أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد العليمى - الشيوعية فى اليهودية والمسيحية الأولية - القسم الاول - كارل كاوتسكى















المزيد.....



الشيوعية فى اليهودية والمسيحية الأولية - القسم الاول - كارل كاوتسكى


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 5095 - 2016 / 3 / 6 - 10:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من كتاب اسس المسيحية - القسم الرابع -- 1
ترجمة : سعيد العليمى
بدايات المسيحية

الفصل الأول

المجمع المسيحى الأولى
أ- الطابع البروليتارى للمجمع
لقد رأينا أن الطابع القومى المحض للغيورين الديمقراطيين لم يستجب لحاجة كثير من العناصر البروليتارية فى أورشليم. ولكن الفرار من المدينة الكبيرة إلى الريف المفتوح، الذى كان مسعى الإسينيين، لم يكن يلائم ذوق كل أحد. كان الحال آنذاك، مثله الآن، حيث من السهل الهرب من الريف، ومن الصعب الهرب من المدينة. لم يعد البروليتارى الذى أصبح معتاداً على حياة المدينة يشعر بأنه على راحته حين يكون فى الريف. ربما وجد الأغنياء، فى قصورهم الريفية، تغييراً مبهجاً من اضطراب المدينة الكبيرة، ولكن العودة إلى الريف فى حالة البروليتارى عنيت له عملاً شاقاً فى الحقول، لم يتعلم أن يقوم به، ولم يكن كفؤا له.
فضل جمهور البروليتاريين بالضرورة، فى أورشليم وكذلك فى المدن الكبيرة الأخرى، أن يبقوا فى المدينة. لم تقدم لهم الإسينية ما احتاجوا إليه. بالتأكيد ليس لهؤلاء الذين إنتموا من بينهم إلى البروليتاريا الرثة وأصبحوا معتادون على العيش كطفيليات اجتماعية.
نشأ هناك بالضرورة بجانب الغيورين Zealots والإسينيين اتجاه بروليتارى آخر، موحداً الاتجاهين الغيوري والإسينى فى حركة واحدة. تجلى التعبير عن هذا الاتجاه في مجمع المخلص.
من المعترف به بصفة عامة أن المجمع المسيحى قد احتضن بصفة أصلية عناصر بروليتارية تقريبا على وجه الحصر، وكان تنظيما بروليتاريا. وكان هذا صحيحا لفترة طويلة بعد البدايات الباكرة.
يشير القديس بولس فى رسالته الأولى إلى الكورنثيين أنه لا الثقافة ولا الملكية كانت ممثلة فى المجمع.
"فانظروا دعوتكم، أيها الإخوة، أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون شرفاء. بل اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى" .
قدم فريدلاندر وصفا جيدا للطابع البروليتارى للمجمع المسيحى الأولى فى كتابه الحياة الرومانية وآداب وقواعد السلوك فى ظل الإمبراطورية الباكرة، الذى اقتبسنا منه سلفاً عدة مرات:
"أيا ما كان عدد الأسباب التى أسهمت فى انتشار الإنجيل، فمن المؤكد أنه قبل منتصف أو نهاية القرن الثانى فقد كان له فقط بضعة أتباع معزولين وسط الطبقات العليا. لم يقدم فقط تمرسها الفلسفى، وتعليمها العام المرتبط بوثوق بتعدد الآلهة، المعارضة الأقوى، وإنما بالإضافة لذلك، أدى الإعلان المسيحى للإيمان إلى أشد النزاعات خطراً مع النظام القائم للأشياء، وأخيراً، فإن رفض كل المصالح الأرضية كان بالطبع أشد صعوبة لهؤلاء الذين امتلكوا الشرف، والثروة والنقود. يقول لاكتانتيوس إن الفقراء والأدنياء، أكثر استعداداً للإيمان من الأغنياء، الذين ثار عدائهم بلا شك بطرق مختلفة ضد الاتجاهات الاشتراكية الخاصة بالمسيحية. من ناحية أخرى، ساعد انتشار المسيحية فى الشريحة الأدنى من المجتمع، إلى حد ملحوظ تشتت اليهود، الذي لابد وأنه كان سريعاً جداً، ولابد وأن عدد المسيحيين باكراً فى عام 64 كان ذو وزن، خاصة فى روما".
ولكن كان هذا التوسع قاصراً لوقت طويل على بعض المواقع.
"تظهر التصريحات التى حفظت بشكل عرضى تماماً أنه من 98 - 42، من 180 - 74، من 325 أكثر من 550، مكاناً ضمت جماعات مسيحية ".
"ولكن لم يشكل المسيحيون فى الإمبراطورية الرومانية أقلية صغيرة فقط كما هو الحال مؤخرا فى القرن الثالث، ولكن هذه الأقلية، على الأقل حتى بدايات القرن، قد أتت على وجه الحصر تقريباً من أدنى طبقات المجتمع. لقد كان مزحة بين الوثنيين أن المسيحيين تمكنوا من أن يحولوا (الى عقيدتهم) بسطاء العقول فقط، العبيد فقط، النساء والأطفال؛ وأنهم كانوا أجلافاً، غير متعلمين، وريفيون؛ وأن أعضاء جماعاتهم كانوا بصفة رئيسة أناساً لا اعتبار لهم، الحرفيون والنساء العجائز. لم يجادل المسيحيون أنفسهم فى هذا. يقول جيروم: ليست جماعة المسيح مجندة، من الليسيوم LYCEUM والأكاديمية، وإنما من أدنى العامة (DE VILI PLEBECULA) . لقد صادق بوضوح الكتاب المسيحين على انه، حتى منتصف القرن الثالث، لم يتسلل الإيمان الجديد سوى لعدد قليل من الأتباع ضمن الطبقات الأعلى. يقول إيوسيبيوس إن السلام الذى تمتعت به الكنيسة، فى ظل كومودوس (180 - 192ب.م) أسهم إلى "حد عظيم فى انتشارها " حتى أن عدة أشخاص فى روما، متميزون بحكم مولدهم وثروتهم، قد مالوا إلى "الخلاص بكامل بيوتهم وعائلاتهم". يقول أوريجن، فى حكم الإسكندر سيڤ-;---;-----;---يروس (222 - 235 ب.م)، إنه "فى الوقت الحاضر يستقبل الرجال الأغنياء وكثير من أصحاب المقامات العليا، وكذلك سيدات رقيقات ذوى أصل نبيل، الرسل المسيحيين للكلمة ". أى، لقد حققت المسيحية عندئذ نجاحات لم تكن قادرة على التباهى بها سابقاً.... وعلى ذلك منذ زمن كومودوس فصاعداً، تجلى انتشار المسيحية بين الطبقات العليا بشكل متعدد وواضح، بينما كان الحال بخلاف ذلك فيما يتعلق بالفترة السابقة..... الوحيدان ذوى المرتبة فى الوقت السابق على كومودوس، الذى يبدو أن تحولهما إلى المسيحية محتملاً، هما القنصل فلاڤ-;---;-----;---يوس كليمنس، أعدم عام 59 ب.م. وزوجته (أو أخته)، فلاڤ-;---;-----;---يا دوميتيلا التى نفيت إلى بونتيا" .
هذا الطابع البروليتارى للمسيحية الأولية ليس أقل الأسباب فى كوننا فقيرى المعرفة بهذه المرحلة الباكرة. ربما كان المدافعون الأوائل عنها أشخاصاً بلغاء للغاية، ولكنهم لم يكونوا ضليعين فى القراءة والكتابة. كانت هذه الفنون أكثر غرابة بالنسبة لعادات جماهير الناس فى تلك الأيام منها الآن. كان التعليم المسيحى لتاريخ مجمعهم مقصور لعدد من الأجيال على النقل الشفوى، بلاغ أشخاص مستثارين بانفعال شديد، سذج إلى حد لايصدق، تقارير عن أحداث شهدتها فقط حلقة صغيرة، هذا إذا كانت قد حدثت بالفعل على الإطلاق؛ والتى لم يكن ممكنناً من ثم التقصى عنها من قبل جمهور السكان، وبالتأكيد ليس من قبل عناصره الناقدة وغير المتحيزة. فقط حينما تحول أشخاص أكثر تعليماً، من مستوى اجتماعى أعلى، إلى المسيحية، اختطت بداية التثبيت المكتوب للتراث، ولكن حتى فى هذه الحالة لم يكن الغرض تاريخياً بقدر ماكان جدالياً، للدفاع عن نظرات ومطالب معينة.
كثير من الشجاعة أو كثير من التحيز مطلوب، إذا تغاضينا عن جهل كامل بشروط الثقة التاريخية، لادعاء أنك قادر على تقديم سيرة CAREER وحتى أحاديث شخصيات معينة بيقين مطلق، على أساس الوثائق الأدبية التى أنتجت بالطريقة السابقة المليئة بالمستحيلات والتناقضات الصريحة. لقد بينا سلفاً فى مقدمتنا أنه من المستحيل أن نقول أى شيء محدد عن المؤسس المزعوم للمجمع المسيحى. بعدما قيل توا، ربما نضيف أنه ليس ضرورياً بالفعل أن نعرف أى شيء عنه. كل أنماط الفكر التى عينت بصفة عامة، فى معرض المدح أو الذم، باعتبارها مسيحية نموذجياً، قد ظهر أنها بالفعل نتاجات جزئياً للتراث الهيليني الروماني، وجزئياً التراث اليهودى. ليس هناك فكرة مسيحية واحدة تتطلب افتراض نبى رفيع وإنسان أعلى لتفسير أصلها، وليس هناك فكرة واحدة لايمكن أن نجدها قبل زمن يسوع فى الأدب "الوثنى" أو اليهودى.
إنه لأمر ضئيل الأهمية، بقدر ما يتعلق الأمر بمفهومنا التاريخى، على أى حال، أن نكون ملمين تماماً بما يخص شخصية يسوع ورسله، مع ذلك فإنه لفى غاية الأهمية أن تكون لدينا معلومات محددة تتعلق بطبيعة المجمع المسيحى الأولى.
لحسن الحظ ليس هذا مستحيلاً بأى حال من الأحوال. لايهم كيف زينت على نحو رائع أو كيف ملئت بالاختراعات المحضة الخطب وأعمال الأشخاص الذين يجلهم المسيحيون بوصفهم أبطالهم ومعلميهم، ليس هناك من شك في أن المؤلفين المسيحيين الأوائل كتبوا بروح المجامع المسيحية التى كانوا يعملون فيها ومن أجلها. لقد كانوا ببساطة ينقلون التراث من زمن أبكر، ولا ريب، ربما، غيروا فيما يتعلق بالتفاصيل، ولكن الذي كان طابعه الجوهرى مع ذلك محدداً جداً حتى أنهم كانوا ليواجهون معارضة نشطة إذا كانوا قد حاولوا أن يغيروا هذا التراث بأى طريقة فظة. ربما حاولوا أن يضعفوا أو أن يعيدوا تفسير الروح التى سادت فى بدايات المجمع المسيحى، ولكن لم يكن بإمكانهم أن يستبعدوها كلية. مازال من الممكن إثبات هذه التخفيفات، التي تصبح أجرأ بمجرد أن يفقد المجمع المسيحى أكثر فأكثر طابعه البروليتارى الأولى ويقبل المتعلمين وكذلك الأثرياء والشخصيات المحترمة كأعضاء. ولكن تمكننا هذه المحاولات تحديداً من أن ندرك بوضوح هذا الطابع البروليتارى الأصلى.
