أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الهادي بن رمضان - نقد هرمنيوطيقا -الإسلام الجديد-















المزيد.....

نقد هرمنيوطيقا -الإسلام الجديد-


الهادي بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 20:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد أفرز الصّعود العالميّ المدوّي للأصوليّة الإسلاميّة شكلا جديدا من الخطاب الدّينيّ الإصلاحيّ والذي يواجه قاعدة تاريخيّة وفقهيّة صلبة يستند إليها الفكر الأصوليّ, محاولا إنتشال الإسلام من إعصار الإرهاب الذي يجتاح العالم برمّته منذ مطلع القرن الواحد والعشرين .

هذه الأزمة الخانقة وضعت الخطاب الإسلاميّ أمام وجهتين : إعلان القطيعة النهائيّة مع المنظومة الفقهيّة والتّاريخيّة للإسلام التاريخي السّائد على إختلاف تفرّعاته المذهبيّة , أو الإصرار على التقوقع والثّبات .

لا يتّخذ الخطاب الديني الحديث للمسلمين الجدد شكل نسق أو تيّار واحد مركّز, فهو يجمع تحت رايته كلاٍّ من المعتزلة الجدد والقرانيين واللاّمذهبيين وأصواتا أخرى منفردة . وهو يواجه بضراوة النّموذج الدّيني السّلفيّ والذي يكيل إليه تهم اللاّعقلانية والعنف و الفقر المعرفي .

إنّ تيّارا واسعا كهذا ليس في الإمكان صياغته في شكل نسق أو مذهب عقائديّ طارئ توجّه إليه سهام النّقد . فهو يحمل خطابا غير مركزيّ مشتّت بلا أي مرجعيّة . وهو نتاج للضّرورة التّاريخيّة , حيث لم يتجاوز الإسلام -نقيضا للمسيحيّة- سبل العقل القروسطي, ويدفع العالم اليوم ضريبة هذا الجمود وفشل كل المحاولات التّحديثيّة حتى تلك المحايثة منها .

فما العناصر المشتركة التي يحملها هؤلاء -المسلمون الجدد- على اختلاف نماذجهم وتصورّاتهم العقائدية والتّاريخيّة ؟


يشنّ هؤلاء هجوما ضاريا على المنظومة الرّوائية وعلى رأسها مؤلّفات البخاري ومسلم . وبعد فصل النص القراني عن النص الروائي, يقع سحب صفة القداسة عن كل الصّحابة والتّابعين والرّواة ومن ثم عن التاريخ الإسلامي برمّته . وهكذا يصبح القران المرجعيّة الوحيدة بمعزل عن كل الأحاديث والروايات التاريخية وليصبح تشريحه ممكنا دون الإلتزام بمعياريّة روائيّة/تاريخيّة . وهكذا أمكن للمسلمين الجدد أن يتّخذوا موقفا معاديا لقضايا من قبيل الرّدّة والرّقّ . وفي إطار هذا التّصوّر تغدو كل المذاهب العقائديّة القديمة تأويلا مضلّلا ومشبوها -للإسلام الحق- . فهي تأويلات غير موضوعيّة , خرافيّة , تدليسيّة , سياسيّة باطلة . وهذا الطّرح الإصلاحيّ الحديث يحتفظ بالتّصورّات اللاّهوتيّة القديمة عن الماهيّة الإلهيّة , فهو إله كليّ القدرة والمعرفة والمحبّة . والنّظام الكوني بالغ الإتّساق قد أعدّ لإستقبال الإنسان . وأما في المجال الإيتيقي -فالإنسانية/الهيومانية- هي المرجعيّة الكبرى لتقييم أيّ نسق أخلاقي . فأغلب أنصار هذا التيّار الجديد يوحدّون بين المقاصد الإلهيّة وبين -الإنسانية/الهيومانية- . فالإحتكام إلى المعياريّة الإنسانيّة/الهيومانيّة هو طريق الخلاص . والكائن الإنساني على إختلاف إنتمائه الدّيني والأيديولوجيّ يقيّم وفق هذه المرجعيّة . وهي مرجعيّة تستبدل عقيدة معسكري الإيمان والكفر وتأسّس لمفهوم الإنسانية الشّاملة بدل المفاصلة القطبيّة .


