أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عصام بوشربة - فلسفة المرأة في فكر مالك بن نبي















المزيد.....



فلسفة المرأة في فكر مالك بن نبي


عصام بوشربة

الحوار المتمدن-العدد: 5097 - 2016 / 3 / 8 - 18:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فلسفة المرأة في فكر مالك بن نبي –رحمه الله-


تقديم :
الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ورضي الله تعالى عن صحابته الكرام الأفاضل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
يعد سؤال المرأة من بين الإشكاليات شديدة التركيب والتعقيد في الفكر الإسلامي وخاصة في صورته المعاصرة ، وقد ظلت قضية المرأة تطرح من حين إلى آخر بصور وأشكال متعددة تبعا لتغير الظروف والأحداث التي تحيط بالمرأة ، والتي جعلتها دائما تحاول إيجاد كينونتها في ظل هذه التحولات التي فرضت عليها جملة من الأسئلة تسعى للبحث عن إجابة لها ، كالعمل ، والسياسة ، واللباس ، وغيرها ..
ومن وجهة نظري أرى أن بحث المرأة في الفكر الإسلامي عولج من ناحيتين :
الناحية الأولى: يكاد ينحصر البحث في قضايا المرأة من وجهة نظر محدده تمثلها المعالجة الفقهية، فبمجرد أننا نتتبع قضايا المرأة ، إلا ونجدها محصورة بين ثنائية (الجواز/ التحريم)، أو حكم كذا بالنسبة للمرأة وهكذا... ، وهذه النظرة ساهمت في تضخيم حجم القضايا الفقهية المتعلقة بالمرأة ، وكأنها تمثل أصل الدين بالنسبة لها ، حتى نجد من الأصوات النسائية من تقول : عقيدتي في حجابي، أو حجابي هو حياتي ..
أما الثانية: الحصرية (الوقتية) والجزئية في الطرح، حيث يُتجه إلى بحث قضايا المرأة تحت سلطة وفرض تموجات الواقع سواء ما يثار داخل البلاد الإسلامية من إشكالات تتعلق بالمرأة ، أو خارج البلاد الإسلامية فيما يطرأ على المرأة وهي ضمن أقلية في بلدان أجنبية.
وبالرغم من أن هذه الأخيرة ناتجة عن الأولى ، إلا أن الخلل لا يمكن تحديده هنا بدقة بقدر ما يتجلى ذلك في خطاب هذا النوع من المعالجة ، وحتى نوسع من حجم القضية نطرح سؤالا أوليا : ما هو الخطاب الذي قدّمه الفقيه أو المفكر الإسلامي حيال هذه القضية انطلاقا من الرؤيتين المحددتين سلفا ؟
منطقيا الجواب متضمن في المقدمتين أو من خلال طريقة المعالجة أو لنسميها (الرؤية /التصور) الذي انطلق منه المفكر أو الفقيه، وهو الجزئية في الحكم وضيق أفق القراءة (التأويل) ، من ثم ارتباك في التصور والرؤية، وهو ما تبلور في شكل خطاب حصري أيديولوجي لا يخرج عن قواعد الحركة أو التوجه، هذا حتى لا نقول طائفي، الشيء الذي ربما يمنحنا نوع من الجرأة لنبادر إلى سؤال يتجاوز الفحص و النقد إلى مسؤولية تجعل السائل والمسؤول معا يتحملان عبء الإجابة ، وصغنا هذا التساؤل بشكل موسع" فلسفة" حتى يكون مناسبا للتحليل الذي قصد إليه المفكر مالك بن نبي في معالجته لقضية المرأة .
فكيف كانت رؤية مالك بن نبي للمرأة ؟
أحتاج في البداية إلى مقاربة العنوان ، ليس من قبيل التعاطي الإجرائي مع المفاهيم الواردة بقدر ما هو إفصاح عن مرادنا من ورود وحداته وفق هذا التركيب: (فلسفة – المرأة- في فكر مالك بن نبي ) .
