|
الخيال وسياقات اشتغاله في التصميم
قيس والي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 11:07
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يعرف الخيال بانه تمثيل لشيء خارجي مدرك بصرياً او سمعياً او شمياً او ذوقياً او لمسياً، وهو عند الفلاسفة القدماء قوة للنفس تحفظ ما يدركه الحس المشترك من صور المحسوسات بعد غياب المادة ونحن نسمي ذلك تخيلاً وهو نوعان تمثيلي او ابداعي يستلزم توفر المخيلة الخلاقة ذات القدرة على بناء عالم جديد في نسق مثالي من ركام الصور المحسوسة، وهي ملكة ابتكارية شائعة لدى العلماء والفنانين. والخيال ما تشبه لك في اليقظة والحلم من صور والخيال لكل شيء تراه كالظل. فهو عند هيجل نشاط خلاق ينطوي على عطاء وحس يتيحان للفنان (المصمم) ان يعقل الواقع القائم فضلاً عن ذاكرة قادرة على ان تحفظ ذكرى العالم المكون لهذه الصور المتعددة الالوان، والخيال عند كانت يقسم الى ثلاث مراتب: 1. الخيال المولد (التصور) الذي يعمل على توليد الصور. 2. الخيال المنتج والذي يمثل عمليات تحدث بين الادراك الحسي والفهم وبما يمكنه من القيام بعملية التفكير المتسلسل اذ ترتبط الافكار بالاشياء. 3. الخيال الجمالي وهو خيال منتج، الا انه متحرر عن قوانين الفهم وهو غير مرتبط بالتجربة الحسية بل بالعقل الذي يزود الذهن بالمبادىء التي تقع فوق المعرفة الحسية. والخيال عند سارتر هو الوعي بأسره من حيث قدرته على تحقيق حريته، وعند رسل تركيب جديد لعناصر معروفة. ولدى ارنهايم فالخيال هو ايجاد اشكال جديدة او تصورات جديدة لمضامين قديمة وابتكار لاشياء او مواقف تكون لها قيمتها التفسيرية الاصلية. وعند لويس هو نشاط عقلي تنتج عنه صور واستبصارات جديدة و يقوم بانتاج شيء يتصف بالجمال والصدق ويبتعد عن العشوائية . بينما يعرفه ريتشاردسون بانه وسيلة داخلية جيدة لمحاولة البحث عن مشكلة المنجز التصميمي وتخدم في حلها لذلك فهو مهم لجميع الفنون والمعارف. وعند برجسون الانسان اذ يستقبل تأثيرات العالم الخارجي فأنه يخزنها في الذاكرة بهيئة صور تنتظم على وفق آلية لاشعورية يستدعيها المصمم على وفق مثير معين لايجاد حل ما عن طريق الحدس الذي عده تخطيط خيالي متكامل يتيح للمصمم بما يستخدمه من متراكم صوري يتشظى من الذاكرة بفعل الانفعال النفسي تحت ضغط الهدف التصميمي المحدد وصولاً الى تحقيق صورة المثال. وعد شوبنهاور الفعل التخييلي فعل ارادي خاص يستند الى امكانات الانسان على التأمل الحادس المتحرر من هيمنة اي ارادة اخرى بغية تلمس الصور الازلية، وعليه تكون المخيلة معراجاً لاستحصال الصور وتحقيقها عن مركب تخيلي قابل للادراك البصري وتنحو اراؤه ضمن منظورها المثالي الى تأكيد امكانات التخيل الحادس على مماثلة الجمال الكامل عندما يتم هذا الفعل بموجب ارادة واعية وقصدية حددت لنفسها نمطاً تأملياً متحرراً عن ما هو حسي زائف . بينما عدت سوزان لانجر الخيال وسيلة لتجريد الاشياء والاشكال من واقعها المادي مما يجعلها وحدات فعالة في المنجز التخيلي وبما يتيح له الطاقة على التعبير عن الوجدان البشري بافتراض ان المحاكاة ليست اساس الفعل التخيلي انما تكمن القوة الجوهرية لهذه الملكة في التجريد والرمز لصياغة التعبير. ان عملية تحويل الخبرة المستحصلة من تفاعل الفرد مع بيئته الى خبرة جمالية تتجسد بمنجز فني ذا قيمة هي عملية التخييل ، فالخيال اداة نظرية في التفكير والاستحضار والتحليل والتركيب لذا فان الخبرة الجمالية هي خبرة تخييلية لكونها مهيئة عند المصمم نحو الجمال وفكرته والاحساس