أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هشام القروي - هل تكون سوريا الهدف القادم ؟















المزيد.....


هل تكون سوريا الهدف القادم ؟


هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)


الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 07:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الفرضية التي تحاول هذه الدراسة بحثها أنه اذا كانت النتائج المتوقعة من التحقيق الدولي حول اغتيال الحريري سيئة بالنسبة لسوريا, فإنها ليست السبب الوحيد الذي قد يؤكد الاتجاه الحالي الى عزل النظام السوري, وهو ما تسعى اليه الولايات المتحدة بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا. فهذا ما شرع فيه قبل حادثة الاغتيال, ومن ثم, فقد جاءت هذه الأخيرة لتزيد الطين بلة.

***


اتفق أكثر من مصدر اعلامي على أن الشبهات بشأن اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري, تحوم حول اللواء آصف شوكت , مدير المخابرات العسكرية و صهر الرئيس بشار الأسد, بوصفه المتهم الرئيسي ,في الوقت الذي تحول فيه محمد زهير صديق من شاهد إلى متهم . وذهب بعض الملاحظين الى أن اسم ماهر الأسد – أخ الرئيس السوري – رفع في آخر لحظة من تقرير ميليس . وقد وقع التمديد لمحقق الأمم المتحدة , ديتليف ميليس, الى شهر ديسمبر لاستكمال التحقيق, الذي تمكن تحت اشرافه الى حد الآن من استجواب أكثر من 400 شخص والاطلاع على 60 ألف وثيقة, وايقاف 4 مسؤولين كبار في جهاز الأمن والمخابرات اللبناني. وتتجه اللجنة فيما يبدو أيضا الى اتهام رئيس جهاز الأمن والاستطلاع السابق في لبنان العميد رستم غزالة.
والسيد شوكت يعتبر "الرجل الثاني" في سوريا, حتى أن البعض يرون أنه في حالة تنحي بشار عن السلطة, فهو الذي سيخلفه على رأس الدولة , و هو زوج بشرى الاسد، ابنة الرئيس الراحل حافظ الاسد وشقيقة الرئيس الحالي بشار الاسد. وقد عينه الرئيس السوري رئيساً لشعبة المخابرات العسكرية بالتكليف في 14 شباط/ فبراير الماضي، خلفاً للواء حسن خليل الذي كان يشغل هذا المنصب منذ نهاية التسعينات وبلغ سن التقاعد. وتم تثبيته كرئيس شعبة المخابرات العسكرية في حزيران/ يونيو الماضي. وقد زار شوكت باريس في منتصف ايلول/ سبتمبر في زيارة خاصة حسبما أعلن في حينه. ويبدو أن لبنان وجه اتهاماً بالقتل إلى محمد زهيرصديق الذي اعتقل في فرنسا بموجب مذكرة بحث دولية أصدرها القضاء اللبناني الذي لديه أسباب تجعله يعتقد ان صديق قام بدور غير مباشر في قتل الحريري وضلل المحققين الدوليين.
ويبدو أن صديق يواجه الاتهامات نفسها الموجهة لأربعة من قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية الموالين لدمشق اعتقلوا في آب/ أغسطس الماضي بناء على توصية من لجنة التحقيق الدولية، واتهموا بالقتل ومحاولة القتل وتنفيذ عمل إرهابي فيما يتعلق بمقتل الحريري.
ويقول البعض إن صديق كان من الشهود البارزين في التحقيق، حيث قال إنه حضر اجتماعات تم خلالها بحث قتل الحريري. لكنه تحول إلى مشتبه فيه عندما تبين انه ضلل المحققين. وكتبت صحف لبنانية تقول إن الشبهات تزايدت عندما أبلغ صديق المحققين انه كان في مكان قريب عندما انفجرت القنبلة التي قتلت الحريري وعشرين آخرين . وكان صديق قد أبلغ اللجنة الدولية أنه برتبة رائد في المخابرات العسكرية في سورية، وأنه كان مديراً لمكتب الرئيس السابق للمخابرات العسكرية اللواء حسن خليل. لكن الحكومة السورية قالت إنه مجرد مجند فار من الخدمة، وسبق أن اعتقل لاتهامات تتعلق بالتزوير والاحتيال.
ولقد كانت قضية اغتيال الحريري بمثابة "الضربة القاضية" للوجود السوري في لبنان, واذا كان الهدف من وراء اغتياله هو التخلص من شخصية قوية ومسموعة في معارضتها لاستمرار النفوذ السوري في لبنان,فقد أخفقت العملية في بلوغ هذا الهدف, بل حققت نتيجة معاكسة تماما. ولم يخرج السوريون من لبنان مع اللعنات وحسب, وإنما تزايدت الضغوط الدولية على دمشق بشكل غير مسبوق ومنذر بعواقب أسوأ. ففي ثنايا التحقيق, أو على هامشه, أعلن في دمشق عن موت وزير الداخلية السوري ورئيس جهاز الأمن والاستطلاع في لبنان سابقاً (1982 - 2002) اللواء غازي كنعان ...انتحارا. ولأن هذه الوفاة فاجأت الملاحظين بشكلها - طلقة في الفم بمسدسه وفي مكتبه - ومضمونها - ماالدافع أن ينتحر انسان يملك سلطة وزير؟ - وحيثياتها - لماذا في هذا الوقت ؟ - فإن العديد من الملاحظين شككوا في أن تكون المسألة انتحارا. وكان غازي كنعان من بين الذين استجوبتهم اللجنة الدولية للتحقيق, وكانت أصابع الاتهام توجه اليه في قضية اغتيال الحريري .
واذا كانت النتائج المتوقعة من هذا التحقيق سيئة بالنسبة لسوريا, حسب ما يبدو , فإنها ليست السبب الوحيد الذي قد يؤكد الاتجاه الحالي الى عزل النظام السوري, وهو ما تسعى اليه الولايات المتحدة بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا. وهذا ما شرع فيه قبل حادثة الاغتيال, ومن ثم, فقد جاءت هذه الأخيرة لتزيد الطين بلة.
ونحاول أن نفهم هنا الأسباب التي تدفع باتجاه هذا الصراع والتأزم في العلاقات بين سوريا والدول الغربية, لا سيما أن هذه الأخيرة ليست متجانسة في سياساتها الخارجية تجاه العالم العربي, الا أنها تبدو متفقة على اتخاذ اجراءات شديدة ضد النظام السوري. والواقع أن فرنسا تجاوزت جميع اعتراضاتها على السياسة العربية الأميركية والبريطانية لتعمل معهما في نفس السياق للضغط على سوريا, وذلك لسببين على الأقل : أولا , ما يتمتع به لبنان من علاقات متميزة مع فرنسا , وثانيا ما كان يتمتع به المرحوم رفيق الحريري من صداقة شخصية تربطه بالرئيس جاك شيراك.
والحقيقة أن بشار الأسد يدرك أن الانزلاق الى المواجهات غير مفيد, فهو قد بدا معتدل اللهجة خلال اللقاء الذي أجرته معه مؤخرا كريستيان آمانبور على قناة "سي ان ان", ودافع عن نظامه واصفا أي مسؤول سوري يثبت عليه التورط في اغتيال الحريري ب"الخيانة", ومؤكدا أن دمشق ستتعاون تماما مع التحقيق الدولي.
ولا شك أن هناك أسبابا تدعو سوريا للتجاوب , ولكن السؤال هو : الى أي حد؟