تجد المعرفة التى حزناها هكذا دعماً فى تطور الطوائف المسيحية اللاحق، المعروفة جيداً منذ بداياتها الأولى والتى تعكس بوضوح فى تاريخها اللاحق تطور المجمع المسيحى بعد القرن الثانى، كما نعرفه الآن. ربما نستنتج من ثم أن هذه السلسلة من الأحداث شكلت قانوناً طبيعياً، وأن البدايات، المعروفة لدينا جيداً، للطوائف اللاحقة تقدم تناظراً مع البدايات غير المعروفة للمسيحية. مما لاريب فيه، لايشكل برهاناً بالقياس كهذا دليلاً فى حد ذاته فقط ولكنه ربما يقدم بامتياز دعماً للفرضية التى تشكلت بطريقة أخرى.
كلا هذين العنصرين، تناظر الطوائف اللاحقة، وكذلك البقايا المحفوظة بالفعل للتراث الباكر للحياة المسيحية الأولية، محدد تماماً كأدلة عن اتجاهات توقعناها بشكل معقول مقدماً بمعرفتنا الطابع البروليتارى للمجمع.
ب - الحقد الطبقى
فى المحل الأول، هناك حقد طبقى وحشى تجاه الأغنياء. هذا الحقد الطبقى واضح بجلاء فى إنجيل القديس لوقا، الذى كتب باكراً فى القرن الثانى، خاصة فى حالة لعازر، التى نجدها فى هذا الإنجيل فقط (16، 19 ومايليها). فى هذا المقطع، يذهب الإنسان الغنى إلى الجحيم والإنسان الفقير إلى حضن إبراهيم، ليس بسبب أن الأول خاطياً والأخير باراً، لا يقال لنا شيء عن هذا. لقد أدين الإنسان الغنى لسبب بسيط هو انه إنسان غنى. يناديه إبراهيم: "أذكر أنك استوفيت خيراتك فى حياتك وكذلك لعازر البلايا، وهو الآن "يتعزى وأنت تتعذب". لقد كانت الرغبة في الانتقام من جانب المضطهدين هى التى تمخضت عن هذا الوصف لدولة المستقبل. يجعل نفس الإنجيل يسوع يقول "ما أعسر دخول ذوى الأموال إلى مملكة (β-;---;-----;---α-;---;-----;---ι-;---;-----;---σ-;---;-----;---λ-;---;-----;---ξ-;---;-----;---ι-;---;-----;---φ-;---;-----;---υ-;---;-----;---) الله، لأن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله". (71 / 42، 52). هنا أيضاً يدان الإنسان الغنى بسبب ثروته، وليس بسبب خطيئته.
بالمثل فى الموعظة على الجبل (لوقا 6/ 20 ومايليها): طوباكم أيها المساكين (η-;---;-----;---τ-;---;-----;---ω-;---;-----;---χ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ί-;---;-----;---) هم هؤلاء الذين بلغوا غاية الفقر حتى أنهم لابد وأن يتسولوا): لأن لكم ملكوت الله، طوباكم أيها الجياع الآن لأنكم تشبعون؛ طوباكم أيها الباكون الآن: لأنكم ستضحكون..... ولكن ويل لكم أيها الأغنياء: لأنكم قد نلتم عزاءكم؛ ويل لكم أيها الشباعى! لانكم ستجوعون، ويل لكم أيها الضاحكون الآن! لأنكم ستحزنون وتبكون".
سوف يلاحظ القارئ أنه أن يكون المرء غنياً ويستمتع بثروته يعتبر جريمة، جديرة بأشد العقوبات قسوة.
مازالت نفس الروح فى رسالة القديس يعقوب إلى الاثنى عشر سبطاً فى الشتات التى يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثانى: " هلم الآن، أيها الأغنياء، ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة، غناكم قد تهرأ وثيابكم قد أكلها العث؛ ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما يكون شهادة عليكم ويأكل لحومكم كنار. قد كنزتم فى الأيام الأخيرة هوذا، أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم، المنجوسة منكم تصرخ: وصياح الحصادين قد دخل إلى أذنى رب الجنود. قد ترفهتم على الارض وتنعمتم؛ وربيتم قلوبكم كما فى يوم الذبح. حكمتم على البار، قتلتموه، لايقاومكم. فتأنوا أيها الإخوة إلى مجيء الرب ".(5، 1ومايليها)
إن القديس يعقوب يستشيط غضباً حتى ضد هؤلاء الذين فى صفوفه، ضد هؤلاء الذين إنضموا إلى المجمع المسيحى:
"وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه: واما الغنى فباتضاعه، لأنه كزهر العشب يزول، لأن الشمس أشرقت بالحر فيبست العشب فسقط زهره وفنى جمال منظره. هكذا يذبل الغنى أيضاً فى طرقه..... اسمعوا يا إخوتى الأحباء. أما اختار الله فقراء (هذا) العالم أغنياء فى الإيمان، وورثة الملكوت الذى وعد به الذين يحبونه؟ وأما انتم فأهنتم الفقير. أليس الأغنياء يتسلطون عليكم وهم يجرونكم إلى المحاكم؟ أما هم يجدفون على الاسم الحسن الذى دعى به عليكم" ؟
قليلة هى المناسبات التى اتخذ فيها الحقد الطبقى للبروليتاريا الحديثة مثل هذه الأشكال المتعصبة كتلك الخاصة بالبروليتاريا المسيحية. فى اللحظات القصيرة التى حازت فيها بروليتاريا حقبتنا السلطة حتى الآن، لم تنهال بانتقامها أبداً على الغنى. مما لاشك فيه أنها تشعر بنفسها أقوى بكثير اليوم مما شعرت به بدءاً بروليتاريا المسيحية الوليدة. ولكن من يعرف بأنه قوى يكون دائماً أكثر ميلاً إلى أن يبقى رحب الصدر أكثر ممن هو ضعيف. إن علامة فقدان الثقة عند البورجوازية فى قوتها الخاصة أنها دائماً تُنزِل مثل هذا الانتقام الفظيع ببروليتاريا ناهضة.
إن إنجيل القديس متى أحدث ببضعة عقود من (إنجيل) القديس لوقا. فى نفس الوقت، بدأ الأشخاص الأثرياء والمثقفون فى السعى للاتصال بالمسيحية، وبدأ كثير من الدعاة المسيحيين يستشعرون الحاجة لأن يضعوا المذهب المسيحى بشكل أكثر لطفاً حتى يجذبوا هؤلاء الناس. إن طريقة "أكل النار" المسيحية الأولية لم تعد متاحة. ولكن هذا الموقف الأقدم قد ضرب عميقاً بجذوره حتى يمكن إزاحته فحسب، وقد بُذل جهد من ثم ببساطة لـ"مراجعته" بمعنى انتهازى. إن هذه الروح المُراجِعة هي التى جعلت إنجيل القديس متى ""إنجيل التناقضات" ، وكذلك أيضاً "الإنجيل المفضل لدى الكنيسة". وجدت الكنيسة، فى هذا الإنجيل "الطابع الجرئ والثورى للحماس المسيحى الأولى والاشتراكية – وقد تعدل للغاية إلى وسيلة ذهبية ملائمة لانتهازية إكليركية، حتى إنه لم يعد يبدو كعقبة فى سبيل وجود كنيسة منظمة صنعت سلامها مع المجتمع الإنسانى".
بالطبع، حذف الكتاب المتعددون الذين اشتركوا بشكل متعاقب فى إنتاج إنجيل القديس مرقس كل الأجزاء غير الملائمة التى كان من الممكن أن يستبعدوها، مثل قصة لعازر، إدانة خلاف الميراث، الذى يقود أيضاً إلى تقريع مطول ضد الأغنياء (القديس لوقا 12 / 13 ومايليها). ولكن يحتمل أن الموعظة على الجبل أصبحت غاية فى الشعبية ومعروفة للغاية حتى يكون من الملائم معالجة هذا الحدث بنفس الطريقة. وعلى ذلك فقد هُذبت الموعظة. يقول يسوع عند متى ":"طوبى للمساكين بالروح. لأن لهم ملكوت السموات.... طوبى للجياع والعطاشى إلى البر، لأنهم يشبعون".
بالطبع، أزالت هذه المراجعة الماكرة كل أثر للحقد الطبقى. إنهم الآن الفقراء فى الروح الذين سيُباركون. ليس من المؤكد أى ضرب من الأشخاص قد قُصدوا بهذا التعبير، ما إذا كانوا بلهاء، أو مثل هؤلاء المتسولين فقط فى خيالهم الخاص وليس فى الواقع، بمعنى آخر، هؤلاء الذين يستمرون فى الامتلاك بينما يزعمون أن قلوبهم ليست متعلقة بممتلكاتهم. من المحتمل أن الأخيرين هم الذين قُصدوا، ولكن كيفما كان الأمر فإن إدانة الثروة التى جرى التعبير عنها ذات مرة بإعلان مباركة المتسولين لم تعد موجودة. من المسلى أن نجد أن الجوعى قد تحولوا الآن إلى هؤلاء الجوعى للعدالة، الذين يطعمون بمنظور أنهم سيشبعون من العدالة. الكلمة الإغريقية المترجمة هنا بـ"لأنهم يشبعون" (χ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ρ-;---;-----;---τ-;---;-----;---ά-;---;-----;---ζ-;---;-----;---ω-;---;-----;---) قد استعملت غالبا للحيوانات، وتقال على البشر بمعنى تحقيرى أو للسخرية فقط، لتعيين طريقة رديئة لملأ المعدة. حقيقة أن الكلمة تتردد فى الموعظة على الجبل أيضاً هى أثر للأصل البروليتارى للمسيحية، من المحتمل أن التعبير كان جارياً فى الدوائر التى أخذ منها، ليشير إلى إشباع كامل للجوع الجسدى. ولكنه يصبح مثيراً للسخرية حين يطبق على إشباع الجوع للعدالة.
لا يوجد نظير هذه الطوباويات، أى لعن الإنسان الغنى، عند متى على الإطلاق حتى أكثر التشويهات حذقاً لم يكن من الممكن أن تخترع شكلاً يجعلها مقبولة عند الطبقات الثرية الذى كان تحولها مرغوباً، ومن ثم كان على هذا الجزء أن يستبعد.
ولكن بغض النظر عن كم حاولت كثيراً دوائر معينة ذات نفوذ بالمجمع المسيحى، حيث انها أصبحت أكثر فأكثر انتهازية، السعى لإزالة الطابع البروليتارى، فلم يقضى على البروليتاريا وحقدها الطبقى بتلك الوسيلة، وظهر مفكرون متفرقون من وقت لآخر ليعبروا عن هذا الحقد. سوف يجد القارئ مجموعة جيدة من المقاطع ـ من كتابات القديس كليمنت، الأسقف أستيريوس لاكتانتيوس، باسيليوس الأعظم، القديس جريجورى من نيسا، القديس أمبروز، القديس يوحنا فم الذهب، القديس جيروم، القديس أوغسطين، إلى آخره، كلهم تقريباً يكتبون فى القرن الرابع، حين كانت المسيحية بالفعل دين الدولة، ـ فى كتاب بول بفلوجر الصغير اشتراكية آباء الكنيسة . أطلقوا كلهم أكثر الإدانات حدة على الأغنياء التى تضعهم على نفس المستوى مع اللصوص وقطاع الطرق.
