|
أقباط مصر .. هل يريدون الكثير ؟
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1382 - 2005 / 11 / 18 - 07:28
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
كنت أتوقع أن تكون أحداث الإسكندرية الأخيرة كافية للتنبيه ، والتحذير ، واليقظة ، فلا تمر دون رد فعل محدد من المثقفين المستنيرين جميعا . وأعني برد الفعل – حركة تتجاوز كل ما اعتدناه من مجرد الاستنكار ، والتشبث اللفظي بالوحدة الوطنية ، وإحالة المسألة القبطية إلي مجرد كونها " مسألة اجتماعية " لن تحل إلا في سياق اجتماعي ، أو " طبقية " لن تحل إلا بظهور نظام عادل ، أو القول بأن حدة الصراع الديني لن تزول إلا في إطار مشروع وطني كبير ، كما حدث خلال عهد عبد الناصر ، ومن قبله في خضم ثورة 19 ، حيث كان الخطباء من الأقباط يلقون كلماتهم من على منابر الجوامع ، والخطباء من المسلمين يتحدثون في الكنائس . نعم ، قد لا تكون المسألة القبطية في جذورها الأعمق والأبعد مسألة دينية ، ونعم ، قد تكون المسألة القبطية مرتبطة بطبيعة النظام الاقتصادي لمجتمع يستغل الطبقات الفقيرة دون تمييز بين مسلم ومسيحي وينشر الفقر والجهل والتعصب ، ونعم قد تكون المسألة القبطية وثيقة الصلة بغياب الديمقراطية وانتشارها من عدمه . لكن هل يعني كل ذلك – وهو صحيح – أن ننتظر إلي أن يشرق علينا مشروع وطني كبير ينصهر في بوتقته المصريون جميعا ؟ ونستعيد من خلاله صورة القس جرجيوس المصري الفقير الذي أحبه الناس ، فخرجوا خلفه في الشوارع يهتفون لترشيحه إلي البرلمان " من غير فلوس .. يا جرجيوس ! " ؟ . إلا أن " أحداث الاسكندرية " ، وصورة الهجوم الكبير على الكنائس ، وإحراق محلات المسيحيين ، وسياراتهم ، مرت ، وعبرت ، ولم يتوقف أحد عند مغزاها بما يكفي . ولست أرى حتى الآن في برامج الأحزاب الشرعية المستنيرة برنامجا يتبنى مطلبا واحدا من مطالب الأقباط . بل إن برامج جميع المرشحين الآن في الانتخابات البرلمانية تخلو من كلمة واحدة عن حقوق ومطالب الأقباط . وفي اعتقادي أن على الحركة الثقافية والسياسية المصرية المستنيرة واجبا ملحا ، هو تبني مطالب الأقباط ، إذا كنا بالفعل حريصين على " النسيج المشترك " ، ونريد أن نحميه من " الخناجر والجنازير " التي انهالت عليه في الإسكندرية تمزيقا وتقطيعا . إننا لا نستطيع أن نقول للمواطن القبطي : انتظر قليلا ، إلي أن تشرق ثورة ومشروع وطني يحقق لك ما تريد من حقوق المواطنة الكاملة ، وانتظر قليلا إلي أن يهل علينا نظام آخر عادل ومنتج ومستنير ، لأننا بذلك إنما نطالبهم بالقبول بأوضاعهم القائمة والخضوع لها إلي أجل غير مسمى . هل هناك أزمة في العلاقة مع الأخوة الأقباط ؟ نعم هناك أزمة . والالتفاف حول ذلك – بمختلف الذرائع والنوايا الحسنة - هو مجرد خداع للنفس . هل هي أزمة مركبة : ثقافية واجتماعية وسياسية ودينية ؟ نعم . والأدلة على ذلك ملقاة على أرصفة الشوارع ، وتطل علينا من خطب الجوامع التي تحرض على كراهية المسيحيين ، ومن المدارس التي تلقن الأولاد منذ الصغر أن كلمة " مسيحي " هي نقيض كلمة " مسلم " . ولابد لنا أن نمسك الأزمة من أحد أطرافها ، ونبذل ولو جهدا ضئيلا لحلها ، إذا كنا حقا حريصين على " الوحدة الوطنية " . لابد لنا أولا وقبل كل شئ من تبني مطالب واضحة وقاطعة ، ولا تقبل الجدل ، لكي يشعر المواطن القبطي أن الحركة السياسية والثقافية المستنيرة لا تكتفي فقط بالتخفيف عنه بكلمات العزاء ، ولكنها تريد صادقة أن تحل ولو جانبا من المشكلة . وقد أعلن الأقباط مرارا وتكرارا أنهم مازالو يعانون من التطبيق الفعلي القائم حتى الآن لقرارات " الخط الهمايوني " الذي يعود تاريخه للقرن 19 ، والذي ينص على ضرورة حصولهم على موافقة رئيس الجمهورية لبناء كنيسة ، أو حتى إصلاح دورات المياه في كنيسة ، في حين أننا نعلم جميعا كيف يتم بناء الجوامع بسهولة دون أية قيود. ويعاني الأقباط من عدم المساواة من بث البرامج الدينية الخاصة بهم من خلال وسائل الإعلام الحكومية ، مع أنهم يدفعون الضرائب التي تنفق الدولة منها على وسائل الإعلام تلك . ومازال الأقباط يطالبون إلي اليوم باستعادة أراضى الأوقاف المسيحية التي وضعت وزارة الأوقاف يدها عليها ، بالرغم من صدور حكم قضائي بإعادة تلك الأراضي إلي أصحابها . أيضا أصبح من الضروري إلغاء الخانة التي تحدد " ديانة " المواطن في البطاقات واستمارات طلب الوظائف ، لأنها بداية التمييز . ومازال التمييز قائما عند التعيين في الوظائف ، وكذلك في الترقية ، وفي تنحية الأقباط عن المناصب الكبرى كالمحافظ ، والوزير ، والمناصب الكبيرة في الشرطة والجيش والجامعات والمعاهد . ومازالت مناهج التعليم تنحي جانبا المراحل القبطية من التاريخ المصري ، وكأنها لم يكن لها وجود . هل هذه المطالب كثيرة ؟ هل أن تنفيذها مستحيل ؟ هل هي مطالب غير عادلة ؟ فلماذا لا نسعى لتحقيقها بخطوات فعلية ؟ أم أننا نخشى الجهر بالحقيقة ؟ علينا أن نعترف أن مظاهر التمييز كثيرة ، وأن هذه المظاهر تستفحل في أجواء من الكراهية والبغض التي تسعى لنفي الآخرين وعزلهم . وإذا تحدثنا بصراحة أكثر ، فإن الأخوة الأقباط ، عاجزون في حالات كثيرة ، لأسباب كثيرة ، عن الدفاع عن مطالبهم هذه، ومن ثم فإن ذلك يضاعف من مسئولية الحركة السياسية والثقافية المستنيرة عن تبني تلك المطالب ، وإعلان ذلك صراحة ، في بيان يوقع عليه كل المثقفون من كافة الاتجاهات ، لأن الإعلان حتى عن مجرد الرغبة في الإنصاف كفيل بإشعار أخوتنا الأقباط أن ثمة أملا في مجتمع مختلف . وليتنا نستطيع أن نشكل " جماعة الوحدة الوطنية " التي تعقد المؤتمرات ، وتطبع النشرات ، وتقف ضد ذلك النوع من التمييز ، أيا كان موقعه . وليتنا نستطيع أن نناقش صراحة ، كيفية تعديل برامج التعليم ، بحيث تكون هناك مادة مشتركة ، تطرح تاريخ مصر على التلاميذ ، باعتباره تاريخ الكفاح المشترك بين كل المصريين ، وتلقن الأولاد أن مصر خلقت من ضفيرة اجتمعت فيها منابر الجوامع وأجراس الكنائس ، وأن الدين لله ، والوطن للجميع . لابد من وجود جهة وطنية تتبني هذه المطالب كلها ، وتنادي بضرورة تغيير مناهج التعليم ، بحيث يدرك أولادنا أن " الله رحمن رحيم " ، وأن " الله محبة " ، وأن علينا أن نحيا معا ، ونعتز معا ببلادنا ، وبتاريخنا ، المتنوع ، والمبدع ، والذي صنعته الملايين على مر السنين ، كل بعقيدته ، وتصوره . لقد آن الأوان – للأحزاب السياسية المستنيرة – أن تتبني مطالب الأقباط بوضوح ، وأن تصدر القوى الثقافية المستنيرة – بيانا بهذا المعنى ، وأن تتشكل جماعة " حماية الوحدة الوطنية " ، لكنني للأسف الشديد ، لا أرى شيئا من هذا في الواقع الراهن ، لا عند المرشحين للانتخابات ، ولا عند الأحزاب ، ولا حتى أرى بادرة لحركة في هذا الاتجاه بين المثقفين ، رغم أن عبء هذه المهمة يقع عليهم وحدهم – قبل الدولة –عبء الحفاظ على مصر وحمايتها من التفكك والتمزق والتعصب والطائفية .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحداث باريس وكلمات ألبير كامي
-
الثقافة والطائرات
-
المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية
-
اللحظة الحرجة
-
علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
-
هي وأخواتها علماء العراق
-
الرواية اليوم
-
الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
-
الثورة مع الاستعمار
-
فاجعة مسرح بني سويف
-
نجم .. من الذاكرة !
-
جغرافيا الفكر والثقافة
-
رواية الصحن لسميحة خريس
-
أقلام وأوراق
-
جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
-
كنت في شرم الشيخ
-
هذه الرواية - نادي القتال
-
الفساد جملة واحدة مستمرة
-
الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
-
أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|