علي اولحسين
الحوار المتمدن-العدد: 5106 - 2016 / 3 / 17 - 00:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ترجع الغايات القصوى لنشأة التصوف إلى سعي الناس نحو امتلاك العالم الأخر "الآخرة", أي ترك الدنيا بكل ما فيها من ملذات وشهوات وبعد أن تكالب عليها الكل, فأصبحوا على السلطة يتقاتلون, وللدماء يرقون في الصراع السياسي, من اجل الخلافة في عصر عصفت به الدسائس, فانتهى دلك كله إلى سيطرة الأمويون على الحكم وبايعهم الناس خوفا وطمعا, واستشهد الأئمة وال البيت في مقدمتهم الخلفاء الأربعة, وينضاف إليهم الحسين ابن علي, فبعد ان استحالت المقاومة اختار فريق العزلة والانشغال بالتجارة الحلال, وسمو بالخوارج لأنه في اعتقادهم إذا اقتتل المسلمان فالقاتل والمقتول في النار, القاتل لأنه قتل والمقتول لأنه كان حريص على القتل ,والأعمال بالنيات, بينما اعتزل فريق ثالث الدنيا برمتها السياسة أو التجارة, السلطة والثروة والثورة وانشغلوا بإصلاح النفس بعد أن استعصى عليهم إصلاح العالم, وحاولوا تطهير النفس من الرغبات, والأهواء و الميول والشهوات وحب الدنيا وخلقوا بالخيال عالما بديلا من الأقطاب والابدال, يعيشون في مدينة روحية سماوية بدلا من المدينة المادية الأرضية, مدينة يعيش فيها أهلها بمحبة وألف وسلام وليس مدينة الخلاف والإمارة والنزاع السياسي, التي يتقاتل فيها أصحاب الدنيا وحب الجاه والمال أو الثروة .
وهناك فرق بين التصوف الشيعي والسني , الشيعي تغلب عليه نظريات الاتحاد والحلول, بينما السني يؤسس منطلقه من الواقع ويمثل الغزالي ابرز نموذج لدلك من خلال كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد" من اجل إبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه, أي إخماد نيران الثورة, تم إبقاء على أيديولوجية الطاعة للحاكم من خلال كتاب "إحياء علوم الدين" وتكفير المعارضة, من خلال كتاب "ألمستظهري" أو " فضائح الباطنية" واخذ الحكم بالشيوعية, دون البيعة تبريرا للانقلاب العسكري, ومن الطبيعي أن تكون هناك علاقة بين التصوف والشيعة, فقد نشاء كلاهما كحركة معارضة للحاكم والظالم, والتصوف بسم أهل السنة , والتشيع باسم الإمام الغائب.
كما انه نشاء كرد فعل أيضا من جهة, على موقف المتكلمين والفلاسفة من الثنائية وتقسيم الأصوليين وتفريعاتهم, فقد وقع المتكلمين باسم الدفاع عن التوحيد في ثنائية حادة والكثرة, العلة والمعلول, الجوهر والعرض, القديم والحديث, الواجب والممكن, التي تفصل العاِلم والعاَلم, فحدث رد فعل المتصوفة, كإعادة الاعتبار للتوحيد في الحلول والاتحاد ووحدة الشهود أو وحدة الوجود, بين الله والعالم , وبين الله والإنسان, فالثنائية الأولى ظاهرة تتجلى في علاقة الله بالكون, والثانية باطن تتجلى بشكل أكثر وضوح عند المتصوفة في علاقتهم بالله.
إن التصوف باعتباره رد فعل على الواقع بكل أزماته لم ينشا نشأة داخلية إي من الكتاب والسنة كما ساد الاعتقاد سلفا, فهو رد فعل على علم الكلام والفلسفة وأصول الفقه ,والفقه ليس نابعا منها .
كما انه نشأة في ظروف نقيضة لما تدعو إليه النصوص , الفضيلة في مقابل الرذيلة, والنفس في مقابل البدل, والآخرة في مقابل الدنيا, والله بديلا عن العالم .
والطرق الصوفية ظاهرة اجتماعية في مجتمعات الفقر والوفرة على حد سواء, تعويضا عن الفقر وإشباع للروح وفي القران مجاهدة النفس وجهاد العدو معا, التوكل والاعتماد على النفس, والرضا والغضب وأهوال النفس مثل الخوف والحزن ورفضهما " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" والرضا بالتخلف والقعود مذموم "رضوا بان يكونوا مع الخوافين" وحياة الرسول بها نأمل وحرب, وتمجيد ويقظة, روح وجنس, عبادة معاملة ,قوة ضعف, كمال الهي ونقص بشري, حِلم وغضب, تسامح وانتقام, رحمة عدل.
والصحابة عاشوا حياة الإسلام في كليتها دون ايضاء جانب على جانب, ويقول إبن خلدون أن من أسباب ظهور هذه الجماعة " فلم فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده, وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوّفة " وهذا دفع هذه الجماعة إلى الإبتعاد عن " زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والإنفراد عن الخلق, في الخلوة للعبادة " .
ويقول أبو العلا عفيفي أن من عوامل نشوء هذه الجماعة هو الصراعات التي نشأت بين المسلمين على الخلافة, وخاصة بين علي بن أبي طالب ومعاوية, وكثرت الخلافات, الفقهية بين المسلمين حول مشروعية هذه الحروب وما نتج عنها من إنقسام داخل المجتمع الإسلامي, وقد دفعت هذه الفوضى السياسية والاجتماعية التي سادت المجتمع الإسلامي, بفئة من المسلمين إلى الفرار من الحياة, والابتعاد عن الناس, واعتمدوا الخلوة والتفرغ لعبادة الله هدفاً لحياتهم .
وكأنهم بذلك يتبرّؤون من الدنيا والناس والحياة وما فيها ومن فيها .
ونظرا لكون التصوف رد فعل على الواقع الذي وسمته الفتن والحروب والفساد , فقد انتشرت أحاديث أخر الزمان المتعلقة بالخلاص على يد الصوفية, وهي نفس البيئة التي خرجت فيها أحاديث "المهدي" الذي سيظهر في أخر الزمان عند السنة والشيعة معا وخروج المسيح الدجان وعودة عيسي بن مريم,
-;---;-- المراجع
: "من الفناء الى البقاء" محاولة لإعادة بناء علوم التصوف في الخطاب العربي المعاصر لحسن حنفي الجزء الاول والثاني
-;---;-- ابو الحسين الششتري وفلسفة الصوفية لمحمد العدلوني الادريسي
-;---;-- التصوف – الثورة الروحية في الإسلام لدكتور أبو العلا عفيفي
-;---;-- التصوف الاسلامي لزاكي مبارك
-;---;-- المقدّمة, ابن خلدون
#علي_اولحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