ج - الشيوعية
بالنظر لهذا الطابع البروليتارى الواضح للمجمع، فمن الطبيعى أنه كان عليه أن يهدف لتحقيق تنظيم شيوعى. فى الواقع، أعلن الكثير تحديداً. نحن نقرأ فى أعمال الرسل: "وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة (κ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ι-;---;-----;---ν-;---;-----;---ω-;---;-----;---ί-;---;-----;---α-;---;-----;---) وكسر الخبز والصلوات...... وجميع الذين آمنوا كانوا معاً وكان عندهم كل شيء مشتركاً، والأملاك والمقتنيات كانوا "يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج (2 / 42، 44) "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة: ولم يكن أحد يقول أن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركاً...... إذا لم يكن فيهم أحد محتاجاً: لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كان يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات، ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج". ( 4 / 32، 34)
سوف نتذكر أن حنانيا وسفيرة اللذان حاولا أن يحتفظا ببعض من نقودهما خفية عن المجمع قد جوزيا على هذا الانتهاك بالموت بتدخل إلهى.
كان القديس يوحنا فم الذهب (تعنى الكلمة الأطول CHRYSOSTOM "فم الذهب")، وقد سمي كذلك بسبب بلاغته النارية، وكناقد غير هياب لزمنه (347 - 407 ب.م)، أضاف إلى العرض المقدم سابقاً عن الشيوعية المسيحية الأولية مناقشة لمميزاتها، التى كان لها صلاحية اقتصادية شديدة الواقعية، وابتعدت غاية البعد عن الوجد الزهدى. نحن نجد هذا المقطع فى موعظته الحادية عشره HOMILIES تعليقاً اعلى أعمال الرسل. وكلماته مايلى:
"كانت النعمة بينهم، لأن أحدا لم يعانى حاجة، بسبب أنهم أعطوا بغاية الكرم حتى لم يبقى منهم فقيراً. لأنهم لم يعطوا قسماً ويحتفظوا بالقسم الآخر لأنفسهم، كما لم يعطوا كل شيء كما لو كان ملكهم الخاص. لقد ألغوا عدم المساواة وعاشوا فى وفرة عظيمة؛ وقد فعلوا ذلك بأشد الطرق جدارة بالإطراء. لم يجرؤوا على أن يضعوا الصدقة فى أيدى المحتاجين، ولم يقدموا الهبات بتعطف مكابر، وإنما وضعوها تحت أقدام الرسل وجعلوهم سادة وموزعى هذه الهبات. كل إنسان أخذ حاجته حينئذ من موارد الجماعة، وليس من الملكية الخاصة للأفراد. منع هذا الواهبين من أن يكتسبوا رضى ذاتياً باطلاً.
"إذا كان علينا أن نصنع هذا اليوم، فلا بد وأن نحيا بشكل أكثر سعادة بكثير، الأغنياء وكذلك الفقراء. ولن يحصل الفقراء من ثم على سعادة أكثر من الأغنياء. لأن الواهبين ليس فقط لم يصبحوا فقراء وإنما جعلوا الفقير غنياً أيضاً ".
"دعنا نصور الأمر لأنفسنا هكذا: الكل يعطون ما لديهم للمالية العامة. لاتدع أحداً ينزعج بهذا المشهد، سواء كان الإنسان الغنى أو الإنسان الفقير. هل تعلم كم من النقود قد تجمع هكذا؟ افترض - لأنه لايمكن تحديدها بيقين مطلق - أنه لو تخلى كل إنسان عن كل نقوده، حقوله، أراضيه، منازله (إذا تغاضينا عن العبيد، لأن لنا أن نفترض إن المسيحيين الأوائل لم يكن لديهم أحداً منهم، الأكثر احتمالاً أنهم حرروهم)، افترض أن قدرا يبلغ حوالى مليون رطل من الذهب يمكن أن يتجمع وربما ضعفى أو ثلاث أضعاف هذا القدر. لأنه، دعنا نرى، كم عدد الأشخاص الذين تضمهم مدينتنا (القنسطنطينيية)؟ كم عدد المسيحيين؟ ألا يوجد مائة ألف بتمامهم. وكم عدد الوثنيين واليهود؟ كم عدد ألاف أرطال الذهب التى يمكن أن تجمع هكذا؟ وكم عدد الفقراء لدينا؟ أنا لاأعتقد أن هناك أكثر من خمسين ألف. ماهو القدر المطلوب من أجل إطعامهم كل يوم؟ إذا كان عليهم أن يأكلوا على مائدة مشتركة، لايمكن أن تكون التكاليف كبيرة جداً. كيف سنبدأ العمل برصيدنا العملاق؟ هل تعتقد أنه يمكن أبداً أن يستنفد؟ ألن تنصب علينا نعمة الله بوفرة أكثر ألف مرة من ذى قبل؟ ألن نصنع جنة من الأرض؟ إذا ثبت فى النهاية انها تجربة ناجحة إلى حد غاية فى الروعة فى حالة ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف شخص (المسيحيون الأوائل)، ولم يعانى أحد منهم احتياجاً، كم ينبغى أن يكون العائد أفضل فى حالة عدد كبير جداً كما هو الحال الآن؟ ألن يضيف كل قادم جديد شيئاً يخصه.
"إن تقسيم الأراضى يؤدى لنفقات أعظم ومن ثم ينتج الفقر. إعتبر فقط منزلاً به زوج وزوجه وعشرة أطفال. هى تنسج، وهو يحاول أن يكسب عيشه فى السوق، هل سيكون من الارخص بالنسبة لهم أن يعيشوا معاً فى بيت واحد أو أن يعيشوا منفصلين؟ بالطبع سوف يكون مكلفاً أكثر أن يعيشوا منفصلين. إذا انفصل الأبناء العشرة، سوف يحتاجون إلى عشرة منازل، عشرة موائد، عشرة خدم، وكل شيء آخر سوف يضاعف إلى عشرة بنفس الطريقة. وكيف سيكون الحال مع جمهور العبيد؟ ألا يطعمون معاً على مائدة واحدة من أجل توفير النفقات؟ يؤدي التقسيم دائماً إلى التبذير؛ الانضمام يؤدي دائماً إلى الاقتصاد في الموارد. وهكذا يعيش الناس الآن في الأديرة وهكذا عاش المؤمنون. من مات عندئذ من الجوع؟ من لم يشبع بوفرة؟ ومع ذلك يخشى الناس هذا الوضع أكثر مما يخشون من وثبة في البحر الذي لا حدود له. لم لا نبذل جهداً على الأقل ونشرع في الأمر بشجاعة! كيف ستكون نعمتنا عظيمة بهذه الطريقة! لأنه إن كان في تلك الأيام ، حين كان عدد المؤمنين صغيراً جداً، من ثلاثة إلى خمسة آلاف فقط، إذا كان في ذلك الوقت حين كان العالم كله معادياً لنا، حيث لم نقابل بمواساة في أي مكان، شرع أسلافنا في المهمة بعزم مصمم، فأي قدر من الثقة ينبغي أن يكون لدينا، الآن حيث هناك مؤمنون في كل مكان بنعمة الله! من سوف يرغب في أن يكون وثنياً؟ أظن لا أحد. يجب أن نجذب الجميع إلينا ونجعل الجميع يميلون نحونا" .
لم يكن المسيحيون الأوائل قادرون على أن يصدروا مثل هذ ا التصريح الواضح والهادئ عن الحالة. ولكن ملاحظاتهم القصيرة، تعجباتهم، طلباتهم، لعناتهم، تشير بوضوح في كل حالة للطابع الشيوعي الموحد للمرحلة الأولى من المجمع المسيحي.
في إنجيل القديس يوحنا الذي، يجب أن نقر بأنه لم يكن قد كتب حتى منتصف القرن الثاني، اعتبرت الرفقة الشيوعية ليسوع مع رسله أمراً مفروغاً منه. لم يكن لهم جميعاً سوى حافظة (نقود) واحدة، وهذه الحافظة كان يحملها يهوذا الإسخريوطي. يوحنا، الذي يحاول في هذه الحالة كما في الحالات الأخرى أن يبز أسلافه، يزيد الاشمئزاز حيث لابد وأن يُقبض على الخائن يهوذا بوصمة باعتباره مختلساً للمالية العامة. يصف يوحنا واقعة مسح مريم قدم يسوع بطيب ثمين.
"فقال واحد من تلاميذه، وهو يهوذا الإسخريوطي، المزمع أن يسلمه، لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطي للفقراء؟ قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه" .
في العشاء الأخير، يقول يسوع ليهوذا: "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة".
"وإما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به. لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا، ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو، أن يعطي شيئاً للفقراء" .
يطلب يسوع مراراً في الأناجيل من تلاميذه أن يتخلى كل واحد عن كل شيء يملكه.
"فكذلك، كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" .
"بيعوا أموالكم، وأعطوا صدقة". (لوقا، 12/ 33).
"وسأله رئيس (ά-;---;-----;---ρ-;---;-----;---χ-;---;-----;---ν-;---;-----;---ω-;---;-----;---) (يسوع) قائلاً، أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحيوة الأبدية؟ فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. أنت تعرف الوصايا. لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، ولا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك. فقال هذه كلها حفظتها منذ حداثتي. فلما سمع يسوع ذلك، يعوزك أيضاً شيء: بع كل مالك، ووزع على الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال، اتبعني. فلما سمع ذلك حزن؛ لأنه كان غنياً جداً" .
يدفع هذا الحديث يسوع إلى أن ينطق بمثل الجمل، الذي سيكون أيسر عليه أن يدخل من ثقب إبرة، من أن يدخل غني ملكوت الله. تبدو مملكة السماء متاحة فقط لهؤلاء الذين يشاركون الفقراء في ثروتهم.
يعرض الإنجيل المنسوب إلى القديس مرقس المسألة في نفس الضوء.
ولكن المحرف القديس متى يخفف هنا مرة أخرى الحدة الأصلية للطلب، بوضعه فقط في شكل افتراضي. يجعل متى يسوع يقول للشاب الغني: "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء". (19/ 21).
لقد صُور ما كان يطلبه يسوع من كل واحد من أتباعه، من كل عضو في مجمعه، وكأنه أصبح في وقت طلباً يعرض فقط على هؤلاء الذين ينزعون إلى الكمال.
هذه السلسلة من الأحداث طبيعية تماماً في تنظيم كان في البداية بروليتارياً محضاً وفيما بعد أدخل فيه المزيد والمزيد من عناصر كانت ثرية.
