|
منظمات المجتمع المدني: شوكة في حلق السلطة
خالد عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 07:30
المحور:
المجتمع المدني
إن معاداة السلطات المصرية لمنظمات المجتمع المدني ليست بسبب أزمة قانون أو تمويل، بل أنها في جوهرها مرتبطة ارتباطًا لا ينفصم بحالة الدمج السريع وغير المتكافئ للاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي والذي تتسارع وتيرته بشكل هائل تحت حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي.
تعلم الدولة أن الطريق إلى الليبرالية الجديدة والسوق الحر يمر عبر العديد من الإجراءات المحفوفة بالمخاطر، حيث أن انسحابها من تقديم الخدمات الاجتماعية ورفع الدعم على السلع الاستهلاكية الأساسية والخصخصة واسعة النطاق، وغيرها من الإجراءات التقشفية، قد تدفع الملايين من الفقراء والمهمشين إلى التحرك ضد النظام، لما لها من تبعات اجتماعية شديدة القسوة على حياتهم اليومية.
ووفقًا لهذا السياق فالعداء لمنظمات المجتمع المدني ليس عداءً مطلقًا، فبقدر ما تشجع الدولة المصرية وتروِّج بكل أدواتها للمنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال تقديم الخدمات الأساسية، من صحة وتعليم وغيرها من الخدمات، عبر خلق شبكات تكافل الاجتماعي وزكاة ضخمة للسعي الجزئي لسد الثغرات التي يتركها انسحاب الدولة، تغض الطرف عن مصادر تمويلها الداخلية والخارجية، مثلما يحدث مع مستشفى 57357 ومركز مجدي يعقوب للقلب في أسوان، إلخ.
بينما تحارب الدولة بكل أدواتها منظمات المجتمع المدني التي تكشف عما يترتب عن تمرير هذه السياسات من معاناة لملايين، كما تكشف عما يترافق مع تمريرها من انتهاكات لحقوق الإنسان على كل المستويات وتقدم الدعم لكل الحركات الاحتجاجية المقاومة. لهذا أصدرت الدولة قرارًا بإغلاق مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، مما يعد حلقة جديدة في سلسلة الهجمات ضد منظمات المجتمع المدني، ولن تكون الأخيرة.
ولهذا أيضًا تتجدد مساعي الدولة لتمرير قانون الجمعيات الأهلية جديد، والذي يشتمل على قيود صارمة على تشكيل منظمات المجتمع المدني، وتمويلها وتشكيلها، ويخول الحكومة، عبر ترسانة من القوانين، لاتخاذ إجراءات صارمة ضد تلك المنظمات إذا ما رغبت في تقييد النشاط الأهلي، كما يمنح ممثلي وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني مقعدًا في كل اجتماع لمجلس إدارة أي منظمة من منظمات المجتمع المدني لضمان عدم تجاوز هذه المنظمات الخطط الحمراء التي ترسمها الدولة القمعية.
مع العلم أنه، وفقًا للمحامي الحقوقي أحمد عزت، فإن هذه المنظمات قد شاركت أكثر من مرة في صياغة كافة مقترحات القوانين التي قُدمت للمناقشة بعد ثورة يناير، وقدمت اقتراحات من شأنها إخضاع القانون المنظم للعمل الأهلي “للمعايير الدولية”، سواء المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الملزمة لمصر بشأن الحق في التنظيم أو الحق في التجمع السلمي، أو تلك المستمدة من الممارسات الفضلى في هذا المجال في بلدان أخرى تقدر أهمية المجتمع المدني وتحترم استقلاليته في مواجهة سلطات الدولة المختلفة.
لكن مع الأسف أثبتت تجارب مشاركة المنظمات غير الحكومية في مناقشة مشاريع قوانين العمل الأهلي المختلفة أن الحكومات المتعاقبة تستغل هذه المشاركة لتجميل صورتها والادعاء بأن المجتمع المدني كان طرفًا أصيلًا أخذت رأيه ومقترحاته بعين الاعتبار، في حين أن الحكومة كانت دائمًا ما تضرب بمقترحات المجتمع المدني عرض الحائط.
من المثير للسخرية أن النظام المصري الذي يتلقى سنويًا ثاني أكبر قدر من المعونة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، بعد الكيان الصهيوني، تقدر بحوالي 2.1 مليار دولار لمصر، لا تخضع لأي رقابة شعبية، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية لضمان الالتزام المصري بكامب ديفيد مع الكيان الصهيوني.
تلقى النظام المصري أيضًا ما يزيد على 30 مليار دولار من دول الخليج لتدبير انقلاب السيسي وتنصيبه رئيسًا، وهو من يتحدث عن التمويل الخارجي ويتشدق بمفاهيم السيادة الوطنية وغيرها من الشعارات المخادعة، في الوقت الذي تراقب فيه وزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من أجهزة الدولة المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدني الجادة، وفقًا لعقود بين الجهات الممولة والجهات المتلقية للمنح. بالإضافة إلى أن هذه المنظمات تقدم تقريرها للضرائب المصرية وتخضع لرقابتها مثلها مثل كل المؤسسات العاملة في الدولة.
إذن، وبسبب دورها الفاعل في الحلول محل المعارضة السياسية، التي نجح النظام القمعي إلى حدٍ بعيد إما في القضاء عليها بالقتل والاعتقالات أو في تدجينها ومقايضتها حريتها بالحرب على الإرهاب، في كشف الممارسات القمعية للنظام العسكري. وفي ظل السعي الحثيث من قبل العسكر في مصر لتأميم المجال العام وغلقه تمامًا، تسعى الدولة عبر الترويج لنظرية المؤامرة الخارجية للتذرع بالتمويل الأجنبي والأجندات الخارجية وحزمة من الشعارات الوطنية الزائفة إلى تشويه هذه المنظمات الجادة لتدجينها والإضعاف من قدرتها على المقاومة من ناحية والتبرير لكل ما قد يُمارس ضدها من إجراءات قمعية من ناحية أخرى.
#خالد_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تعوق الزيادة السكانية التنمية؟
-
من يحكم مصر الان؟
المزيد.....
-
تحليل.. مذكرة اعتقال نتنياهو على المحك باختبار دول ومدى التز
...
-
السعودية تتحدث عن حقوق الإنسان بينما تستعد لاستضافة كأس العا
...
-
روسيا: جرائم المسلحين تفاقم الوضع بسورية وتخلق موجة جديدة من
...
-
الأمم المتحدة تحذر من تفاقم النزوح القسري في ظل نقص التمويل
...
-
الأمم المتحدة تدين القصف المميت على مخيم زمزم للنازحين في دا
...
-
الأمم المتحدة تتبنى قرارا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة
...
-
شاهد.. مراكز الايواء بحماة تستقبل النازحين من حلب
-
حكام الولايات الجمهورية يخططون لمساعدة ترامب في خطط ترحيل ال
...
-
قطر تدين استهداف إسرائيل المتكرر للنازحين ومدارس الأونروا بغ
...
-
الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|