أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 35















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 35


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5095 - 2016 / 3 / 6 - 14:18
المحور: الادب والفن
    



5 – بِنية الازدهار

لنذكِّر بفرضية العمل التي وجهت تحليلنا:
أم سعد كأدوار تتوافق مع حقول الفعل "الثوري" رغم قسوة المضمونين التاريخي والاجتماعي.
يجدر بنا أن نلقي النور على التعبير الأول "أم سعد كأدوار": دورها كحليف مساعد، دورها كحليف مِفضال، دورها كحليف معترف بالفضل.
دورها كحليف مساعد عندما تأتي أم سعد عشرة أيام بعد حرب 67 جالبة معها للمثقف عرقًا من العنب قائلة: "سأزرعه لك على الباب، وفي أعوام قليلة تأكل عنبًا." (ص 249)، بعبارة أخرى لا تزعزع الهزيمة الميثاق المبرم بينها وبين المثقف، وبحسب هذا الميثاق يتبادلان الخدمات، ويضمنان المقابل الذي يعود عليهما من هذه الخدمات، كما يرى كلود بريمون. وعندما تقول "في أعوام قليلة"، يتضمن هذا الميثاق مدى بعيدًا، بينما عندما تقول "تأكل عنبًا"، تستبق أم سعد بحثها عن وسائل النضوج التي يجب اللجوء إليها، في حال وجود تقصير ما يكون عائقًا لهذا النضوج. إنها لا تتفاوض في أمر عرق العنب مع المثقف، فالمثقف يوافقها دون أن يقول، وإلا جعل من نفسه خصمًا عليها واجب إقناعه، وهذا ما تم مع حارس العِمارة، عندما فاوضته في أمر المنظفة اللبنانية الفقيرة، كحليف مساعد، تحت شكل سلمي لاستبعاد الخصم، وعندما فاوضت رجل المباحث، بخصوص ابنها، كحليف مساعد دومًا، تحت شكل عَدائي، جعل منه غير قادر على الفعل أكبر وقت ممكن، وهي هنا تعتدي، واعتداؤها يرمي إلى حذف الخصم.
دورها كحليف مِفضال يتعلق بكل ما تفعله أم سعد لولدها، وفي كل مرة تقوم فيها بما يتماشى مع صيرورة التطور (في علم الأعراض تحسين الحال من جيد إلى أجود) لا بد مما يتماشى مع صيرورة التقهقر (في علم الأعراض تدهور الحال من سيء إلى أسوأ) كشرط مسبق: عندما أعلن عبد الناصر بكلمات المرارة عن استقالته، "جمع سعد رفاقه، وطلعوا من المخيم كالعفاريت. أقول لك إنني لحقت به، أخذت طريقًا مختصرًا وقابلته قرب مدخل المخيم وأسمعته كيف أزغرط." (ص 250) تدهور الحال (استقالة عبد الناصر) قابله تحسين الحال (زغرودة أم سعد).
دورها كحليف معترف بالفضل يتعلق بكل ما يصف المثقف به أم سعد، وهو في الواقع اعترافه بفضلها هي عليه، فيصل بصيرورة التطور إلى توازن يطبع نهاية كل لوحة. لهذا عندما يصف كفي أم سعد، يقول: "وتحركت كفاها المطويتان في حضنها، ورأيتهما جميلتين قويتين قادرتين دائمًا على أن تصنعا شيئًا..." (ص 263) ومع كل لوحة جديدة، لا بد من المضي بحالة من التأزم وبعرض لفعل الخصم، بمعنى أنه لا بد من الدخول في صيرورة التقهقر، ليكون الخروج باعتراف أم سعد نفسها بالفضل: "أود لو عندي مثله عشرة" (ص 263) تقول عن سعد بفخر. وفي مكان آخر: "وأخذت برهة تفكر في سعد، وأحسته في جسدها كما كان يوم أن ولد، يرجّها بمشاعر لا تستطيع أن تعرف طبيعتها، يملؤها بنوع مذهل من الثقة بالمستقبل، ومن الأمل فيه..." (ص 296)

القسم الثاني سيتركز على التعبير "أدوار تتوافق مع حقول الفعل الثوري":
يرسم غسان كنفاني الحقل الثوري الذي تلعب فيه أم سعد أدوارها كصورة عنها، وعلى أساس بِنية ازدواج الشخصية التي تقوم عليه الرواية كصورة عنه، فهو يرى أم سعد في مرآته، يلصق بوجهها وجهه، ويلقي على جسدها ثوبه، ويجعل منها نرجسًا لثوريته. يقول تأكيدًا لما نقول: "كان صوتها دائمًا بالنسبة لي صوت تلك الطبقة الفلسطينية التي دفعت غاليًا ثمن الهزيمة." (ص 242) وقبل ذلك بعدة أسطر: "تلك الطبقة الباسلة، المسحوقة والفقيرة والمرمية في مخيمات البؤس." (ص 241)
تبدو في هذا الحقل الثوري "لطبقة الكاتب" صيرورة الخطأ على أكمل وجه، وهي في رأي كلود بريمون المهمة التي تم إنجازها مقلوبًا، فالفاعل يلجأ إلى كل الوسائل اللازمة ليصل إلى نتيجة معاكسة لهدفه: "حين تدق باب البيت، وتضع أشياءها الفقيرة في المدخل، تفوح في رأسي رائحة المخيمات بتعاساتها وصمودها العريق، وببؤسها وآمالها..." (ص 259)
منذ قليل الهزيمة كنتيجة معاكسة للبسالة، والآن التعاسة كنتيجة معاكسة للصمود، البؤس للأمل.
أو أنه، أي الفاعل، يلجأ إلى كل الوسائل اللازمة ليحطم كل الفوائد التي يريد الاحتفاظ بها: "ومرة أخرى جلست هناك، ولكنها بدت قوية أكثر مما رأيتها أبدًا..." (ص 266) "كانت أم سعد قد علمتني طويلاً كيف يجترح المنفي مفرداته، وكيف ينزلها في حياته كما تنزل شفرة المحراث في الأرض..." (ص 278)
المفردة "ولكنها" تحطم كل ما يعود عليه من فائدة القوة، والفعل "كان" يشطب دعوى كل شيء في الوقت الحاضر، فالمهمة مقلوبة، في رأي كلود بريمون، وبالتالي تعتبر الصيرورات الضارة كوسائل: كيف تبدو أم سعد قوية أكثر من أي وقت آخر، كيف يجترح المنفي مفرداته. بينما القواعد الضامنة للفوائد يجري العمل بها كعوائق: أن تكون أم سعد امرأة عادية لا ضعيفة ولا قوية، أن تكون ذاتها بلا اجتراح ولا محراث، فقط ذاتها، الإنسانة.
كذلك عندما يلجأ الكاتب إلى التجريد ليرسم الحقل الثوري مثل: "إنه يحمل مرتينته الآن، وتشتي عليه ماءً ورصاصًا." (ص 270) "سيرجع بعد أن يلحم جرحه." (ص 287) "كنا كالنمل." (ص 392) يلجأ في الوقت نفسه إلى ما لا يتعلق بشخص معين، فيتفادى الخطأ، إلا أن أم سعد تخرج عن طوع يد الكاتب، فتخرق القانون بقواعده الضامنة للفوائد:
"قلت لها: لا عليك إنها جروح بسيطة.
- هذه؟ طبعًا، ستمحي. ستمحوها الأيام، سيملؤها غبار التعب، سيتراكم فوقها صدأ الأواني التي أغسلها، وقذارات البلاط الذي أمسحه، ورماد المنافض التي أنظفها، وعكورة المياه التي أغسل بها..." (ص 297)
الخطأ هنا ليس في الخرق نفسه (كل التأكيدات الشخصية السابقة)، ولكن في وهم الخرق الذي يبقى دون عقاب، مثلما يرى اللساني الفرنسي، بما أن العنصر المحرك للخطأ هو وهم أم سعد، وبالتالي هذا التوافق في أدوار أم سعد مع حقول الفعل "الثوري" هو في حقيقته لا توافق، لأن تحسن الوضع أعراضيًا هو تدهور لا يمكن تفادي الخطأ معه، ولهذا السبب فشلت الثورة.

