رسالة إلى المرأة العربية : عذرا لن أقدم لك أي تهنئة بمناسبة 8 مارس

رشدي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 5099 - 2016 / 3 / 10 - 08:21
المحور: ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2016 - المرأة والتطرف الديني في العالم العربي
    

استرقت كعادتي النظر لحظة في الفضاء الأزرق ، فإذا بي أجده قد تحول لحديقة من الأزهار والورود ، تسآلت باستغراب ودهشة عن السبب ،إلى أن إكتشفت أنه اليوم العالمي للمرأة .
شيء جميل أن نتبادل الورود لكن الأجمل أن ندرك جيدا معاني الإهداء . من سخرية الأمر أن أغلب المهنئين بهذه المناسبة هم من الرجال . أظن أنه لم يتبادر لذهن أي رجل عربي وهو يقدم تهانيه للمرأة سؤال عما إذا كانت المرأة العربية فعلا تستحق التهنئة ؟؟!!! ، أكيد لن يطرح السؤال نفسه على الرجل والمرأة العربيين ما لم يكن هناك فهم للسياق التاريخي لمناسبة الثامن من مارس. كتفاعل مني مع هذه المناسبة التي لا تمت للمرأة العربية بصلة ، إرتأيت لكتابة هذه الرسالة إلى كل النساء العربيات في أي مكان وهذا نص الرسالة:

أيتها المرأة العربية أيتها الأخت والصديقة ...هذه المناسبة ليست لك ، بل هي للمرأة الثورية والمتمردة التي ثارت في وجه سلطة العبودية ، والإستغلال ، والإستبداد . إنها للمرأة الشيوعية ، والعلمانية ، وللمتحررة من كل قيود الفكر الخرافي ، و التراهات الإجتماعية ، والتقاليد البالية . أكيد فأنت لا تدخلين ضمن هذه الخانة لأنك وبكل بساطة لازلت تقبعين في تخلفك ، لا زلت تقدسين الأب وتخشين عقوقه ، لازلت تمجدين تقاليد القبيلة، وتعبدين تراث أجدادك الذين حقروا المرأة وجعلوها وسيلة للهو ، و الشقاء ، لازلت تتوهمين لعنة الجسد المحاصر . ستقولين لي أني أحكم عليك مع جهل بالأسباب و بالظروف التي تحكم واقعك . سوف لن أجيبك إجابة مستنكرة وإنما إسمحي لي أن أعرض عليك التاريخ المشرف للحركة النسائية في البلدان التي تحسب فيها للمرأة ألف حساب الآن. والذي كان سببا في تخليد ذكرى الثامن من مارس :

في 1856 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين من السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية. وفي 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك ، لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار "خبز وورود". طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.

1917 خرجت كل النساء الروسيات لتظاهر ضد الحرب التي كان يخوضها القيصر الروسي فخضن أضراب تحت شعار "من أجل الخبز والسلام" في آخر يوم من شهر شباط/فبراير (وهو اليوم الذي وافق يوم 8 آذار/مارس في التقويم الميلادي). وبعد أربعة أيام، تنازل القيصر ومنح الحكومة المؤقتة النساء الحق في التصويت.
ذكرت هذين المثالين ليس من باب الحصر وإنما لأبين لك أن المرأة الغربية خرجت من نفس الظروف المحيطة بك وربما أكثر ، ما أود أن أختم به رسالتي هو أن صمتك ورضوخك هذا لن يخلدك به التاريخ ، وإنما سيلقي بك في مزبلته. على قول الشاعر :" من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر " .
أيتها المرأة العربية ، الأمازيغية ، السنية الشيعية ، الدرزية ...لا تكوني إمرأة مثيرة للشفقة ،و لا تنتظري مناسبة ليست لك لكي يعترف بك الرجل ، بل كوني أنت من يمنح لذاته الإعتراف وينزعه ، أرسمي الصورة التي يجب على الرجل أن يراك بها ، لا الصورة التي يرسمها هو عليك. إصنعي التاريخ يصنعك ، إمشي على درب النضال والتمرد بكل ثقة وإسرار . لا تنخدعي ببعض الأصوات التي تريد المقايضة بك في سوق السياسة ، إفعلي ما يقودك لحياة حقيقية وليس شبه حياة . ثوري على القوانين المجحفة ، وعلى الثقاليد البالية ، ثوري على الجلادين، على من يجرموك بتهمة الحب وتهمة التعري . ثوري على من جعلوك تصدقين أن سلاسل قيدك أساور من ذهب.
عندما تفعلين كل هذه الأشياء ، عندها فقط سأرفع لك القبعة ، وأهديك وردة النصر ، في أي يوم من أيام السنة الذي ستدخلين به التاريخ . أتمنى ألا تكوني قد فهمت من كلامي أي تنقيص من شأنك ، فأنت في الأخير الأخت والصديقة ...لكن رجل صادق خير من رجل منافق ، ما من داعي أجده لأنافقك لكن أجد ما يقودني لأعاثبك ؛ ولا تفهمي عثابي بأنه تحريض مني على نفي الرجل كما تفعل بعض الأصوات النسائة (المعقدة و المريضة) ،بل على العكس فالرجل يبقى هو ذلك النصف الآخر لك الذي ليس هو أنت ، يبقى حاجتك الإنسانية لتحسي بكيانك كأنثى ...لكن بكثير من المساواة و التعافي من عقد النقص ، إذا رافقته ترافقينه بتفاني ، وإذا صادقته تصادقينه بإخلاص ، وإذا أحببته تحبينه بفن ، وحتى إذا ضاجعته تفعلين ذلك وأنت على يقين بأنك تأخذين منه كما يأخذ هو منك .في الأخير كل ما أريده منك أن تعيشي الحياة بكل معانيها ، فمن المخجل أن يكون رحمك مصدرا لها في حين تعيشين أنت شبه حياة .

تحياتي
من توقيع رشدي المتمرد .

#رشدي_الصافي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات