|
بن سالم حميش :حداثي سقط في الظلامية
محمد نور الدين جباب
الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 20:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بن سالم حميش : حداثي سقط في الظلامية اطلعت على مقال الكاتب و وزير الثقافة السابق، المغربي بن سالم حميش الذي هاجم فيه المفكر محمد أركون ووجه له سيلا من التهم والتجريج في علمه ودينه وشخصه، بكلمات جارحة وغير لبقة. لقد اتهم بن سالم حميش المفكر محمد اركون بالتعسف النظري والمنهجي والرعونة الفكرية والجهل المزدوج لمناهج الغرب وفكر العرب ولم يجد الكاتب غضاضة في وصف محمد أركون بالمفتري. لقد ذهب بن سالم بعيدا في الإدانة والاستصغار إلى حد لم يعد يذكر اسم محمد اركون في متن المقال ويشبر إليه بمفردة" المدعو" وكأن محمد أركون تاجر مخدرات أو متحرش بالنساء وليس عالما كبيرا وجب احترامه مهما كانت درجة الاختلاف مقال الكاتب و الوزير السابق استفز زوجة الراحل محمد أركون ،المغربية التي بدا لها هجوم بن سالم تصفية حساب قديم بين طالب فاشل عجز على مسايرة الصرامة العلمية والدقة والانضباط التي تميز بها أستاذه ومشرفه محمد اركون، ما جعل الطالب بن سالم حميش يفشل في مواصلة بحثه في رسالة الدكتوراه بفرنسا وعاد أدراجه إلى المغرب. تطرق بن سالم حميش في مقاله إلى جملة من القضايا الفكرية المبعثرة لا يجمعها رابط أو وحدة موضوعية فبدت متسرعة، مرتبكة، فضفاضة تفتقد للتأسيس العلمي فضلا عن الغياب التام للنزاهة والموضوعية والروح العلمية، يتعذر في هذه العاجلة الوقوف عند جميع تلك القضايا وبالتفصيل لذا سأتوقف عند بعضها التي تكشف بوضوح التحيز الصارخ للأستاذ بن سالم يتهم كاتب المقال ، عدم استيعاب أركون من لمناهج الغرب وفكر العرب حديثه و قديمه، بل حسب زعمه يجهل أركون حتى لغة العرب " فإن تكلمها ألكَن ولحن وعن كتابتها عجز وتأخر" لا أعلم ماذا بقية من اركون الذي كرس كل حياته العلمية باحثا ومنقبا في فكر العرب و دين العرب ومتون العرب وبلغة العرب. حتى ابن مسكويه الذي يعد محمد اركون أحد المتخصصين في فكره وكتب عن نزعته الإنسانية في رسالة جامعية وقدمه للعرب وللعالم في حلة إنسانية جميلة وجديدة يصر بن سالم ان اركون يجهل هذا العالم الكبير ،كما يستنكر عليه اجتهاداته في قراءة ابن رشد ،ثم يتساءل إن كان أركون الذي كتب عن التوحيدي "قد استوعب فكره حقا في كليته " لا أعلم من أين استمد وزير الثقافة السابق بن سالم حميش هذه العنجهية وهذا الغرور عندما نصب نفسه "مقياس الحقيقة" دون أن يكلفه أحد بذلك. لا يتوقف بن سالم عند فكر القدماء بل يتهم محمد اكون بجهل فكر العرب المعاصرين مثل عبد الله العروي وهشام جعيط وأنور عبد الملك وإدوار سعيد وغيرهم، ويتساءل كاتب المقال بطريقة تخلو من اللباقة إن كان اركون قد قرأ هؤلاء " الأعلام الذين يتفوقون عليه معرفة و ودراية " ذلك ليس لأن اركون يجهل هؤلاء المفكرين ،إنما لأن بن سالم حميش لم يرق له نقد اركون لهؤلاء المفكرين بخاصة ملاحظاته النظرية والمنهجية القوية والصائبة حول إسهاماتهم الفكرية عن الاستشراق و المؤسسة الاستشرافية