أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبيد خليفي - بن قردان: عودة الجهاديين إلى تونس















المزيد.....

بن قردان: عودة الجهاديين إلى تونس


عبيد خليفي

الحوار المتمدن-العدد: 5104 - 2016 / 3 / 15 - 15:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فجر السابع من مارس 2016 كانت المدينة التونسية بن قردان على موعد مع معركة مفصليّة في نطاق الحرب على الإرهاب، وبعد يوم دام كانت الحصيلة ثقيلة: 46 قتيل في صفوف المهاجمين والقبض على 10 مسلحين، و18 شهيد منهم 7 مدنيين و11 أمني وعسكري، كما تمّ الكشف عن ثلاثة مخازن للأسلحة، ولا تزال المجهودات الأمنية متواصلة للبحث عن عناصر الإسناد والإمداد والخلايا النائمة، ولم تكن هذه المواجهة مفاجئة بالقياس للوضع الأمني الذي تعيشه تونس منذ مدّة وبالقياس للوضع الإقليمي الذي حوّل ثقل التوتّر الحربي من الشرق العربي (العراق وسوريا واليمن) نحو الغرب العربي (سيناء المصرية وليبيا وتونس).
إنّ ما حدث في مدينة بن قردان التونسيّة هو معركة عسكريّة بإمتياز وليست عمليّة إنتحارية معزولة في الزمان والمكان أو هجوم خاطف على هدف عسكري وأمني، وهو ما يعبّر عن تحوّل نوعي في شكل المواجهة بين التنظيمات الجهاديّة والدولة التونسيّة، ولا شكّ أنّنا نختلف مع بعض الخبراء الذين قلّلوا من المخاطر الإرهابيّة التي يمكن أن تطال تونس لتنحصر في عمليات هجوميّة مباغتة محدودة الهدف، وبعد نجاحات أمنية تحققت في المدة الأخيرة في الكشف عن عدد هام من الخلايا النائمة جعلت هؤلاء الخبراء يعتقدون أن مجاهدي الجبل بدؤوا في التلاشي والإنقراض، تأتي الأحداث المتسارعة لتبيّن مدى حضور الجماعات المسلحة في الجبل والمدن، فقبل ثلاثة أيام كانت سريّة من مسلّحي جبل المغيلة في محافظة سيدي بوزيد متكونة من 40 نفر قد قامت بغزوة إحتطاب لجمع المؤونة والزّاد عائدة للجبل دون مجابهة، وبعدها بيوم واحد كان الهجوم التجريبي الأول على مدينة بن قردان المحاذية للحدود الليبيّة، كل ذلك يجعلنا نؤكّد وجود معسكرات جهاديّة قاعدية في الجبال تمارس الغزو على المدن لتحصيل الزاد والعتاد، كما أنّ عمليات المدن تؤكّد أنّ الخلايا النائمة تمرّست على التخفّي والتواصل في ما بينها، لتمارس التخطيط لعمليات موجعة كما في عملية متحف باردو أو النزل السياحي في سوسة.
يفترض أنّ الهجوم الأخير على مدينة بن قردان كان يهدف إلى فتح باب الإنتصاب وإعلان ولاية إسلامية تتبع تنظيم الدولة الإسلاميّة، وقد ظهر بالمعطيات الأوليّة أنّ أغلب المشاركين في العمليّة هم تونسيون إما عائدون من سوريا والعراق أو مستقرّون في ليبيا منذ 2012، كما أنّ أغلبهم كانوا من مدينة بن قردان ممّن له معرفة بساحة المعركة، ونفترض أنّ غالبيّة المجموعة المهاجمة كانت متخفية في مدينة بن قردان قبل العملية، ولم تأت كلها من ليبيا، بل كانت مهمتها الفتح وإنتظار المدد والإسناد القادم من المعسكرات الليبيّة لإعلان الإمارة، وبالتالي لسنا مع التصوّر الحكومي الذي رأى أنّ الهدف من هجوم كتيبة قوامها 50 مسلّح إقامة إمارة إسلاميّة، فقد كان هدف المجموعة المهاجمة زعزعة المؤسسة الأمنية والعسكريّة وفك الحصار عن الخلايا النائمة المطاردة، وفتح الحدود الليبيّة التونسيّة أمام حركة المسلحين للإلتحاق ببؤرة التوتّر الجديدة مدينة بن قردان وما حولها.