فلا أقصد بالفلسفة سوى فعل التفلسف ، وما يدخل في معناه من: التفكر والتفكير والسؤال عن القضية في إطار فلسفة واضحة تشمل التصور والمنهج والأفق ، أما المرأة فننظر لها المرأة كـ (إنسان) ، أو جزء من الإنسان أو أحد أقطابه بتعبير بن نبي الذي يمثل قطبه الآخر الرجل ، وهنا يتبادر لنا معنى آخر ، وهو أن مشكلة المرأة هي في الوقت نفسه مشكلة الرجل ، كما أن معنى المرأة ذو دلالة تركيبة يدخل في مضمونه (الأم / الأخت/ البنت / الزوجة: ربة البيت، والقائمة على زوجها، والساهرة على تربية أبناءها ، والمتقنة لعملها، والتي تتمتع بمكانة اجتماعية ... )، هذا حتى لا يسوقنا الحديث عن مفاهيم ملتبسة لمصطلح المرأة ، كــ المرأة /الرجل المتلبسة لبوسه والمتمثلة صفته الإجتماعية ، أو المرأة /الأنثى التي تدخل في جدل تاريخي مع الذكر ، يُعبر عنها في شكل قضية ضمن نطاق حركي له رؤيته وأهدافه الخاصة به ، يبلغ سقفها الوجودي كما تشير إلى ذلك نوال السعداوي في كتبها :( قضايا المرأة والفكر والسياسة - الأنثى هي الأصل - المرأة والدين والأخلاق "حوار مع هبة رؤوف عزت") و هو كون آلهة السماء في الفلسفة القديمة وتحديدا الفرعونية عرفت بأسماء أنثوية تحمل مدلول الرقة والفن والجمال ، في حين أن آلهة الأرض حملت أسماء ذكورية تحيل إلى معاني الغطرسة من قبيل القتل ، والتدمير ، والنزوع إلى التسلط والسيادة ، ويظهر انعكاس هذه الرؤية على المستوى الاجتماعي في حملها لروح ثورية اتجاه مجتمع ذكوري أو أبوي ، من ثم النضال من أجل قلب صورة هذا المجتمع إلى صورة عكسية ممثلة في المجتمع الأمومي حيث السيادة فيه للأنثى .
تتشكل فلسفة المرأة في فكر بن نبي بداية من انتماءها الإنساني ، أو دخولها في مفهوم الإنسان ؛ الذي يمثل أحد أطراف مركب الحضارة عنده إلى جانب التراب والوقت ؛ وهذا لا يعني أن بن نبي وهو يتناول الإنسان ودوره الحضاري يميز بين (الرجل والمرأة) ، بل هذا ما استوحيناه من بنية الخطاب عنده الذي يبدأ من معنى الإنسانية للمرأة وهو ما يقابل معنى التكريم والمكانة بالمعنى الوجودي وفي أفقها الكوني .

- أولا : المرأة كإنسان
إذا نظرنا إلى المرأة من منطلق الرؤية الإسلامية ، نجد أن مفهوم التوحيد هو ما يمثل دعامتها الأساسية ، فلا يقتصر التشريع على تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ، بل يعطي الصلة بينهما صفة التوحّد والتكامل ، مؤكدا بذلك على انسجام هذه الصلة مع الفطرة السوية ، وملغيا أي شكل من أشكال الانحراف عنها ، كالصراع بين الطرفين ، أو استغناء أحدهما عن الآخر( )، فالمرأة والرجل بحسب بن نبي هما:" قطبا الإنسانية ، ولا معنى لأحدهما بغير الآخر، فلئن كان الرجل قد أتى في مجال الفن والعلم بالمعجزات ، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال"( ) . وعلى هذا "فالمرأة كإنسان تشترك في كل نتاج إنساني أو هكذا يجب أن تكون.." ( ) .