بالرغم من ذلك، هناك عدد من اللاهوتيين الذين ينكرون الطابع الشيوعي للمسيحية الأولى. وهم يزعمون أن الخبر الوارد في أعمال الرسل حول هذا الموضوع ذو أصل لاحق، كما كان الحال غالباً في العصور القديمة، وهم يزعمون أن الكاتب هنا أيضاً قد وضع الشرط المثالي الذي حلم به، في الماضي. ولكن ينسى هؤلاء اللاهوتيون أن الطابع الشيوعي للمسيحية الأولى لم يكن ملائماً تماماً للكنيسة الرسمية الخاصة بالقرون التالية، التي كانت تحتضن الأغنياء بهذا القدر أو ذاك. إذا كانت هذه الصورة للمسيحية الأولى قد اعتمدت على تلفيق لاحق، فإن أبطال الاتجاه الانتهازي ما كانوا ليترددون في الاحتجاج ضدها وسوف يعتبرون أن الكتب التي تحتوي مثل هذه الصور كان يجب أن تستبعد من الكتب القانونية التي اعترفت بها الكنيسة. لم تحتمل الكنيسة تزويرات أبداً إلا عندما كان يتفق تماماً مع سياستها أن تفعل ذلك، بالتأكيد لم يكن هذا لينطبق على الشيوعية. إذا كانت الشيوعية قد اعتبرت رسمياً المطلب الأكثر أساسية للمجمع الأولي، فقد أُبدي مثل هذا الاعتراف بالتأكيد فقط لأنه كان من المستحيل عمل خلاف ذلك، لأن التقليد في هذه المسألة ضرب بجذوره عميقاً وانتشر أيضاً بصفة عامة.
د ـ الاعتراضات على الشيوعية
إن اعتراضات هؤلاء الذين ينكرون وجود الشيوعية في المجمع الأولي ليست بأي حال من الأحوال مقنعة. نحن نجد أن كل هذه الاعتراضات قد أعاد تلخيصها ناقد يعارض الصورة التي رسمتها عن المسيحية الأولية في مؤلفي رواد الاشتراكية.
الناقد أ. ك، وهو دكتور في اللاهوت، طبع اعتراضاته في مقالة في الأزمنة الحديثة Neuezeit تتعلق بما يسمى الشيوعية المسيحية الأولية .
يشير لنا، قبل كل شيء، بأن "مواعظ الناصري لم تهدف لتحقيق ثورة اقتصادية" ولكن من أين يحصل أ. ك على هذه المعلومة؟ تبدو أعمال الرسل بالنسبة له مصدراً غير مؤكد يؤسس عليه وصف التنظيمات التي يعزو أصلها إلى فترة ما بعد الموت المزعوم للمسيح؛ أما الأناجيل، وبعضها أحدث من أعمال الرسل، فيعتبرها بمثابة مصادر مؤكدة كلية حتى بالنسبة لأحاديث المسيح!
في الواقع، تنطبق نفس الحقيقة على الأناجيل كما تنطبق على أعمال الرسل. ما يمكن أن نعلمه منها هو شخصية هؤلاء الذين كتبوها، بالإضافة إلى ذلك ربما تتضمن أيضاً بعض الذكريات الماضية، ولكن الذكريات الماضية للتنظيمات أكثر قابلية للتذكر من الأحاديث، ولا يمكن أن تشوه بسهولة شديدة. أضف إلى ذلك، كما رأينا، فإننا نستطيع أن نتحقق جيداً جداً في الأحاديث التي بلغتنا عن المسيح خاصية تشير لشيوعية المجمع المسيحي الأولي بشكل غاية في التحديد.
لا يمكن أن تستخدم التعاليم الخاصة بيسوع، التي لا نعلم عنها شيئاً محدداً على الإطلاق، للبرهنة على أي شيء ضد افتراض الشيوعية الأولية. أضف إلى ذلك، فإن أ. ك يبذل قصارى جهده ليجعلنا نعتقد أن الشيوعية العملية للإسينيين، التي كانت تتطور تحت حدقة بروليتاريي أورشليم، لم يكن لها تأثير عليهم على الإطلاق، وإنما النظريات الشيوعية للفلاسفة والشعراء الإغريق هي التي مارست التأثير الأكثر عمقاً على البروليتاريين غير المتعلمين للمجمع المسيحي خارج أورشليم وقد أشربوا بالمثل الشيوعية، الذي وضع تحقيقها، بالتوافق مع عادات الزمان الماضي، أي، في فترة المجمع الأولي في أورشليم.
بمعنى آخر، لقد قيل لنا إن المتعلمين نجحوا لاحقاً في صبغ البروليتاريين بشيوعية، كانت مراقبتها العملية قد تركتهم سابقاً غير متأثرين بها. لابد وأننا نحتاج بالتأكيد إلى أقوى البراهين لنجعل هذه النظرة تبدو لنا جديرة بالتصديق: فكل دليل لدينا يتعارض معها. حيث يتزايد نفوذ الطبقات المتعلمة على المسيحية، تبتعد المسيحية أكثر فأكثر عن الشيوعية، كما رأينا سلفاً في إنجيل متى، وكما سوف نعلم لاحقاً في تتبع تطور المجمع.
إن أفكار أ. ك عن الإسينيين خاطئة تماماً. وهو يقول عن المجمع المسيحي الشيوعي في أورشليم: "الواقع أن هذه التجربة الشيوعية المفردة التي تصادف أنها أقيمت بواسطة جمعية تحتوي على اليهود لابد وأن تثير شكوكنا. نزولاً حتى البدايات الأولى لعصرنا، لم يقم اليهود أبداً بمثل هذه التجارب الاجتماعية؛ لم يكن هناك قبل ذلك أبداً شيء يدعى شيوعية يهودية. ولكن الشيوعية نظرياً وعملياً معاً لم تكن شيئاً جديداً على الهيلينيين".
إن ناقدنا لا يكشف المصدر الذي يكتشف فيه الشيوعية العملية للهيلينيين في زمن المسيح. ولكنه تقريباً مما لا يصدق أن نسمعه يقول إنه يجد شيوعية أقل بين اليهود مما بين الهيلينيين بينما الحقيقة الفعلية أن شيوعية الأولين هي أرفع بما لا يقاس من الرؤى الشيوعية للأخيرين بسبب أنها قد نفذت بالفعل. وليس لدى أ. ك بوضوح أدنى شك في حقيقة أن الإسينيين قد ذكروا قبل المسيح بمائة وخمسين عاماً، ولكن يبدو أنه يظن أنهم لم يظهروا حتى زمن المسيح!
مع ذلك، فإن نفس هؤلاء الإسينيين الذين قُدموا بوصف أنه لم يكن لهم تأثير على ممارسات مجمع أورشليم، يزعم أنهم أنتجوا الخرافة الشيوعية التي تخللت أعمال الرسل في القرن الثاني بعد المسيح. الإسينيون، الذين اختفوا من مجال النظر مع تدمير أورشليم، ويحتمل أن الدمار العام للجماعة اليهودية قد طواهم يقدمون بوصفهم قد أشربوا البروليتاريين الهيلينيين خرافات تتعلق بأصل المجمع المسيحي، وأدت بهم إلى تبني فكرة الماضي الشيوعي، في وقت كان العداء فيه بين اليهودية والمسيحية قد اتخذ بالفعل أكثر الأشكال حدة، بينما يزعم أيضاً أنه في الوقت الذي أسس فيه اليهود البروليتاريون تنظيماً في أورشليم الذي كان له بالضرورة اتصالاً وثيقاً شخصياً وعملياً مع الحركة الإسينية، لم يكن للأخيرة أقل تأثير على ذلك التنظيم.
من الممكن تماماً أن تكون الخرافات الإسينية ونظراتها قد حملتها العناصر التي تضمنها الأدب المسيحي الباكر. ولكن الأكثر احتمالاً إلى حد بعيد أنه في هذه الحالة الباكرة للمجمع المسيحي، التي لم يكن قد أنتج فيها أدباً بعد، أن كان تنظيمه واقعاً تحت تأثير النماذج الإسينية. وأمكن لهذا أن يكون تأثيراً بمعنى التنفيذ الفعلي للشيوعية، وليس بمعنى تخيل ماض شيوعي مزعوم فحسب، لا صلة له بواقع ما.
إن هذا الإنشاء الاصطناعي بكامله، خلق اللاهوتيين المحدثين والمقبول من أ. ك الذي ينكر التأثير الإسيني في الوقت الذي كان فيه هناك تأثير بالفعل، ثم يعزو إليه وظيفة واضحة في وقت كان فيه قد توقف، يبين فحسب كيف يمكن أن تصبح عديد من العقول اللاهوتية في خدمة مهمة تحرير الكنيسة الأولية "من العطر غير اللائق" للشيوعية.
ولكن كل ما سبق ليس أسباباً قاطعة عند أ. ك وهو يعرف "سبباً رئيساً" لم يقدر أبداً حتى الآن وهو: أن خصوم المسيحيين قد اتهموهم بكل الانتهاكات الممكنة، ولكن ليس بأنهم كانوا شيوعيون. ومع ذلك فإن هؤلاء الخصوم لم يكونوا ليفوتوا فرصة توجيه مثل هذا الاتهام إذا كان هناك أساس له". أخشى أن يستمر العالم في تجاهل هذا "السبب الرئيسي". لأن أ. ك لا يمكن أن ينكر أن الطابع الشيوعي للمسيحية قد شدد عليه بوضوح عدد من المقاطع في أعمال الرسل وكذلك في الأناجيل. وهو يردها بالقول بأن هذه المقاطع خرافية محضة فحسب. ولكنه لا ينكر أنها هناك وأنها تعبر عن اتجاهات مسيحية حقيقية. إذا لم يشدد خصوم المسيحية بالرغم من ذلك على شيوعية المسيحية، فذلك لا يمكن أن يعود إلى حقيقة أنهم لم يجدوا دعماً لمثل هذا الاتهام. لأنهم اتهموا المسيحيين بأشياء أخرى، مثل قتل الأطفال، الاتصال بالمحارم، إلخ، التي لم يكن عليها أدنى دليل في الأدب المسيحي. إنه من الصعب أن نصدق، من ثم، أنهم قد تقاعسوا عن توجيه اتهامات كان يمكن أن يقدموا دليلاً عليها في الكتابات المسيحية حتى في الفترات الباكرة للأدب المسيحي.
يجب أن نبحث عن سبب ذلك في مكان آخر غير غياب الشيوعية في المسيحية الأولية.
السبب الحقيقي هو أن الموقف تجاه الشيوعية في تلك الأيام كان مختلفاً عما هو عليه اليوم.
اليوم، أصبحت الشيوعية بالمعنى المسيحي الأولي، بمعنى آخر، القسمة Dividing غير متناسبة مع تقدم الإنتاج، مع وجود المجتمع. اليوم، تتطلب الحاجات الاقتصادية على نحو غير مشروط العكس تماماً من القسمة، أي، أنها تتطلب تركيزاً للثروة في مواضع قليلة، إما في أيدي أفراد خاصين، كما هو الحال اليوم، أو في أيدي المجتمع، الدولة، البلديات، وربما أيضاً في أيدي التنظيمات التعاونية، كما في الخطة الاشتراكية للأمور.
ولكن كان الحال مختلفاً تماماً في أيام المسيحية. بخلاف التعدين، كانت الصناعة بمجملها تقريباً من نوع صغير. في الزراعة، من الحقيقي أنه وجدت هناك حالات مؤسسات واسعة ذات نمط كبير، ولكن هذه المشاريع الكبيرة التي أديرت بشرياً من قبل العبيد، لم تكن أرفع تقنياً من المؤسسات الصغيرة، وأمكن أن تحافظ على نفسها فقط حيث توفر استغلال مدمر قاس للموارد بمساعدة عمل العبيد الرخيصين. لم يصبح الإنتاج الكبير أساس مجمل الإنتاج كما هو الحال اليوم.
من ثم، عني تركيز الثروة في أيدي حفنة قليلة عندئذ أي شيء آخر عدا تعزيز إنتاجية العمل، وبالتأكيد لم يكن أساساً لعملية الإنتاج ومن ثم للرفاهية الاجتماعية.
لم يعن تركيز الثروة في أيدي حفنة قليلة تطوراً للقوى المنتجة، وإنما تراكما لمواد الاستهلاك فحسب بقدر ما لم يكن من الممكن للفرد أن يستهلكها بنفسه، انتهاءاً إلى أنه ليس لديه سبيل آخر سوى أن يتشارك فيها مع الآخرين.
وقد فعل الأغنياء هذا على نطاق واسع، وجزئياً بشكل طوعي. كان الكرم يعتبر واحداً من الفضائل الأشد تميزاً في العصر الإمبراطوري الروماني. لقد كان وسيلة لكسب الأتباع والأصدقاء ومن ثم وسيلة لزيادة سلطة الشخص.
"تلقى العبيد عند عتقهم، بصفة عامة هبة سخية بهذا القدر أو ذاك. في حالات عائلية 10000000 (سيسترسس). تلقت عائلات الأقارب والوكلاء أيضاً منحاً وحماية. ومعتق من كوتا ميسالينيوس، صديق طيباريوس، يحتفل على شاهد قبره في ڤ-;---;-----;---يا ابيا، بأن راعيه مراراً ما أعطاه مبالغ تصل إلى ما يتقاضاه الفرسان Knightly Census (400000 سيسترسس)، علموا أطفاله، وقدموا أبوياً أسباب العيش لأبنائه، أنعموا بالتريبونية العسكرية على ابنه كوتانوس، ودفعوا تكاليف شاهد القبر هذا" .
كانت هناك حالات كثيرة جداً كهذه. ولكن حيث سادت الديموقراطية، كانت هناك أيضاً مشاركة إجبارية في الممتلكات إضافة للطوعية. كان على من يرغب في منصب أن يشتريه بالهبات السخية للناس، الأخيرون، حينما كانت لديهم قوة، إضافة إلى ذلك فرضوا ضرائب مرتفعة على الأغنياء، حتى يعيشوا على عائد هذه الضرائب، بينما كان المواطنون يكافئون من عائدات الدولة لمشاركتهم في الجمعيات العامة وحتى لحضورهم في الاحتفالات العامة Spectacles، وتمتعوا على حساب الإنفاق العام على الموائد العامة الكبيرة، أو أعطوا طعاماً من المخازن العامة.
لم يكن هناك ما هو عدائي في عيون الجماهير في فكرة أن الأغنياء قد وجدوا حتى يشاركوا ملكيتهم مع الآخرين، لم يكن هناك شيء يناقض وجهات النظر العامة. لقد كانت بالأحرى فكرة تتوافق تماماً مع هذه النظرات.
لم تكن الجماهير تنفر من مثل هذه الأفعال، وإنما بالأحرى امتدحتها. كان خصوم المسيحية سيكونون أغبياء لو شددوا على هذه المرحلة فقط. دع القارئ يلاحظ فحسب الاحترام الذي يتحدث به مثل هؤلاء الكتاب المحافظون مثل يوسيفوس وفيلون عن شيوعية الإسينيين، إنهم لا يجدون هذه الشيوعية منفرة أو مضحكة وإنما راقية تماماً.
"الاعتراض الأساسي" عند أ. ك على افتراض شيوعية مسيحية أولية، أي، أن المسيحيين لم يتهموا بهذه الممارسة من قبل خصومهم، هي من ثم دليل فحسب على أن أ. ك يرى الماضي بعيون المجتمع الرأسمالي الحديث وليس بعيونه الخاصة.
بالإضافة إلى هذه الاعتراضات، التي لم تؤسس على أدلة على الإطلاق ولا تعدو أن تكون مجرد تخيلات، يوظف أ. ك الآن عدداً من الانتقادات القاسية المؤسسة على حقائق رويت في أعمال الرسل. بفضول كاف، ناقدنا، المتشكك للغاية، في أن يأخذ في الاعتبار أوصاف الشروط القائمة طويلاً، في الأدب المسيحي الأولي، يقبل الآن كل ما يذكر عن حادث بعينه بقيمته الظاهرة. إنها نفس الحال إذا ما أعلنا أن أوصاف الشروط الاجتماعية في العصر البطولي التي توجد في الأوديسه هي اختراعات ومع ذلك قبلنا بولڤ-;---;-----;---يميوس وسيرس باعتبارهما شخصيتان تاريخيتان قامتا بالفعل بالأعمال التي نسبت إليهما.
ولكن حتى هذه الحقائق المفردة لا تؤثر على افتراض الشيوعية في المجمع الأولي.
في المحل الأول يقول أ. ك إنه كان للمجمع في أورشليم عضوية من خمسة آلاف، ويسأل: كيف يمكن لعدد كبير كهذا، بزوجاتهم وأطفالهم، أن يؤلفوا أسرة واحدة؟
لم يزعم أحد أنهم ألفوا أسرة واحدة أو أنهم أكلوا على مائدة واحدة. وسوف يكون من الصعب حتى تأكيد أن المجمع الأولي كان لديه بالفعل عضوية من خمسة آلاف كما ورد في أعمال الرسل (4/ 4). لم تكن الإحصاءات نقطة القوة في الأدب القديم وبالتأكيد ليس في الأدب الشرقي: كانت المبالغة كوسيلة لإنتاج تأثير معين مفضلة كثيراً.
كان عدد الخمسة آلاف يعزى غالباً من أجل أن يشير إلى كمية كبيرة للغاية. وهكذا تصرح الأناجيل بغاية التحديد بأن عدد الأشخاص الذين أطعمهم يسوع بخمسة أرغفة من الخبز كان خمسة آلاف إنسان "سوى النساء والأطفال" (متى 14/ 12). هل سيصر ناقدي أيضاً على صحة الرقم في هذه الحالة؟
ولكن لدينا كل سبب للاعتقاد بأن نسبة عضوية خمسة آلاف للمجمع الأولي كانت متسمة بالتبجح قليلاً.
عقب موت يسوع فوراً، طبقاً لأعمال الرسل، يلقي بطرس خطبة نارية مستنهضة، وعلى الفور تعمد ثلاثة آلاف شخص (2/ 41). تتمخض دعايته عن أن كثيراً أصبحوا مؤمنين والآن يقدم رقم خمسة آلاف (4/ 4). الآن كيف كان الحجم الحقيقي للمجمع في زمن موت يسوع؟ التقى المجمع مباشرة عقب موته و"كان هناك حوالي مائة وعشرون شخصاً إجمالاً". (1/ 15).
يشير هذا بالتأكيد إلى أن المجمع كان في البداية صغيراً جداً، بالرغم من كل التحريض المثابر من جانب يسوع ورسله. والآن علينا أن نصدق أنه فجأة، بعد وفاته، تزايد المجمع من أكثر من مائة بالكاد إلى خمسة آلاف، بواسطة إلقاء بعض الخطب؟ إذا كان لابد وأن نقبل أي رقم محدد فمن المحتمل أن الأخير أكثر بعداً عن الحقيقة من الأول.
كان خمسة آلاف عضو منظمين سيكونون عصبة مرموقة تماماً في أورشليم، ولكان يوسيفوس بالتأكيد قد أولاهم بعض الانتباه. لابد وأن المجمع كان بالفعل عديم الأهمية للغاية، ما دام لا يذكره أحد من معاصريه. أضف إلى ذلك، أن أ. ك يثير الاعتراض بأن الرواية التي تتعلق بشيوعية المجمع تصرح، بعد وصف المجمع:
"ويوسى، الذي لقب من قبل الرسل بارنابا (الذي، تفسيره، ابن العزاء)، لاويا ومن بلد قبرص، كانت لديه أرض، فباعها وأحضر النقود ووضعها تحت أقدام الرسل. ولكن رجل ما اسمه حنانيا، مع سفيرة زوجته، باع ممتلكات، واستبقى جزءاً من الثمن، زوجته أيضاً كانت مطلعة على ذلك، وأحضرت قدراً معيناً ووضعته تحت أقدام الرسل". يقال لنا إن هذه الشهادة ضد الشيوعية، لأن أ. ك يظن أن بارنابا لم يكن ليخص بالذكر إذا كان الأعضاء قد باعوا ممتلكاتهم وأحضروا النقود إلى الرسل.
ينسى أ. ك أن بارنابا هنا يُعارض مع حنانيا باعتباره نموذجاً للسلوك القويم، بالتأكيد لا يمكن لشيء أن يعبر بوضوح أكثر عن مطلب الشيوعية. هل كان ضرورياً أن يذكر أعمال الرسل كل إنسان باع ممتلكاته؟ نحن لا نعرف لماذا كان بارنابا فقط هو الذي ذُكر، ولكن الدفاع بأن ذكره يساوي تصريحاً بأنه هو فقط من قام بممارسة فعلية للشيوعية هو تقدير شديد التدني لذكاء مؤلفي أعمال الرسل ـ إن مثل بارنابا مذكور في صلة مباشرة بحقيقة إن كل من امتلكوا شيئاً قد باعوه. إذا كان بارنابا قد ذكر بشكل خاص، فربما كان السبب أنه كان ذو حظوة لدى مؤلفي الأعمال، لأنهم ميزوه بالانتباه مرة أخرى. ولكن ربما كان هناك سبب آخر وهو مصادفة أن اسمه قد وصل (إلينا) مع اسم حنانيا. أو ربما كان هذان الاثنان هما العضوين الوحيدين من المجمع الأصلي الذي كان لديهما أي شيء جدير بالبيع بينما كان كل الباقين بروليتاريين.
الواقعة الثالثة التي أدلي بها هي التالية: نحن نقرأ في أعمال الرسل (6/ 1 وما يليها):
"وفي تلك الأيام إذ تكاثر التلاميذ حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين أن أراملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية"
يسأل أ. ك بسخط: "أكان هذا سيكون ممكناً إذا كانت الشيوعية ممارسة بالفعل؟"
ولكن لا أحد يدافع عن أن الشيوعية لم تواجه صعوبات في تنفيذها، أو بالفعل، أنه لم يكن ممكناً أن تواجه مثل هذه الصعوبات! وتصرح الرواية إضافة لذلك، ليس بأنه قد جرى التخلي عن الشيوعية، وإنما أن تنظيمها قد تحسن بإدخال تقسيم العمل. لقد كان الرسل الآن مشغولين بالدعاية فقط بينما انتخبت لجنة من سبعة لتتولى الوظائف الاقتصادية للمجمع.
القصة بكاملها منسجمة تماماً مع افتراض أن الشيوعية كانت ممارسة، وتصبح مضحكة تماماً إذا قبلنا وجهة نظر ناقدنا، التي استعارها من هولتزمان، وفحواها أن المسيحيين كانوا متميزين عن مواطنيهم اليهود ليس بتنظيمهم الاجتماعي، وإنما فقط بإيمانهم بـ"الناصري الذي صلب مؤخراً".
لم وجد هناك اعتراض ما على نمط القسمة، إذا لم يكن تم اللجوء إلى القسمة؟
أضف إلى ذلك: "نحن نقرأ في الإصحاح الثاني عشر (أعمال الرسل)، كنقيض مباشر للرواية التي تفيد وجود الشيوعية، أن مريماً ما، عضو للمجمع كانت تعيش في بيت يخصها".
