|
الحقيقة تنصر ذاتها
يارا عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 5097 - 2016 / 3 / 8 - 22:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الموضوعات الجدلية والقضايا الحرجة فى الفكر والدين آن لها أن تخرج إلى النور ، وأن تناقش بحرية وجرأة ، لأن الحقيقة أصبحت تفرض نفسها على العقول ، والمعرفة الآن لا ترضى إلا بالظهور ، فبينما كنا نرى منذ بضعة عقود – وحتى الآن - أن رجال الدين الذين نستطيع أن نطلق عليهم " الوسطيين " يرفضون مناقشة أمور فى الدين قد تسبب للمؤمن البسيط العامى تشتت وتذبذب وعدم فهم العقيدة لأنها قد تكون أعمق من رؤيته الفكرية وأعلى من فهمه وإدراكه للأمور أو بالأحرى لا تمثل له ضرورة فكرية ملحة كما هى تمثل لرجل الفكر والفيلسوف أو الهاوى للقراءة فى هذا الإتجاه أو قد تضعف المستوى الدينى بشكل عام لأنها تزلزل القيم الثابتة والعقائد التى لا تمس فى مجتمع أصولى محافظ يعرف هويته ومذهبه ويستطيع التعامل وتشكيل شخصيته ومبادئه وقيمه وفقا لتلك المحاور الرئيسية . وأنا مع ذلك أرفض مذهب الوسطيين فى عدم مناقشة الأمور الجدلية وإثارة القضايا الفكرية الحرجة - رغم عدم اختلافى كليا مع مذهبهم بالطبع - ،لأننا بهذا نأخذ أنصاف حلول تصنع أنصاف مجتمعات متقدمة ولكن ليست لها كل التقدم والتحضر و السيادة على الإطلاق ، كما لأنه لا تردد فى الحق ولا وسطيه بين الحق والباطل وأنه يجب الحسم والحزم فى تلك الأمور الخطيرة التى هى نافذة على مجتمع متقدم متحضر أكثر إنسانية وأنها كلمة حق ورسالة يؤديها الفرد الواعى وليكن بعدها ما يكن ولأننى أيضا أؤمن بقول الشاعر: ونحن قوم لا توسط بيننا .. لنا الصدر دون العالمين أو القبر تهون علينا فى المعالى نفوسنا .. ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر أما الأمر عند المفكرين والجدليين ورواد التنوير والتجديد والحرية الفكرية وإقامة العقل والبرهان على التراث وما شابه ذلك ، فهو مختلف تماما ويحاول إيجاد حلول جذرية لمشكلات أمة نامية متدينة ، فينظر فى الجذور والهيكل الرئيسى الذى يشكل معتقدات وثوابت الأمة ويرفض الخطأ فيها باحثا ومنقبا عما يقتيه المنهج الديني العلمي المنطي الإنسانى أيضا – رغم عدم استيعاب العامة ذلك - ،والقراءة لهم تشعرك ببريق خاص لإتجاههم ، لأنه بموضوعية ينسجم مع العقل والمنطق ، كما أنه يعلى من قيمة عقلك الشخصى - أى شعورك بالذاتية - وهو أيضا أيسر وأبسط وأقل تعقيدا لأنه يعتمد على تقديرك للأمور وحدسك وعقلك المخلص ثم الحرية بعد ذلك ، لذلك احتل هذا الإتجاه مكانة غير هينة فى نفسى ولا يزال وسيستمر أيضا لأن هذه القيم ( من العقل والحرية والإنسانية والتفكر و ... ) تصلح أن تكون هيكل للحياة فى كل العصور والأزمان ومختلف الأماكن وهى فى جوهرها لا تختلف مع أى دين ولا تدعو إلى عنصرية أو تعصب بل إلى تقدم وسلام . أما اليوم فالأمر مختلف ، ويقتضى حتما أن تنتصر سياسة ونظرة المفكريين عن إيمان وافتناع أوعن ضرورة حتمية تفرض نفسها ، لأن مجتمع اليوم أكثرانفتاحا ثقافيا على بعضه أكثر من أي عهد سابق ، فثورة الفيسبوك التى تتسع يوما بعد يوم جعلت العالم قرية واحدة ، والتاريخ الفكرى والدينى كله بين يديك ، وما حاول الوسطيون إخفاؤه عليك لعدم زلزلتك ومحاولة الحفاظ على القيم المجتمعية الأصولية سينكشف رغما عنهم ، وتجد نفسك أمام تيارات من الفكر غير محددة بحدود ، وانتقادات أيضا تستوقف النظر، لكل تيار بما فيهم تيارك انتقادات قاتلة ، والأمر يفرض أن يكون أمام العربى عدة اختيارات ، الخيار الأول أن يصاب بالفصام والشيزوفرينيا فيحاول إقناع نفسه بمعتقداته وتقاليده دون أى وجه منطق وهذا يصنع إنسان سطحى دينيا فدينه لا يتجاوز القشرة السطحية والصبغة الزائلة والمصيبة أنه يعكس فكرة " تمسكه بدينه وسط أجواء الكفر والإلحاد " وهنا يفقد الدين عظمته وهيبته وأوجه الذى كان عليه فى العصور الذهبية للحضارة الإسلامية على أيدى أبنائه ومن اختاروا التمسك به ولكنهم فى الواقع يتمسكون بالشكل والمظاهر لا الجوهر الحقيقى الذى يريده الخالق ، والخيار الثانى أن يصاب العربى بفقد تام لدينه ومبادئة ويختل اتزانه الإدراكى والفهمى ويفقد معايير الصواب والخطأ فتتساوى الأمور فى نظره وتهون الرذيلة وتضيع المبادىء والقيم والمثل العليا لأنه فقد المنبع الملهم وهو الدين ، والخيار الثالث أن يسلك طريق البحث والتنقيح والفهم والموانزة والمقارنة ، وعند هذه النقطة حقا نكون قد وضعنا أنفسنا عند نقطة الإنطلاق الصحيحة واخترنا طريق التقدم والإصلاح فى هذا المفترق الشائك . اليوم تنتهى الحلول الوسطية وتتحتم الحلول الجذرية ، اليوم تارخ إنتهاء صلاحية النظرة الوسطية المؤقتة ، والخيار لدى العرب الأن إما تناول منتج منتهى الصلاحية فاسد ، أو منتج صحى جديد فية الخير لهذه الأمة وأجيالها اللاحقة _ وإن كنت أشك فى الخيار الثانى - .
#يارا_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|