وإذا استقرأنا الآيات القرآنية التي تؤكد على وحدة هذا الأصل، نجد منها قوله تعالى: ﴿-;- يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾-;- [النساء :1] ، ويقول تعالى أيضا: ﴿-;- وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾-;-[الروم: 21 ] ، " فمن أنفسكم بمعنى ليس من معدن آخر ، وليس من مقومات أخرى ، ولا من طباع وغرائز أخرى ، بل من أنفسكم، تشعر بشعوركم ، وتحس بأحاسيسكم ، من دون فارق في صفات الإنسانية وخصائصها ، عدا ما تتقوم به أنوثة الأنثى وذكورة الذكر وما يميز أحدهما عن الأخر"( )، وكذلك في قوله تعالى أيضا :﴿-;- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾-;-[النحل : 72] ، وغير ذلك من الآيات التي يؤكد فيها سبحانه وتعالى أن المرأة في الخَلق كالرجل سواء بسواء ، وإنّها منبثة من أصله ، وبهذا فإن المرأة في الإسلام إنسان غير مشكوك في إنسانيته( ) .
فالأنوثة والذكورة ما هما إلا شكلان أو قالبان لا ثقل لهما في ميزان الله تعالى ، ولا تأثير لهما في تقرير المصير النهائي لكلا الجنسين، لا بالسلب ولا بالإيجاب ، فالمرأة قد تكون أكرم على الله من الرجال ، كمريم بنت عمران وآسيا زوج فرعون ، وخديجة بنت خويلد ...وغيرهن ، وفي المقابل قد تنحدر المرأة بنفسها إلى الدرك الأسفل ، وتُجازى كأشد ما يُجازي به الظالمون ، كما في قوله تعالى : ﴿-;- لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾-;- [الأحزاب 73] .
وترى هبة رؤوف عزت: "أن المساواة في السياق القرآني لها جوانبها المطلقة وجوانبها النسبية ، وقد أدى غياب هذه النظرة إلى فهم خاطئ لمكانة المرأة ووظيفتها ، ففي علوم القرآن رأوا " أن النساء لا يدخلن في الخطاب القرآني إلا بقرينة بدلا من أن يروا أنّهن يدخلن تغليبا في جمع المذكر السالم ، ولا يخرجن إلا "بقرينة " " ( ) .
وقد جاءت تفسيرات لبعض الآيات تضع المرأة في منزلة أدنى من الرجل ، والأمر نفسه يتكرر مع الأصوليين ، فرأوا أن (النساء) يدخلن في (الناس) و(القوم) لكنهم عارضوا التغليب ما لم تدل عليه (قرينة )( ) .

- ثانيا : المرأة كفرد في المجتمع
إذا كنا قد أثبتنا معنى الإنسانية للمرأة صح معه استغراقها لجملة ما يناط بالإنسانية ثبوتا ونفيا ، وأولها الأنس والاجتماع ، فالإنسان عند ابن نبي ذو وجه اجتماعي ، أو إنسانية بفعالية اجتماعية وبمنطق عمل وليس بمنطق فكر فقط ، وهنا نجد أن بحث مشكلة المرأة بمنظوره لا يتم بمعزل عن الرجل، لأن المشكلة في الأخير هي مشكلة مجتمع( ) ، يقول بن نبي:"ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل ، فهما يشكلان في حقيقتهما مشكلة واحدة هي مشكلة الفرد في المجتمع" ( ) .
وهذا الموقف عند بن نبي يستند إلى نظرته إلى الإنسان من منطلق مكانته وموضعه ضمن نسيج مجتمعه ، فهو ينظر للإنسان من حيث هو محور الفعالية في حركة النهضة من خلال توجيهه في نواح ثلاثة :( توجيه الثقافة ، والعمل ، ورأس المال) .
أ/ فأما الثقافة : باعتبارها مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها منذ ولادته من الوسط الذي ولد فيه ، فهي بذلك المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته( ) ، والمعنى نفسه نجده عند مرتضى مطهري الذي يرى في المجتمع " مركب حقيقي من نوع المركبات الطبيعية ؛ لكنّه تركيب في الأساليب والأفكار والعواطف والإرادات ، وفي النهاية في الثقافة"( ) .