لقد تمّ التخطيط بعناية فائقة لهذا الهجوم عبر ثلاثة محاور رئيسيّة: المحور الأول تمثّل في مهاجمة المقرات الأمنية والعسكريّة والحدودية وشلّ حركتها وتحييدها عن حماية المدينة فكان الهجوم على المقرات بشكل مباشر وعنيف، المحور الثاني تمثّل في الإغتيالات التي طالت عناصر أمنية مكلفة بالأمن ومكافحة الإرهاب، وبالرصد والمتابعة كان المهاجمون على بيّنة من مساكن الأمنيين، والمحور الثالث كان بالسيطرة والإنتشار في وسط المدينة والشوارع الرئيسيّة لبثّ الرعب لدى المواطنين من جهة وإستمالتهم للدولة الإسلامية من جهة ثانية، وهذه المحاور الثلاثة تمّ التخطيط لها على الأرجح في المنطقة الغربية من الأراضي اللّيبيّة حيث تنتصب الحكومة الغير شرعيّة (برلمان طرابلس) بعلاقاتها المتوتّرة مع الحكومة التونسيّة وغياب التنسيق الأمني بينهما، والذي قد يبلغ مرحلة التواطؤ من حكومة طرابلس التي هي بصدد معاقبة الحكومة التونسيّة على تنسيقها مع برلمان طبرق والغرب اللّيبي، غير أنّ هذه الخطة تبدو منقوصة لإستكمال شروط التخطيط والنجاح، فقد كان يفترض أن تكون قوافل المجاهدين مرابطة على الحدود من الجهة اللّيبيّة تنتظر فتح الحدود وتأمين الممرّات من طرف الطليعة المهاجمة مثلما حدث في المشرق العربي (مدينة الرقّة، الرمادي، الموصل، تدمر..)، غير أن ذلك لم يحصل في هجوم بن قردان إمّا لخلل في الإسناد والإلتحاق، وأما لعدم قدرة المجموعة على الصمود وتحرير الممرات الحدوديّة.
لم ينجح المهاجمون في زعزعة المؤسسات الأمنية والعسكرية التونسيّة حين تصدّت لهم بقوّة السلاح والتضامن الشعبي مع القوات العسكريّة، ولم يصمد المهاجمون لأكثر من نصف يوم حين لم تلتحق بهم قوافل المقاتلين من ليبيا، أو حتى من الدّاخل التونسي للخلايا النائمة، ولئن كان المهاجمون لمدينة بن قردان تونسيون، فإنهم مجرّد أوراق لعبت بها أطراف سياسيّة ودول إقليميّة ومتغيرات دوليّة، فهؤلاء المقاتلون هم إرث للثورة التونسيّة وإنحرافاتها الهيكليّة، فالحكّام الجدد لما بعد الثورة التونسيّة كانوا مطالبين بتوفير الشغل والتنمية للشباب التونسي الذي ألهب فتيل الثورة، غير أنّ الحلّ الأمثل كان في تنظيم قوافل المجاهدين المهاجرين نحو سوريا للجهاد كواجب ديني قبل الشغل والكرامة، وقد كانت تونس سبّاقة ومتميّزة في عدد المقاتلين المهاجرين بين كل الجنسيات الأخرى (تقريبا 6 آلاف مقاتل)، ومن عجز عن الإلتحاق بساحات الجهاد السورية العراقيّة (وزارة الداخلية التونسية منعت 10 آلاف مهاجر) إكتفى بالتدريب العسكري في ليبيا والمكوث فيها أو العودة إلى تونس في ما بات يعرف بالخلايا النائمة التي تتحيّن الفرصة لهجوم إنتحاري مباغت أو إنتظار إعلان الإمارة الإسلامية في تونس.
