هيثم المهندس
(Haitham Al Muhands)
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 23:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حقوق الاسرى في الاسلام بين وقائع اليوم والوقائع التاريخية ( 4-4 )
رأي المراجع السنية والشيعية في حقوق الاسرى :
تنقسم هنا الاراء بشكل عام الى قسمين وهما المراجع السنية والمراجع الشيعية . وكل من هذين الفريقين يقسم بدوره الاسرى الى نوعين : النوع الاول من الاسرى هم اسارى المشركين والكفار . والنوع الثاني هم اسارى الفئة الباغية ( وهم مسلمون ولكنهم يخرجون عن طاعة الخليفة المسلم ) .
ففي النوع الاول من الاسرى تقول المراجع السنية انه يجب قتل الأسرى – المشركين والمرتدين ان لم يسلموا – اما ان لم يكونوا مشركين او مرتدين فللامام الحق في قتلهم ان شاء او باقي الاحكام كما موضح ادناه. وقد ورد بيان ذلك على سبيل المثال في كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام : (( الْإِمَامُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَا فُتِحَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا إنْ شَاءَ ( قَتَلَ الْأَسْرَى ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُمْ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الشِّرْكِ ( أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ( أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لَنَا ) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ )) .
وكذلك ورد في كتاب تحفة الملوك في باب الفتح عنوة : (( فإذا فتح الإمام بلدة قهرا فله الخيار في قسمته بين الغانمين وإبقائه عليهم بالجزية والخراج , وله الخيار أيضا في قتل الأسرى إن لم يسلموا أو استرقاقهم ولو أسلموا أو جعلهم ذمة ولا يطلقهم بمال ولا يفادي بهم أسرانا )) .
فقد ورد في كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية باب الأسرى : (( ويتّفق الفقهاء على عدم استرقاق أسرى البغاة ، لأنّ الإسلام يمنع الاسترقاق ابتداءً ، أي لا يسترقّون ولذا فإنّه لا تسبى نساؤهم ولا ذراريّهم . والأصل أنّ أسيرهم لا يقتل لأنّه مسلمٌ ، وقد نصّ على تحريم ذلك كلٌّ من الشّافعيّة والحنابلة ، حتّى قال الحنابلة : وإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم ، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم ، ويتّجه المالكيّة وجهة الشّافعيّة والحنابلة في عدم قتل الأسرى غير أنّه جاء في بعض كتب المالكيّة : (( أنّه إذا أسر بعد انقضاء الحرب يستتاب ، فإن لم يتب قتل ))
أمّا الحنفيّة فيفرّقون بين ما إذا كان لأسرى البغاة فئةٌ ، وبين ما إذا لم تكن لهم فئةٌ ، فقالوا : (( لو كان للبغاة فئةٌ أجهز على جريحهم ، واتّبع هاربهم لقتله أو أسره ، فإن لم يكن له فئةٌ فلا ، والإمام بالخيار في أسرهم إن كان له فئةٌ : إن شاء قتله لئلاّ ينفلت ويلحق بهم ، وإن شاء حبسه حتّى يتوب أهل البغي )) ، ..
الآن نتكلم عن هذه المسألة عند المراجع الشيعية فالشيعة وكما ورد في كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي حيث يقول في الاسارى : وهم ذكور واناث. فالاناث يملكن بالسبي ولو كانت الحرب قائمة وكذلك الذراري ولو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالانبات . فمن لم ينبت وجهل سنه الحق بالذراري
والذكور البالغون يتعين عليهم القتل ، إن كانت الحرب قائمة ، مالم يسلموا . والإمام مخير ، إن شاء ضرب اعناقهم ، وإن شاء قطع ايديهم وارجلهم من خلاف ، وتركهم ينزفون حتى يموتوا . وإن أسروا بعد تقضَي الحرب ، لم يقتلوا . وكان الإمام مخيراً ، بين المن والفداء والاسترقاق . ولو اسلموا بعد الأسر ، لم يسقط عنهم هذا الحكم . ولو عجز الأسير عن المشي ، لم يجب قتله ، لأنه لا يدرى ما حكم الإمام فيه ؟
أما بالنسبة لحكم الأسرى من اهل البغي ممن خرج على الإمام العادل . أو من نصبه الإمام .. فإن كان لهم فئة يرجعون إليها جاز الإجهاز على جريحهم واتباع مدبرهم ، وقتل أسيرهم . كما يصرح بذلك المحقق الحلي في كتابه شرائع الاسلام . وإن لم تكن لهم فئة يرجعون إليها فلا يتبع لهم مدبر ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا يقتل لهم مأسور . وهذا ايضا يصرح به المحقق الحلي في كتابه شرائع الإسلام .