علما أن من ذكرهم بن سالم تعرضوا للنقد قبل تنالوهم من طرف اركون بخاصة إدوارد سعيد لا يتوقف بن سالم عند الأشخاص بل يتهم أركون أنه بجهل عصور بأكملها فهو يجعل عصر النهضة العربية بكامله التي يطبق عليها "منهجه الاختزالي و الاستصغاري نفسه و يقر بجرة قلم أن "النهضة العربية" في القرن التاسع عشر إن هي إلا اسم على غير مسمى، مبالغ في وضعه وترويجه، وشتان ما بينها وبين نهضة أوروبا القرن السادس عشر " التحيز يعمي البصيرة قبل البصر و إلا كان الكاتب و وزير الثقافة السابق بن سالم حميش ادرك ان المفكر عبد الله العروي كما المفكر هشام جعيط اللذان دافع عنها في مقاله وعدهما رمز الثقافة العربية لهما نفس موقف اركون حول النهضة العربية . لو كلف نفسه بن سالم حميش وقام بإطلالة صغيرة على كتاب العروي " الأيديولوجيا العربية المعاصرة " يجده في جزء كبيير منه نقد وحكم قاس حد التطرف على العرب وفكرهم و فكر النهضة العربية ويتهم كل ورواد النهضة العربية بالانتقائية واللاتاريخية ،كما أن المفكر هشام جعيط في كتابه" أزمة الثقافة الإسلامية " لا يختلف عن اركون في حكمه على عصر النهضة بل لامس الإلحاد عندما يقول ،وكان كلامه موجها إلى رواد النهضة العربية ، ان "طريق الحداثة هو قطع مع كل دين والمفترض أن هذا الاتجاه سينتشر ويطال الإسلام لأنه ليست هناك حداثة غربية واخرى إسلامية واخرى صينية وأخرى هندية أو إفريقية فهي واحدة في جميع أبعادها أن يجري الكلام على الخصوصيات فهذا نفاق كبير وتضليل عظيم " هذا الموقف من عصر النهضة العربية هو موقف غالبية المفكرين العرب حيث يذهب بعضهم مثل المفكر الفلسطيني احمد برقاوي الذي يرى أن النهضة العربية هي مجرد استراحة صغيرة بين الانتقال من الاحتلال العثماني إلى الاحتلال الأوروبي ،أما مقارنتها مع النهضة الأوروبية فلا يجرؤ على ذلك ولا تخطر على بال أي باحث جاد. في هذه العجالة سأتوقف عند مسألة يتمحور حولها المقال ويتوقف عليها "مصيره" وإذا انهارت ينهار معها المقال من بابه إلى محرابه وتنهار معه كل الأمثلة التي ذكرها في متن المقال ويصبح قافد القيمة العلمية يعيب بن سالم حميش على محمد أركون تبنيه الفكر التاريخاني ،ليس بسبب عجز اركون على تمثل هذا الفكر أو لعيب في هذا الفكر و هو فكر نقدي عقلاني تنويري تبناه كل المفكرين العرب من أقصى اليسار إلى اليمين الليبرالي ولايزال يتباه الكثير من المفكرين العرب في طليعتهم أبو" التاريخانية العربية" بلا منازع عبد الله العروي الذي يعد أول مبشر بالتاريخانية في منتصف الستينيات في العالم العربي كما تبناه المفكر التونسي الكبير هشام جعيط الذي ينطلق هو الآخر في تحليله وتفكيره من خلفية تاريخانية لا تخطئها العين . لكن ذلك لا يثير انتباه بن سالم حميش، فقط محمد اركون الذي عاب عليه ذلك ،وهو يمثل ذروة التناقض و الاضطراب وغياب الاستقامة الفكرية عند الكاتب و الوزير السابق بن سالم حميش علما أن تاريخانية محمد اركون أكثر رحابة وانفتاحا وتنوعا، عكس مواطنه عبد الله العروي الذي اراد أن يسوق العرب وفكر العرب من المحيط إلى الخليج بعصا واحدة نحو تاريخانية مغلقة و