حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5099 - 2016 / 3 / 10 - 22:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعطي نظام البيعة في المغرب للحاكم سلطات مُطلقة موغلة في الاستبداد و الدكتاتورية باسم التفويض الإلهي, حيث أن هذه البيعة تتم له ليس بصفته السياسية كملك أو كرئيس دولة, بل كأمير مؤمنينَ يستمد سُلطته و شرعية نظامه من السماء بشكل يُحيل على العصمة و الإطلاقية في ممارسة الاستبداد و الفساد. و هنا تنتفي قيم "المواطنة" بالنسبة للمحكومين, ليحل معها مصطلح "الرّعايا" و هو التعبير المخفّف للتعبير الحقيقي "العبيد". هذا النمط الفريد من نوعه في الحكم ليس نتاج إرادة شخصية مسيطرة قاهرة, بل هو مجرد وسيلة و واجهة مقبولة داخليا و خارجيا, تستعملها الجماعة الممارسة للحكم "فعليّا" من البرجوازيات النافذة اقتصاديا و اللوبيات الأمنية و العسكرية المشكّلة لنواة النظام المخزني و أذرعه الاقتصادية و الإيديولوجية و الأمنية و المخابراتية.
إن هذه العناصر المكوّنة للمنظومة الاجرامية المافيوزية المتدثرة بواجهة الحكم المطلق المُستند على الشرعية الدينية, هي التي تمارس نفس المنطق في تسيير الدولة و ضبط الشارع بما من شأنه تصفية الجوّ لعقد الصفقات و المتاجرة بالوطن مع الزبناء من الامبريالية و الصهيونية الى رعاع الخليج, في تجرّد تام من أي شريعة أو قانون أو أخلاق. إن نمط الحكم هذا هو الذي يَعتبر أي عصيان أو تمرد أو شق لعصى الطاعة المخزنية خيانة عظمى و خروجا عن الإجماع و حتى كفرا بواحاً. و هذا لا يعبّر عن قوة النظام و إنما عن ضعفه و ترهّله و حساسيته المُفرطة. لأنه ليس قائما على أسس التّعاقد السّليم بين النظام و الشعب, و إنما هو قائم على الإكراه و التسلط المسنود بالقبضة الأمنية و التخدير الإيديولوجي الذي ثبت عدم جدواه خصوصا بعد زلازل الربيع الديمقراطي و سقوط أساطير الخوف و هيبة الدولة و قداسة الحاكم. و بالعودة لتاريخ الصراع المرير الذي خاضته الطبقة السائدة المُستغِلة مع الشعب (الطبقة المُستغَلة), سنجد أن النظام المخزني قد استعمل جميع الوسائل و السبل للقضاء على عزيمة هذا الشعب و النيل من ارادته, منها انزال الجيش و دباباته الى الشوارع في مناسبتين ( أحداث 23 مارس 1965, و 20 يونيو 1981). و رغم كون الأسباب الرئيسية لهذه الانتفاضات المقبرة, أيضا احتجاجات (1981-1984-1990), أسبابا اجتماعية-اقتصادية محضة. فإن رد فعل النظام اتسم بالقسوة المفرطة و الدموية الغير مبررة تجاه المحتجين, بل و سارع الى اتهامهم بالخيانة العظمى!! أما الآن, و في سياق اقليمي و عالمي جديد, لم يعد مسموحا فيه للنظام باستخدام القوة المُفرطة و خصوصا العسكريّة في حق المُحتجين كما كان في السابق, بدأ النظام يستحدث تقنيات أخرى لضبط الشارع و ثني الشعب عن مطالبه المشروعة التي لن تتحقق أبدا دون مواجهة حاسمة مع النظام ممثلا في المؤسسة الملكيّة الحاكمة. و أهم هذه الوسائل, صناعة الإرهاب و تفريخه.
لقد شكّل الإرهاب ورقة ثمينة في يد النظام المخزني خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر, حيث أمْلت علاقات التبعية التي تربط المغرب بمحاربي هذا الإرهاب المزعوم, أملت عليه الدخول في هذه المعمعة, بدور "كلب حراسة" الامبريالية في منطقة شمال افريقيا نظرا لموقع المغرب الاستراتيجي. و من هنا فطن دهاقنة النظام المخزني لأهميّة الاستثمار في الإرهاب كتجارة مربحة سياسيا وأمنيا مخابراتيا.
