|
الهولوكست والعنصرية
فريدة النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 09:58
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام بأغلبية كبيرة علي اعتبار يوم السابع والعشرين من يناير يوما للمحرقة النازية ضد اليهود التي تمت في معسكرات الاعتقال في أوروبا حين اجتاحها هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية. ويضع هذا التكريس حدا لجدل دار علي مر السنوات الأخيرة حول عدد اليهود الذين ماتوا فعلا في هذه المحرقة لأن المحرقة حدثت فعلا، وكان الفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام «روجيه جارودي» من أبرز ضحايا هذا الجدل قبل سنوات، وذلك حين أصدر كتابه «الأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية»، ولم يتضمن الكتاب تشكيكا في عدد الذين قتلوا فحسب ولكنه أكد في نفس الوقت أن قتل نفس واحدة وليس ستة ملايين كما يقال هو عمل ضد الإنسانية وأنه بالإضافة لليهود الذين اختنقوا في أفران الغاز كان هناك الآلاف من المناضلين المسيحيين الديمقراطيين ومن الغجر والسود ومن الشيوعيين من غير اليهود الذين لقوا نفس المصير، أي أن المحرقة لم تكن عملا موجها ضد اليهود وحدهم بل ضد الإنسانية كلها، وأن احتكار اليهود لها بهدف «تأميم» صورة الضحية لمصلحتهم لا يجوز أن يطمس حقائق أخري كثيرة. وعلي رأس هذه الحقائق التي نعرفها جميعا، ولكن يبدو أن التذكير بها بات ضروريا من حين لآخر أن الهولوكست جريمة أوروبية لا علاقة للفلسطينيين بها، وأن أوروبا لكي تبريء نفسها ساندت المشروع العنصري الصهيوني في الاستيلاء علي أرض فلسطين وإقامة دولة أصبحت منذ نشأتها ذراعا للإمبريالية وكان هذا الدعم أولا وقبل كل شيء دفاعا عن المصالح الاستعمارية النفطية في المنطقة. والحقيقة الثانية هي أن إسرائيل التي أصبحت دولة احتلال بمساعدة الاستعمار البريطاني والفرنسي مرة، والأمريكي مرة أخري لم تتورع عن ارتكاب الفظائع ضد الشعب الذي احتلت أراضيه مستهدفة ترحيله من أرضه بعد أن حولت غالبيته إلي شعب من اللاجئين، والحقيقة الأخري هي أن إسرائيل قدمت نفسها للعالم في صورة الدولة الديمقراطية العصرية التي تعيش بين الوحوش غير المتحضرين الغارقين في بحور الاستبداد، بينما مارست هي كل أشكال الاضطهاد والتمييز ضد الفلسطينيين سواء هؤلاء الذين عاشوا داخل الأراضي التي أعلنت فيها الدولة الإسرائيلية أو الذين خضعوا للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة وبينهم لاجئون بمئات الآلاف جري اقتلاعهم من قراهم وبلدانهم ليعيشوا في المخيمات سواء داخل فلسطين أو في البلدان العربية الأخري. ولم ينج «روجيه جارودي» حتي هذه اللحظة من الحصار والملاحقة القضائية والعزلة الإعلامية وعجز عن نشر كتابه إلا في دار نشر صغيرة وخاصة وأصبح مجبرا الآن علي الصمت. وقبل عامين أصدر باحث فرنسي آخر هو «بونيفاس» الذي ينتمي إلي الحزب الاشتراكي الفرنسي كتابه «من يجرؤ علي نقد إسرائيل» فضح فيه أساليب عمل اللوبي الصهيوني في فرنسا الذي تاجر بالهولوكوست طويلا ليحجب جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ويواجه حالة التعاطف المتزايدة مع الفلسطينيين بين الشباب الفرنسي والأوساط السياسية والأكاديمية عامة، وحكي الباحث الذي وصل به الأمر إلي فصله من الحزب الاشتراكي الفرنسي كيف لجأ الصهاينة من اليهود وغير اليهود إلي محاصرة المركز الذي يعمل به وحجب التمويل عنه والتضييق عليه هو شخصيا علميا وإداريا مع تنبيه قوي منه للعرب المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا يقول لهم إنهم لم يستفيدوا بعد من قوتهم ونفوذهم المحتمل لكي يدافعوا عن قضية الشعب الفلسطيني ويكسبوا إلي صفها مزيدا من المتعاطفين بعد أن بدأ الرأي العام الفرنسي يغير نظرته التي طالما اعتبرت إسرائيل واحة للديمقراطية ونموذجا يحتذي به في الشرق الأوسط المتخلفة. ولم يستطع العرب في فرنسا مساعدة كل من جارودي وبونيفاس. والآن وبعد أن سجلت إسرائيل في الجمعية العامة نجاحين كبيرين كان أولهما إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي كان قد صدر عام 1975 وساوي بين العنصرية والصهيونية. وثانيهما صدور هذا القرار الأخير الخاص بالهولوكست، فإن الاستراتيجية الإعلامية العربية في مواجهتها تحتاج إلي إعادة نظر وإعادة بناء خاصة أن الإدارة الأمريكية تسعي الآن بكل قوة للمطابقة بين حركة التحرر الوطني ومقاومة الشعوب للاحتلال من جهة وبين الإرهاب من جهة أخري ويساعدها في إنجاز هذه المهمة تلك العمليات الوحشية ضد المدنيين التي تقوم بها جماعات تنسب نفسها للإسلام في العراق من خطف وقتل وتنكيل وبيانات تصف الصراع ضد الإمبريالية والاحتلال وصفا دينيا باعتباره ضد النصاري واليهود كما يقول أيمن الظواهري منظر تنظيم القاعدة. تحتاج الاستراتيجية الإعلامية العربية وهي تسعي لرد الاعتبار لقرار الأمم المتحدة الذي ساوي بين الصهيونية والعنصرية وتقديم صورة حقيقية لمقاومة الشعبين العراقي والفلسطيني للاحتلال - تحتاج أن تقيم الوشائج الحقيقية والعميقة مع الحركة العالمية المناهضة للإمبريالية وللعولمة الرأسمالية ،ولابد أن نذكر هنا أن مؤتمر المنظمات المدنية في ديربان بجنوب أفريقيا في أغسطس عام 2001 الذي انعقد علي هامش المؤتمر العالمي الثالث لمناهضة العنصرية كان هو نفسه قد رد الاعتبار لهذا القرار وطالب بإعادة اعتماده في الأمم المتحدة.. وهي دعوة لابد من تجديدها والدفاع عنها. ولكن المعضلة الكبري التي تواجهها السياسة الإعلامية العربية هي أنها لابد أن تنهض أولا علي استراتيجية سياسية عربية جديدة.. وهو الشيء البعيد المنال في ظل التردي والتبعية ويحتاج لنضال طويل وصعب.
#فريدة_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحرر المرأة العربية ذلك اللحن الذي لم يتم
-
الدمقراطية والعلمانية
-
قضية للمناقشة في عيد العمال
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|