منغلقة على ذاتها سماها "الماركسية الموضوعية" إن نقد بن سال حميش لتاريخانية أركون يعود إلى نية مبيتة تفتقد إلى الاستقامة وهو المحسوب على النخبة في المغرب الشقيق والمسؤول السابق برتبة وزير على قطاع الثقافة ، لقد سعى بطريقة خبيثة وغير صحيحة أن يربط تاريخانية أكون بالإلحاد حيث يقرر أن محمد اركون " لا يقيم اي اعتبار لما تعارف عليه المفسرون قديما وحديثا أي للوحي كعنصر مؤسس محايث وبالتالي للإعجاز والانباء عن الغيب فكل هذه المقولات وما يتولد عنها ويتفرع إن هي إلا مقولات " ميثية " اسطورية. هذا الموقف الذي أجهل خلفيته واسبابه الحقيقة، وبصرف النظر عن تهمة الإلحاد، فهو موقف لا لبس فيه ولا غموض و لا يحتمل أي تأويل حيث يتخلى فيه بن سالم صراحة عن العقل والعقلانية وعن الحداثة ومشروعها العقلاني الكبير ويتخلى عن القطيعة المعرفية الكبيرة التي انجزها العقل الإنساني مع العالم القديم ، بن سالم تخلى عن كل الموروث العقلاني و التنويري وعاد بنا القهقرى إلى ظلام القرون الوسطى ومحاكم التفتيش والتفتيش في النوايا وسلطة الدين حيث كان العلم يخضع للإيمان لذا نراه يفتش في نوايا محمد اركون و يستخلص نتيجة غير متضمنه في كل ما كتب محمد أركون حيث يدينه صراحة و يتهمه بالإلحاد ،وربما يقصد التشهير ولا أعلم من هي الجهة المستفيدة من ذلك أو التي كلفت الوزير السابق بهذه المهمة؟ وقد تكون رسال توبة من الوزير السابق للإسلاميين في المغرب الشقيق لكي لا ينسونه و يتذكرونه عند تشكيل الحكومة القادمة. لكن ما لا يعرفه ويجهله بن سالم حميش أن الطلبة في مرحلة الليسانس في اقسام الفلسفة يعرفون أن محمد اركون لم يتناول الوحي إنما كان مهتما ب " التلقي" أي كيفية تلقي البشر الوحي الذي يتدخل فيه "الشرط الإنساني" أي الشرط التاريخي" الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية والسياسية "بخاصة الشرط اللغوي باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية من صنع البشر ما يجعلها تتميز بالنسبية حيث نصبح أمام اشكالية العلاقة بين المطلق" الوحي" و النسبي "اللغة" وهو ما جعله يشيد بإسهامات المفكر نصر حامد أبو زيد في هذا الحقل المعرفي لم يكن المفكر الجزائري الراحل محمد اركون استثناء ، فهو كغيره من المفكرين العرب الكبار الذين تحاشوا تناول الوحي، لأنهم كانوا على وعي كبير بطبيعة المرحلة التاريخية لذا جعلوا هدفهم التنوير ولس الإلحاد.
#محمد_نور_الدين_جباب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر : الوهابية الأنيقة
-
السيد القمني مرة أخرى
-
نجيب محفوظ: يُطعن ثانية
-
رسالة إلى اليسار العربي
-
عزمي بشارة ومكر التاريخ
-
شاهدت علياء عارية
-
محمد أركون: من إسلام الفقهاء إلى إسلام العلماء
-
إطلالة على مصر من شرفة الحاج مدبولي
-
العلمانية التي أثمرت خير النساء
-
الفكر العربي من قيادة حركة التحرر إلى الصراعات المصيرية الكب
...
-
الإسلام السياسي نحو مأزق آخر
-
أزمة الثقافة الإسلامية أم الدعوة إلى إلحاد أرستقراطي
-
الفكر العربي يودّع الماركسية
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|