هذا حقيقي، ولكن كيف يعرف أ. ك أن مريماً كان لها أي حق في أن تبيع بيتها؟ ربما كان زوجها ما زال حياً ولم يلتحق بالمجمع؟ ولكن حتى إذا كان لها حق في أن تبيع بيتها، لم يكن المجمع ليطلب بالضرورة بيعه. كان هذا البيت مكان اجتماع الأعضاء: وضعته مريم تحت تصرف المجمع. لقد كان يستعمل من قبل المجمع، بالرغم من أنه قانوناً يخص مريم. حقيقة أن المجمع احتاج إلى أماكن للاجتماع، وأنه لم يكن ذو شخصية قانونية حتى يمكن أن يحوز بنفسه مثل هذه الأماكن، ومن ثم فإن الأعضاء الفرديين قد خبروا شكل مثل هذه الملكية، لا ينهض سنداً بالتأكيد ضد افتراض الشيوعية. ليس لدينا الحق في أن نفترض أن الشيوعية المسيحية الأولية كانت غبية لحد التحذلق في تطبيق تنظيماتها لتضطر أعضائها إلى بيع تلك البيوت التي أرادت استعمالها لتقتسم العائد.
يبدو أن الاعتراض الأخير المثار يتعلق بحقيقة أن الشيوعية قد روي عنها في حالة مجمع أورشليم فقط بينما لم يرد ذكر عنها بالارتباط مع المجامع المسيحية الأخرى. سوف تكون لدينا الفرصة لأن نشير لهذه النقطة عند تتبع التاريخ اللاحق للمجمع المسيحي. سوف نرى عندئذ عما إذا كانت، ولأي مدى، ولأي مدة، طبقت الشيوعية بنجاح، ولكن هذه مسألة أخرى. لقد أشرنا سلفاً إلى أن هناك صعوبات قد واجهتها في المدن الكبيرة، وهي لم توجد في حالة الجماعات الزراعية، على سبيل المثال بين الإسينيين.
إننا معنيون الآن فقط بالاتجاهات الشيوعية الأصلية للمسيحية. ليس لدينا أقل سبب لأن نشك في هذه. لدينا في صالحها شهادة العهد الجديد، الطابع البروليتاري للمجمع والاتجاه الشيوعي القوي للقسم البروليتاري من اليهود خلال القرنين السابقين على تدمير أورشليم، الذي عبرت عنه الإسينية بوضوح شديد.
إن كل البراهين ضد الاتجاه الشيوعي مؤسسة على سوء التفاهم، والحيل، والسفسطات البارعة، التي لا يوجد لها أقل سند مادي.
هـ احتقار العمل
كانت الشيوعية التي طمحت إليها المسيحية الأولية تتفق مع شروط الأزمنة ـ شيوعية في مواد الاستهلاك، شيوعية في التوزيع والاستهلاك المشترك لمثل هذه المواد. حينما تطبق على الزراعة فقد تؤدي هذه الشيوعية أيضاً إلى شيوعية في الإنتاج، في العمل المشترك المنظم، في المدينة الكبيرة، فإن طريقة كسب العيش، سواء كانت بواسطة العمل أم بالتسول، شتت بالضرورة البروليتاريين، بسبب شروط الإنتاج في تلك الأيام. لم تكن الشيوعية في المدينة الكبيرة لتعني في هدفها أي شيء سوى أعلى مرحلة ممكنة لاستنزاف الأغنياء من قبل الفقراء الذي تطور باقتدار شديد في القرون الأسبق حيثما حازت البروليتاريا قوة سياسية، كما في أثينا وروما. النشاطات المشتركة التي طمحت إليها أمكن أن ترقى على الأكثر للاستهلاك المشترك للأغذية والمواد الأخرى التي تحصلت هكذا ـ شيوعية مساوية لاقتصاد منزلي مشترك، لتنظيم عائلي. في الواقع، يثبت فم الذهب، كما رأينا الأحقية للشيوعية من وجهة النظر هذه فقط. من الذي سينتج الثروة التي ستستهلك بشكل مشترك، ليس أمراً يعنيه، ونحن نجد نفس الوضع في المسيحية الأولية. تورد الأناجيل ملاحظات يسوع حول كل الموضوعات الممكنة، ولكن ليس حول العمل أو بالأحرى، حين يتحدث عن العمل، فإنه يفعل ذلك بأكثر المصطلحات ازدراءاً. وهكذا نحن نقرأ في لوقا (12/ 22 وما يليها):
"لا تهتموا لحياتكم، بما تأكلون، ولا للجسد، بما تلبسون، الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس. تأملوا الغربان: إنها لا تزرع ولا تحصد؛ وليس لها مخدع ولا مخزن، والله يقيتها: كم أنتم بالحري أفضل من الطيور؟ ومن منكم اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحداً. فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر فلماذا تهتمون بالبواقي. تأملوا الزنابق كيف تنمو، لا تتعب، ولا تغزل، ولكن أقول لكم، إنه ولا سليمان في مجده كان يلبس كواحدة منها. فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا، فكم بالحري يلبسكم أنتم، يا قليلي الإيمان؟ فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون، وما تشربون ولا تقلقوا. فإن هذه كلها تطلبها أمم العالم: وأما أنتم فأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه. بل اطلبوا ملكوت الله؛ وهذه كلها تزاد لكم. لا تخف أيها القطيع الصغير أن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت، بيعوا مالكم وأعطوا صدقة".
لا ينبغي أن يفهم هذا بأي حال من الأحوال بوصفه عظة للمسيحيين أن يكونوا زاهدين ومن ثم أن يتجاهلوا أمور الأكل والشرب، بسبب ضرورة توجيه عقولهم لرفاهة روحهم. لا، على المسيحيين أن يجاهدوا من أجل مملكة الله، بمعنى آخر، من أجل حكمهم الخاص، وعندئذ سوف يكون لديهم كل شيء يحتاجونه. سوف تكون لدينا فرصة أخرى لنلاحظ كيف كان مفهومهم عن "ملكوت الله" هذا أرضياً.
و ـ تدمير العائلة
حينما لا تكون الشيوعية مؤسسة على جماعية الإنتاج وإنما جماعية الاستهلاك، وتتابع هدف تحويل الجماعة كلها إلى عائلة واحدة، فإنها ترى بالضرورة في وجود الروابط العائلية التقليدية عنصراً مثيراً للاضطراب. لقد رأينا سلفاً هذا في حالة الإسينيين، والآن نلاحظ تكراراً لذلك في حالة المسيحية التي تعبر غالباً عن عداوتها للعائلة بطريقة غاية في التشديد. وهكذا يقول لنا الإنجيل المنسوب إلى مرقص (3/ 31 وما يليها):
"فجاءت حينئذ أخوته، وأمه، ووقفوا خارجاً، وأرسلوا إليه، يدعونه، وكان الجمع جالساً حوله، فقالوا له، هو ذا، أمك وإخوتك خارجاً يطلبونك. فأجابهم، قائلاً، من أمي وإخوتي؟ ثم نظر حوله إلى الجالسين، وقال، ها أمي وإخوتي! لأن من يصنع مشيئة الله، هو أخي، وأختي، وأمي". لوقا يشدد بصفة خاصة على هذه النقطة، نقرأ (8، 59 وما يليها):
"وقال لآخر اتبعني، فقال، يا سيد، ائذن لي أن أمضي أولاً وأدفن أبي، فقال يسوع، دع الموتى يدفنون موتاهم: وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله. وقال آخر أيضاً، اتبعك يا سيد ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي، فقال له يسوع ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله".
بينما ما سبق هو دليل على أعظم القساوات المطلوبة فيما يتصل بالعائلة، فإننا نجد في مقطع آخر عند لوقا تعبيراً متميزاً عن الكراهية ضد العائلة (14/ 26):
"إن أحداً يأتي إلي، ولا يبغض أباه، وأمه، وامرأته، وأولاده، وإخوته، وأخواته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً".
في هذا الصدد ظهر متى بوصفه المحرف الانتهازي مرة أخرى. يعرض متى الجملة الآنفة بالطريقة الآتية (10/ 37):
"من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني" يمثل هذا بالفعل تخفيفاً ذو وزن للكراهية ضد العائلة. يرتبط بوثوق بهذه الكراهية للعائلة التخلي عن الزواج، الذي كان متطلباً بعناد من المسيحية كما من الإسينية. ولكن وجد أن النظامين مرة أخرى متشابهان في حقيقة أن كليهما يطور الشكلين الممكنين لحالة عدم الزواج، العزوبة، أو التخلي عن كل حياة زوجية، والعلاقات الجنسية غير المنتظمة خارج الزواج التي عينت أيضاً تحت اسم "مشاعة الزوجات".
هناك مقطع جدير بالملاحظة في مؤلف كامپانيلا مدينة الشمس، الذي يؤكد فيه أحد النقاد بأن: "القديس كليمنت الروماني يقول إنه بواسطة ترتيبات الرسل كانت حتى زوجاتهم يملكن على المشاع، ويمتدح أفلاطون وسقراط لأنهما دافعا عن أن هذه الأشياء يجب أن ترتب هكذا. ولكن التعليقات تفسر هذا بوصفه يعني إطاعة عامة للجميع، وليس مشاعة الفراش. ويؤكد ترتيليان هذه التعليقات ويصرح أن المسيحيين الأوائل امتلكوا كل شيء على المشاع عدا زوجاتهم، اللاتي، أظهرن طاعة عامة للجميع، على أية حال".
هذه "الطاعة العامة" هي شبيه مثير للاهتمام لنعمة هؤلاء الذين هم "فقراء في الروح" يوحي مقطع في مذاهب الرسل الاثنى عشر، أحد أقدم المنتجات الأدبية للمسيحية، الذي يقدم فكرة عن مؤسساتها في القرن الثاني، بحالة غريبة من العلاقات الجنسية؛ هنا نقرأ (11/ 11):
"ولكن كل نبي، مجرب وصادق، الذي يتصرف باعتبار السر الأرضي للكنيسة، ولكنه لا يعلم الآخرين أن يفعلوا ما يفعله هو نفسه، لا تدعه يدان من قبلك، لأن له دينونة في الرب؛ هكذا كان سلوك الأنبياء (المسيحيون) القدامى.
يلاحظ هارناك أن الكلمات الغامضة "السر الأرضي للكنيسة" تدل على حالة الزواج، وأن موضوع هذه السطور كان إبطال الشك الذي شعر به المجمع نحو مثل هؤلاء الأنبياء حيث دخلوا في علاقات زوجية غريبة. يظن هارناك أن الإشارة هنا تخص أشخاصاً عاشوا في الزواج كخصيان، أو عاشوا مع زوجاتهم كأخوات. هل كان يمكن لكبح للنفس كهذا أن يثير الحفيظة بالفعل؟ قد نفترض ذلك بصعوبة شديدة. سوف يكون مثيراً للاهتمام للغاية إذا أمكن أن نعلم أن هؤلاء الأنبياء، بالرغم من أنهم لم يعودوا يكرزون بممارسة جنسية خارج الزواج، ما زالوا "يشبهون الأنبياء القدامى" بمعنى آخر، المعلمون الأوائل للمسيحية، في أنهم مارسوا بالفعل مثل هذه العلاقات.
يقتبس هارناك المقطع التالي باعتباره مثالاً جيداً للسلوك فيما يتعلق بالسر الأرضي للكنيسة من رسالة حول العذرية (1/ 10) المنسوبة خطأ إلى القديس كليمنت.