ويتم توجيه الإنسان لها من طريقين :
1- توجيه أخلاقي: يتعلق أساسا بتأثير العقيدة الدينية في السلوك البشري ، والمرتبط أصالة بالفكر .
2- توجيه السلوك العملي: ويقصد به بن نبي العقل التطبيقي الذي يجسد الفعالية في النشاط ، سواء على صعيد الفكر أو العمل ، فأساس النهضة هو تمثل العقيدة الإسلامية في كونها مصدرا للثقافة الإسلامية، من خلال ربطها بالمفاهيم المنطلقة من الأساس العقائدي وتحويلها إلى منطق عمل .
ب/ توجيه العمل: بمعنى تكاتف جهود الجماعة ، والسير في اتجاه واحد (جهد الراعي، والحرفي، والتاجر، والطالب ، والمثقف) من أجل تغيير وضع الإنسان ، وإيجاد بيئة جديدة( ) ، أو " أن أفراد الإنسان يدخلون الحياة الاجتماعية كل واحد برأس ماله الفطري والاكتسابي الطبيعي، ويندمجون مع بعضهم بحيث يتجلى عن ذلك روح جديدة يُعبر عنها (بالروح الجمعي) ، أو (الروح الجامعة) ، يعني أن هوية أخرى تظهر من جراء تركيب هوية الأفراد ، سواء الفرد الأصيل أو المجتمع"( ) .
وهو ما يؤيد النظرة القرآنية ؛ حيث أن القرآن يقول بالمصير المشترك للأمة والمجتمع ، وبالعمل المشترك وبالفهم والشعور والعمل والطاعة والعصيان، بعبارة أخرى القرآن يقول بنوع من الحياة الجمعية و الاجتماعية بالنسبة للمجتمعات( ) .
ج/توجيه رأس المال : فلابد من تحريك المال وتنشيطه ، بتوجيه أموال الأمة البسيطة ، وذلك بتحويلها من ثروة مكدسة إلى رأس مال متحرك ، ينشط الفكر والعمل والحياة في البلاد ، فلابد من منهاج يحدد تخطيطا مناسبا لكي تبنى عليه الحياة الإقتصاية ( ) .
وقبل تحديد بن نبي لصورة المرأة في المجتمع الإسلامي، يوجهنا إلى النظرة السائدة اتجاه المرأة في المجتمع العربي الإسلامي والمجتمع الغربي ، وهي رؤية مبنية على تصورين مختلفين ، لكنهما صادران عن سبب أو دافع واحد ، وهو دافع الغريزة الجنسية طبقا لتحليل فرويد(Freud) ، وفي هذا الصدد يقول:" ولسنا نرى في الأقاويل التي يقولها على حقوق المرأة أدعياء تحريرها ، أو الذين يطالبون بإبعادها من المجتمع إلا تعبيرا عن نزعات جنسية لاشعورية" ( ) .

01 : المرأة في المجتمع الإسلامي :
لقد هيمنت سلطة الذكر على المجتمع الجاهلي ، فكانت نظرته للمرأة نظرة احتقار ، وأدى هذا النزوع الجاهلي إلى وأد الأب لأبنته عند الولادة ، إلا أن جاء الإسلام فأعطى للمرأة حقوقها الكاملة ، وأَكْبَتَ في الرجل ذلك النزوع الجاهلي المتمثل في الجفاء والقسوة ، مستبدلا هذا بقيم القدرة على التغلب على النفس ، وقدرة التنظيم والتوجيه .
فالإسلام قد كوّن بذلك مجتمعا تتمتع فيه المرأة بكثير من الحقوق ، مقابل بعض الواجبات المنزلية ، والتي ليست ملزمة بها أو مطلوبة منها : كالغسل والطبخ، وحتى الرضاعة ليست فرضا عليها، بل على الزوج أن يأتي بمرضعة لولده .