انهيار محادثات السلام وعزلة سوريا

منذ انتهى الاتحاد السوفياتي ودمشق تبدو وكأنها تتبع سياسة الانعزال عن العالم. وبالرغم من ذلك, لم ينقطع الأمل في تنامي العلاقة السورية مع الغرب, وهو ما اتضح من أمور عديدة. فالرئيس الراحل حافظ الأسد دعم حرب الخليج الثانية , واشتركت حكومته في مؤتمر السلام في مدريد, وشارك أيضا الولايات المتحدة أثناء رعايتها للمفاوضات التي جرت في التسعينات مع الحكومة الاسرائيلية. ومع أن كل هذه العلامات تشير الى امكانية أن تتجه سوريا أكثر في طريق السلام كما طرح أميركيا والارتباط التام مع الغرب , الا أن ذلك المسار لم يكتمل. أما الرئيس بشار , فقد حافظ على العلاقة المتميزة مع ايران , وبحسب التقارير الغربية, فهو ساهم أيضا في تحويل الأسلحة الايرانية الى حزب الله في لبنان, وهذا ما لم يرض واشنطن التي تعتقد أن سوريا تتحمل جزءا من المسؤولية في الهجوم الذي حدث في 1996 على القاعدة الأميركية في مدينة الخبر السعودية وأودى بحياة 19 جنديا أميركيا.
لقد أدى انهيار محادثات السلام بين سوريا واسرائيل في عام 2000, بعد فشل محادثات كلينتون/الأسد الى سد المسار السوري. وكان من شأن انتخاب ارييل شارون رئيسا لوزراء اسرائيل أن أنهى أي أمل يتعلق باستئناف تلك المحادثات, على المدى القريب. وأدى ذلك في نفس الوقت الى اضعاف ركن أساسي في العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة.
و كان من نتائج رحيل حافظ الأسد عن الساحة واستبداله بنجله بشار وقوع مزيد من التلاشي في امكانية وقوع تقدم ذي أهمية في العملية السلمية. فقد بدا بشار بحاجة الى مزيد من الوقت لتدعيم أركان حكمه , ومن ثم فهو لم يكن قادرا على الاقدام على جهد دبلوماسي طموح ينطوي على المغامرة.
ويلاحظ أنه لم تمر فترة طويلة بعد وفاة حافظ الأسد (حزيران/يونيو 2000,) وخلافة ابنه للسلطة, حتى تغير الموقف الأميركي من بشار. فالمعلقون الغربيون الذين اهتموا به كثيرا في الفترة الأولى, بوصفه شابا مطورا لرؤية جديدة قد تعزز الاعتقاد أن البلاد في ظل حكمه قد تحقق نقلة نوعية سواء في الداخل - وعوده بالاصلاح والديمقراطية واللبررة - أو في الخارج حيث نظروا اليه بصفته قادرا على تخطي العراقيل الايديولوجية والنفسية التي لم يستطع والده تجاوزها - سواء في العلاقة مع الغرب أو في موضوع التفاوض مع اسرائيل - أولئك المعلقين أنفسهم عادوا بعد ذلك ليتحدثوا عن انهيار أوهامهم فيما يتعلق بالتغيير في سوريا. وقد رأوا أن النظام لم يتغير وان بشار قد لا يكون الرجل الذي توقعوا أن يقوم بالتغيير المطلوب. فالحرس القديم لا يزال في مكانه , والنظام لا يزال سلطويا," يتبع سياسة الكبت والاخضاع داخليا, واستفزاز واثارة اسرائيل خارجيا ".
وفي نوفمبر 2000, أي بعد أن أعاق الفشل الذريع في العملية السلمية مع اسرائيل امكانية انشاء علاقات جيدة مع واشنطن , تحولت وجهة سوريا نحو جارتها العراق كداعم استراتيجي. وهناك العديد من الآراء تؤكد أن هذا التحول كان بمثابة اختيار منطقي لسوريا. فصدام حسين كان يريد الحصول على علاقة وطيدة بأي دولة تظهر نحوه ميلا أو تعاطفا أو صداقة. وفي نفس الوقت كانت دمشق بحاجة للحصول على البترول العراقي أيا كانت الطريقة, كما أرادت أيضا الحصول على اتفاقيات تجارية مميزة. ويلاحظ أن مثل هذه الفوائد التي حصلت عليها سوريا ساعدت في تقليل الانتقادات الداخلية للحكومة السورية. ومن ثم, فقد خلقت العلاقة مع العراق شيئا من الاستقرار في الوضع الداخلي, أما على الصعيد الخارجي, فقد أظهرت تلك العلاقة سوريا بصفة الرمز المدافع عن القومية العربية.
واستطاعت دمشق أن تقحم نفسها في الحكم المباشر بلبنان , وهو ما استنفد الجهد السوري. وبالرغم من أن هذا الاقحام كان يعني - رغم وجود مفارقة - تمكين سوريا من وصلة حيوية مع الغرب (لبنان), فهو قد كون أيضا أرضية صلبة يتم انطلاقا منها مكافحة اسرائيل. فقد سمحت سوريا للتنظيمات الفلسطينية مثل "حماس" و"الجهاد الاسلامي" أن تفتح مكاتب لها في دمشق, وأمدتها بالدعم والارض لاقامة معسكرات تدريبية. وكان لسوريا أيضا دور في توجيه هجمات حزب الله ضد الجنود الاسرائيليين في مزارع شبعا. ويقال ان سوريا شجعت مختلف الفصائل داخل الأراضي الفلسطينية على الاستمرار في الكفاح المسلح , وذلك بتهريب التمويل والأسلحة والمقاتلين الى الضفة الغربية وغزة, للإبقاء على الانتفاضة مشتعلة. وهذا ما قد لا تكون السلطة الفلسطينية رحبت به كثيرا.