وهذا التيّار الإصلاحيّ الجديد عقلانيّ في بعض جزئيّاته وتفاصيله, وهو غير عقلانيّ وصوفيّ شاعريّ في جوانب أخرى . وإن إمتلك صدى واسعا تلى موجة الإرهاب المدمّر فهو ذو تأثير ضيّق لا يملك موطئ قدم بين العوام . وهذا التيار الجديد يلقى صعوبات دعائيّة جمّة لطابعه اللاّنسقيّ . وهو مناقض للصّيرورة التّاريخية بل مناقض لما يحمله من تصورات لاهوتيّة ماهويّة .

ولنأخد على سبيل المثال قضايا ثلاثا تمحور حولها الجدل الدّيني بين الإصلاحيّين (الجدد) والأصوليّين بالسّنوات الأخيرة , وهي قضايا الجهاد (الحرب التوسعية الهجومية) والعبوديّة والممارسات الجنسيّة البيدوفيليّة .

ففي قضيّة الجهاد يصرّ أقصى اليمين الإسلامّي على أن معسكر الإيمان في حرب دائمة مع الكفر . فالجهاد ليس فريضة دفاعيّة فحسب, بل وهجوميّة توسّعيّة . فحرب التّوحيد على الشّرك دائمة , والصّيرورة التاريخية تتّحد مع هذا التّصوّر الحربيّ للعالم . فمنذ عصر البعثة والقادة العسكريّون المسلمون في حرب هجوميّة توسعيّة لولاها لما عرف الإسلام هذا الإنتشار الجغرافي الواسع . ومن هنا تقف النّظم العقائديّة القديمة في صف موجة الإرهاب العالميّ . وهذا الشّكل الحديث من العنف الدّينيّ المسلّح يتّحد تماما مع التّصوّر العقائديّ السّائد للعالم وإلى هذا يعود فضل ما تحظى به الأعمال الجهاديّة الهجوميّة من دعم معنويّ ومادّيّ بالعالم الإسلاميّ .

وأما التّيّار الإصلاحيّ الجديد فهو يقف موقفا رافضا للجهاد الهجوميّ , وإذ كان قد أقصى المنظومة الروائيّة من مركزيّتها المرجعيّة , فلم يبقي غير القران مرجعا واحدا , أعاد تأويل كل النّصوص الحربيّة ليحصرها في عنصر الدّفاع . وأمّا كل ذلك التّاريخ الإمبرياليّ القديم فهو ذو طابع سياسيّ ونفعيّ بحتٍ . وما الأنساق العقائديّة القديمة إلاّ صنيعة ذلك العصر والمناخ السياسيّ والاجتماعيّ وحاجاته التوسّعيّة .

فإذا سلمنا بالأطروحة القائلة بأن "الله" قد أراد من تواصله بالأرض أن يمهّد الطّريق للحياة الإنسانيّة القويمة , فكيف يتورّط في هذا الخطأ الفادح وكيف يغفل عن تحوّل النّصّ الدّينيّ الى مشرّع تستند إليه كل تلك المشاريع التّوسّعيّة الإباديّة لألف وخمسمائة عام؟ وكيف لا يتوقّع هذا التّعداد المليونيّ من ضحايا التّدميرية الدّينيّة وهو كليّ المعرفة والمحبّة؟ وكيف لا تظهر الصّيرورة التّاريخيّة أي تناسق مع المقاصد الإلهية كما يأوّلها -المسلمون الجدد- , والتّصوّر الحربيّ الأصوليّ العقائديّ من يظهر تجانسا تاما مع الصّيرورة التّاريخيّة !

وقس على ذلك في مسألة الرّقّ, فالأنساق العقائديّة العتيقة قد أصّلت -شرعا- لقضيّة العبوديّة , والنّصوص الدّينيّة القرانيّة والرّوائيّة جاءت صريحة في موقفها من الإستعباد . وأمّا المسلمون الجدد يرون بأنّ الإسلام قد جاء محرّرا للعبيد وقد كان مستحيلا أن يجتثّ هذه الظّاهرة عن اخرها فلجأ إلى المرحليّة . فالمقصد الإلهيّ وفق هذا الطّرح الإصلاحيّ كان رافضا لإسترقاق الكائن الإنسانيّ , وقد مهّد سبل وقوع التّحرير النهائيّ .