ومن جهة أخرى نجد أن هذه التسهيلات التي منحها الإسلام للمرأة وقررها الفقه أنّها غير معمول بها على المستوى الواقعي؛ حيث أن حالة المرأة لم تستطع الخروج من أسر الأعباء المنزلية ، بسبب حفاظ المجتمع على نظرته، أو عودته للنظرة مجتمع ما قبل الإسلام ، وهو ما يعبر حقيقة عن نكسة المجتمع الإسلامي الذي كان من المفروض أن يحمل صفة التنظيم ، في حين نجده يعود للحالة التي كان عليها المجتمع الجاهلي من حيث الشدة والعقم ، وهي حالة جعلت بن نبي يصفها بأنها نوع آخر من الوأد ، المتمثل في تجهيل المرأة( ) ، يقول بن نبي :" إننا لا نئد البنات اليوم ، لأن قانونا ورثناه عن الإسلام لازال يمسكنا ، وإن قانونا جنائيا يوقفنا عند حدنا ، ولكن إذا لم ندفنهن على قيد الحياة في التراب ، فإننا ندفنهن في الجهل"( ) .
فمن يتمسك بموقف ضرورة إبعاد المرأة عن المجتمع ، وإبقاءها في سجنها التقليدي ، هو مدفوع بغرض جنسي لا أكثر، وهو تعليل إن كان يرى فيه شيئا من الغرابة والمفارقة ، لكن سرعان ما تزول هذه الغرابة بمجرد أننا نلاحظ صاحب هذا الموقف وهو يبادر لتعليل موقفه هذا؛ حيث لا نلمس أي مبرر منطقي لموقفه سوى دعوى التمسك بالأخلاق ، والذي يخفي وراءه مغزى التمسك بالأنثى ، ويدخل تحت هذا التبرير ضمنيا تعبير عن الغريزة ، ولكن من زاوية أخرى أو بلسان آخر( ) .
وقد يؤدي هذا التبرير بالأخلاق أو الدين في نظر نصر حامد أبو زيد إلى تجاهل أو إبعاد الجوانب الأخرى كالجانب الاجتماعي، والاقتصادي، وتجاهل مقصود لعلاقة الرجل بالمرأة في سياقها الحقيقي والفعلي( ) .
وهذا السبب يرجعه أبو زيد إلى التأويلات النفعية الإيديولوجية للنصوص الدينية المتعلقة بالمرأة ؛ الصادرة عن الخطاب الديني الذي بقي رهين الدفاع عن الإسلام، وهو ما يحجب و يقلل من إدراكه للإطار الاجتماعي لتدني وضع المرأة ، وهو منطق يتبناه من الجهة الأخرى المهاجمون للإسلام الذين بدورهم انطلقوا من منظور أحادي يربط التخلف بالدين ويجعله لصيقا به وملازما له ( ) .
وهو المعنى نفسه الذي يشير إليه بن نبي في قوله : "لابد أن نستبعد من يدافع عن المرأة من الشرق و الغرب عاطفيا، وليس بمُجد أن نعقد مقارنة بين الرجل والمرأة ، ثم نخرج منها بنتائج كمية تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع ، وأنها أكبر أو أصغر من قيمة الرجل ، أو تساويها ، فليست هذه الأحكام إلا افتئاتا على حقيقة الأمر ، ومحض افتراء"( ) .