11 سبتمبر وحرب العراق

وبعد أحداث هجمات 11 سبتمبر 2001, كان على الولايات المتحدة أن تقرأ الخارطة بطريقة مغايرة لما سبق, بعد التأكيد على خطورة الدول المعرفة بكونها "مساعدة للارهاب". وكان على سوريا أن تبدي مساعدتها للولايات المتحدة , فأظهرت أنها مناهضة للارهاب, وقامت المخابرات السورية بالمساعدة في منع هجوم سنة 2002 على القاعدة العسكرية الأميركية في البحرين. واستطاعت السلطات السورية كذلك أن تلقي القبض على واحد من المتورطين في هجمات 11 سبتمبر من أعضاء "القاعدة". فقد تردد آنذاك أن سوريا قدمت معلومات استخبارية عن التحقيقات والاستجوابات التي أجرتها مع مواطن ألماني- سوري , وهو محمد حيدر زمار, المشتبه بأنه لعب دورا في أحداث 11 سبتمبر. كذلك, قدمت سوريا معلومات عن محمد عطا, وهو أحد الضالعين بشكل مباشر في الهجوم على مركز التجارة العالمي, والذي كان يعمل في مدينة حلب في منتصف التسعينات من القرن الماضي. كما تم تقديم معلومات أخرى حول مأمون دركازنلي, وهو رجل أعمال سوري يزعم بأنه عمل كقناة مالية لأعضاء "القاعدة" المسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر والهجومين بالقنابل اللذين وقعا عام 1998 على السفارتين الأميركيتين في شرق افريقيا . وكانت لهذا التعاون نتائج , ففي أيلول 2002, عندما ضغط أعضاء في الكونغرس الأميركي من أجل تمرير قانون محاسبة سوريا , أجاب ساترفيلد , مساعد وزير الخارجية بقوله : " ان فرض عقوبات جديدة على سوريا, من شأنه تقييد قدرتنا تقييدا خطيرا, على معالجة سلسلة واسعة من القضايا المهمة مباشرة , وعلى اعلى مستويات الدولة السورية. كما أنها سوف تجعل أكثر صعوبة جهودنا لاحداث تغيير في سلوك سوريا, وفي تجنب تصعيد خطير للعنف في المنطقة" .
ولكن لم تأت سنة 2003 حتى كانت المخابرات الأميريكية تؤكد أن النظام السوري يقدم الملجأ لبعض الرؤوس القيادية لتنظيم "القاعدة", وأن دمشق كانت ساعدت سابقا في ترتيب وتنظيم الانتقالات والتحويلات التمويلية بين أوروبا و المعسكرات التدريبية التابعة لجماعة "انصار الاسلام" الارهابية في شمال العراق.
لقد جاءت حرب العراق أيضا لتضفي تحولات هامة على السياسة السورية. ففي الثالث من مايو/ايار 2003, أي بعد أقل من شهر من سقوط النظام العراقي, قابل وزير الخارجية الأميركي كولن باول الرئيس بشار الأسد في دمشق. وخلال تلك المقابلة نوقشت الخيارات الصعبة التي تواجه سوريا بعد سقوط صدام حسين. فمن ناحية, طلب باول مساندة الأسد لخريطة الطريق التي يشجعها بوش من أجل انجاح المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية , كما طلب باول من الأسد أن يأمر بانسحاب 20 ألف من القوات المرابطة في لبنان, مهددا سوريا بعواقب سيئة اذا استمرت في تقديم التسهيلات للفصائل الفلسطينية المعتبرة "ارهابية" في واشنطن. وتوالت الضغوط بعد ذلك. وراحت التقارير تتوالى عن دور سوريا في المقاومة التي يلقاها الأميركيون في العراق, من حيث ايوائها للعراقيين المطلوبين وسماحها للراديكاليين الاسلاميين بالمرور عبر الحدود , وهي اتهامات تتردد الى اليوم. والواقع أنه عندما سقط النظام العراقي, حرمت سوريا من البترول الرخيص الثمن والسوق التي كانت مفتوحة لصادراتها, وأدركت معنى وجود حوالي 150 ألف من القوات الأميركية على حدودها. وأكثر ما خشيته سوريا هو تأثير سقوط نظام صدام على وضعها الداخلي من حيث احتمال تقوية المعارضة.
وهذا ما دفع النظام السوري نحو تقديم بعض التنازلات, حيث استجاب لمطلب باول بإغلاق المكاتب الفلسطينية المعنية, وهذا ما جعل بعض الأصوات تتعالى ساخطة على هذا الموقف. ولكن في مؤتمر شرم الشيخ الذي تم خلاله مناقشة خارطة الطريق, أوضح الأسد أن دمشق تقبل ما يختاره الفلسطينيون لتقرير مصيرهم, وأنه لدى سوريا النية لاستعادة العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة, وقد كرر مثل هذه التصريحات بعد ذلك مرارا. وفي نفس هذا السياق المشير الى تحول السياسة السورية, قام الأسد بزيارة رسمية لتركيا في يناير/كانون الثاني 2004, كانت الأولى التي يقوم بها رئيس سوري. لذلك اهتم بها كثيرا الاعلام العربي والغربي في حينه.
وبالرغم من ذلك, تظل تركيا دولة غير موثوق بها بالنسبة لسوريا. فهي ليست حليفة الولايات المتحدة وحسب, وانما كذلك حليفة اسرائيل, وهي تسعى للاندماج في الاتحاد الأوروبي (أي أن ينظر اليها بصفتها دولة غربية), مع ما يعنيه ذلك من تقوية ديمقراطيتها. وبعد أن هزم حزب العمال الكردستاني الانفصالي - الذي كان يحظى بدعم سوري - بدا حزب العدالة والتنمية الحاكم متوافقا مع المفاهيم الكمالية للعلمانية التي يحرسها الجيش.