وما يثير الإنتباه أن "تنظيم الدولة الإسلاميّة" لم يسارع إلى تبنّي الهجوم على بن قردان، بل إنّ مواقعه الرّسميّة وصفحاته لم تحتفل بهذا الهجوم، فربّما كان ينتظر أن يتحقّق النجاح الكامل للمخطّط وتنتهي العمليّة بخروج بن قردان عن السيطرة الحكومية التونسيّة، ولكنّ لا يجب أن نُغفل أنّ المقاتلين التونسيون في ليبيا لم يحسموا أمرهم في البيعة بين "تنظيم الدولة الإسلامية" أو المحافظة على بيعة تنظيم أنصار الشريعة لتنظيم القاعدة وعدم الدخول تحت المظلة "الدّاعشيّة"، وفي النظاية سيظل لغز المقاتلين التونسيين في التنظيمات الجهاديّة من حيث العدد والحضور معضلة للدولة التونسيّة في الأفقين القريب والبعيد، فحتى بفشل هذا الهجوم الإرهابي الذي لم يميّز بين العسكريين والمدنيين، فإنّ هؤلاء المقاتلين سيعودون لتونس في عمل إنتحاري مفرد يعبّر عن فشل التجربة في الهجرة والجهاد في سوريا والعراق وليبيا.
إنّ المشهد في تونس يشبه إلى حد بعيد تجربة الأفغان العرب بعد الإنسحاب الروسي في 1989 وعودة المقاتلين نحو بلدانهم الأصلية وظهور التنظيمات الجهادية المقاتلة في البلدان العربيّة، فليس لتونس من جواب جذري ومقنع لكيفيّة التعامل مع الذين إلتحقوا بالساحة السورية للجهاد، هم شباب تمّ التغرير بهم من طرف الدعاة وحتى من طرف هيئات وشخصيات سياسيّة رسميّة للإلتحاق بقوافل المجاهدين، وحين تغيّرت الموازين يصير المجاهد إرهابيّا، ومن صدّرناهم نحو سوريا مجاهدين عادوا إلينا إرهابيين يكفّرون أصحاب الجذع المشترك للإسلام السياسي حليف الأمس، ومن ثمّ فقد دُفع الشباب التونسي نحو محرقة لا يستطيع الخروج منها، فكلّما إزداد الضغط على الساحة اللّيبيّة بإستهداف معسكرات الجهاديين مع عودة الهدوء إلى سوريا وبداية تحرير المثلث السنّي العراقي من نفوذ الجهاديين، إزداد الخطر على تونس ومن خلفها الجزائر المستهدفة في أمنها وإقتصادها، بل إنّ التوازنات السياسيّة الهشّة في تونس وتعثّر الإنتقال الديمقراطي في ليبيا يجعل منطقة المغرب العربي الأفق المستقبلي للتوتّر الأمني والإنزلاق العسكري، والذين يرون في التدخّل العسكري الغربي حلاّ جذريّا فهم واهمون، لأنّ مثل هذا التدخّل سيشحن الفكر الجهادي بمقولاته الكلاسيكيّة من ضرورة التصدّي للكفّار والصليبيين.
في النهاية هناك ضمانات محدودة ولكنّها فعالة في مجابهة الإرهاب: الضمانة الأولى هي تمرّس المؤسسة العسكرية التونسيّة على المواجهة والقتال، تلك المؤسسة التي لم تجابه مخاطر من هذا النوع بإستثناء مواجهات محدودة في عملية قفصة سنة 1980 وأحداث سليمان سنة 2006، وكان للخمس سنوات من الثورة التونسية دور في الجاهزية المستمرّة للمؤسسة العسكرية حافظت فيها على صلابتها وقدرتها على التحكّم في مجريات الواقع، الضمانة الثانية كانت في القطيعة بين الجماعات المسلحة والحاضنة الشعبيّة، فعندما كان المشهد السياسي غائما تشكّلت هذه الحاضنة الشعبية بدافع الإغراء والترهيب، لكن بعد عدّة عمليات إرهابية ساهمت المؤسسة الأمنية في كشف هذه الصلة وسعت إلى تجفيفها والتضييق عليها.



#عبيد_خليفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس: الإحتجاجات الشعبية بين الديناميكية الثورية والإنتكاسات ...
- مصر: التعذيب ومداخل الإرهاب
- عمليّة متحف باردو الإرهابيّة: الأبعاد والدّلالات
- محمد الطالبي: التجديد الديني بين الروافض والدّوافع
- حادثة تشارلي هبدو: الوقيعة والذّريعة


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبيد خليفي - بن قردان: عودة الجهاديين إلى تونس