عباس الشطري
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 10:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مقطع فيديوي لاحد اجتماعات القيادة العراقية نهاية الثمانينات يظهر حديثا مسجلا للرئيس مع كبار قادة حزبه وحكومته, ويتحدث فيه نائبه طه ياسين رمضان( وهو كوردي اعدم في 2007بعد محاكمة شهيرة ) عن اهمية عقد لقاء رباعي بين العراق وايران وتركيا وسوريا لمناقشة التمرد الكوردي في شمال العراق والقضية الكوردية بشكل عام ,التمرد الذي ارهق الحكومة لعقود خلت سواء بداية (الستينات والسبعينات وادى الى تنازل الحكومة العراقية للكورد ببعض المكاسب ,منها اعتبار لغتهم لغة رسمية ثانية في المناطق ذات الغالبية الكوردية ومجلس منتخب وان كان شكليا ,اذاعة وقناة تلفزيونية باللغة الكوردية وادى قبول الملا مصطفى البرزاني بها الى تمرد نائبه ابراهيم احمد ومساعده جلال طالباني وانشاؤهما حزبا جديدا سمي بالاتحاد الوطني كاحتجاج واضح على الاتفاق ), او معاودة التمرد اثناء الانشغال بالحرب مع ايران منتصف الثمانيات ,رد سعدون حمادي وزير الخارجية على نائب الرئيس في الاجتماع منتقدا فكرة زميله, بان تلك الفكرة تعني تدويلا للقضية التي لازالت قضية داخلية , اقتنع الرئيس بطروحات سعدون حمادي بحكم كونه وزير خارجية ومدركا لاوضاع السياسة الاقليمية في ذلك الوقت,فضلا عن ان تلك الدول لاتريد الخوض بالموضوع اذ لم تصل النار الى تلابيب ثيابها بعد ,اذ بقيت عند الاقدام , بدا من سياق الحديث ان الاجتماع كان في نهاية الثمانيات وبعد انتهاء الحرب مع ايران وكشف الاجتماع نقاط عدة منها القلق الحكومي المتزايد من الكورد ونشاطهم كما كشف لنا نحن العراقيين ضحالة تفكير بعض قادتنا الذين وصلو سدة الحكم ومنهم طه رمضان نائب الرئيس على عكس زميله الاكاديمي سعدون حمادي والذي اشار الى ان مجرد التفكير بتدويل القضية يعني كسر تابوه خوف طرحها امام العالم وقد تكون فرصة لتدخل الدول الاخرى بالشان العراقي .
لم تكن القضية الكوردية في حينها قد اصبحت مقلقة للمجتمع الدولي بعد ولم ياخذ نضال الكورد من اجل حقوقهم صداه اثناء الحرب الباردة ولم يذكر الكورد ومؤرخيهم ان قضيتهم ذكرت ونوقشت بجدية اثناء لقاءات زعماء العالم والدول الكبرى فضلا عن التشويش عليها في وسائل الاعلام العالمية بل حتى حادثة مدينة حلبجة الموجعة للضمير الانساني التي قصفها صدام بالاسلحة الكيمياوية وراح ضحيتها اكثر من خمسة الاف كوردي قروي لاذنب لهم سوى اقتراب القوات الايرانية في قتالها الجيش العراقي من مدينتهم زمن ذاك لم تؤلم الامين العام للامم المتحدة والرئيس ريغان ولم يعبرا عن قلقهما المعهود في مثل تلك الحوادث , بل استمر هذا الجيش في قمعه للكورد بالحادثة المعروفة في الانفال في الاشهر الاخيرة من الحرب العراقية الايرانية دون اعتراض حتى من منظمات حقوقية عالمية معروفة ,لقد اكتفت الدول الكبرى بالصمت حيال هذه الجرائم وصمت معها العالم كله اكراما لصدام حسين المشغول بتحقيق هدف هذه الدول بايقاف زحف الثورة الايرانية على مناطق نفوذها في الشرق الاوسط ومياه الخليج فالمصالح اهم , بعد غزو صدام للكويت وماتلاه من احداث سمحت للكورد بنوع من الادارة الذاتية وتوج نضالهم بعد سقوط نظام حكم الرئيس صدام في نيسان عام 2003بقيام اقليم فدرالي في عراق اتحادي وطبقا لاتفاق تاريخي مع الشيعة والسنة بالموافقة على دستور 2005
