|
مدخل إلى المادية الجدلية 5
خليل اندراوس
الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 06:32
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كان إدراك ماركس لخلوِّ المادية القديمة من المنطق، وعدم اكتمالها، وطابعها الوحيد الجانب قد آل به إلى الاقتناع بضرورة جعل علم المجتمع منسجمًا مع الأساس المادي، وإعادة بنائه وفقًا لهذا الأساس. فالمادية الجدلية التاريخية تفسر الوعي بالوجود وعند تطبيقها على الحياة الاجتماعية للإنسانية، تفسير الوعي الاجتماعي بالوجود الاجتماعي يقول ماركس: "إن التكنولوجية تبرز علاقة الإنسان النشيطة بالطبيعة، أي العملية المباشرة لإنتاج حياته، وبالتالي الظروف الاجتماعية لحياته والتصورات الفكرية التي تنجم عن هذه الظروف" (رأس المال المجلد الأول). وقد أعطى ماركس صيغة مكتملة للموضوعات الأساسية للمادية في تطبيقها على المجتمع البشري وعلى تاريخه وذلك في مقدمة كتابه "المساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"، قال: "إن الناس، أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية، مستقلة عن إرادتهم. وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة. ومجموع علاقات الإنتاج هذا يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي والذي تطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي. إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط مجرى الحياة الاجتماعي والسياسي والروحي بصورة عامة فليس وعي الناس هو الذي يعين معيشتهم بل على العكس من ذلك، معيشتهم الاجتماعية هي التي تعين وعيهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة، أو مع علاقات الملكية – وليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك – التي كانت إلى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعد ما كانت هذه العلاقات أشكالا لتطور القوى المنتجة، تصبح قيودًا لهذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل، بهذا الحد أو ذاك من السرعة. وعند دراسة هذه الانقلابات ينبغي دائمًا التمييز بين الانقلاب المادي لظروف الإنتاج الاقتصادية – هذا الانقلاب الذي يحدّد بدقة العلوم الطبيعية – وبين الأشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية، أو بكلمة مختصرة الأشكال الايديولوجية التي يتصور فيها الناس هذا النزاع ويكافحونه. فكما انه لا يمكن الحكم على فرد وفقًا للفكرة التي لديه عن نفسه، كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا وفقًا لوعيه. فينبغي بالعكس تفسير هذا الوعي انطلاقًا من تناقضات الحياة المادية، من النزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة وعلاقات الإنتاج...". "إن أساليب الإنتاج، الأسلوب الآسيوي والقديم والإقطاعي والبرجوازي المعاصر، مرسومة بخطوطها الكبرى، يمكن اعتبارها بمثابة عهود متصاعدة من التكون الاجتماعي الاقتصادي". (راجع الصيغة الموجزة التي يعطيها ماركس في رسالته إلى انجلز بتاريخ 7 تموز 1866: "نظريتنا حول تحديد تنظيم العمل بواسطة وسائل الإنتاج") كتب لينين يقول: "إن اكتشاف المفهوم المادي عن التاريخ وتطبيق وتوسيع المادية لتشمل الظواهر الاجتماعية قد قضى على عيوب النظريات التاريخية قبل ماركس حيث كانت تلك النظريات السابقة لماركس تأخذ بعين الاعتبار غير الدوافع الفكرية لنشاط الناس التاريخي دون ان تبحث عما يولد هذه الدوافع، دون ان تستشفَّ أي قانون موضوعي في تطور نظام العلاقات الاجتماعية، دون ان ترى جذور هذه العلاقات في درجة تطور الإنتاج المادي. كما ان النظريات السابقة لماركس كانت تهمل نشاطات جماهير السكان بينما مكنت المادية التاريخية لأول مرة، من دراسة الظروف الاجتماعية لحياة الجماهير وتغيرات هذه الظروف بدقة العلوم الطبيعية والتاريخ. لقد دلت الماركسية على الطريق نحو دراسة واسعة شاملة لعملية نشوء تشكيلات المجتمع الاقتصادية وتطورها وانحطاطها وذلك بتحليلها مجمل النزعات المتناقضة وردها إلى ظروف المعيشة والإنتاج الواضحة المعالم، لمختلف طبقات المجتمع وبأبعادها اختيار مختلف الأفكار "السائدة" أو تأويلها على نحو ذاتي واعتباطي، وبكشفها عن جذور جميع الأفكار، وجميع النزعات المتباينة دون استثناء في أوضاع القوى المنتجة المادية: إن الناس هم صانعو تاريخهم، ولكن ما الذي يحدد دوافعهم وخصوصًا دوافع الجماهير البشرية؟ وما هو سبب تصادم الأفكار والمطامح المتضادة؟ وما هو مجموع هذه التصادمات في مجمل المجتمعات البشرية، وما هي الشروط الموضوعية لإنتاج الحياة المادية، تلك الشروط التي هي أساس كل نشاط الناس التاريخي؟ وما هو قانون تطور هذه الشروط؟ إن ماركس قد أعار انتباهه لكل هذه المسائل ودل على طريق الدراسة العلمية للتاريخ بوصفه عملية واحدة تسير وفق قوانين معينة، رغم كل تعدد جوانبها الهائل، ورغم كل تناقضاتها". (لينين: بعض خصائص تطور الماركسية التاريخي). في كتاب كارل ماركس وفريدريك انجلز (فورباخ التضاد بين العقيدة المادية والعقيدة المثالية)، من الفصل الأول من "الايديولوجية الألمانية". ... وأخيرًا نحصل أيضًا على الاستنتاجات التالية من الفهم الذي طورناه عن التاريخ: 1. ان القوى المنتجة تبلغ في تطورها درجة تنبثق فيها قوى منتجة ووسائل معاشرة، لا تجلب معها، في ظل العلاقات القائمة، غير البلايا، ولم تبقَ قوى منتجة بل صارت قوى مدمرة (الآلات والنقود)، ومع هذا تنبثق طبقة تضطر إلى تحمل جميع أعباء المجتمع، دون ان تستفيد من خيراته، وتصبح حتمًا بعد إزاحتها من المجتمع، في تناقض حاد للغاية مع جميع الطبقات الأخرى، إن هذه الطبقة تؤلف أغلبية جميع أعضاء المجتمع ومنها ينطلق وعي ضرورة الثورة الجذرية، والوعي الشيوعي الذي يمكن ان يشكل بالطبع بين الطبقات الأخرى أيضًا بفضل فهم وضع هذه الطبقة. 2. إن الظروف التي يمكن فيها استخدام قوى منتجة معينة هي ظروف سيادة طبقة معينة في المجتمع وطبقة تنبع سلطتها الاجتماعية من وضعها المادي وتجد كل مرة تعبيرها المثالي عمليًا في شكل للدولة مناسب، ولذا يتجه كل نضال ثوري ضد الطبقة التي كانت سائدة حتى ذاك. 3. في ظل جميع الثورات السابقة على اختلافها بقي طابع النشاط دائمًا كما كان – فإن الأمر لم يكن يتعلق دائمًا إلا بتوزيع آخر لهذا النشاط، بتوزيع جديد للعمل بين أشخاص آخرين بينما الثورة الشيوعية تعمل ضد طابع النشاط، القائم حتى ذاك، وتستبعد العمل (استبعاد العمل "القضاء على العمل" – المقصود هنا القضاء بنتيجة الثورة الاشتراكية على نظام استثمار العمل الذي يرتكز على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وعلى انقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة)، وتقضي على سيادة الطبقات، أيًا كانت هذه الطبقات، كما تقضي على الطبقات ذاتها، لأن الثورة إنما تقوم بها تلك الطبقة التي لم تعد تُعتبر في المجتمع طبقة، ولا يعترف بها كطبقة وغدت تعبيرًا عن انحلال جميع الطبقات والقوميات الخ. في المجتمع الراهن. 4. سواء لأجل ولادة هذا الوعي الشيوعي الجماهيري أم لأجل بلوغ الهدف بالذات، لا بد من تغيير للناس على نطاق واسع لا يمكن ان يتم إلا في الحركة العملية في الثورة، ولذا تكون الثورة ضرورية، ليس فقط لأنه يستحيل بأي أسلوب آخر الإطاحة بالطبقة السائدة، بل أيضًا، لأن الطبقة المطيحة لا تستطيع إلا في الثورة ان تخلع عنها كل خساستها القديمة وتصبح قادرة على بناء أساس جديد للمجتمع". (انتهى)
• المراجع: - كارل ماركس – كتاب رأس المال ماركس انجلز مختارات لينين مختارات المجلد الأول – ملامح المستقبل – بغاتوريا - مدخل إلى المادية الجدلية – موريس كورنفورت. - بصدد مؤلف انجلز لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية – كوزنيتسوف. - أسس المعارف الفلسفية – افاناسيف.
#خليل_اندراوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدخل إلى المادية الجدلية (4)
-
مدخل إلى المادية الجدلية (3)
-
مدخل إلى المادية الجدلية (2)
-
مدخل إلى المادية الجدلية (1)
-
دور روسيا في إفشال خريطة طريق أمريكا لإعادة هيكلة الشرق الأو
...
-
الصهيونية حركة كولونيالية
-
قراصنة العصر
-
المفهوم المادي عن التاريخ وعلم المجتمع (2-2)
-
المفهوم المادي عن التاريخ وعلم المجتمع (1-2)
-
حول المفهوم المادي عن التاريخ
-
القوى المناهضة للامبريالية والصهيونية لا يمكن قهرها
-
الواقع المأساوي للعالم العربي وإمكانيات تغييره
-
الذكرى ال 70 للنصر على النازية
-
من يحمل الفكر الماركسي يمتلك الرؤيا التعددية الأممية الإنسان
...
-
الفقر وسياسات الامبريالية العالمية
-
عن العنصرية وواجب الساعة
-
حول أهمية دراسة الفلسفة المادية وربط النظرية بالممارسة
-
التنظيم والمعرفة عناصر نجاح النضال الثوري للطبقة العاملة (2-
...
-
عناصر نجاح النضال الثوري للطبقة العاملة (1-2)
-
تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|