أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العلم من جنة اليقين الى دنيا الاحتمالات















المزيد.....

العلم من جنة اليقين الى دنيا الاحتمالات


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 09:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لعل "منظومة العلم"، بمكوناتها من معرفة علمية ومناهج وأدوات لإنتاجها، هي واحدة من اهم ما انجزه الانسان عبر تاريخه الطويل. ولا تعود أهمية هذه المنظومة، كأداة ذهنية لفهم الواقع ولتغييره، الى ما تنتجه من معرفة تسهم في الارتقاء بأحوال الانسان فقط، بل أيضا على قدراتها الفائقة على التكيف والتطور. فـ "المعرفة العلمية"، كمنظومة من الفروض المؤقتة عن عالم الواقع، هي منظومة منفتحة تقبل استبعاد أو تعديل ما يثبت خطأه أو ما تتأكد عدم فعاليته من معطيات، وهي في الوقت نفسه تتقبل كل ما ثبتت صحته وتأكدت فعاليته منها. وهذا ما يطلق عليه مبدأ "التفنيد" Falsifiablity الذي يؤدى بالضرورة الى أنه "لا عصمة" للمعرفة العلمية فهي دائما خاضعة للمراجعة والتقييم. اما منهج العلم فهو، طبقا لبوبر Popper،:"منهج صياغة الفروض الجريئة والمحاولات البارعة والعنيفة لتفنيدها" (Popper, 1968). لذا لم يكن مستغربا ان تشهد هذه المنظومة، التي لم يتجاوز عمرها الخمسة قرون، العديد من التحولات الجوهرية التي كان من أبرزها وأبعدها أثرا تحولان هما "التحول المنظومى" وظهور علوم المنظومات، و"التحول اللاخطى" وظهور علوم التعقد.

في البداية قامت منظومة العلم، في صورتها الأولى، على عدة مبادئ من أهمها "الاختزالية" Reductionism و"الحتمية" Determinism. وأول هذه المبادئ، "الاختزالية"، يقضى بأنه يمكن تبسيط دراسة أي شيء بـ "تجزئته"، إلى أجزاء منفصلة أو مكونات، يسهل دراسة كل منها على حدة. وطبقا لهذا المبدأ فإن فهمنا لسلوك مكونات هذا الشيء ستجعلنا قادرين على فهم خصائصه وسلوكه ككل. وعلى الرغم من نجاح تطبيق هذا المبدأ في العديد من الحالات الا انه فشل في الكثير منها. ومن أبرز حالات فشل هذا المبدأ هو عجزه عن تفسير ظهور "الخصائص المستجَدة" Emergent Properties وهي الصفات التي يتمتع بها الشيء ككل ولا تتمتع بها مكوناته. فخصائص الماء على سبيل المثال لا يمكن اشتقاقها من خصائص مكوناته من هيدروجين واكسيجين. وخصائص جسم الإنسان كظاهرة بيولوجية لا يمكن فهمها باعتباره مكونا من 65% ماء و20%ه بروتين و12% دهون 3% مواد أخرى. وهنا ظهرت "المنظوماتية"System Approach بما جاءت به من مفاهيم ومناهج جديدة للنظر فى أحوال الواقع. وفي قلب هذه المفاهيم مفهوم "المنظومة" System، أو "الكل الذي تضيع منك خصائصه المميزة إن حاولت فهمه بتجزئته". إنها هذا الشيء، أي شيء وبغض النظر عن طبيعة مكوناته، الذي يحقق المعادلة: "واحد زائد واحد أكبر من إثنين". وهكذا حدثت أولى التحولات الكبرى التي إنتقلت بالعلم من صورته الأولى إلى صورته الثانية "منظومة الفكر العلمى المنظومى" (او العلم الحديث فى صورته الثانية).

اما ثاني هذه المبادئ، "الحتمية"، فيعني إمكانية "التنبؤ" اليقيني بأحوال أي شيء طالما عرفنا أوضاعه الحالية (أو ما يعرف بالـ "الشروط الابتدائية" Initial Conditions) وبالقانون الحاكم لسلوكه (قانون التطور او التغير). فالحالة الحاضرة (او الآنية) للشيء هي سبب حالته المستقبلية وهي نتيجة لحالته الماضية. او بعبارة أخرى يشبه تطبيق مبدا "الحتمية" انتاج فيلم سنيمائي عن أحوال الشيء إن أدرته للأمام انطلاقا من مشهد بعينه (الحاضر) تتوالى أمامك المشاهد اللاحقة للعمل الدرامي (المستقبل). أما إن أدرته للخلف ستتوالى أمامك الأحداث السابقة التي أدت إلى مشهد الانطلاق (الماضي). وهكذا تخضع الأشياء لمبدأ "التنبؤية الحتمية" Determined Predictability الذي يحولها الى مجرد اشياء آلية يمكن التحكم في سلوكها والتنبؤ بأفعالها وليس لها من خيار سوى ذلك الذي يسمح به القانون، قانون السبب والنتيجة، الذي يحكمها.