وهذا الزّعم كان ليحمل شيئا من الصواب لو أنّ مسألة التّحرير قد إتّخذت بالفعل نسقا تصاعديّا , والواقع أنها قد إتّخذته في شكل معاكس . فتكبيل الاف من الأسرى وتسييرهم صوب أسواق النّخاسة كان ظاهرة متعاظمة بمرور الزّمن . وقد أسر القادة العسكريّون المسلمون (كما تروي المراجع التاريخية) في حروبهم التوسّعيّة أمما برمّتها بيعت بأبخس الأسوام وسط السّوق المغرق بالسّلع البشريّة . فكيف للصّيرورة التّاريخيّة ألا تتّحد مع المقصد الإلهيّ التحرّريّ كما يزعمه المسلمون الجدد ؟ وكيف تريد الذّات الإلهيّة تحريرا ومن ثم تتورّط في النّقيض ؟

وأمّا في المسألة الجنسيّة البيدوفيليّة فقد رجّحت فئة واسعة من الأصوليّين أن يكون نبيّ الإسلام قد تجوّز -عائشة- عن سنّ السّتّ سنوات ودخل بها عن سنّ التاسعة . ومن ثم زعم -الأصوليّون الجدد- أن الجهاز الجنسيّ الأنثويّ معرّض للنضج المبكّر وسط المناخ الصحراويّ !! وهو الرّدّ الكوميديّ الذي أراد به هؤلاء إنتشال الإسلام من الشبهة . والمسلمون الجدد يعارضون هذا الموقف بشراسة , وقد ذهب بعضهم في مراجعاته التّاريخية والرّوائيّة إلى أنّ -عائشة- قد تزوّجت عن سنّ الثامنة عشرة . والصّيرورة التّاريخيّة تقف في صفّ التّصوّر الأصوليّ الكوميديّ , فظاهرة الممارسات الجنسيّة البيدوفيليّة قد شاعت بالمجتمع الإسلامّي منذ زمن طويل وحتّى العصر الحديث . وكثيرا ما تنقل الوسائل الإعلاميّة أحداث وفاة مردّها النزيف الحاد للزّوجة الطّفلة أثناء المباشرة الجنسيّة لسبب عدم إكتمال نضج الجهاز الجنسيّ . فكيف للذّات الإلهيّة كلّيّة الكمال, كلّيّة المقدرة والمعرفة والمحبّة ألاّ تتوقّع كل هذا ؟


إنّ حركة -الإسلام الجديد- هي النّتيجة الموضوعيّة لصيرورة تطوّر الفكر الدّينيّ , وقد كان لزاما أمام هذه الموجة العاتية من الرّجعيّة القروسطيّة الطّائفيّة الإباديّة أن يقع إنتشال -الإسلام- من نموذجه البدائيّ . وإن كانت هذه المحاولة المحتشمة ضرورة تاريخيّة , فهي لم تقدم بعد نسقا شاملاً متكاملاً يحمل بواشر إحداث قطيعة نهائيّة مع التّصورّات الدّينيّة القديمة التي تحكم قبضتها بشكل غير مسبوق على العقل العربيّ والإسلاميّ .



#الهادي_بن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد هرمنيوطيقا -الإسلام الجديد-


المزيد.....




- الديمقراطية وتعاطي الحركات الإسلامية معها
- فرنسا: الشرطة تداهم معهدا لدراسات الشريعة في إطار تحقيق للاش ...
- نشطاء يهود يقتحمون مبنى البرلمان الكندي مطالبين بمنع إرسال ا ...
- بيان جماعة علماء العراق بشأن موقف أهل السنة ضد التكفيريين
- حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات ...
- استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
- ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل ...
- هل يوجد تنوير إسلامي؟
- كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
- نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الهادي بن رمضان - نقد هرمنيوطيقا -الإسلام الجديد-