فعلى المستوى الخارجي, نجد أن النظام المخزني و مخابراته العسكريّة (الخارجية) هم أول المستفيدين من الحرب على الإرهاب. فزيادة على العلاقات الوطيدة التي تربط الخلايا الارهابية في الخارج مع نظيراتها في الداخل, و التي تمارس كل أنشطتها "النظرية" تحت تأطير و رعاية المخابرات المغربية بشقيها الداخلي و الخارجي, نجد أن النظام المغربي يستثمر في هذه الصناعة لغايات سياسية تحت غطاء الخبرة و الباع الطويل في محاربة الإرهاب بهدف ابتزاز الغرب أمنيا و مخابراتيا. و لنا في هجوم "شارلي إيبدو" الارهابي خير دليل. حيث هرولت فرنسا لإسترجاع علاقاتها الرسمية مع المغرب مباشرة بعد الهجوم, و بعد عام من القطيعة و تعليق التعاون القضائي و الأمني, عن طريق استقبال محمد السادس في قصر الإيليزيه, و توشيح مدير المخابرات المغربية "عبد اللطيف الحموشي" بوسام فرنسي, بعد التخلي عن متابعته قضائيا في قضية تعذيب !! فإذا كانت فرنسا قد أقرّت بأن التعاون الأمني مع المغرب ضرورة مُلحّة, و سارعت لإحيائه مباشرة بعد الهجمات الإرهابية, فهذا يعني ضمنيا تورط النظام المغربي في الهجوم, أو على الأقل معرفته المُسبقة بالهجوم و هذا في حد ذاته مشاركة !! و من هنا يمكن فهم السر وراء تغزل الغرب بالمخابرات المغربية و كفائتها في محاربة الارهاب, و ما يرافقه من غضٍ للبصر عن انتهاكات النظام الحقوقية التي لا تعد و لا تُحصى !! و لنا أن نتسائل كيف لدولة متخلّفة في شتى المجالات و الأصعدة أن تتألق أمنيا و مخابراتيا في محاربة الارهاب الذي أعجَز أحدث تقنيات التجسس و المراقبة..,المسألة واضحة وضوح الشمس, لقد أضحى الارهاب صناعة مخابراتية مغربية هدفها ابتزاز الغرب عن طريق تفريخ الارهاب و تصديره للخارج و تتبع خطواته, قصد تقديمه كقربان للتضحية به في سبيل شراء الصمت و التواطؤ الدوليين على انتهاكات النظام الحقوقية و جرائمه الاقتصادية في حق هذا الشعب, و أيضا خدمة لتوجهات أباطرة هذا الإرهاب في الشرق, و الحديث هنا عن السعودية و قطر. و هنا أيضا نستغرب كيف التحق بتنظيم داعش آلاف الجهاديين المغاربة, دون أن يُسمع لهم همسٌ في بلد كالمغرب, فيه من دواعي الجهاد, من وجهة نظر هؤلاء طبعا, ما يجعل كل جهاديي العالم يقصدونه!!
أما على المُستوى الداخلي, فالجميع يتذكر كيف تم إقبار جميع النوايا الاصلاحية المتفائلة بالبدعة المخزنية المسماة بالعهد الجديد, عن طريق تفجيرات 16 ماي سنة 2003, حيث كانت هذه التفجيرات بمثابة ذريعة للعودة الى نفس السياسات الأمنية و الخروقات السافرة التي استبشر البعض بإقبارها مع الحسن الثاني. وعاد مجددا شبح "ادريس البصري" عن طريق تلميذه و وريثه في تنفيذ الأعمال القذرة "فؤاد عالي الهمة", الذي كان هو ومن يحرّكه المُستفيدين الأكبر من تلك التفجيرات الإرهابية التي كانت نتاجا لصراعٍ بين أقطاب الحكم في المغرب. حيث تم استغلالها لفرض حالة الطوارئ و تثبيث القبضة الأمنية-المخابراتية على البلد بحجة محاربة الإرهاب, و هنا يُعقّب وزير الداخلية الأسبق و الرجل الثاني في نظام الحسن الثاني "ادريس البصري" على هذه التفجيرات بكونها مغربية-مغربية, و لا علاقة لها لا بأيادي خارجية و لا حتى بتطرف اسلامي داخلي. شهادة تعني الكثير بحكم تجربة الرجل و درايته الواسعة بكهوف "المخزن". و نفس القصة تكررت في أوج الحراك الشعبي المغربي سنة 2011, عن طريق تفجيرات "أركانة" بمراكش, والتي تلاها مباشرة انقضاض شرس على كل أصوات التغيير و الاصلاح رغم هزالتها, و قمع شرس للمحتجين و تكميم لأصوات الإعلام الذي لم يكن أصلا مستعدا للحظة التاريخية.., كل هذا تماشيا مع المراوغة المخزنية المتمثلة في الدستور الجديد و الانتخابات المبكرة, و التي وجد الشعب نفسه مجبرا على قبولها صاغرا, تحت طائلة الخوف من الفوضى و التسيب و الخراب.
طبعا هناك قاعدة أساسية تقول أنه لمعرفة المدبر لعمل معين يجب البحث عن الطرف المستفيد الذي لم يعد يخفى على أحد. فقد حقق النظام المغربي مكاسب من ذهب من كل هذه "الشَّطَحَات" المخابراتية التي يسمونها إرهابا, بل وصار النظام ممثلا في أبواقه الإعلامية و بيادقه الحزبية وصولا لأعلى سلطة في البلاد, صار يتبنى هذا الخطاب الإرهابي الترهيبي. حيث لم يعد يخلوا أي خطاب ملكي أو حزبي من التذكير بأفضال المخزن على رعاياه, و المتمثلة في نعمة الأمن و الأمان التي تفتقدها دول أخرى تعاني من شر الارهاب و الفوضى اللذين ليسا إلا نتيجة لما يمكن لأي نظام فاسد مستبد الذهاب إليه في سبيل الحفاظ على السلطة!!
انها سياسة المطرقة و السندان, مطرقة الاستبداد و سندان الارهاب و الفوضى و الخراب, و على جميع المغاربة أن يطرحوا السؤال, هل يحكمنا نظام أم تحتجزنا عصابة؟!!
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