فالحق الاجتماعي الذي نوه إليه بن نبي وأبو زيد يشمل كل حق عام يكون موضوعه مصلحة اجتماعية سواء كانت مادية كانت أو معنوية كحقها في العمل ، التعليم ، التأمين ، الحق في العطل،الإعانة التي تمنحها الدول..( )

02- المرأة في المجتمع الغربي :
يقابل وضع المرأة في المجتمع العربي صورة عكسية وهو وضعها في المجتمع الغربي ؛ حيث نجد طلب المجتمع الغربي و إلحاحه على خروج المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية ، لكن الدور المطلوب منها هنا ليس دورا إنسانيا بناء على حاجة اجتماعية ، بل هو حاجة لجسدها ؛ فنلحظ من يدافع عنها ويتكلم باسمها ، ولا يهدأ له بالا ولا يهنأ له مقام إلا وهو يطالب بحقوقها التي أولى أولوياتها الكشف عن مفاتنها ، والمناداة بعريها ؛ لأجل استغلال هذا وتسخيره في مجالات إعلامية وإشهارية وتجارية وسياسية أحيانا ، و هو موقف صادر من دافع واحد هو الغريزة ، ولا أمل في أن نجد في هذا الرأي حلا لمشكلة المرأة ، إلا ما يعود على أصحاب هذا الموقف بما يوقظ غرائزهم ، أو يرضي شهواتهم ( ) .
ويؤكد هذا المعنى كذلك سعيد رمضان البوطي، في كون نظرة المجتمع الغربي للمرأة لا يخرج عن نظريته الحضارية التي ترى بعين واحدة ، وهي النظرة المادية ، يقول البوطي: " إن الذي يتحدث عن انتصارات المرأة النوعية والكمية في الغرب ، يجب أن يكون على بينة قبل ذلك من منطلقات الحضارة الغربية هذه ، إنه في الحقيقة منطلق واحد لا ثاني له ، ألا و هو: السعي إلى تحقيق أعلى قدر ممكن من المتعة و الرفاهية في الوقت الحاضر ، دون أي نظر إلى ما قد يترتب عليه في المستقبل"( ) .
والقضية الأخيرة التي آثارها البوطي، والمتعلقة بمآل هذه النظرة الحضارية التي لا ترى العواقب ونتائج التصورات، وهو ما عبر عنه بن نبي كذلك في تعليقه على كتاب:(الجنس والتاريخ istorySex in h) لمؤلفه جوردون ريتري تيلور (-;-) موجها نداءه للذين يرون في المرأة الغربية نموذجا لهم ومثالا في دعواتهم ، فيقول :" ومن هنا نجد نذيرا جديدا للذين يجعلون من أوروبا مثلهم الأعلى في كل تجديد ؛ فإن مشكلة المرأة الأوروبية مازالت خطيرة حتى في ذهن المرأة ذاتها، وفي تصورها لنفسها، كيف يتحقق كمثل أعلى خلقي وجمالي للحضارة"( ) .
فبالنظر إلى مظهر المرأة " الزي" وهي ضمن مجتمعا العربي أو الغربي نقف على صورتين مختلفتين :
الأولى: إن الناظر إلى وضع المرأة في المجتمع الإسلامي يتبادر إليه معنى الركود والانحطاط الذي يعيشه هذا المجتمع ، كما قد يوحي لباس المرأة داخل هذا المجتمع وبهذا الشكل الشاذ إلى نوع من النفاق( ) .
الثانية : تعبر صورة المرأة الغربية عن استعادة لنموذج المرأة الفارسة(ezooOma) (-;-) ؛ التي تضع المرأة مكان السيدة ، وتضع المخنث (Sybarite) مكان الرجل( ) .
وهذه النظرة الأخيرة يراها البوطي تدخل ضمن عاملين :
العامل الأول: دافع الشح والتكالب المادّيان المؤديان إلى البحث عن مزيد من اللذة الآنية ، فنجد أن رب الأسرة لا يرى تحت سيطرة هذا الدافع أنّ له حقَّ الإنفاق على ابنته التي أصبحت قادرة أن تكتسب المال من أي طريق ، ونفس الشيء بالنسبة للزوج مع زوجته ، وهو ما أدى إلى تفكك الأسرة ، وسير الرابطة الأسرية إلى التفرد والأنانية ( ) .
