|
التعايش مع الفقر والذل .. لماذا وكيف يحدث ؟؟!
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 5101 - 2016 / 3 / 12 - 17:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
التعايش مع الفقر والذل .. لماذا وكيف يحدث ؟؟!
" من استراتيجيات التحكم بالشعوب، تشجيع الشعب على استحسان الرداءة. تشجيع الشعب على أن يجد أنه من " الرائع " أن يكون غبياً، همجياً، وجاهلاً ! " نعّوم تشومسكي ================== لابد أن تشومسكي يقصد شعوبنا الشرق أوسطية، وإن كان لم يصرح بذلك. دعونا نتفق على ما يقوله تشومسكي، ولكن لنذهب أبعد من ذلك لنطرح السؤال: كيف يجعلون الشعوب تستحسن الرداءة والقبح، أو تعتاد الغباء والهمجية والجهل، وهي بالمناسبة موضوعة لتفكير عميق آمل أـن يكون صائباً.
شعوبنا بصراحة، ومنذ اكتشاف النفط في ثلاثينات القرن الماضي، وقعت تحت وطأة ثقافة قروسطية استبدادية ترفض الفنون الجميلة وصنوف الإبداع وتحرمها، وليتهم حرموها فقط، بل فرضوا على المجتمعات أن تنظر إلى الفنون وكأنها دعارة أو شيء معيب. والحقيقة أن المسألة لا تخلوا من استنتاج عكسي، أي من أين يتعلم الإنسان احترام قيم الجمال والذوق الرفيع ؟؟ أليس من الشعور بتناغم ألوان لوحة أو تناسق أنغام موسيقية في لحن جميل ؟؟! لو نظرنا إلى تمثال منحوت لمايكل أنجلو، ألم ندهش عندما شاهدنا ثنيات الثوب ؟؟؟ ألم يقم أنجلو بطرق تمثال على رأسه بالجاكوش آمراً إياه بأن ينطق ويتحدث ؟؟!
أما حكاية النفط وخطورته كمادة خام استراتيجية للصناعة الرأسمالية، فقد تبعتها ضرورة الحفاظ على تخلف شعوب المنطقة، لأنه وببساطة، أي نهضة صناعية أو حضارية في الشرق الأوسط ستؤدي إلى نشوء قوة تفرض سيادتها على منابع النفط، أو لنقل أنها ستتحول إلى دول صناعية منافسة ( كوريا الجنوبية واليابان والصين أمثلة )، وهذا ما سوف يفقد الرأسمالية واحداً من أهم أسواقها، ولهذا دعموا قوى التخلف التي تعمل ليلاً نهاراً على نشر الخرافات، علاوة على تدخلها السافر والهمجي في شئون المجتمع، ففرضوا على المدارس والجامعات منطق تحريم الفنون الجميلة، فنشأت أجيال في العقود الأخيرة، لا تحترم الجمال، كما أنها اعتادت القبح.
أما فرض الغباء، فتم من خلال عدم احترام العلم كقيمة حضارية وسلطة معرفية، وذلك من خلال طرح بدائل ساذجة وبدائية، وأعتقد أن القاريء / ة العزيز / ة قد شاهد ذلك المعتوه الذي أخذ يفتي بعدم دوران الأرض !!
حتى علم الأحياء لدينا لا يدرس كما يدرس في أنحاء العالم المتقدم، حيث حسم العالم الجدل حول التطور حتى أصبح حقيقة، وإلا فليخبرونا من أين تأتي أنواع جديدة من البكتيريا لديها مناعة قوية ضد المضادات الحيوية، وكيف تتحول دودة القز إلى فراشة، وكيف نشأت أنواع جديدة من المخلوقات، وأين اختفت الفيلة ذوات الشعر .. والكثير. أصبحنا بفضل الأصولية معزولين عن العالم حتى علمياً، ولنلاحظ التطور المذهل والمتسارع في تقنيات الاتصال والتواصل أو بث الفضائيات أو جراحة الليزر أو العلاج بالخلايا الجذعية أو الاستنساخ أو علاج الأمراض الوراثية أو الهبوط على المريخ !
