|
اقتصاديات الفقر وعولمته عربيا ...
احمد عبدالكريم القحطاني
الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 24 - 01:31
المحور:
الادارة و الاقتصاد
اقتصاديات الفقر وعولمته عربيا ...
يُعرِّف الفقر تعريفات عديدة يمكن اختزالها بأنه حالة اقتصادية تتمثل في نقص كل من المال والاحتياجات الأساسية لحياة مستقرة مثل الغذاء، الماء، الدواء والكساء والتعليم والرعاية الصحية. ووفقا لهذا التعريف فانا اغلب الدول العربية تقع تحت مضمون خط الفقر واقتصاديات الفقر ،اما الجزء الاخر وهي الدول العربية النفطية فلديها خصوصية تجعلها تخضع لمصطلح اقتصاديات عولمة الفقر ، وهو مصطلح غير دارج له اكثر من تعريف وتحليل ،ويعني عمليا قيام نظام اقتصادي فقير انتاجيا بإضاعة ثروات محدودة او ضخمة حصل عليها دون جهد او بالاقتراض في أمور تافهة او مشاريع فاشلة غير مناسبة او غير ذات جدوي ،ولا تعود علي الاقتصاد والمجتمع بالنفع العام الدائم ،فالمجتمعات الاقتصادية التي تستهلك اكثر مما تنتج غالبا تصنف بالدول النامية او المتخلفة . ووفقا لهذه التعريفات فأن العديد من الدول العربية تحتل بامتياز مراكز متقدمة في مؤشرات الفقر العالمي، فمنها من على خط الفقر مثل مصر وسوريا ومنها تحت خط الفقر مثل اليمن والسودان وموريتانيا والصومال. ومنها من فوق خط الفقر مثل الجزائر ولبنان والأردن. ومنها ما يتسم باقتصاديات ازدواجية لديها عوائد ضخمة وظهور الفقر بالمجتمع مثل العراق والجزائر وبعض الدول الخليجية الا ان المشترك بينهم هو تمركزهم حول مفهوم الفقر. في تصنيف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة ، تم تعريف الفقر بالأرقام ومع اختلاف تلك الأرقام نسبيا وفقا للقوة الشرائية بكل دولة الا ان مؤشرات الدخل تتوافق علي أن كل مواطن بالدول النامية يحصل علي اقل من 2 دولار يوميا يعتبر علي خط الفقر العالمي ،ولكي نستوعب هذا التعريف فأن عائلة مكونة من 5 افراد يجب ان يكون معدل دخلهم اليومي يساوي او اكثر من 10 دولارات يوميا سواء كانت نقود او سلع معيشية أساسية ، هذا التعريف الرقمي جعل 20 بالمائة من سكان العالم العربي تحت خط الفقر بمتوسط دخل اقل من 2دولار يوميا ، و 40 بالمائة من تعداد السكان بالعالم العربي علي خط الفقر بمستوي دخل ما بين 2 الي 3 دولار يوميا . ويظل السؤال لماذا سياسة الفقر والفقراء هي السائدة بالوطن العربي رغم الثروات الضخمة التي تمتلكها الدول العربية فمعروف اقتصاديا ان المنطقة العربية المتمثلة في 22 دولة عربية تعتبر نسيج اقتصادي متكامل لقيام منظومة اقتصادية عربية قادرة علي تحقيق اكتفاء ذاتي و منافسة الاقتصاديات الكبرى دوليا ، فتركز الثروات النفطية بمنطقة الخليج وليبيا تعتبر المصدر الأساسي للطاقة ، وتوفر المياه والأراضي الخصبة من العراق وسوريا شرقا الي مصر والسودان يمثل مصدر زراعي لتكوين امن غذائي عربي كامل وسلة غذاء عربية وعالمية ، مع توفر الموقع الجغرافي المميز تجاريا ووجود العمق التاريخي والمناخي سياحيا ، والاهم توفر العقول العلمية البشرية والقوي العاملة المهارة . جميع العوامل الاقتصادية بمواردها متوفرة بالوطن العربي من منظور التكامل العربي ، وهذا للأسف ما لم يحدث ، فبرغم كل المؤتمرات والمؤسسات العربية والمشاريع الاقتصادية المشتركة ، فشل العرب بتكوين أي كيان اقتصادي حقيقي فبقيت السوق العربية المشتركة حبر علي ورق ، واضاعت أي فكرة او رغبة بإصدار عملة عربية موحدة ، بل ان المشاريع والاستثمارات العربية البينية هي الأضعف والا افشل عربيا ، وتركز التعاون العربي الاقتصادي بالجانب المالي عن طريق المساعدات والمنح والهبات المالية التي تتسم بالتقارب والرضا السياسي والتي غالبا لها طريق احادي ينطلق من دول الخليج باتجاة الدول العربية النامية فمن المؤسف ان تكون الاستثمارات العربية بأوروبا وامريكا واسيا تتعدي الثلاثة ترليون دولار ، والاستثمارات العربية البينية لا تتعدي 170 مليار دولار . ان هذا الواقع الاقتصادي العربي عمق التقسيم الأحادي للاقتصاديات العربية بين دول عربية نفطية أحادية الاقتصاد تعتمد على القطاع الاستخراجي لمواردها النفطية وتحقق نمو اقتصادي كبير ورفاهية اقتصادية للمجتمع، واقتصاديات عربية خدمية كثيفة العمالة، تعتمد على موارد ذاتية محدودة وصناعات إنتاجية محدودة، وتدهور كامل اقتصاديات المواطن. هذا التقسيم أسس لأغلب الدول العربية النامية لمرحلة من تدهور بالبنية الاقتصادية والاجتماعية على مستوي الصحة والتعليم والامن الغذائي وترسيخ ظاهرة البطالة والفساد الإداري، وتشويه بالهيكل الاقتصادي للدول النفطية التي اعتمدت بتمويل برامجها التنموية على الموارد والعوائد المالية النفطية، وباتت رهينة لأسعار النفط دوليا. اننا نجد حاليا المشهد الاقتصادي العربي مشوه كاملا تتسم به ظاهرة الفقر والحاجة الاقتصادية، ولا تستثني الدول النفطية التي تعاني من فجوة إنتاجية اقتصادية بين ما تستهلكه وتنتجه، فهي دول فقيرة على مستوي الإنتاج الاستهلاكي، كونها تستهلك وتستورد غذائها ودواءها ومستلزمات الإنتاج كاملا من الخارج. لقد أصبحت حاله الفقر بالدول العربية مزمنة وتم تدويرها بشكل اسوء عندما بدأت الموارد البشرية العلمية بالدول العربية تتجه الي الخارج، مقابل خروج الموارد المالية الضخمة من الدول العربية النفطية خارج المنطقة العربية، فأصبحت الدول العربية مفرغة من الموارد المالية الاستثمارية والموارد البشرية العلمية، لتترسخ مشكلة الفقر الاقتصادي بشكل أكثر تعقيدا. ان الادبيات والرؤى الاقتصادية لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي كثيرة وتم عرضها ومناقشتها بمؤتمرات واجتماعات عربية مشتركة على المستوي الأكاديمي والمؤسسي ولكنها لم تتحول الي خطة تنفيذية متكاملة وظلت محدودة في مجالات هجرة العمالة من الدول العربية النامية الي الدول العربية النفطية ومرهونة باستثمارات تخضع للرؤي السياسية بين الدول العربية وليس لرؤية اقتصادية متكاملة. والي ان تعي الدول العربية ان التكامل العربي الاقتصادي هو مخرجها الأساسي لتحقيق نمو اقتصادي مؤسسي ستظل مشاكل الفقر والتشوه الاقتصادي مستمرة بحلقة مفرغة.
احمد عبد الكريم القحطاني 23/مارس/2016
#احمد_عبدالكريم_القحطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقبة جديدة من الجهل تنتظرنا ...!
-
حصاد أداء الاقتصاديات العربية في 2015؟
-
منطق اقتصادي يحدث حاليًا في أوروبا الفائدة السالبة !
المزيد.....
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
-
بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين
...
-
الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك
...
-
عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
-
الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|