|
التعليم في عالمنا العربي .. الرهان المتعثر
مصطفى المغراوي
الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 23 - 17:48
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
إن المتأمل لعالم اليوم يلحظ بشكل جلي التسارع المهول والتغيرات الجوهرية في الجوانب المختلفة لحياة المجتمعات، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ولمسايرة هذا الركب بدأت بعض الدول التركيز على إصلاح الأنظمة التعليمية، لكونها تمثل جانبا كبيرا من مشكلات التنمية، باعتبارها المدخل الرئيس لتربية النشء وتكوين المهارات وشحذ الطاقات، لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية . في عصرنا الراهن الغارق في خضم تعقيدات مثيرة، ومعارف متزايدة بشكل مطرد، لم تبق وظيفة التربية والتعليم مقتصرة على سد حاجات الفرد الاجتماعية والمعرفية، والتي تتوافق مع ثقافة الحد الأدنى. وإنما تتعدى ذلك إلى اكتساب الكافايات اللازمة التي تمكن من الاندماج في الصيرورة العامة التي يشهدها المجتمع، من خلال الجمع والدمج بين ثقافة الذاكرة وثقافة الإبداع معا. فهذه التحولات العميقة وغيرها جعلت الديمقراطية مطلبا أساسيا مركزيا ، قبل أن تكون آلية لتدبير أنظمة الحكم، ولا يمكن بلوغ هذا الحد من التفكير، إلا بتكوين مواطن منفتح، منسجم مع محيطه، مؤمن بقيم التعايش والاختلاف، مقتنع بالأبعاد الحقيقية للتعددية على اختلاف صورها، مهتم بالحوار والدفاع عن قناعات شخصية بوسائل سلمية، لذا فمن نافلة القول برفع الحيف الممنهج والممارس على فئة المتعلمين في جميع الأصقاع العربية. في عالمنا العربي لازال النظر إلى التربية والتعليم بشكل جدي محتشما وخجولا، رغم المعرفة الكلية بالأدوار المهمة التي غيرت جزءا كبيرا من حياة المجتمعات الراغبة في معانقة غد مشرق، يوفر مزيدا من الرخاء للأفراد والجماعات حاضرا ومستقبلا. فلازلنا نجد محدودية الدعم المادي المخصص للمؤسسات التعليمية. ولازلنا كذلك نفتقد إلى الترشيد والتوجيه وتعبئة المصادر الحكومية، كما لا نستطيع استحداث مصادر تمويلية جديدة، وعلاوة على ذلك لم تسع الدول العربية لتحقيق المزيد من الاستثمار الفعال للتكنولوجيا الحديثة، واستغلال النتائج الايجابية للأبحاث العلمية، دون نسيان عدم ربط ما يدور في نظم التعليم بالعمليات الإنتاجية في القطاعات المختلفة، لذلك تبقى المجتمعات العربية بمنأى عن الاهتمام بإِعداد المواطن لما ينتظره من أدوار ومسؤوليات. إن الانتقال من الوضع القائم إلى الوضع القادم، عن طريق بناء مشروع نهضة متكامل، يقتضي تفكيرا نسقيا تخطيطيا شموليا في برامج التربية والتعليم ، يشمل كل المراحل وكافة المستويات، مع مراعاة التطوير المستمر لهذه المنظومة ، في سياق منظور استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار حركية التاريخ وما يحدث فيها من تحولات متسارعة، فالمؤسسة التعليمية بهذا أصبحت تواجه تحديا يتميز بازدواجية خاصة، فبالإضافة إلى دورها التقليدي المتمثل في التدريس وتلقين المعارف، نجدها مطالبة أيضا بخلق متعلم مبدع، متحمس لخلق نهضة تنموية في مجال تخَصّصِه، له قدرة معقولة على الاستيعاب الشامل للتحولات الكونية، بشكل يجعله أكثر قابلية للانخراط فيها انخراطا ايجابيا، يخدم عامة خصوصيته الثقافية والسوسيواقتصادية. فلا يختلف عاقلان حول افتعال مقصود لأزمة التعليم في وطننا العربي، وذلك واضح للعيان بشكل جلي لا غبار عليه، لان الذين وضعوا الأصبع على هذه الأزمة وقاموا بتشخيصها، لم يبادروا إلى معالجة جوانبها المختلة. والمدقق في الأمر يكتشف أن هؤلاء لا يحبذون إصلاحا جوهريا جذريا، ينضاف إليهم أولئك الذين لا يريدون إطلاق العنان للإبداع والعقلانية، بل يرفعون شعار التجهيل وتسييس التعليم، خدمة لأطروحاتهم الرامية إلى إخضاع المتعلم خاصة والمجتمع عامة لإيديولوجية مزدوجة. الأولى تربطه بموروثاته القديمة دون تطويرها لمواكبة الظروف الجديدة التي يخضع لها العالم، وثانيا لتجعله غير قادر على التحليق في أجواء التفكير الصحيح، الذي قد يقلب الأوضاع السياسية والاجتماعية لصالح فئة مُعيّنَة ومَعْنية. وأخيرا لابد من الاعتراف بان الذين يراهنون على النهوض بهذا القطاع، يحتكمون إلى معايير مسبقة في أذهانهم، ولا يستطيعون رؤية الحقيقة وإدراكها كليا، بل يجنحون إلى اتخاذ قرارات موقوتة مليئة بالعشوائية والتعسف، الأمر الذي أدى إلى طمس رواء كل محاولة جدية قائمة على أسس متينة لبلورة الخلل وكشف تداعياته. وقصارى القول في هذا الفهم انه يلزم إطلاق العنان لسريان نسْغ جديد في هيكل التعليم بوطننا العربي بواقعية اكبر، تؤسس لهزة كبرى صارخة، في ظل هذا المناخ الملغوم، وفي خضم هذا المجتمع الذي يتحرك ظاهرا على إيقاع الكمبيوتر وباطنا على إيقاع الساعة الرملية. فلمواجهة هذه الأزمة ورفع الالتباس عليها، نأمل أن تتلاقح تيارات مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، تأسيسا لغد أفضل وأكثر إشراقا، لانقاد حاضرنا ومستقبلنا، فالجسم العربي سقيم عليل والنفس مكلومة مكسورة.
#مصطفى_المغراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الشباب وإشكالية الهجرة
-
المرأة العربية.. حريتها بداية مشاكلها
-
حقوق الإنسان في العالم العربي الثقافة المهمشة
-
الثقافة السياسية والنظام السياسي العربي ..التوافق المفقود
-
مجتمعُ المعرفة .. مجتمعٌ غير عربي
-
الدين و العلم .. صراع مفتعَل
-
التكامل العربي.. البركان الخامد
-
حوار الثقافات..عالَم مشروط وُلوجُه
-
عولمة الهوية .. مشروع لن يكتمل
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|