من التوازن الى الأزمة

لقد ظلت العلاقات بين دمشق وواشنطن معقدة لفترة طويلة, ولا شك أنها لا تزال كذلك اليوم أيضا. فسوريا كانت الدولة الوحيدة التي حددتها الولايات المتحدة بصفتها "دولة راعية للارهاب" , ومع ذلك فقد ظلت ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية عادية. ومن أسباب ذلك وجود قناعة لدى بعض المجموعات المؤثرة في واشنطن بأن مفتاح الاستقرار الاقليمي يكمن في صفقة سلام بين اسرائيل والعرب , وأن التوصل الى ذلك هدف أولوي تصبح معه مسائل أخرى مثل مناصرة سوريا للجماعات الراديكالية - حزب الله وحماس والجهاد - ثانوية , اذا أمكن اقناع السوريين بالتوصل الى اتفاق مع اسرائيل. وهذا مبني ايضا على الاعتقاد أن حل الخلاف بين سوريا واسرائيل من شأنه أن يحل القضايا الناشئة عن تأييد سوريا لحزب الله والمجموعات الفلسطينية. ومن ناحيتها, فقد كانت دمشق مقتنعة أيضا منذ عهد الرئيس حافظ الأسد, بأن استرجاع الجولان لا يمكن أن يتم دون ضغوط من واشنطن. ونتيجة لهذا, ظل التوازن قائما في العلاقات , الا أن الهزة التي تلقاها تمثلت في تغير الوضع في العراق, ودخول الولايات المتحدة كيد فاعلة في التغيير.
والحقيقة أن جناح الصقور في ادارة بوش لم يعتقد أبدا بأنه من المجدي الاستمرار في نفس السياسات العربية التي انتهجتها الادارات السابقة. وهذا الجناح رفض الأسس التي بنيت عليها تلك السياسة - أي القبول بتقديم تنازلات من أنظمة معينة ( بالرغم من توجهاتها المعادية لأمريكا أو عدم ديمقراطيتها) في سبيل الحفاظ على الاستقرار الاقليمي. واعتبر هذا الجناح مثل هذه الترتيبات مسيئة لمصالح الولايات المتحدة , أكد بدلا من ذلك على اعطاء أهمية قصوى لاصلاح تلك الأنظمة أو حتى للسعي لتغييرها.
ويمثل الموقف من سوريا تحديدا هذا التحول المفصلي في السياسة الأميركية. فأنصاف الخطوات لم تعد مرضية , والتساهل مع نظام يعتبر راعيا للارهاب أثار حفيظة الصقور في واشنطن. وهذا ما عبر عنه مسؤول أميركي بقوله : " ان قوانين اللعبة تغيرت , وذلك أنه بالنسبة للرئيس لم يعد كافيا اتخاذ اجراءات جزئية في الحرب على الارهاب. لن تكافأ سوريا لعمل ما هو صحيح تجاه (القاعدة), فيما اذا استمرت بعمل ما هو خاطئ تجاه حزب الله أو حماس. كما لا يجب أن تتوقع من الولايات المتحدة أن تدفع لسوريا للتوقف عن فعل ما كان أصلا يتوجب عليها أن لا تفعله. دع سوريا تضع حدا لجميع أشكال الدعم للجماعات الارهابية, دعها تحدد الشكل الذي تريد أن تكون سوريا عليه, عندها نستطيع التعامل". وشيئا فشيئا, بدأت واشنطن تتجه أكثر فأكثر نحو الضغط كسياسة مكرسة مع سوريا. ففي أعقاب وصف وزير الدفاع رامسفيلد "الامدادات العسكرية السورية " المزعومة الى العراق بأنها "أعمال عدائية" ستؤدي الى المحاسبة , تردد بأن أحد كبار المسؤولين الأميركيين قال : " اننا نحاول تخويفهم لفترة ما على أمل أن تقوم سوريا بتغيير تصرفاتها" , وبدأ منذ ذلك الوقت التلويح بإمكانية اتخاذ اجراءات عسكرية ضد سوريا.
