أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا














المزيد.....

اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5098 - 2016 / 3 / 9 - 13:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حينما طالعتُ خبر حبس مجموعة من الصبية الصغار لتصويرهم فيديو قصير مدته 32 ثانية يصورون فيه ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي: (يكّبرون، يخرّون لله سجودًا، ثم ينحرون رقاب البشر)، تذكّرت قصة قصيرة للروائي الأرجنتيني العظيم "خورخي لويس بورخيس"، فعل بالضبط ما فعله الأطفال المصريون الصغار، وهو يحاول أن يصوّر لنا مشكلة الفقيه الإسلامي الكبير الوليد بن رشد فيما يحاول الأخير أن يشرح أفكار الفيلسوف الإغريقي أرسطوطاليس (أرسطو) عن المسرح والشعر في كتاب ابن رشد: “تهافت التهافت” الذي ردّ فيه على كتاب: “تهافت الفلاسفة” للإمام الغزالي. ولكن، من أسف أن بورخيس قد مات عام 1986، وإلا لطالبتُ بحبسه مع الأطفال الصغار، ليس فقط لأنه فعل ما فعلوه دون أن يُتهم بازدراء الإسلام، بل كذلك لأنه فرّ بجريمته النكراء تلك دون أن يُجرَّم أو يُسجن بل نال شهرة أدبية هائلة وحصد جوائز أدبية رفيعة، وهو رجل ناضج مسؤول عن تصرفاته مستحقٌّ الإدانة، عكس أطفال لا جُناح عليهم فيما يفعلون، إن كان ما فعلوه جريمةً بالفعل.
كتب بورخيس قصة رمزية منحها عنوان: "البحث عن ابن رشد" La Busca de Averroes يسخر فيها من نفسه، ويسخر من ابن رشد في آن واحد. القصة تحكي مشهدًا متخيّلا يمسك فيه ابن رشد كتاب: "فنُّ الشعر" الذي كتبه أرسطو قبل أربعة عشر قرنًا من ميلاد ابن رشد. يحاول شرحه بالعربية. كان يودُّ أن يضع أجزاء من كتاب أرسطو ضمن الفصل الحادي عشر من كتابه الجميل: "تهافتُ التهافت"، الذي يحاجج فيه كتابَ الإمام الغزالي: "تهافتُ الفلاسفة"، ذاك الذي يسخرُ فيه من الفلسفة، ويكفِّر عبره الفلاسفةَ والمفكرين. ولما كان فيلسوفنا الأكبرُ لا يعرف أيًّا من اللغتين اليونانية أو السريانية فقد اضطر إلى ترجمة كتاب أرسطو عبر لغة وسيطة. هبط المساء، واصطدم الرجلُ المسلم العربي بكلمتين عسيرتين عصيّتين على الترجمة في باب الشِّعر، كلمتين لم يجد لهما مقابلاً مفهومًا في لغته العربية: "التراجيديا" و"الكوميديا". يتذكر الرجلُ الآن أنه كان قد تعثَّر فيهما قبل عدة أعوام في الكتاب الثالث لـ"علم الجمال"، لكنه، في تلك اللحظة، مُطالَبٌ باستيعاب المعنى الدلاليّ للمفردتين. فهو سيغدو فيما بعد "الشارحَ الأكبر" لفلسفة أرسطو. ثم إنه مُطالَبٌ، بعد استيعابه المفردتين، بوضع تعريب لهما في متن مخطوطه؛ تعريب دقيق ودالٍّ من شأنه أن يجعل كلَّ عربيٍّ يقرأ الكتاب أن يقبض على الجوهر العميق لكلِّ مفردة منهما. كيف السبيلُ إلى الحصول على معنى يشرح مفردتين تخصّان فنَّ المسرح داخل منظومة ثقافية لم تعرف مطلقًا فنَّ التمثيل أو المحاكاة؟ يجتهد الفيلسوف العربي الكبير لكي يجد لهما مرادفين في معين ثقافته العربية الإسلامية، ليقدر من ثم على تفسيرهما وشرحهما لجمهور المسلمين. يجتهد طويلا، فلا يقدر. فليس بالإسلام مسرحٌ ولا خشبةُ مسرحٍ ولا تشخيصٌ ولا دراما ولا مأساةٌ ولا ملهاة. لم يفده شيئًا تصفُّحُه الإسكندر الأفروديسي، ولا التقليب في طبعات النسطوري وأبي بشّار متّى وحنين بن إسحاق، ولا حتى نفعتْه قراءة كتاب "العين" للخليل. والمشكلة أن هاتين الكلمتين المبهمتين متجذِّرتان في متن كتاب "فن الشعر"، منتشرتان طولا وعرضًا، فمستحيل تجاهلهما. يفكر الشيخُ مليًّا، يستشير أصدقاءه الفلاسفةَ والمفكرين والشيوخ والفقهاء واللسانيين وعلماء البلاغة واللغويين والنُّحاة وعلماء الخطابة والمنطق والبيان والتبيين. ويُجمعُ الجميعُ أن الكلمتين لا وجود لهما في المعجم العربيّ. يضع ابن رشد القلمَ جانبًا ويغرق في التفكير ثم ينخرط في الحزن واليأس. لم ينتبه ابن رشد للدرس الذي أرسلته إليه السماءُ في تلك اللحظة. إذ جاءه عبر الشرفة صوتُ صِبية صغار يتصايحون. ثلاثة أطفال: أحدهم كان يؤذِّن، وقد اعتلى كتفَ زميله الذي كان "يحاكي" دور المئذنة، بينما راح الثالث يركع ويسجد "كأنه" المصلُّون جميعًا! لم يُعِرْ ابن رشد هذا المشهد التفاتًا، مع إنه كان درسًا عمليًّا بليغًا في فن المحاكاة أو التمثيل أو الدراما. ترك ابن رشد أصدقاءه وعاد إلى صومعته، وقد قرر في الأخير أن التراجيديا هي قصائد المديح، فيما الكوميديا لابد هي قصائد الهجاء! وهذا بالطبع تفسير مضحك للكلمتين! ثم وقف يتأمل وجهه في المرآة، حتى اختفى. ثم يسخر بورخيس من نفسه أيضًا قائلا إنه مستحيل عليه أن يفهم ذلك الفيلسوفَ الكبير من مجرد نتف اختطفها من كتابات رينان عن ابن رشد، مثلما استحال على ابن رشد إدراك معنى المسرح من خلال ثقافته الكهنوتية الإسلامية التي لا تعترف بفن المحاكاة. كلاهما أخطأ التقدير. كلاهما عابثٌ. وعلى كليهما أن يختفيا، فاختفى بورخيس مثلما جعل ابن رشد يختفي في قصته الرمزية.
هل تضحكون الآن على ابن رشد، أم على بورخيس، أم على حال مصر العظيمة بعد ثورة تنويرية هائلة؟!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات
- الإنسان الطيب
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!
- عن النقاب سألوني
- قضية ازدراء جديدة | مَن الذي روى الرواية؟


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا