|
دورة المادة الحية بيولوجيًا
كمال آيت بن يوبا
كاتب
(Kamal Ait Ben Yuba)
الحوار المتمدن-العدد: 5096 - 2016 / 3 / 7 - 17:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إتحاد الألوهيين الناطقين بالعربية لشمال إفريقيا والشرق الأوسط
شعارنا حرية – مساواة – أخوة
فكرنا يتجدد و من الإر هاب يُنقذ
دورة المادة الحية بيولوجيًا
نُشر في موقع الحوارالمتمدن منذ مدة غير قصيرة مقال للأخ زاهر زمان بعنوان "دورة المادة الحية فى الكون تُكذب وجود حياة بعد الموت !"
و لأن الموضوع علمي بالمفهوم الحديث ولنا فلسفيا إيمان بأن العقل هبة إلهية و في حالة تطور و تغيردائمين و هو الذي أنتج هذا الفكر العلمي الحديث المتغير و بالتالي ليس هناك أي تناقض بين إيماننا و هذا الفكر العلمي الحديث . التناقض يوجد و بشكل غريب عند من يعتقدون مثلنا أن العقل هبة إلهية و لكنهم ينكرون نتائج العقل و يشككون في نظريات العلم الحديث لأنها في نظرهم تتناقض مع الفهم الصحيح للدين الذي لديهم .
لكن هؤلاء الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء التثقيف في مختلف العلوم الحديثة – يطلون على الأجيال من الفضائيات و التلفزيونات و وسائل الإعلام المختلفة في االشرق الأوسط و شمال إفريقيا - ينشرون نفس ما كان يتداوله الذين لم يتح لهم في الماضي ما هو في متناولنا نحن اليوم من معلومات .فصاروا ينشرون سيلا من المعلومات التفسيرية للعالم مخالفة لتفسيرات العلم الحديث و يرتكبون مفسدة عظيمة في العقول هي ما يؤدي للإرهاب والحروب والكراهية و العنصرية وتدني الأخلاق التي كانت سائدة منذ أكثر من 2000 عام مضت .
إن التغير والتبدل والتطور و التكيف مع متغيرات الوسط البيئي هي قوانين طبيعية (إلهية بالنسبة للمؤمنين) إكتشفها العقل المُهدَى للإنسان (من القدرة الإلهية العظمى أو من الله) .ولابد من السير وفقها لإستمرار الحياة الطبيعية و السلام بين الشعوب ليتمتع الناس بالحقوق الطبيعية المقدسة من حق في الحياة والحرية و الكرامة الإنسانية و غير ذلك. و أي نكران أو تجاهل لهذه القوانين و الحقوق يجعل غير محترميها المُصِرين على التأكيد أن ليس هناك أي تغير ولا تطور ولا قوانين طبيعية مسخرة للأجيال القادمة . و حينما نتحدث عن الحقوق فنحن نتحدث عن الحقوق في الدنيا أي في هذه الحياة و ليس بعد الوفاة .لأن الحقوق الدولية ما صنعتها الا دول متقدمة علميا وجدت الجواب العلمي عن التساؤل حول ما اذا كانت هناك حياة ثانية بعد الحياة الأولى فيما يسمى دورة المادة الحية التي تم الكشف عنها بيولوجيا .
ونظرا لعدم إكتشاف أي وجود فعلي للحياة خارج الأرض لحد الساعة فلا يمكننا الحديث عن أي دورة للمادة الحية خارج كوكب الأرض ..من جهة أخرى فإن طرح السؤال السابق بصيغة أخرى مشهورة و هي : هل هناك حياة بعد الموت ؟ إذا وضعنا مكان كلمة "موت" معناها في علاقته بالحياة و هو "إنتهاء الحياة" يصبح نفس السؤال كالتالي: هل هناك حياة بعد إنتهاء الحياة ؟
عند طرح السؤال بصيغته الثانية يتكشف لطارح السؤال الغموض الذي كان كامنا وراء الكلمة المضللة "موت" في صيغته الأولى فتبدو له الحقيقة واضحة تماما كشمس النهار في سماء زرقاء بحيث يظهر له الخلل المنطقي في طرح السؤال .مما يجعله يكتشف خطأ طرحه أصلا .إذ لا يمكن منطقيا لشخص أن يتساءل عن إحتمال إستمرار نفس المباراة لكرة القدم مثلا بعد الاعلان الرسمي عن نهايتها أو إحتمال شراء نفس العجل في السنة القادمة بعدما تم إستهلاك لحمه بالكامل في التغذية لهذه السنة. . يجب تسليط الضوء بإختصار شديد على دورة الحياة في الأرض نفسها بطريقة مختلفة عما ورد في المقال لتكميله من جهة ولتعميم الفائدة من جهة أخرى .