ويعطي البوطي مثالا على هذا في قوله:" ولقد كانت المرأة أولى ضحايا هذه المعادلة أو هذا التلازم المنطقي ، ونظرة واحدة منك إلى تلك النساء اللائي يقبعن تحت أقدام الرجال لمسح أحذيتهم ، أو اللائي يكسحن القمامة في داخل أنفاق الميترو بعد منتصف الليل، أو اللائي يمارسن حراسة المنشآت تحت وابل الأمطار ، وفي قر الشتاء ، يقطع دابر كل جدل أو تجاهل في هذا الأمر"( ) .
العامل الثاني: شيوع الإباحية والمتعة الجنسية ، واتساعها في نطاق واسع في المجتمعات الغربية ، حتى لم يعد يصبر الرجل عن المرأة والعكس ، في أي طور من أطوار العمل أو شأن من شؤون الحياة تحت تأثير منطق تحقيق اللذة الآنية دون النظر إلى العواقب ، وهو منزلق تورط فيه الرجل والمرأة على حد سواء( ) .

ثالثا :مستقبل المرأة الحضاري :

إن التعاطي مع مشكلة المرأة ينبغي أن يُصفّى من النزاعات السابقة ، وتجاوز الشعارات الأناشيد الداعية لتحريرها، والنظر إلى القضية من مقتضى مصلحة المجتمع باعتبار أن المرأة والرجل يدخلان ضمن مفهوم الفرد في المجتمع، يقول بن نبي:" ونحن نرى لزاما علينا أن يكون تناولنا للموضوع بعيدا عن تلك الأناشيد الشعرية ، التي تدعو إلى تحرير المرأة ، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب ، أو في بنات المدن ، أو بنات الأسر الراقية ، بل هي فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته"( ) .
فالواقع الإشكالي الخاص بالمرأة يتعلق بعدم تحديد مكانتها في المجتمع (المكانة الأسرية - المكانة الوظيفية - المكانة المساواتية) ،أو عدم وضعها في المكانة اللائقة بها ، فالمكانة بهذا المفهوم هي التي تحدد دور المرأة في المجتمع من جهة ، ومن جهة أخرى تحدد نوع ومستوى المعاملة التي تُعامل بها من طرف الآخرين ( ) .
فالمرأة والرجل قطبا الإنسانية ، ولا معنى لأحدهما عن الآخر ؛ إذ خلقا من نفس واحدة كما جاء في قوله تعالى: ﴿-;- يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾-;-[النساء:1] ، فإذا كان الرجل قد أتى في مجال الفن والعلم بالمعجزات ، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال( ) .
فالنظر إلى المرأة من منطلق مجتمعي ، يجعلنا ننظر إلى قضايا المرأة ليس بدافع مصلحة المرأة لوحدها ، بل بدافع حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري ، وهذا إشراك للمرأة في المجتمع ، ورفع من مستواها في ظله ( ) ، فإذا كانت قضايا المرأة في جوهرها قضايا إنسانية اجتماعية ، بمعنى أنّها قضايا لا تنفصل عن قضايا الرجل ، فهي من ثَم جزء جوهري أصيل في قضية الوجود الاجتماعي للإنسان في واقع تاريخي محدد "( ) .
كما لا يمكن إغفال الجانب النفسي في دراسة قضية المرأة من وجهة (فرودية) التي يراها بن نبي ذات أهمية كبرى في تقدير الأشياء بالمقياس الاجتماعي والأخلاقي ، وحسب آثارها في التاريخ .
ولا يرى بن نبي حلا في نموذج المرأة الغربية التي تنادي به الحركات النسوية ، فهذا المسلك لا يقدم مكانة للمرأة العربية سوى نقلها من حالتها إلى حالة أخرى ، لا تكاد تبرحها مشاكل وأزمات فرضها عليها واقعها ، وإنما طرح المرأة العربية لمشاكلها يكون منطلقا من صميم مجتمعها ولا يكون على هامشه ، و من دورها في المجتمع التي تمثل أحد قطبيه إلى جانب الرجل ، وليس من دور تعتبر نفسها فيه كائنا منفصلا عنه( ) .