ليس المهم هو استعراض مفارقات التقدم في دول العالم مقابل التخلف والهمجية واستحسان القبح، إذ إن تلك المفارقات لا تنتهي. الغرب حضارة بأكملها قائمة، شعوب جادة نشيطة لا تعرف الكسل أو التراخي. الأهم والأخطر، هو تلمس الأسباب التي أدت إلى التراجع العلمي والحضاري بهذه الصورة.
أما الفقر فيمكن تمريره على الناس من خلال عبارات " الصبر مفتاح الفرج " و " القناعة كنزٌ لا يفنى " أو " لو اطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع " وهي مسلمات ثقافية ذات شهرة قوية وذائعة. هنا يتم إقناع الناس باستحسان الفقر وتقبله، ودوماً ما يطرحون المقارنات السلبية، مثل " يا أخي أنت راتبك 1000 شيكل في غيرك ما عندو راتب من الأصل ! "، أو ينشرون على مواقع التواصل صورة لشخص ولد مشوهاً، وهي نماذج شاذة تحدث عادة في جميع الكائنات الحية لأسباب الخلل الجيني وليس في الإنسان فقط. عندها لا يملك الناس سوى الترديد الببغائي بأننا أفضل من هؤلاء المشوهين، إذن لا حل سوى بقبول الفقر والذل على أنها أمور مقدرة وأنه لا سبيل إلى تغييرها.
في قصة " النمور في اليوم العاشر " يكتشف زكريا تامر طريقة مذهلة لجعل النمر يستسيغ طعم الحشائش، ومعظم الناس في غزة يعيشون بأقل من 2 دولار في اليوم، ورغم ذلك لا يتظاهرون ولا يطالبون الحكومات بحل مشكلة البطالة والفقر، أو أنهم يعيشون حالة " الأرنب السعيد " كما أشرت في مقال الأمس.
لا حل إلا بنبذ الأفكار الهدامة وتعزيز الأفكار الإيجابية الخلاقة، وهذا بدوره سيكون فقط من نتائج ثورة ثقافية فكرية اجتماعية يقوم بها المثقفون والنخب. يقول الراحل إدوارد سعيد " لقد فشلنا كعرب في إنتاج مجموعة من المثقفين تنذر نفسها للمباديء والقيم والمثل العليا " وهذا صحيح، فاليسار الفلسطيني اليوم تلاشى داخل مؤسسات الأنجزة والتمويل الغربي، فأصبح الكادر والمثقف الذي كان فقيراً بالأمس، يصول ويجول في مطارات العالم ومؤتمراته وتم شراء النخب وتدجينها، فأصبح المجتمع فريسة سهلة لقوى التخلف.
أخيراً، في كتابي قيد الطبع وهو بعنوان " مراجعات في الثقافة العربية والفلسطينية " أناقش بإسهاب ضرورة إيجاد نخبة مثقفة تأخذ على عاتقها مهمات التنوير وهدم مسلمات التخلف والجهل حتى لو كلف الأمر أن لا يبقى حجرٌ على حجر !
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرنب السعيد !
-
بخصوص تدخل كتائب الأقصى في إضراب المعلمين
-
حماس وبائعات الفجل !
-
إلى من يهمه الأمر: لا نريد دولة فلسطينية !!!
-
الفصائل وتزييف وعي الجماهير !
-
ماذا بعد فشل سلطتي فتح وحماس ؟!
-
ما يحدث لنا سببه الأول فساد التعليم !
-
لماذا لا تثور غزة ضد حماس ؟؟!
-
الشذوذ العقلي بين المرض النفسي والإبداع !
-
بلاغ عاجل لمن يهمه أمر غزة !
-
فاطمة ناعوت وزهرة البيلسان !
-
نحو تفكيك أمبراطورية المال والفساد في فلسطين !
-
لا سلام مع العنصريات !
-
لماذا تجبى الضرائب ؟!
-
بين مارك زوكربيرغ والوليد بن طلال !
-
عندما تصبح ( الجعلصة ) ثقافة شعب !
-
طعن الجنود ليس عملاً إرهابياً، ولكن .. !
-
بعد فشل ذريع وآلام وكوارث: هل تتخلى حماس عن إدارة قطاع غزة ؟
...
-
وماذا مع الإرهاب الصهيوني ؟؟!
-
المثقف الشعبي الفلسطيني !!!
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|