تقول البيولوجيا أن كل الكائنات الحية المكونة من خلايا بإسثتناء الفيروسات ، في دورة حياتها تظهر من كائنات سابقة الوجود (النظرية الخلوية ) ثم تنمو مستقلة و تتكاثر ثم تموت.بعد الموت تبقى الجثامين التي تتحلل بواسطة كائنات حية أخرى تسمى المُحللين Décomposeurs.فتختفي المادة العضوية من تلك الجثامين و تبقى المادة المعدنية التي لا طاقة فيها سعني مجرد كمية قليلة من الأملاح المعدنية .تسمى هذه الظاهرة المعدنة Minéralisation.و تدخل تلك الأملاح المعدنية في دورة حياة ثانية في حال ما تم إمتصاصها من جذور نباتات حية أخرى محتمل أن يأكلها عاشبون يُأكلون هم أيضا من طرف مفترسين لاحمين من المحتمل أن يُأكلون هم ايضا من طرف لاحمين يلونهم في السلسلة الغذائية و هكذا....آخر المستهلكين في السلسلة يمكن بعد موتهم ان يخضعوا للتحلل بواسطة المحللين .
نرى هنا ان المادة الحية تتحول من كائنات حية لكائنات اخرى .و اذا قلنا المادة فكأننا قلنا الطاقة .الكائنات الحية تتغذى لتحصل على الطاقة الكامنة في المادة الحية و تحولها لمذخرات تستعمل عند الحاجة لاحقا أو لطاقة ضرورية للوظائف الحيوية الفورية للجسم أو إلى أنسجة جديدة ضرورية في بناء أعضاء الجسم المختلفة وتقويتها و إعطاء الجسم ككل صفاته العامة الخاصة بالنوع مثلما هو مبرمج في مادتها الوراثة DNA (الحمض النووي الناقص الأكسجين).هذا هو النمو. بالنسبة لفرد ما من نوع الإنسان ، فالتحليل الكيميائي لجسمه يعطي في المتوسط %65 تقريبا من الوزن كلها ماء و5% أملاح معدنية و30% مواد عضوية تستأثر فيها البروتيدات والدهون بحصة الأسد . إذا تحلل جسم هذا الانسان بعد الوفاة و تدخل المحللون في عملية المعدنة فلن يبقى منه سوى 5 % من الوزن أي تلك المادة المعدنية التي لا طاقة فيها و التي أغلبها تشكل الهيكل العظمي زائد العناصر المعدنية التي كانت متداخلة مع المادة العضوية مثل المغنيزيوم الذي يدخل في تركيب بروتين خضاب الدم الناقل للأكسجين مثلا .هنا تصل دورة حياة هذا الكائن الحي لنهايتها .أما دورة المادة فتستمر.بحيث تدخل المادة المعدنية ، إذا زاد تحليلها حتى العناصر البسيطة بعد إمتصاصها من طرف النباتات ، في كائنات حية أخرى ربما تستهلك هذه النباتات . إن الذي تتناقله الكائنات الحية بين الأجيال في واقع الأمر بالنسبة لنوع ما يتكاثر جنسيا ، هي ال DNA التي تكون في نوى الخلايا الجنسية التي تعطي بعد الاخصاب خلية واحدة هي البيضة..البيضة أو البيضات تعطي صغارا كثيرين هم الابناء بحيث يبدو وجود صغار الكائنات الحية خلال حياتها هو نوع من النسخ copy أو "البعث" resurrection لأجساد الآباء خلال حياتهم .إذن الصغار هم تلك الكائنات الإحتياطية المتأخرة زمنيا والشابة المفترض فيها مبدئيا (إذا بقيت حية) الحلول زمنيا مكان تلك الكائنات الأبوية السابقة زمنيا في حال اندثرت هذه الاخيرة .
