|
نصب الشهيد...مأساة اللاوعي العراقي المزمن
نور العذاري
الحوار المتمدن-العدد: 1382 - 2005 / 11 / 18 - 11:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وأنا عائد إلى أرض الوطن بعد رحلة مثيرة... بدت لي بغداد جميلة فوق ما يتصور البعض .. أنها فعلاً فاتنة شديدة الإغراء خصوصاً حين تراها من الأعلى... لقد دققت النظر ملياً فيها ووقعت عيني على نصب مثير أثار شجوني وذكريات وجروح لم تندمل بعد... ولحظات مع الأحبة الذين فرق الدهر بيننا وبينهم.. وحطت الطائرة أخيراً على تراب هذا الوطن الغالي الذي ليس له مثل في هذا الكون... والذي كان يستحق شعباً أفضل منا بطبيعة الحال.. فنحن شعب مهمتنا الإفساد والتملق... وصنع البروج العاجية لأشخاص هم في غاية الوضاعة والرعونة وفقدان الضمير... مهمتنا أن نعيث في هذا الوطن فساداً وأن نأخذ منه دون أن نعطيه... العائد إلى ارض الوطن بعد طول غياب ولهفة إلى لقاء الأحبة الذين لا يستطيعون توديعك أو استقبالك في قاعات ومدارج المطارات كما هو الحال في كل دول العالم المتمدن وغير المتمدن بسبب الظروف الأمنية الراهنة إضافة إلى كرم الضيافة التي يتمتع بها إخواننا العراقيون والتي تجعلك تتمنى انك لم تفكر بالعودة مطلقاً إلى هذا الوطن العزيز... في قاعة الانتظار في المطار ولأن المسئولين عن أمن المطار أخبرونا إننا لا نستطيع المغادرة قبل أقل من أربعة وعشرين ساعة ( لأنهم يردون أن يقوموا بواجب الضيافة العربية ) لذلك فقد عمدت إلى مطالعة بعض الصحف التي استلفناها من أفراد الأمن المسئولة عن مطار بغداد الدولي... كنت أطالع صحيفة الصباح وإذا بي اصعق عندما أرى ذلك القرار التاريخي الرهيب الذي اتخذته الحكومة الموقرة ( أمد الله في عمرها ) لمعالجة الإرهاب والبطالة والفلتان الأمني الذي يعصف بهذا البلد من كل حدب وصوب... فقد قرر السيد رئيس الوزراء المحترم إزالة نصب الشهيد... ذلك التحفة الفنية التي أقامها الفنان الراحل إسماعيل الترك والتي أثارت دهشة وإعجاب الفنانين العالميين الذين زاروا هذا النصب عند إقامته في بغداد أواخر عام 1986... لا اعرف ما لحكومتنا الموقرة التي تنازع الروح من تفككها وضعفها وعدم قدرتها على اتخاذ قرار صارم وجاد يعالج جروح هذا الوطن تجيء إلى نصب الشهيد لإزالته لأنه رمز من رموز النظام السابق.. ولا اعرف إلى أي شيء يرمز هذا النصب الذي سطرت على جدرانه أسماء أكثر من مليون وستمائة ألف رجل من رجال العراق... راحوا أيضاً ضحية نظام صدام المجرم... وكأن حكومتنا العراقية الموقرة ومعالي السيد رئيس الوزراء وأعضاء الجمعية الوطنية من قائمة الائتلاف العراقي – الإيراني الموحد يريدون توجيه رسالة مفادها أن هؤلاء الذين راحوا ضحية الحرب الطاحنة التي دامت ثمانية سنوات هم معتدون وان إيران وحدها هي التي قدمت الشهداء متناسين أن صدام كان يأخذ أبناء العراق قسراً إلى جبهات القتال ومن يتخلف فمصيره الإعدام... وهب إنهم ليسوا بشهداء أفلا تستحق تحفة فنية أن نبقيها بدل إزالتها خصوصاً أن لنا بها ذكريات مثيرة للشجون... هنالك كنا نذهب مع الأحبة... نجلس في مقاهي نصب الشهيد المقامة تحت الأرض... نحتسي القهوة التركية ونستمع إلى مقطوعات الموسيقى الكلاسيك الممزوجة بهدير المياه المتساقطة من الأعلى على العلم العراقي ونتبادل همسات العاشقين هناك... كثير من العشاق كانوا يذهبون إلى هنالك.. وكثير من الكتاب كتبوا هنالك في تلك المقاهي الرائعة... وكثير من الفنانين تمنوا إنهم يستطيعوا إيجاد مثل هذه التحفة الفنية الرائعة... لا أعرف هل أن معالي رئيس الوزراء... طبيب العيون المشهور الذي قضى حياته المترفة في لندن... بلد الثقافة الغربية لم يتعلم هنالك كيف يقيم التحف الفنية الرائعة.. لم تعلمه لندن كيف يقيم الفن السامي... لم تعلمه لندن كيف يكون موالياً إلى وطنه بدل أن يكون عميلاً للفرس القادمين لتدمير هذا البلد العظيم... ولا اعرف لماذا لا ينبس فنانو ومثقفو العراق ببنت شفة احتجاجاً على هكذا قرار... لا اعرف لماذا لا يطالب الكتاب الذين تملأ كتاباتهم ومقالاتهم الصحف والمجلات بالكف عن هكذا قرارات بدل مطالبتهم بمطالب عرقية وطائفية تهدف إلى تقسيم العراق ابتداءً من فيدرالية الجنوب وانتهاء بدولة وإقليم كردستان- الحلم الكردي – الذي لن يتحقق... سادتي... يجب أن نعلن موقفاً واضحاً اتجاه ما تحاول حكومة الائتلاف الإيراني – العراقي تنفيذه لتدمير هذا البلد وإزالة كافة الرموز الفنية الموجودة والمقامة عليه... فمصيرنا نحن أيضاً إلى زوال إذا بقيت الحال كذلك.. والى متى يبقى البعير على التل!!!!....
#نور_العذاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية الاسلامية ودكتاتورية رجال الدين المسيس
-
عندما يبكي الوطن
-
في معبد القدر
-
الممثلون -1
-
عندما يبيع الوطن الوطن- هوامش على مقال ( المحامية بشرى الخلي
...
-
بين جسر الأئمة وخطبة يوم الجمعة وصوت امرأة تنتفض نحو الحرية
...
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|