وردت الأحكام المذكورة فيما رواه الكليني، والشيخ الطوسي بإسنادهما عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"" سمعته يقول كان أبي يقول أن للحرب حكمين : إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها، ولم يثخن أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فان الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم، وتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول الله تعالى:
{إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أ تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم "
ألا ترى أنه التخيير الذي خير الله الإمام على شيء واحد وهو الكفر , وليس هو على أشياء مختلفة . فقلت لجعفر بن محمد (عليه السلام) قول الله تعالى: {أو ينفوا من الأرض}، قال ذلك الطلب أن يطلبه الخيل حتى يهرب، فإن أخذته الخيل حكم ببعض الأحكام التي وصفت ذلك، والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها، فكل أسير أخذ على تلك الحال وكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار، إن شاء من عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا"
(1) الكافي: 5 / 32، الحديث 1، والتهذيب: 6 / 143 باب 22، الحديث: 5.ـ
هذا تقريبا ماورد على لسان المراجع الشيعية والسنية بشكل عام , ومن خالفهم يعتبر حسب رأيهم اقلية لا يعتد ولا يأخذ برأيها . وعند قراءة هذه الاراء وبالرغم من ادعاء الاختلاف بينهما الاّ انهما لا يختلفان في اباحة دم الاسير اي الحكم بقتله , وليست لديه دية ولا عقاب على من يقتله سواء كان القتل خطأ او للانتقام . وتراهم يصولون ويجولون في التفنن في وضع الاحكام . ولكن رغم هذا الدوران الملفت للنظر من قتل الاسير من قبل الحاكم او من ينوب عنه , او قتله قبل او بعد انقضاء الحرب او تقطيع اوصاله او ضرب رقبته , او ان كان كافرا او مرتدا او ان كان ....... الخ . فانهم كلهم لا يخرجون عن كون ان قتل الاسير هي احدى الاحكام المشرعة في مذاهبهم جميعها , ولكن الاختلاف يكمن في التفاصيل ولكن التفاصيل في هذه المسألة غير ذي جدوى لانهم في النهاية يلتقون ويتفقون مرة اخرى على شرعنة قتل الاسير .
الخاتمة : تبين اثناء التجول الفكري في التاريخ الاسلامي ومراجعة هذا التاريخ منذ بدايات نشوء "الدولة السلامية على يد محمد بن عبدالله " من وجهة نظر محايدة ( فيما يخص مسألة الاسرى بالطبع) وكذلك مراجعة الاراء الفقهية للمراجع الدينية السنية والشيعية المختصة بهذا الموضوع مقرنة بالوقائع التاريخية والروايات وما ورد في القران , كتاب المسلمين . اقول تبين الاتي . ان قتل الاسير مشروع ومحلل اسلاميا ولا يختلف اثنين في ذلك . وقد حُلل من قبل القراَن ومن قبل افعال محمد بن عبدالله واصحابه وخلفاءه في الحكم . ومن الروايات التي نقلت عن المسلمين , ودعم ذلك الحكم من قبل المراجع الدينية الاسلامية بشقيها الشيعي والسني . والمسألة الاخرى التي توضحت بشكل جلي انه مهما حاول المفكرون الاسلاميون من وضع اطار قانوني للتعامل مع الاسرى في الاسلام , فانهم قد فشلوا من الناحية الواقعية لان الاحكام التي صدرت بحق الاسرى من قبل محمد بن عبدالله نبي الاسلام بالدرجة الاولى واصحابه وخلفاءه في الحكم بالدرجة الثانية , كانت تخضع للضروف المحيطة بالحدث اولا, وكذلك صلة القربى بين محمد والاسرى (فان كان قريبا عومل معاملة حسنة ولم يقتل والعكس بالعكس. ولكن العكس لا يملك قاعدة كما اثبتنا اعلاه ) ثانيا . وكذلك تاريخ الاسير قبل الاسر ثالثا , وغيرها من الاسباب التي ذكرتها . وهذا كله يترتب عليه اتخاذ كل انواع الاحكام من القتل والفداء والمن وغيرها بدون اية قاعدة قانونية . ومن خلال كل ما ورد سابقا نرجع الى السؤال الذي تم طرحه اعلاه وهو: هل خالف نظام الجمهورية الاسلامية في ايران الدين الاسلامي والشرع الاسلامي حينما قتل الاسرى العراقيين ؟ الجواب بالطبع كلا . لانه يعتبر افراد الجيش العراقي يستحق هذا الحكم الاسلامي سواء كان هذا الجيش كافر او مرتد او فئة باغية فينطبق عليه الحكم الاسلامي . وكذلك ما فعله داعش في قتل اسرى قاعدة اسبايكر فانه لم يخالف شرع وشريعة المسلمين من وجهة نظرهم , لان الجنود الاسرى المصنفين سنّة والذين قتلهم داعش او اطلق سراحهم كانوا فئة باغية من المسلمين فتنطبق عليهم كل الاحكام ( قتل ومن وفداء ) . اما الجنود الاسرى المصنفين شيعة فهم حسب فكر داعش الاسلامي مشركين بالله او مرتدين فيحق قتل اسيرهم .