به. مما تقدم نجد ان الآليات المؤسسة لموضوع الخيال تكاد تكون واحد من حيث المشروع البنائي الفكري لكننا نجد الاختلاف حاضراً في جوانب محددة يقف في مقدمها العناصر التي تشكل الخزين المعرفي لذاكرة المصمم المتخييل فما كان في ميدان الخيال في القرن التاسع عشر أمسى في بواكير الالفية الثالثة نوعاً من التخلف فقد غادر وبفعل عاملي الزمان والمكان وما يعتريهما من تطورات على جميع المستويات جانب الخيال منذ حقب زمنية بعيدة ، هذا اذا ما علمنا ان الخيال يعمل ضمن مجموعة سياقات منها: 1. السياق المستقبلي، في اطار الخطوط الزمنية البديلة او في التاريخ الماضي الذي يناقض الحقائق التاريخية المعروفة او سجل الاحداث التاريخية. 2. سياق الفضاء الخارجي الذي يتناول العوالم الاخرى او يضم مواضيع مخالفة للواقع. 3. سياق يتناول الاساليب التكنولوجية او المبادىء العلمية التي تناقض قوانين الطبيعة المتعارف عليها. 4. سياق يتناول اكتشاف او تطبيق مبادىء علمية جديدة مثل السفر عبر الزمن او علم البسيونيك (احد فروع العلم التي تعتمد على دراسة بعض الظواهر النفسية مثل التخاطر) او تعرض لتكنولوجيا جديدة مثل تكنولوجيا النانو والروبوتات، او تعرض لنظم سياسية او اجتماعية جديدة مغايرة للنظم الواقعية السائدة . والخيال في جوهره يمثل سجل لقدرة الانسان الابداعية التي تطورت عبر التاريخ وهو الذي مكن الانسان من تحقيق اكتشافات مهمه ومحاولاته المستمرة لانجازات افضل من خلال تخيله لامور جديدة، ترتكز على آلية التفكير بوصفها عملية عقلية تقوم على اساس الملاحظة والتحليل والفهم لعناصر الواقع والبيئة التي يتأثر بها الانسان. والخيال ابداعي وبنائي يتضمن عمليات التنظيم والتحويل العقلي ويشمل على خطط مستقبلية، اي لزمن منفتح، فيقدم الافكار والحقائق الجديدة ويستثير التفكير لجهة طرح تصاميم جديدة تجذب الناس نحو عالم خيالي في تفصيلاته مستثمراً الممكن من معطيات العلم والفن، فالخيال المعاصر ينحو اتجاه العلم بشكل كبير ويعتمد مزيجاً من الحقائق العلمية والاحتمالات الخيالية التي تترتب عليها، وعليه فالخيال من ارسطو الى كانت هو نشاط حر ولكن ليس بشكل مطلق كما اشار بيكون، فهو نوع من ممارسة متعددة الطرق للحرية العقلية، وهو على انواع منها الانساني والعلمي والابداعي، وجميعها ذات دور مهم في التصميم الصناعي ضمن تحركات معينة الا ان الخيال الابداعي يحظى باهمية قصوى في التصميم انطلاقاً من انه يشكل العمود الفقري للعملية التصميمية ككل، وتأسيساً على ما سبق فان المصمم الناجح يفترض به النزوع باتجاه الخيال الابداعي بشكل صريح مستنداً في جزئية من ذلك على الخزين المعرفي الذي يمكنه من التعامل مع ما يقابله بشكل يختلف عن الاخر، ذلك ان المصمم ونتيجة لاشتغالات الخيال لديه وابعادها الابداعية يرى ما يراه الاخر لكنه بالتاكيد يتعامل معها بطريقة تختلف عن الاخر، ختاماً اجد من الضروري ان يتم ايلاء جانب الخيال في العمليات الابداعية للفنون بصورة عامة وفنون التصميم على وجه الخصوص أهمية كبيرة نظراً لدورها في تعزيز القدرة الابداعية بشكل سليم.
#قيس_والي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحول في المنتج الصناعي
-
العملية الابداعية في تصميم المنتجات الصناعية
-
خصائص النظام في تصميم المنتج الصناعي
-
مفهوم النظام في التصميم الصناعي
-
المنتج الصناعي .. اللغة ، العلم و الثقافة
-
التقنيات في تصميم المنتج الصناعي.. وجهة نظر فلسفية (الحركة و
...
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|