اما في ايران المجاورة فلم تاخذ القضية الكوردية صداها قياسا الى جارتها العراق ,اذ اكتفى الكورد بعد القضاء على جمهوريتهم (مهاباد) الناشئة عام 1946 بالاندماج بالمجتمع الايراني الحديث الذي اقامه الشاه الشاب وميزهم موقف واحد زمنذاك هو وقوفهم الى جانب حكومة الدكتور مصدق املا في تحقيق طموحاتهم وهو الامر الذي لم يتحقق بعد الاطاحة بحكومة مصدق 1953 وبقي الكورد بانتظار لحظتهم التاريخية اثناء قيام الثورة الايرانية واشتراكهم بها الى الحد الذي جعل زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني الايراني الدكتور عبد الرحمن قاسملو والذي سيطر بميلشياته على خمس محافظات كوردستانية ايرانية وتمكن من طرد قوات الشاه منها ان يسلم هذه المحافظات لحكومة الزعيم الايراني الراحل ايه الله الخميني كبادرة طيبة من الكورد واملا في تحقيق اماني الكورد في الجمهورية الجديدة لكن الامر سرعان ماشكل نكسة اخرى , فالثورة وتاييدها شيء والحكم والسلطة شيء اخر ,ففي نهاية عام 1979نشب خلاف بين الدكتور عبد الرحمن قاسملو والحكم الجديد حين منع قاسملو ومعه الكورد من المشاركة في كتابة الدستور الايراني الجديد ما دفع قاسملو الى قيادة تمرد مسلح استمر ثلاث سنوات دعمه العراق بقوة حتى توقف عام 1982لصعوبة الاستمرار فيه بعد تدخل الحرس الثوري بل خبت المناداة تماما بعد اغتيال قاسملو في فينا في 13 تموز 1989 من قبل المخابرات الايرانية واكتفى الكورد الايرانيون ببعض المكاسب زمن الرئيس خاتمي الذي بدا بالانفتاح قليلا حين عين اول محافظ كوردي لمحافظة كوردستان فضلا عن تعيين بعض الكورد في مناصب حكومية، وسمح بتشكيل حزب الإصلاح الكردي ومنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد برئاسة محمد صادق كابودواند عام 2005.ووصول عدد من البرلمانيين الكورد لمجلس النواب الايراني وهي مكاسب عدت مقبولة في دولة تعلن انها دولة تمثل امة ايرانية تنصهر فيها القوميات والطوائف تحت مفهوم الامة الشعب ,وتبقى قصة الحرب الاهلية في جنوب تركيا التي بدات عام 1983 بتمرد شديد لمقاتلي حزب العمال الكوردستاني هي الشاهد المتبقي على نضال الكورد المستميت للحصول على حقوقهم القومية بالوسائل العسكرية والذي لم يتوقف حتى اللحظة بالرغم من اعتقال زعيمه التاريخي عبد الله اوجلان الذي دعا من سجنه رفاقه الى القاءالسلاح وبالرغم من تنازل حكومة رجب طيب اردوغان وهي تحت الضغط لبعض مطالب الكورد ومنها استخدام اللغة الكوردية وتعيين رؤساء هيئات ادارية للمناطق ذات الغالبية الكوردية واجراءات ديمقراطية سمحت لحزب الشعوب الديمقراطيه الموالي للكورد ان يحقق نجاحا ساحقا في الانتخابات الاخيرة لكن لعبة الكر والفر مع الحكومة التركية استمرت بل تعدى الامر الى قيام كورد غير محسوبين على الحزب بحملة تفجيرات في المدن التركية الرئيسية مماينذر بتصاعد حملة العنف ومايتبعه من خسارة تركيا لمزاياها الاقتصادية الكثيرة والمهمة فضلا عن استقرارها السياسي .
