|
سقوط البعث
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5104 - 2016 / 3 / 15 - 15:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الواضح ان القضية المركـزية لحزبي البعث العراقي و السوري أصبحت اليوم واضحة جدا. لنا مثل في تونس يقول :" تبع السارق حتى باب الدار". ليست فلسطين هي المركزية بل إيران. إيران في الشق العراقي هي العدو الصفوي المجوسي، و في الشق السوري هي الحليف التـقدمي الثوري الذي يدعم المقاومة و الممانعة. المحصلة تـناقض البعثين و نـفي كل منهما لبعثية الآخر و تخوينها شانها شان الأحزاب الإسلامية و الدعوية في الحاضر و الماضي التي كانت تكـفر بعضها بعضا. فالبعثين إذن ما هما إلا صياغة معاصرة، شبه تـقـدمية أو بالأحرى متراوحة بين التـقدمية و الرجعية، للمتن الاسلاموي. في تجربة البعثين لم يكن الشعب إلا قطيعا و عـدوا محتملا و إرادة جامحة لجره إلى العسكرة و الانـتـظام باسم الرسالة العربية الخالدة. البعثين خلفا دمارا شاملا في العراق و سوريا( و طبعا في خطابهما) مثل العادة ليسوا هم المتسبب في ذلك و لا أدنى مسئولية تاريخية و أخلاقية يتحملها كليهما، و إنما الامبريالية و الصهيونية العالمية و المخططات الإستراتيجية منذ الثمانينات لتـقسيم البلدين و إجهاض نهضتهما العظيمة الخالدة.. فذاك حامورابي و نبوخذنصر و عمر ابن الخطاب، و الآخر الاسدي معاوية ابن أبي سفيان متحالف مع الجمهورية الإيرانية التي أسست لما يسمى بدولة الفـقيه أو المرشد أو الإمام المعصوم عن الخطأ، أي الحكم باسم الشيعة و التـشيع لأهل البيت الأبرياء من كل المحمولات التي حملوا بها على مدى التاريخ. اي تحول معاوية الى حليف للشيعة و تحول نبوخذنصر من حملته العسكرية على مملكة اليهود في القدس لابادتها الى محاربة ايران (اسرائيل الشرقية الآن) في تسمية ماضوية هي "قادسية صدام المجيدة". اي عيش في التاريخ بطريقة انتـقـائية متـناقـضة معه و مع الحاضر و المستـقبل لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ابتدأت بملاحقة النساء السافرات بالصيات في الشوارع و فرض الحجاب بالقوة، بينما ابتـدأ البعث في حكمه بإخراج الفتيات للتعلم و تـشجيعهن على مواكبة العصر في اللباس، لينتهي الأمر إلى قتل العاهرات و رميهن في الحاويات عن جريمة لم يقترفنها و هي الحصار الاقتصادي و البؤس و الفقر و الحاجة، لينـتهي إلى الحملة الإيمانية التي هي بمثابة اللبنة الأولى للداعشية العراقية البعثوية و ليغـزو الحجاب و العباءة جامعات العراق و المجتمع و لتتلخص القضية القومية العـظيمة( التي لازالت تعتبر فلسطين قضيتها المركزية) في صمود القائد الملهم و بقائه في السلطة إلى غاية الاحتلال الأمريكي المجرم الفظيع الذي سافر أعمق فأعمق في إبادة التمدنية العراقية. أما أمر إيران فـقـد انـتهى الآن إلى حجاب مخفف جدا على الرأس كمرحلة أولى للسفور التام سواء في عهد الإصلاحيين أو عهد انتهاء الجمهورية الإسلامية الطائفية التي تحاكي في نهاية الأمر الرجعية العوائلية الحاكمة في الخليج و خاصة السعودية ،التي أسست نظاما اسلامويا داعشيا يقبر شعر النساء و روحية الرجال و إنسانيتهم باسم الإسلام. النظام العامل على تـثبيت الأمور و بالتالي تحويل الناس إلى أصنام من الحجارة. أما النظام السوري فحركته التصحيحية التي دشنت نفسها بالدماء إلى الركب مقصية الجميع و أولهم المؤسسين للحزب الذي حكموا بايديولجيته لينـتهي به الأمر إلى تـقـسيم سوريا و هو الصاخب ليل نهار بالوحدة العربية و الرسالة الخالدة. يبدو ان الرسالة الخالدة الوحيدة لم تكن إلا الاستبداد و قهر الشعـوب و طحـنها و إبادة إنسانيتها باسم "غايتنا هي الإنسان". و النقطة المشتركة بين البعثين هي الثـقة الغريبة في معتـقداتهم و اختياراتهم السياسية بل يعتبرونها هي بوصلة الحق و الطهر في الايمان. كليهما اليوم لا يعتبر نفسه مسئولا عن الخراب و الدمار في العراق و سوريا ، و بكل عجرفة و طمأنينة يقولون ان سبب الدمار هو الخونة و العملاء و الصهيونية و الامبريالية. طيب يا أخي مادمت تدرك من البداية انك محط خطط القضاء عليك فلماذا قهرت شعبك و أدخلته في بوتـقة الوقوع في المصيدة؟ و اليوم يقـدم السيد صلاح المختار ( وجه بارز من وجوه البعث العراقي) ورقة كتب فيها جملة من المتـناقضات المتهافتة التي لم نعهدها فيه و هي تـدل على بلوغ العـقم التـنـظيري بامتياز. كعادة البعثيين أنهم يبسملون ثم يخونون ثم يركبون الألفاظ وفـقا لموقف سياسي آني. ففي التسعينات مثلا كان يطلق في الإعلام العراقي على البارزاني بـ"الكلب" ثم حين أجرى اتـفـاقا مع صدام حسين انقـلب الموقف إلى نعته بالسيد البرزاني. و في كلام السيد المختار انـقـلبت السعودية من نظام رجعي مخادع عميل للأمريكان إلى نظام عائلة عربية تـفكر في ترؤس جبهة الدفاع العربي من الخطر لــ ( ركز جيدا على الإبداع البعثي) إسرائيل الشرقية. يا الاهي. كم هي مروعة جملة هذه التوصيفات الضخمة في مراوغتها و تكثيفها في مقال واحد. طبعا توصيف إيران بإسرائيل الشرقية يعني أولا ان القضية المركزية هي فلسطين إيديولوجيا و نظريا أما واقعيا فهي إيران التي تـتحـول إلى إسرائيل بعـدما استهلك التوصيف الصفوي أو انه لا يثير بقية الشعـوب العربية و خاصة في شمال إفريقيا، و لا يثير الشيعة العرب اللذين مازالوا يؤمنون بالفـقيه الإيراني المعصوم عن الخطأ. و بالتالي وصف تجيـيشي و لكن يا حبيبي السماءات الآن مفتوحة و السماء تسخر من هـذه الخزعبلات. من جهة أخرى و في شكل المحافظة على الديـباجة التـقدمية اليسارية للبعث فانه يسترسل في الحديث عن الامبريالية المتـفـقة الآن مع إيران. و لكن هذه الامبريالية بما أنها كذلك فان حامل مشعل محاربتها هي السعودية و آل سعود القوميـين العرب الجدد مع سجلهم الإسلامي الداعشي الناصع. يا الاهي ما هذه المسخرة؟ هل يـريد القول ان الظهران التي تجيشت فيها أمريكا و ثلاثون دولة سنة 1991 تـقع في إسرائيل الشرقية و ليس في شمال السعودية؟ يا الاهي هل ان السعودية تحدت الحصار المفروض على الشعب العراقي لتجويعه لثلاثة عشر سنة و لقتل كبريائه و لإخراج عـدد من ماجدات العراق إلى العهر و ليتحولن إلى ورقة سياسوية اخلاقوية في إطار الحملة الإيمانية المفاجئة فتـقطع رؤوس بعـضهن لترمى جثـثهن في الحاويات؟ هل كانت السعودية حليفة مع السوفيات أم الأمريكان في أفغانستان لتـتحول من التـقدمية إلى العصور الحجرية على أيدي الإسلام الوهابي الداعشي الطالباني؟ ثم و بالأساس أي إيديولوجية وحدوية عربية تتحول إلى منطق التـقـسيم بشكل مباشر و غير مباشر؟ فالبعث العراقي يتبنى توصيف حزب الله بالإرهابي. أليس هذه كذلك إثارة للانقسام في لبنان؟ فأي نظرة وحدوية عربية تتملكونها؟.. إننا أمام أناس لا تـفكر و إنما تريد ان تحارب إلى ما لا نهاية.. أما الشعوب العربية فمطلبها قد أعلنته في ثورتها المباركة. الحرية و العدالة الاجتماعية. هذين المطلبين يجعل كل أنـظمة الرجعية العربية هي عدوها الأساسي. الشعوب تجاوزتكم و ستحاسبكم..
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا الى اين ؟
-
المرأة التونسية تقدم الجديد لليوم العالمي للمرأة
-
قتل -الاسلام او القتل- في تونس
-
بين الإهانة للمقاومة و مقاومة الإهانة
-
-ميشيل عفلق- و الثورة العربية
-
الله و الإيروس
-
فقدان المناعة السياسية في تونس
-
أي نار لأدخنة تونس
-
مجتمع الاصنام
-
بين أبي و إبني
-
بين -غاندي- و -شكري بالعيد-
-
المحبة من مهب الثورة
-
الأفق التونسي المراوغ
-
سؤال بناء الوعي في عالم متحرك
-
الطائر التونسي المسلوخ
-
الفردوس و الديناصور
-
الروح في عالم الزبالة
-
انقضاء السنة الداعشية
-
تموت الحرية حين لا تقرع اجراسها باستمرار.
-
ما أنا إلا أبي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|