إذن البيولوجيا تقدم لنا جوابا منطقيا على السؤال : لماذا تتكاثرالكائنات الحية كلها بما في ذلك الإنسان؟ هو "لأنها تموت" .
هذا هو التفسير العلمي الحديث .
في الأحوال العادية ، الظواهر البيولوجية المسؤولة عن تجديد الحياة أي التكاثر ليست قابلة للتراجع أي لا تعود للوراء منذ تكون الخلية الأولى (البيضة) التي ستكون نقطة الإنطلاق لكائن حي جديد .هناك تطور للحياة في إتجاه واحد فقط Evolution mono-dir-ectionnelle .
و لذلك فللسؤال "هل هناك حياة ثانية بعد الحياة الأولى بالنسبة لكل فرد من أي نوع ؟" جواب وحيد و قاسي (قاس) للأسف من البيولوجيا هو "لا" أو Niet بالروسية الأكثر صرامة و جدية من No الانجليزية.
البيولوجيا تقول لا إستمرار للحياة في الفرد بعد الموت.لكن بفضل التكاثرهناك حياة مستمرة لا تنتهي بالنسبة للنوع .بعبارة أخرى كل فرد تمكن من التكاثر يستمر في الحياة في النوع أي بعد أن يكون قد مرر ذخيرته الوراثية ،المتضمنة في صبغياته ، لصغاره .هذا هو القانون البيولوجي العام الذي يحكم الحياة عند الكائنات الحية.
القوانين البيولوجية التي إكتشفها العقل الموهوب للإنسان السارية المفعول على كل الكائنات الحية دون اسثتناء أكدتها الملاحظة العلمية والتجارب و الدراسة البيئية للتاريخ الطبيعي للأرض.و نحن كمؤمنين نضيف أنها قوانين إلهية نابعة من التخطيط والعقل الإلهي السابق الوجود على الكائنات كلها . لا نعترض عليها و نحترمها كواقع لا يمكن الإعتراض عليه و أنى لنا ذلك ؟ طالما أنه لا يمكن لبشر أو غيره أن يعصى هذه القوانين .فهو خاضع لها لزوما شاء أم أبى . و ليجرب من يتحداها مثلا و يحاول عصيانها إذا إستطاع إلى ذلك سبيلا .
وللفقهاء والعارفين بالدين أن يعترضوا على هذه القوانين كما ومتى شاؤوا فهم أحرار.لكن إعتراضهم لن يغير من الحقيقة العلمية شيئا و لن يكون له عند العلماء والمتخصصين أي قيمة علمية او مضافة .إذ هم بتخصصهم في الدين أو االلغة يوجدون خارج المجال العلمي الحديث الذي لا يمكن قول أي شيء فيه دون دليل عقلي دامغ عن طريق الاستنتاج العقلاني أو الملاحظات و التجارب التي يجب أن تؤكده.
و إذا وَجد هؤلاء الفقهاء و العارفين بالدين أي تناقضات بين حقائق العلوم الحديثة وثراثهم الديني حسب فهمهم هم للدين فالمشكلة مشكلتهم هم لا مشكلة العلوم الحديثة التي لا علاقة لها بالسياسة أو بسلب قلوب الناس عاطفيا بفن الخطابة و انما هدفها جمع المعرفة و البحث عن الحقيقة. و لذات السبب كانت لها مناهجها الصارمة والدقيقة البعيدة عن العاطفة .