لقد كانت الرسالة التي وجهتها واشنطن آنذاك الى دمشق تقول : "انكم تقفون في الجانب الخاسر. لقد خسرتم مداخيل من العراق . والولايات المتحدة تقود جهدا لاحياء عملية سلام أنتم جزء منها, ولم يضغط علينا أحد لدعوتكم الى قمة شرم الشيخ في 2 حزيران 2003. ولا يزال بامكانكم تغيير سياستكم تجاه العراق, وتجاه النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي, والانضمام الينا في التحالف ضد الارهاب. وآنذاك سوف تفتح السوق العراقية أمامكم, وبإمكانكم حتى أن تكسبوا الرأي العام الاسرائيلي, بانتظار أن تنضج الظروف لاستئناف التفاوض. ويمكنكم الاستمرار في نهجكم الحالي الذي سيترككم في نفس المكان فيما يغادر القطار المحطة".
وكان من بين القضايا التي أثيرت آنذاك موضوع الأموال العراقية المودعة في سوريا. فقد طالبت الولايات المتحدة بإعادة تلك الأموال الى العراق, وذكرت بأنها مودعة في خمس حسابات, أكبرها الحساب الذي يحتوي أموالا تعود للحكومة العراقية. وقد ادعت سوريا أن مجموع هذا الحساب هو 260 مليون دولار, وأن معظمه هو دين لصالح الشركات السورية, كمدفوعات لمشتريات تمت قبل الحرب, وأن الحسابات الأربع المتبقية تمثل موجودات (أصولا) عراقية مباشرة وتبلغ حوالي 6 مليون دولار. أما الولايات المتحدة, فقد ادعت أن المبالغ أكبر بكثير, وأن العديد من المطالبات السورية مزورة.
ونلاحظ أن السيد جون بولتون , ممثل الولايات المتحدة الحالي في الأمم المتحدة, كان هو الذي يمسك بملف "اسلحة الدمار السورية" , عندما كان وكيل وزير الخارجية لشؤون نزع السلاح. والسيد بولتون كان يعتقد - ومن المؤكد أنه لا يزال - أن سوريا جادة في سعيها لامتلاك الأسلحة الكيمياوية وأنها تطور قدرات هجومية بالاسلحة البيولوجية . وهذا ملف مزعج جدا ينضاف الى مؤاخذات أخرى.
وحزب الله يمثل عقدة حقيقية في العلاقات بين واشنطن ودمشق, فهذا الحزب تتهمه الولايات المتحدة بالضلوع في الهجمات التي شنت على مواطنيها في لبنان, ابان الحرب الأهلية في عقد الثمانينات, كما تتهمه بشن هجومين بالقنابل على هدفين يهوديين في بيونس آيرس في عامي 1992 و1994. ويبدو أنه استفاد من الدعم المادي والسياسي الذي قدمته سوريا له لفترة طويلة. وحزب الله لا يزال يمثل شوكة في قدم اسرائيل - في مزارع شبعا.
لقد اتضح التحول في الموقف الأميركي لأول مرة عندما صرح وزير الخارجية , كولن باول, في 13 آذار 2003 بأن الولايات المتحدة " تريد أن ترى سوريا وقد سحبت جيش الاحتلال من لبنان" . وكان هذا الموقف متناقضا مع ما كان يعتقد من "تسامح أميركي" تجاه الوجود السوري في لبنان .
ورفعت الادارة الأميركية معارضتها عن قانون محاسبة سوريا وقانون سيادة لبنان, واللذين وقعهما الرئيس بوش ليصبحا ساريي المفعول بتاريخ 12 كانون أول/ديسمبر 2003. وفيما يلي العقوبات الست الموجودة على القائمة : حظر على جميع الصادرات باستثناء المواد الغذائية والأدوية, وحظر على الاستثمارات الاميركية في سوريا, وقيود مشددة على سفر الدبلوماسيين وتنقلهم في والى الولايات المتحدة, وحظر على جميع الطائرات السورية المتوجهة الى الولايات المتحدة, وتخفيض درجة العلاقات الدبلوماسية عدا الاتصالات الأخرى اللازمة لحماية المصالح الأميركية, وتجميد كافة معاملات الحكومة السورية في الولايات المتحدة .