سنلقي النور على التعبير الثالث من فرضيتنا "رغم قسوة المضمونين التاريخي والاجتماعي":
لنفحص ماهية قسوة المضمون التاريخي والمضمون الاجتماعي: منذ بداية الرواية، لدينا تاريخ محدد، ألا وهو حرب حزيران 1967، هذه الحرب التي كانت سببًا، دون أن يكون بالإمكان تفادي ذلك، لخسارة مضاعفة للمسحوقين الذين تمثلهم أم سعد، عندما نقرأ: "لقد قاتلوا من أجلها، وحين خسروا خسرت هي مرتين..." (ص 246) نكبة 48 ونكسة 67.
جاءت الهزيمة الثانية لتذكِّر سكان المخيمات كم كانت تعسة أمانيهم، وكم كانت نتائجها التاريخية والاجتماعية وخيمة العاقبة، عبرت عنها العبارة التالية: "وراء ظهورنا تراكمت دروع الجنود المحطمة فوق الرمل المهجور، وشقت طوابير النازحين مسافات جديدة." (ص 245-ص 246)
تشير صورة الدروع المحطمة إلى المضمون التاريخي للهزيمة، بينما تشير صورة طوابير النازحين إلى المضمون الاجتماعي للهزيمة، فأين أم سعد من قسوة هذين المضمونين؟
إما أن تقوم أم سعد بدور المحرض: "لماذا تجيء وكأنها تريد أن تبصق في وجوهنا؟" (ص 246) "فيما كانت أم سعد ترقى الطريق نحونا، تحمل الصرة الصغيرة التي تحتفظ بها دائمًا وتسير عالية كما لو أنها علم ما، تحمله زنود لا ترى." (ص246)
وإما أن تقوم الوقائع بدور المحرض: "كل واحد يقول الآن أنا لم أقصد شيئًا. لماذا يحدث كل الذي يحدث؟ لماذا؟ لماذا لا تتركوا الطريق للذين يقصدون؟" (ص 256)
وفي كلتا الحالتين هناك محاولة للخروج من الخطأ، فالهزيمة ليست خطأهم، كل واحد يقول على طريقته إنها ليست خطأه (أنا لم أقصد)، وأم سعد تقول على طريقتها إنها ليست خطأها (لماذا يحدث)، إنها المثابرة في الخطأ مقلوبًا، أي في الصواب.

ختامًا لتحليلنا نوجز أفكارنا كما يلي:
1 – إيديولوجيًا هذه الرواية هي التمثيل الأدبي لمرحلة تبدو ناضجة من مراحل الكفاح من أجل التحرر الوطني الفلسطيني في مجمل وجوهه الثقافية والاجتماعية والسياسية.
2 – أدبيًا هذه الرواية هي أطول مقال سياسي كتبه غسان كنفاني، ليس للتقريرية السائدة فحسب، بل وللإقحامات الفكرية التي لا تعد ولا تحصى، و "الفهلوة" الكلامية في الأوصاف والحوارات.
3 – على عكس الهدف المنشود للكاتب، لم يكن سلوك أم سعد في أدوارها سلوك الإنسان في الواقع، الإنسان الفلسطيني أول إنسان، حقًا أدوارها أدوار كل إنسان، غير أن هذه الأدوار كمعانٍ ليست كلية يمكن أن تدخل في كل قضية غير قضية واحدة، "القضية الفلسطينية".
4 – كتابة هذه الرواية على شكل لوحات تبقى "ناقصة"، فما هذه اللوحات سوى رسوم إعدادية خططها غسان كنفاني بسرعة، وبحماسة، وبالتالي "بثورية"، لم تكشف عن شبكة المفاصل الداخلية لشخصيته الرئيسية، كما نرى رؤية صديقنا كلود بريمون، ونقصد بهذا العلاقات المتبادلة التي تحدد حقل التجربة بقدر الإمكان.
5 – تحليلي لهذه الرواية كان الأصعب في حياتي، ليس لكرهي لها، وليس لكونها الأسوأ في الأدب العربي، فأنا تسلحت بالصبر وبالعلمية، ولكن لأن السردية التي تقول عن نفسها بسيطة في أشكالها لم تكن بسيطة، هذا لا يعني أنها كانت صعبة، كانت تخفي نفسها خلف مقولة "الادعاء"، وهذا على كافة المستويات.


يتبع ب – المسرحية: 1 – الباب: نحو فهم اجتماعي



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 34
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 33
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 30
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 29
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 28
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 27
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 26
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 25
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 24
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 22
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 21
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 19
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 17
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 16
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 15
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 14


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 35