وأخيرا يحدد لنا بن نبي رؤية يمكن من خلالها النظر إلي قضية المرأة كفلسفة تنشد حلا جماعيا ، لا وجهة فرد معين ، وهذا الإجماع لا يستسلم لمسايرة الظروف ؛وهو الطريق الذي يسلكه العالم الإسلامي اليوم في حل مشاكله بما فيها مشكلة المرأة، وإنما الإجماع المطلوب؛ الذي يدرس المشكلات ، ويُعيِّن وسائل حلها، لتصبح مقرراته فيما بعد دستورا لتطوير المرأة في العالم الإسلامي( ) .
يقول بن نبي :" ذلك أني لا أرى مشكلة المرأة بالشيء الذي يحله قلم كاتب في مقال أو في كتاب ، ولكني أرى أن هذه المشكلة متعددة الجوانب ، ولها في كل ناحية من نواحي المجتمع نصيب ؛ فالمرأة كإنسان تشترك في كل نتاج إنساني أو هكذا يجب أن تكون، ولن يكون تخطيط حياتها في المجتمع مفيدا إلا إذا نظرنا إلى هذا المؤتمر بعين الاهتمام ، بشرط أن يضم الوسائل الكفيلة بتناول المشكلة من جميع أطرافها ، فيجب مثلا أن يضم علماء النفس ، وعلماء التربية ، والأطباء ، وعلماء الاجتماع وعلماء الشريعة ، وغيرهم، وحينئذ نستطيع أن نقول: إننا وضعنا المنهج الأسلم لحياة المرأة ، ولسوف يكون هذا التخطيط حتما في صالح المجتمع ، لأن علماءه والمفكرين فيه هم الذين وضعوه "( ) .

خاتمة :
في ختام هذه الأسطر يمكن أن نخرج بخلاصة حول تصورنا للمرأة في فكر مالك بن نبي نصوغها وفق النقاط التالية :
أولا : ينبغي القول بادئ ذي بدء : إن قضية المرأة عند بن نبي تندرج ضمن منظومته الفكرية العامة التي حددها في مشكلة الحضارة، بأبعادها الشاملة: السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية .
ثانيا: تأكيد بن نبي على الدور الاجتماعي تنبيه هام و توجيه لنظرتنا إلى المرأة، ولكن في رأيي الشخصي أن هذه الخطوة سابقة لخطوة قبلها، وهي كون المنطلق يبدأ من ذات المرأة عن طريق التغيير الداخلي، بوعيها بمشكلاتها الخاصة ، وليس في استعارتها لإشكالات من أوساط أخرى ، وأن تنتج خطابها من ذاتها لا تبنيها لخطابات تبقيها حتما تحت سلطة واضع الخطاب، و هكذا تنتقل المرأة من كونها موضوعا إلى كونها فاعلا في الموضوع ، وتعيد بناء كيانها بما يوائم رسالتها الكونية المؤسسة على سنة الاختلاف الفعال ، والتعدد الحقيقي ، والتنوع الواقعي ، وهذا التغيير هو أول لبنات مشروع المرأة كعنصر فاعل و مساهم ومشارك في بناء أمتها .
وفق هذا المنظور يمكننا أن نقول : إن بناء فلسفة المرأة وفق هذا التصور التوحيدي هو الأرضية التي يمكن أن نقف عليها في معالجتنا لقضايا المرأة : من منطلق كلي شمولي بعيدا عن الجزئية التي عرفتها المعالجة الفقهية ، وبمعيار ابستمولوجي بعيدا عن السطحية والعاطفة اللتين يكرسهما الموقف الإيديولوجي رهين الدفاع أو الرد، لنصل في الأخير إلى خطاب للمرأة يأخذ بعدا حضاريا وليس خطاب أزمة تفرضه الظروف والأحداث .



#عصام_بوشربة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم العقل عند الجابري -رؤية نقدية -


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عصام بوشربة - فلسفة المرأة في فكر مالك بن نبي