"كثير من الأشخاص الذين لا حياء عندهم يعيشون معاً مع العذراوات تحت ذريعة الشفقة وهكذا يستهدفون للخطر، أو أنهم يتجولون معهن في الطرق وفي البرية، في طرق مليئة بالخطر، تثير الغيظ، الأشراك والحفر... آخرون يأكلون ويشربون معهن، ويرقدون معهن على مائدة. مع عذراوات ونساء مقدسات (Sacratis)، بعربدة صاخبة وكثير من الخزي، لا ينبغي لمثل هذه الأشياء أن تحدث بين المؤمنين وعلى الأقل بين هؤلاء اللاتي اخترن شعيرة العذرية".
في الرسالة الأولى للقديس بولس إلى الكورنثيين، يدعي الرسل، الذين ارتبطوا بالعزوبة الحق في الطواف حول العالم مع الرفيقات، يصرح بولس لمستمعيه:
"ألست أنا حراً؟... ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت (ά-;---;-----;---δ-;---;-----;---ε-;---;-----;---λ-;---;-----;---φ-;---;-----;---ή-;---;-----;---ν-;---;-----;---)، زوجة (γ-;---;-----;---μ-;---;-----;---υ-;---;-----;---α-;---;-----;---ί-;---;-----;---κ-;---;-----;---α-;---;-----;---) كباقي الرسل وأخوة الرب وصفا (بطرس)؟ .
كان القديس بولس قد نصح بعدم الزواج لحظة قبلها.
تجوال الرسول مع شابة هو عنصر هام في أعمال القديس بولس، التي قال ترتليان عنها إنها رواية آرامية كتبها كاهن في آسيا الصغرى في القرن الثاني، طبقاً لاعتراف الأخير. مع ذلك كون هذه الأعمال كانت ولوقت طويل كتاباً مفضلاً للتثقيف علامة على أن الوقائع التي وردت فيها اعتبرها كثير من المسيحيين الورعين ليست كريهة على الإطلاق وإنما بالأحرى مثقفة تماماً. القسم الذي يلفت النظر في هذا الكتاب هو الحكاية الجميلة عن تيكلا.... التي تتضمن تصويراً ممتازاً لجو مسيحية القرن الثاني .
تروي لنا هذه الحكاية أن تيكلا، خطيبة شاب أرستقراطي من إيكاريوم، قد سمعت واحدة من عظات الرسول وأصبحت على الفور متحمسة له، تعطينا الرواية وصفاً شخصياً مسلياً للرسول: قصير القامة، أصلع، ذو ساقين ملتويتين، وركبتين ناتئتين، عينان واسعتان، الحاجبان يلتقيان فوق الأنف، بالأحرى أنف طويلة، مليء بالجاذبية، له مظهر رجل حيناً وملاك حيناً آخر. لسوء الحظ، لا يقال لنا أي من أرصدته الجسدية الآنفة هي التي يمكن أن تصنف باعتبارها تسهم في صنع مظهره الملائكي.
باختصار، تخلق القوة السحرية لخطابه انطباعاً عميقاً عند الجميلة تيكلا فتتخلى عن خطيبها. يتهم الأخير بولس أمام الوالي بأنه رجلاً يغوي النساء والفتيات بأحاديثه حتى ينكصن عن الزواج. يلقى بولس في السجن. ولكن تيكلا تجد طريقها إلى زنزانته وتبقى معه هناك. على ذلك يحكم الوالي بإبعاد بولس عن المدينة وبحرق تيكلا على خازوق. وقد أنقذت بمعجزة: يطفئ المحرقة مطر غزير مفاجئ، يربك ويفرق المشاهدين أيضاً.
تيكلا، وقد باتت حرة الآن، تتبع بولس، الذي تجده في الطريق العام، يأخذ بيدها ويتجول معها ناحية أنطاكية، حيث يلتقيان بأرستقراطي، الذي يقع على الفور في حب تيكلا، وهو مستعد لأن يأخذها من بولس ويعوضه بسخاء عن قبوله. يجيب بولس بأنها لا تخصه وأنه لا يعرفها، وهو نوع من الإجابة شديد الضعف يرد بها رسول متفاخر. ولكن تيكلا تعوض هذا الضعف بالطاقة التي تدافع بها عن نفسها في وجه شهوانية الأرستقراطي، الذي يحاول أن يمتلكها بالقوة، بسبب هذه الإهانة يلقي بها للحيوانات المتوحشة في السيرك، ولكنها لن تصيبها بأذى، وصولاً إلى تحررها مرة أخرى. إنها ترتدي الآن ملابس الرجال، وتقص شعرها ومرة أخرى تتبع بولس، الذي يكلفها بأن تعلم كلمة الرب ويحتمل أنه منحها أيضاً حق التعميد، إذا كان لنا أن نحدس هذا من ملاحظة لترتليان.
احتوى الشكل الأصلي لهذه القصة بوضوح على كثير مما كان مزعجاً في عيني الكنيسة اللاحقة؛ "ولكن حيث وجد أن الأعمال مثقفة وممتعة، فقد تم اللجوء إلى حيلة تحرير إكليركي استبعد أكثر العناصر قابلية للاعتراض عليها، دون أن يزيل كلية آثار الطابع الأصلي للعمل". (بفيلدرر، نفس المصدر، المجلد الثالث، ص 256). ولكن رغم أن كثيراً من هذه الكتابات ربما تكون قد فقدت، فما زال لدينا عدد كافٍ من الإشارات التي تشير إلى وجود علاقات جنسية غريبة، انحرفت بقدر كبير عن الأشكال التقليدية، وسببت إزعاجاً كثيراً، ومن ثم تطلبت دفاعاً حيوياً من جانب الرسل، وقد حاولت الكنيسة اللاحقة، التي كان عليها أن تحمل مسئولية هذه الأوضاع، أن تطمس سجلها، بقدر الإمكان.
نحتاج بالكاد إلى أن نشير إلى أن حالة عدم الزواج من المرجح أن تؤدي لعلاقات جنسية خارج الزواج عدا في حالة الزهد التعصبي.
حقيقة أن المسيحيين توقعوا أن توسم دولتهم المقبلة، التي كان لها أن تبدأ بالقيامة بالكف عن الزواج، قد أشير لها أيضاً بوضوح بالمقطع التالي الذي يجيب فيه يسوع على السؤال الدقيق: إذا كان لامرأة سبعة أزواج متعاقبين، ففي القيامة لمن منهم تكون زوجة:
"فأجاب وقال لهم يسوع: أبناء هذا الدهر (α-;---;-----;---ί-;---;-----;---ώ-;---;-----;---υ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ς-;---;-----;---) يزوجون ويزوجون: ولكن الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر، والقيامة من الأموات، لا يزوجون ولا يزوجون: إذ لا يستطيعوا أن يموتوا أيضاً: لأنهم مثل الملائكة؛ وهم أبناء الله؛ إذ هم أبناء القيامة". (لوقا، 20/ 34-36).
لا ينبغي أن يفسر هذا باعتباره دالاً على أن البشر سوف يكونون أرواحاً خالصة في دولة المستقبل المسيحية الأولية، دون احتياجات جسدية. لقد جرى تأكيد طابعها الجسدي والفرح بمتعها المادية بصراحة، حيث ما تزال لدينا الفرصة لأن نعلم، ليس هناك شك في أن يسوع يقول هنا إن الزيجات القائمة سوف تنحل في دولة المستقبل، حتى أن مسألة لمن من الأزواج السبعة تكون زوجة تفقد معناها.
ولكن لا يجب أن نعتبر أعمال الأسقف الروماني كاليستوس (217-222)، الذي سمح للفتيات والأرامل ذوي المنزلة الرفيعة Senatorial أن يدخلن في علاقات خارج الزواج حتى مع العبيد، بأنها دليل على العداء للزواج. لم يكن هذا الإقرار نتاجاً لشيوعية كان عدائها للعائلة قد بولغ فيه إلى الحد الأقصى، وإنما بالأحرى نتاج مراجعة انتهازية قدمت بسرور تنازلات للحصول على المؤيدين الأثرياء والأقوياء.
ولكن عورضت هذه المراجعة مراراً بواسطة إحياء الاتجاهات الشيوعية في الكنيسة المسيحية، وكثيراً ما ارتبطت هذه مع إدانة الزواج، باللجوء إلى العزوبة، أو مع ممارسة ما يسمى بـ"مشاعة الزوجات" التي كثيراً ما وجدت بين المانويين والغنوصيين.
كان الاتجاه الأكثر نشاطاً بين هذه الاتجاهات هو الذي مثله الكاربوكراتيين.
"عَلَّم إبيفانس (ابن كاربوكراتيس) بأن العدالة الإلهية قد منحت كل شيء لمخلوقاتها بالتساوي في الملك والمتعة. إن ما هو لي وما هو لك قد أدخل إلى العالم حين أصبحت القوانين البشرية سارية، ومعها السرقة والزنا وكل الخطايا الأخرى؛ ألا يقول الرسول: "لأن بالناموس معرفة الخطية (الرومانيين 3/ 20) و"بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس" (7، 7). ما دام الله نفسه قد زرع في البشر دوافع جنسية قوية حتى يبقي النوع، فإن أي منع للشهوة الجنسية عبث، ومنع اشتهاء زوجة الجار هو عبث مزدوج، مادام ما هو عام قد جعل بذلك تملكاً خاصاً. إن الغنوصيين من ثم يعتبرون الزواج الأحادي انتهاكاً لمشاعية الزوجات التي تتطلبها العدالة الإلهية بقدر ما تمثل الملكية الخاصة انتهاكاً لمشاعية الطيبات... يختتم القديس كليمنت تصويره لهذه الغنوصيات الفاسقة (الكاربوكراتيين النيقولائيين، قسم خاص من الشمعونيين) بملاحظة أن كل هذه الهرطقات يمكن أن تصنف وفقاً لاتجاهين: إما أنها تعلم اللامبالاة الأخلاقية أو كبح للنفس منافق مبالغ فيه" .
كان هذان بالفعل البديلان اللذان كانت ستتبعهما شيوعية منزلية House Hold متماسكة. لقد أشرنا سلفاً إلى أن هذين التطرفين ربما يلتقيان، وأنهما يستمدان أصليهما من نفس الجذر الاقتصادي رغم ما قد يبدو من تضاربهما الظاهري فلسفياً.
مع انحلال، أو على الأقل تراخي، الروابط العائلية التقليدية، فقد نتج بالضرورة تغير في مركز المرأة، فإذا ما توقفت مرة عن أن تكون مرتبطة بالأنشطة العائلية الضيقة، إذا ما نبذتها مرة، فقد بات بمقدورها أن تكرس عقلها واهتماماتها لأفكار أخرى، خارج مجال العائلة. وفقاً لمزاجها، وبنيتها، ومنزلتها الاجتماعية، ربما تحرر نفسها في بعض الحالات ليس فقط من الروابط العائلية، وإنما أيضاً من كل الاعتبارات الأخلاقية. من كل احترام للوصايا الاجتماعية، من كل فضيلة واعتدال. كان هذا هو الحال مع السيدات الأرستقراطيات في روما الإمبراطورية، اللاتي تمكن بسبب ثروتهن الكبيرة وطفولتهن المصطنعة أن ينكصن عن القيام بأي عمل في العائلة.