العلوم الحديثة تدعو الناس للجدل و النقد والمشاركة في بناء المعرفة العلمية .لأنها أولا لا تخشى النقد بل تحبده وتؤمن بالعمل الجماعي والذكاء الانساني .و ثانيا لانها ملك للبشرية جمعاء لا تتنتمي لطائفة أو دين أو نمط بشري معين وسيستفيد الجميع منها وبالتالي تجب المشاركة فيها.
في المجتمعات المتقدمة علميا و صناعيا وتكنولوجيا أصبح من البديهي عند الجميع أن حياة أي فرد لا تتكرر. هذا المفهوم الحقيقي للواقع ، كما بينت ذلك البيولوجيا ، جعل الإنسان أشد حرصا على حياة أخيه الإنسان في تلك المجتمعات ..هذه المجتمعات تعيش على وقع الحقيقة لا الأوهام .لذلك فحياتها واقعبة .
و قد شدد الفيلسوف كارل ماركس الذي هو من هذه المجتمعات في شرحه المبكر للعلاقة بين السياسة والدين والإقتصاد و الصراع الطبقي ، لمَّا لخَّص بقولته الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" هذا الأمر ، على كون الدين نوع من التخدير و السلوى و الوعد بحياة أفضل و حساب للظالمين بعد الموت ، تقدمها الطبقات الغنية ،المسيطرة على السلطة والثروة للفقراء ، مستعينة برجال الدين أيام سطوة الكنيسة في أوروبا ، لتنسيهم واقعهم المزري المرير و تمنعهم من الثورة لإسترداد حقوقهم .لذلك قال قولته لثانية الشهيرة مع فريديريك إنجلز في البيان الشيوعي ل 1848م " يا بروليتاريي كل بلاد العالم اتحدوا" و التي يمكن ترجمتها مع الإضافة التي يضيفها الشيوعيون ب " يا عمال العالم إتحدوا فلن تخسروا إلا قيودكم" ...
إذن أي تصور لحياة ثانية بعد الأولى ، وفق المعطيات العلمية البيولوجية الآنفة الذكر و التي يمكن بل يجب على من يشكك فيها أن يتأكد منها ، تصبح غير ذات موضوع .هذه هي الحقيقة العلمية القاسية صحيح لكن يمكن لمن يريد أن يحلم و يتمنى و يتوهم أن يفعل كل ما يريد شريطة أن لا يفرض إعتقاد أوهامه على الآخرين .
وتحية لكل الأخوات والإخوة الأعضاء في الإتحاد و كل الأحبة القراء .
#كمال_آيت_بن_يوبا (هاشتاغ)
Kamal_Ait_Ben_Yuba#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عكس ماقالت صحيفة لوموند ، المغرب لم يدفن التعريب
-
السيدات هن الشموس
-
معلومات البيولوجيا تلزم بضرورة إحترام السيدات
-
شمال إفريقيا ليست عربية
-
الرد المفيد على من شتم الأمازيغيات و عصيد
-
تحية عالية للسيدات في عيدهن الأممي
-
فصل السلطة السياسية عن الدين ضروري
-
الخلط بين النظرية الألوهية والإلحاد جهالة
-
درس من فرنسا إعلان 1789 لحقوق الإنسان و المواطن
-
هل القولة -المطالبة بإثبات عدم وجود إله باطلة- صحيحة ؟
-
العمود الفقري لإصلاح التعليم الديني
-
بيان لإتحاد الألوهيين لشمال إفريقيا والشرق الأوسط بشأن ليبيا
-
مقترحات مختصرة لتغيير مناهج SVT بالمغرب
-
ليُسَمَّون عارفين بالدين فحسب لا علماء
-
أساتذة - متدربون وسويسرا وحق الكفاية في الإسلام
-
الحضارة ليست ناطحات سحاب في دول إنسانها متخلف
-
…و رغم ذلك تظل الفرنسية أفضل من العربية في تدريس العلوم
-
إنحسار المطر عن المغرب نتيجة للتغير المناخي في العالم كله
-
الولادة العذراوية parthènogenesis مستحيلة عند الثدييات
-
أحد شُراح التورا ة يقول الشر في الجانب الأيسر من القلب
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|