وقد جاءت أولى الضربات لمفهوم الحتمية هذا من ميكانيكا الكم وبالتحديد من "مبدأ اللاتيقن (أو الريبة)" Uncertainty Principle الذي صاغه العالم الألماني هيزنبرج (1901–1976). ومؤدى هذا المبدأ أن مجرد عملية ملاحظة (أو مراقبة) الإنسان للواقع تؤثر على حالته ومن ثم على ما تتم مشاهدته وتسجيله. وهكذا وضع مبدأ اللاتيقن حدا أعلى لدقة ما يمكن للإنسان أن يراقبه أو يقيسه وذلك بغض النظر عن مدى تعقد أو تقدم التكنولوجيات التي يستخدمها. وهكذا يصبح التحديد الدقيق للأوضاع الحالية لأي شيء من الأمور المستبعدة ويخرج تنبؤنا بأحواله اللاحقة من خانة "اليقين" الى خانة "الاحتمالات".

ويكتمل الهجوم على مبدأ "الحتمية" في الثلث الأخير من القرن العشرين باكتشاف العلماء لـ "المنظومات الكيوتية" Chaotic Systems. وهي المنظومات التي يصعب التنبؤ الدقيق بأحوالها المستقبلية على الرغم من معرفتنا بالقوانين التي تحكم سلوك مكوناتها وذلك مثل منظومة الأحوال الجوية. وقد لاحظ العلماء ان هناك مجموعة من الصفات التي تميز هذه المنظومات ومن اهمها طبيعة العلاقات بين مكوناتها التي لا نجد أفضل من الاقوال المأثورة لوصفها. فـ "معظم النار من مستصغر الشرر" و"القشة التي قصمت ظهر البعير" تصفان العلاقات التي يحدث فيها امر صغير امرا جلل. اما "تمخض الجبل فولد فأرا" فتمثل وجها أخر من وجوه هذه العلاقات وهي ان نتيجة حدوث امر جلل هي نتيجة هزيلة لا تتناسب ضخامة الحدث. وتعرف هذه العلاقات التي لا يتناسب فيها السبب مع النتيجة بـ "العلاقات اللاخطية". ولعل أهم ما يميز المنظومات المعقدة هو الطبيعة اللاخطية التي تحكم العلاقات بين مكوناتها.

وبتحجيم الدور الذي يلعبه كلا من مبدأي "الاختزالية" و"الحتمية" على الفكر العلمي تشكلت "منظومة الفكر العلمى اللاخطى". وهي منظومة تقوم على نظرة علمية جديدة لأحوال كلا من الواقع الطبيعي والواقع الاجتماعي. نظرة تقترب أكثر من الواقع فتأخذ في اعتبارها كل ما فيه من علاقات لا خطية بين مكوناته، وتغير دائم تتسارع ايقاعاته، وصعوبة التنبؤ بأحواله المستقبلية، وتقدر الدور الهام الذي تلعبه "الفوضى" في إنتاج "الانتظام". إنها نظرة "ما بعد الحداثة في العلم" التي تشكل الإطار الجامع للعديد من النظم العلمية المستحدثة مثل "نظرية الكِيوس" Chaos Theory و"نظرية التعقد" Complexity Theory ونظرية "المنظومات المعقدة المتكيفة" Complex Adaptive Systems (أو العلم الحديث فى صورته الثالثة).

المراجع
Popper, K. 1968. The Logic of Scientific Discovery. London: Harper & Row Publishers.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواطنين لا رعايا
- السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر
- أعمدة الحكمة السبعة
- الحضارات لا تموت قتلا، وانما تموت انتحارا
- ثقافتنا المعاصرة ووظائفها المُعطَلة
- نحن وزمن -الما بعد-
- الاصالة والمعاصرة: الرنيسانس (*) (2/2)
- الاصالة والمعاصرة: عنقاء الزمان (1/2)
- انتخبني من فضلك
- كليات القمة: طبقية التخصصات واهدار الممكن
- حكاية -ماضي كان- واخوه -بكره حيكون-: النبوءة (3/3)
- فساد الافكار
- حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): أصل الصراع (2/3)
- حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): بطاقة تعارف (1/3)
- انطباعات ما بعد الحوار
- السيد نصر الدين السيد - أكاديمي مصري مهتم بالشأن العام- حوار ...
- اهدموا أهراماتكم
- الشيطان يعظ
- هوجة الانتخابات
- فيها حاجة مش ولابد !


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العلم من جنة اليقين الى دنيا الاحتمالات