ومع كل تلك الادلة والوقائع التاريخية والفقهية التي اوردتها حول تشريع قتل الاسرى من قبل المسلمين .ومن ثم الدفاع عن الدين الاسلامي كونه كان رحيما بالاسرى هو محض افتراء . ويخالف جملة وتفصيلا تلك المواد الخاصة باتفاقية جنيف المتعلقة بحقوق الاسرى والتي اوردتها اعلاه .لذا فاني مع ما ذهب اليه الباحث سيد القمني بان الشريعة الاسلامية والقران يجب ان يأخذ ضمن السياق التاريخي له ( مع بعض التحفظ) . وكل من يريد الاطلاع على ادلة اخرى ووثائق ووقائع تاريخية اخرى حول قتل الاسرى ليس عليه سوى قراءة كتب ودراسات الباحث سيد القمني وكتب ودراسات الباحث كامل النجار والتي ساورد ما اعتمدت عليه منها ليتأكد مرة تلو الاخرى من صحة ما توصلت اليه . وشكرا
المصادر:
حروب دولة الرسول - سيد محمود القمني - النسخة الالكترونية .
قتل الاسرى شعيرة اسلامية.... معروفة من الدين بالضرورة - كامل النجار- الحوار المتمدن, العدد 4597 ومنه ( الجامع لاحكام القرأن للقرطبي)
الاسلام – سؤال وجواب . المشرف العام الشيخ محمد صالح المنجد , السؤال 39204
مركز الفتوى – مدى اعتبار شعر العانة دليل على البلوغ .رقم الفتوى 78640
مركز الفتوى المرات التي ذكر في القران " ولا تزر وازرة وزر اخرى " رقم الفتوى 18822 معارف عامة
( الانفال 67) تفسير ابو جعفر الطبري النسخة الالكترونية ص 185
قتل ابي عزة الجمحي - التاريخ الاسلامي – صحح تاريخك – موقع قصة الاسلام –راغب السرجاني عن محمد عبدالله العوشن .
غزوات الرسول – دروس عبر وفوائد – علي محمد الصلابي ص 88,89
سيرة السيدة زينب الكبرى – موسوعة النابلسي الاسلامية .
منتديات مدرسة الامام الحسين عليه السلام الدينية – بيان قتل الاسرى بين السنة والشيعة . الحلقات الاولى والثانية والثالثة ومنها المصادر التالية : شرائع الاسلام – المحقق الحلي . درر الحكام شرح غرر الاحكام – حسن بن عمار الحنفي . المغازي للواقدي . تحفة الملوك . الموسوعة الفقهية الكويتية .
مؤسسة الامام الخوئي الخيرية – مركز الامام الخوئي في نيورك - البيان في تفسير القران – احكام الكافر المقاتل . ومنه الكافي : 5/ 32
الصحيح من سيرة النبي الاعظم (ص) ج23 موقع الميزان
اتفاقية جنيف الثالثة – جامعة منيسوتا – مكتبة حقوق الانسان
الضوابط الشرعية لمعاملة اسرى الحرب في الشريعة الاسلامية – صبري محمد خليل : صفحة الكترونية .
#هيثم_المهندس (هاشتاغ)
Haitham_Al_Muhands#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