الدولة الرابعة التي يتواجد فيها الكورد ويؤلفون جزءا من سكانها هي سوريا التي تشهد حربا اهلية طاحنة وتدخلات اقليمية ودولية ادت الى تحولها الى اقطاعيات تسيطر عليها الحكومة والمعارضة المسلحة والكورد ,لم يحدثنا التاريخ المعاصر عن مصاعب ومشاكل واجهها الكورد في سوريا ويبدو لطبيعة الكورد وخصوصيتهم وتسامح الدولة السورية وترحيبها باندماجهم فيها الى الحد الذي اصبح اربعة ابنائها رؤساء لتلك الدولة وهو امر لم يحصل لا في ايران ولا العراق ولاتركيا اثر كثيرا في علاقتهم بها , بعد عام 2011اجبرت الحرب الاهلية الكورد على التحرك الجاد للحفاظ على مصالحهم بعد سيطرة قوات المعارضة المسلحة على مساحات واسعة من الارض السورية وزاد من حركتهم دخول التنظيم الارهابي الجديد واستحواذه على اراض واسعة وتهديده لوجود الكورد التاريخي في عين العرب وتل ابيض والجزء السوري من جبل الاكراد والتي دافعو عنها بشدة بالتعاون مع اميركا ووجدو فيها فرصة تاريخية لوضع شروطهم في أي تسوية للحرب في سوريا واعلنوها صراحة قبل ايام انهم يسعون الى نظام فدرالي ما دعا الحكومة والمعارضة المسلحة معا الى رفض فدرالية الكورد المنشودة ورفضتها دول اخرى كما ان واشنطون رفضتها على استحياء
في ظل هذا الحراك المتسارع ودراماتيكية الاحداث في الشرق الاوسط يبدو ان حلم الكورد في قيام دولة كوردية اقترب كثيرا على الاقل في منطقة واحدة هي العراق وفي سوريا بدرجة اقل في حين زاد هذا الطموح الحلم من القتال بين حزب العمال الكوردستاني والدولة التركية ويبقى حلمهم في ايران طبقا لتغيرات المنطقة بشكل عام والوضع الداخلي في ايران وسيزداد كثيرا اذا ماتغيرت الخارطة الجيوسياسية لسوريا في المستقبل القريب وبرغم المشاكل التي يعانيها اقليم كوردستان العراق الا انه يبقى النموذج المتوفر لاقامة دولة حديثة طبعا مع الاخذ بالاعتبار درجة تفهم دول الاقليم الاخرى (السعودية والخليج واسرائيل ) فهي ستدعم بالتاكيد وجود هذه الدولة المنشودة لحسابات مصلحية ايجابا او سلبا ويبقى التحليل المنطقي الذي طرحه الباحث الدكتور فالح عبد الجبار عن امكانية قيام دولتين في الشرق الاوسط هما الدولة الكوردية والدولة الفلسطينية لحسابات الراسمال العالمي وضرورة تواجد حمالات جديدة للنظام الراسمالي (دول)هو اقرب نبؤة ممكنة الحدوث وبرغم الخوف من تفكك اقليم كوردستان العراق الى ادارتين في السليمانية واربيل ممايعطي نموذجا خطرا لاحتمالات تكرر ذلك في الدولة الكوردية القادمة اذا ماسمحت الدول الكبرى بوجودها تصحيحا لاتفاقية سايكي بيكو التي ظلمت الكورد كثيرا .
يبقى الاحتفال بعيد النوروز العيد القومي للكورد يوما لمراجعة الذات واشاعة الحماس للقادة الكورد ومنهم مسعود البارزاني الذي يكرردائما رغبته بتحقيق استفتاء لتقرير المصير والذي سيواجه منافسة جديدة للزعامة من الكورد السوريين والذي اختفى من الاحداث في الشهرين الماضيين طبقا لحسابات مشاكل الاقليم والرئاسة ولكي لايتسبب في ازعاج حليفه اردوغان الذي يبدو انه ابتلع طعم غربي بامتياز لكن البارزاني عاد من جديد ليفاجا الجميع البارحة بتجاوز مسالة الاستفتاء على تقرير المصير الى الجهر بقيام دولة كوردية جارة لبغداد مستفيدا من الاحداث السياسية الصعبة في عاصمة الرشيد .ِ
كاتب عراقي
#عباس_الشطري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