ومن الطبيعي أن تخلق هذه الأوضاع المتأزمة مخاوف داخل سوريا. فوقعت المقارنة بين موقف الولايات المتحدة من سوريا وموقفها من العراق بداية من التسعينات. ووقع التذكير بقانون تحرير العراق ومقارنته مع القانونين الجديدين. وعبر بعض السوريين عن قلقهم من الدور الذي يقوم به فريد الغادري , زعيم حزب الاصلاح السوري, في واشنطن , وهذا ما ذكرهم بدور مماثل قام به أحمد جلبي رئيس حزب المؤتمر العراقي, قبل حرب اسقاط النظام. وتبين هذا القلق حتى في تصريحات المسؤولين السوريين الكبار, حيث وصف فاروق الشرع , وزير خارجية سوريا, الادارة الأميركية بأنها "الأكثر غباء والأكثر عنفا في تاريخ أميركا" .
ومؤخرا , وأثناء تقديم شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر 2005, قالت كوندوليزا رايس: "تسمح سوريا وإيران بوصول المحاربين والمساعدات العسكرية إلى المتمردين في العراق. وفي ما يتعلق بسوريا، نشعر بالقلق بشأن التسلل عبر الحدود، بشأن شبكات السفر التي لا تفرض عليها أي قيود، وبشأن الشباب المثيرين للشبهات الذين تتم الموافقة على دخولهم عبر مطار دمشق الدولي بسهولة. وكجزء من استراتيجيتنا، اتخذنا خطوات عسكرية، كعمليتنا الهجومية في تل عفر، لقطع تدفق الناس والإمدادات قرب الحدود. كما أننا بدأنا باتخاذ خطوات دبلوماسية جديدة للتبليغ عن جدية بواعث قلقنا. ويجب أن تقرر سوريا وإيران ما إذا كانتا تريدان الوقوف في صف قضية الحرب أو في صف قضية السلام." 17
ولا يمكن التهوين بأي حال من المشاكل التي تحول دون تقريب الشقة بين الطرفين, وهناك حتى من يعتقد بأن الضربة العسكرية ضد سوريا قادمة, وأن المسألة مجرد وقت. مثال ذلك ما ورد في تقارير صحفية اسرائيلية . فقد ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن النظام السوري بات في «دائرة الاستهداف» الأميركية. وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن ممثلي الإدارة الأميركية أداروا في الأسابيع الأخيرة محادثات سرية مع مسؤولين كبار في الدول العربية بهدف فحص من يمكن ان يحل محل نظام الرئيس بشار الأسد. ودارت مثل هذه المحادثات أيضا مع ممثلين اسرائيليين. وإذا ما انتهى التحقيق الدولي الى أن الحكم السوري مسؤول عن اغتيال الحريري، فستطالب الولايات المتحدة تسليم المتهمين اليها.
ويبدو أن الخيار العسكري غير مستبعد, ويستدل على ذلك من توجه ممثلين رسميين عن الولايات المتحدة لرئيس الوزراء التركي بطلب للسماح بهجوم أميركي من نطاق دولته . غير أنه رفض. ولكن للولايات المتحدة خطة بديلة للهجوم من الأراضي العراقية، حيث ترابط قواتها.وهناك أيضا حديث عن اسقاط نظام الأسد بانقلاب، واشارات بأن أطرافا اميركية تسلح جهات معارضة لحكم الأسد من أجل هذه الغاية.
هشام القروي: مركز الدراسات العربية والشرق المعاصر . جامعة الصوربون . باريس



