة ، مـن أجـل تـأكـيـد اخـتـلافـهـم ، وهـذا مـا نـشـهـده الـيـوم عـنـد بـعـض الـمـسـلـمـيـن مـن الـرجـال والـنـسـاء ) ..
لـذلك مـتـى مـا تـخـلـصـنـا مـن الـنـظـر إلـى الـحـداثـة عـلـى أنـهـا دائـمـا ً تـعـكـس ( الآخـر ) الـمـخـتـلـف ثـقـافـيـا ً وفـكـريـا ً ونـنـظـر إلـيـهـا عـلـى أنـهـا اسـهـامـات إنـسـانـيـة تـهـدف إلـى خـلـق مـفـاهـيـم أكـثـر نـضـجـا ً وتـفـتـحـا ً عـلـى عـالـم الـيـوم فـلـن نـلـوذ بـالـتـعـصـب الـثـقـافـي لـحـمايـة الـمـوروث الـثـقـافـي مـن ( خـرافـة ) الاغـتـراب والـذوبـان والـتـشـتـت ..
وفـي مـكـان آخـر مـن كـتـابـهِ يـنـوّه ( أمـيـن مـعـلـوف ) إلـى أن الانـفـتـاح عـلـى الـحـداثـة لا يـعـنـي الاغـتـراب بـل يـكـفـي أن يـمـتـلـك الـفـرد الـحـداثـة مـن خـلال الـتـفـكـيـر الـحـي والـتـفـاعـلـي فـي تـطـويـر مـفـاهـيـمـه ومـعـارفـه الـديـنـيـة والـثـقـافـيـة والإجـتـمـاعـيـة بـمـا يـتـنـاسـب ورح الـعـصـر وتـطـور الـواقـع حـيـث يـقـول :
( يـجـب أن لا يـكـون الـمـرء مـضـطـرا ً إلـى ( الاغـتـراب ) ذهـنـيـا ً كـلـمـا فـتـح كـتـابـا ً وكـلـمـا جـلـس أمـام شـاشـة وكـلـمـا فـكــّـر أو نـاقـش ، يـجـب أن يـتـمـكـن كـل فـرد مـن امـتـلاك الـحـداثـة بـدلا ً مـن أن يـكـون لـديـه انـطـبـاع دائـم بـأنـه يـسـتـعـيـرهـا مـن الآخـريـن ) ..
فـالـمـجـتـمـعـات الـحـيـّـة هـي مـجـتـمـعـات تـمـلـك نـزعـة حـقـيـقـيـة نـحـو الـحـداثـة ولا تـتـوجـس مـنـهـا بـاعـتـبـارهـا (عـلامـة ) الآخـر الـمـخـتـلـف بـل تـسـعـى لامـتـلاكـهـا والاسـتـفـادة مـنـهـا عـبـر الـتـفـاعـل الايـجـابـي مـعـهـا والـتـحـرر مـن انـغـلاقـات الـهـويـات الـقـاتـلـة الـمـقـيـّـدة للانـفـتـاح عـلـى الآخـر ..
#محمود_كرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر الحر
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|