#هشام_القروي (هاشتاغ)       Hichem_Karoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستور بلا وفاق
- شافيز في نظر واشنطن
- انتهت -جنة الاسلاميين- في الغرب
- افريقيا والشرق الأوسط أسوأ الأمكنة للعيش في العالم
- روسيا تتبنى برنامج ايران النووي
- مأزق العراق والسياسة الأميركية
- بطاقة تقرير السرية 2005
- الاستبداد والليبرالية الاقتصادية
- التطرف الإسلامي
- ما تعنيه الورطة الأميركية في العراق
- الجامعيون العراقيون يدينون العنف
- تركيا -تزكي- باكستان لدى اسرائيل
- هل يعيد النفط السلام الى دارفور؟
- أوروبا تتراجع واميركا تهدد وايران تتحدى
- ماذا بعد الانسحاب من غزة؟
- الارهاب يتجاوز الحدود
- العلاقات السودانية - الأمريكية : العالم ليس أبيض وأسود
- عن الانسحاب من غزة
- تقرير دويلفرعن خطة صدام لحرب العصابات
- على سوريا أن تحمي كبار مثقفيها من المتطاولين


المزيد.....




- الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس ...
- وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
- كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا ...
- شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
- -حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
- بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم ...
- وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ ...
- وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
- إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط ...
- ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هشام القروي - هل تكون سوريا الهدف القادم ؟