من ناحية أخرى، فإن إلغاء العائلة بشيوعية منزلية أنتج عند النساء البروليتاريات تقوية عظيمة للمشاعر الأخلاقية، التي تحولت الآن من الدائرة الضيقة للعائلة إلى دائرة أكثر اتساعاً للمجمع المسيحي، أصبحت عنايتهن غير الأنانية بتلبية الاحتياجات اليومية للأزواج والأطفال عناية بتحرير الجنس البشري من كل بؤسه.
إننا نجد من ثم في المجمع المسيحي الأولي ليس فقط أنبياء، وإنما أيضاً نبيات. على سبيل المثال، فإن أعمال الرسل تروي لنا عن "الإنجيلي فيليبوس؛ "وكان له أربع بنات عذارى كن يتنبأن". (21/ 9)
إن قصة تيكلا، التي يفوضها بولس في أن تعلم وربما حتى أن تعمد، تشير أيضاً إلى أن وجود المعلمات الأنثيات للكلمة الإلهية لم يكن على الإطلاق غير عادي في المجمع المسيحي.
في الرسالة الأولى إلى الكورنثيين (الإصحاح 11) يعترف بولس صراحة بحق النساء في أن يتصرفن كنبيات ويطلب منهن فقط أن يضعن خماراً حين يقمن بهذا الواجب حتى لا يثرن شهوة الملائكة! مما لا شك فيه، يقول الإصحاح الرابع عشر:
"لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً. ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن في البيت لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة" (34، 35)
ولكن يعتبر النقاد الإنجليون هذا المقطع إدراج متأخر. بالمثل، إن كامل الرسالة الأولى للقديس بولس إلى تيماثوس (وكذلك الثانية، وتلك الموجهة إلى تيطس) هي تزوير يعود تاريخه إلى القرن الثاني. تحاول هذه الكتابات بالفعل أن تعيد المرأة إلى الحدود الضيقة للعائلة؛ نقرأ فيما يتعلق بها "ولكنها ستخلص بولادة الأولاد" (2/ 15). هكذا كانت على أية حال وجهة نظر المجمع المسيحي الأولي، مفاهيمه عن الزواج، العائلة، مركز المرأة، على اتفاق عام مع ما يمكن أن نستنتجه منطقياً من أشكال الشيوعية التي كانت قابلة للتحقيق عندئذ في الممارسة وتقدم دليلاً إضافياً على أن الشيوعية هيمنت على فلسفة المسيحية الأولية.
*****
الفصل الثاني
الفكرة المسيحية عن المخلص
أ ـ مجيء مملكة الرب
إن عنوان هذا الفصل هو بالفعل حشو من الكلام؛ إننا نعرف أن كلمة خريستوس Christus هي ببساطة الترجمة اليونانية لـ"المخلص". لا تعني "فكرة المسيحية عن المخلص" من ثم شيئا أكثر أو اقل إذا أخذناها اشتقاقياً من أنها الفكرة الخلاصية عن المخلص. ولكن لا تتضمن المسيحية تاريخيا، كل هؤلاء الذين آمنوا بالمخلص، انها تتضمن فقط فئة معينة من هؤلاء المؤمنين، فئة اختلفت توقعاتها الخلاصية قليلا ما فى البداية عن توقعات بقية الشعب اليهودى. فى المحل الأول، توقع المجمع المسيحى فى أورشليم، مثل كل بقية اليهود، أن المخلص سوف يأتى خلال وقت قصير وان لم يكن محددا. بينما الأناجيل التى حفظت لنا قد كتبت فى وقت لم يعد لمعظم المسيحيين مثل هذه الآمال المتفائلة – حيث تبين لنا الأناجيل بوضوح تام ان توقعات معاصرى المسيح قد خاب أملها تماما - إلا إنها رغم ذلك مازالت تحفظ لنا بقايا معينة من امل كهذا، بقايا تلقوها من المصادر الشفوية والمكتوبة التى عملوا بها. وفقا لمرقس (1/41،51) "وبعدما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله". يسأل التلميذ يسوع ماهى العلامة التى سيعرفون بها مجيء المخلص. وهو يقول لهم كل هذه العلامات: الزلازل، الطاعون، كوارث الحرب، كسوف الشمس، إلخ، وعندئذ يخبرهم بأن ابن الإنسان سوف يأتى بقوة عظيمة وبجلال ليفتدى المؤمنين به ويضيف:
"الحق اقول لكم انه لايمضى هذا الجيل حتى يكون "الكل ". (لوقا،21/32).
تقرير مرقس مشابه (13/30) يجعل يسوع يقول مرة اخرى فى الاصحاح التاسع:
"الحق أقول لكم لايمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله ".
وأخيرا يجعل متى يسوع يعد تلاميذه:
"ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ومتى طردوكم من هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فانى الحق اقول لكم لاتكملون مدن اسرائيل حتى يأتى ابن الإنسان".(10/22،23)
إن تصريح بولس فى رسالته الاولى إلى التسالونيكيين (4/13 ومايليها) مشابه: "ثم لاأريد ان تجهلوا ايها الأخوة من جهة الراقدين لكى لاتحزنوا كالباقين الذين لارجاء لهم. لأنه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه. فاننا نقول لكم هذا بكلمة الرب إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لانسبق الراقدين. لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله: سوف ينزل من السماء والأموات فى المسيح سيقومون أولا: ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء: وهكذا نكون كل حين مع الرب ".
لم يكن من ثم ضروريا على الإطلاق أن يموت المرء حتى يدخل مملكة الله، ربما يعتمد الأحياء على انتظار قدومها، وقد جرى تصورها كمملكة فيها كل من كانوا أحياء فى هذا الوقت، وكذلك الذين قاموا من بين الأموات، سيتمتعون بالحياة بمعنى جسدى كامل. مازالت لدينا آثار هذا الاعتقاد فى الأناجيل، بالرغم من أن المفهوم اللاحق للكنيسة استبعد فكرة دولة أرضية فى المستقبل واستبدلها بدولة سماوية.
وهكذا يعد يسوع (متى19/28 ومايليها): "الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتمونى فى التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده تجلسون انتم أيضاً على اثنى عشر كرسيا تدينون أسباط اسرائيل الاثنى عشر. وكل من ترك بيوتا أو أخوة أو أخوات أو ابا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمى يأخذ مائة ضعف ويرث الحيوة الأبدية".
بمعنى آخر، المكافأة لترك العائلة والتخلى عن ملكية المرء سوف يكون استمتاعا واقعيا بالملذات الأرضية فى دولة المستقبل. ان ملذات المائدة هى التى عنيت بصفة خاصة.
يهدد يسوع من لن يتبعه، بالطرد، من مجتمعه فى يوم يلي هول الفزع الاكبر:
"هناك يكون البكاء وصرير الأسنان متى رأيتم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء فى ملكوت الله وانتم مطروحون خارجا، ويأتون من المشارق والمغارب ومن الشمال ومن الجنوب ويتكئون فى "ملكوت الله" (لوقا 13/28،29قارن أيضاً متى 8/11/12).
ولكنه يعد الرسل:
"وأنا أجعل لكم كما جعل لى أبى ملكوتا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتى فى ملكوتى وتجلسوا على كراسى تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر" (لوقا 22/29،30).
ثارت جدالات حتى بين الرسل فيما يتعلق بأولوية الجلوس على المائدة فى دولة المستقبل. يعقوب ويوحنا طلبا موضعين على يمين السيد وشماله، الأمر الذى يثير غضبا شديدا بين الرسل العشرة الباقين. (مرقس 10/35 ومايليها)
يقول يسوع لرجل فريسى، يتعشى فى بيته، ألا يدعو أصدقاءه وأقاربه ليتعشوا، وإنما المساكين، المجدوعين، العرج، العمى: "فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يكافوك، لأنك تكافى فى قيامة الابرار". ولكننا نفهم مباشرة طبيعة هذه الطوبى: "فلما سمع ذلك واحد من المتكئين قال له: طوبى لمن يأكل خبزا فى ملكوت الله ". (لوقا 14/15)
ولكن سوف تكون هناك أيضاً مشروبات تصاحب الطعام. يعلن يسوع فى العشاء الاخير:"وأقول لكم إنى من الآن لااشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم فى ملكوت أبى". (متى26 / 29)
تعتبر قيامة يسوع بشيرا بقيامة تلاميذه؛ ولكن الأناجيل تؤكد بوضوح على الوجود الجسدى ليسوع بعد القيامة.
يلتقى باثنين من تلاميذه بعد قيامته فى قرية عمواس، وتعشى معهما، ثم اختفى عنهما.
"فقاما فى تلك الساعة، ورجعا إلى أورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين، هم والذين معهم، وهم يقولون: "إن الرب قام بالحقيقة، وظهر لسمعان، وأما هما فكانا يخبران بما حدث فى الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز. وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه فى وسطهم، وقال لهم: سلام لكم، فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا. فقال لهم: ما بالكم مضطربين، ولماذا تخطر أفكار فى قلوبكم؟ انظروا يدى ورجلى، إنى أنا هو: جسونى وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام، كما ترون لى. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه. وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون قال أعندكم ههنا طعام. فناولوه جزءا من سمك مشوى وشيئا من شهد عسل فأخذ وأكل قدامهم ".
يعطى يسوع فى إنجيل القديس يوحنا، دليلا ليس فقط على وجوده بلحمه وشحمه بعد قيامته، وإنما أيضاً على شهية غاية فى الصحة. يروى يوحنا أن يسوع ظهر لتلاميذه فى غرفة كانت أبوابها مغلقة و"بالمزلاج" من قبل الشاك توما، ثم يواصل القول:
"بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية؛ ظهر هكذا. كان سمعان بطرس وتوما الذى يقال له التوأم ونثنائيل الذى من قانا الجليل وابنا زبدى، واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم، قال لهم سمعان بطرس أنا اذهب لأتصيد، قالوا له نذهب نحن أيضاً معك، فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفى تلك الليلة لم يمسكوا شيئا، ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ، ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع، فقال لهم يسوع يا غلمان لعل عندكم إداما؟ أجابوه لا، فقال لهم القوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا، فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك. فقال ذلك التلميذ الذى كان يسوع يحبه لبطرس هو الرب فلما خرجوا نظروا جمرا موضوعا وسمكا موضوعا عليه وخبزا..... قال لهم يسوع هلم تغدوا.... هذه لمرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات (يوحنا،21).
من المحتمل أن المرة الثالثة كانت الأخيرة. وربما تم ذلك بعد أن تقوى يسوع بإفطار السمك فصعد إلى السماء فى خيال مؤلف الإنجيل، من حيث لابد وأن يعود كمخلص.
بينما دافع المسيحيون بثبات عن الحضور الجسدى للقائم من بين الأموات، فقد كان عليهم رغم ذلك أن يفترضوا أن هذا الجسد ذو طبيعة مختلفة عن الجسد الأسبق، على الأقل من أجل الحياة الابدية فقط. ليس هناك مايبعث على الدهشة في أن نجد أكثر الافكار مبالغة تزدهر حول هذا الموضوع فى العقول المسيحية وكذلك اليهودية فى فترة كانت تتسم بأقصى درجات الجهل والسذاجة كتلك التى تميز المسيحية الاولية.
نجد فى رسالة بولس الأولى إلى الكورنثيين، أن النظرة التى عبر عنها وهي أن رفاقه الذين سيعيشون ليروا دولة المستقبل، وكذلك هؤلاء الذين سوف يبعثون لأجل هذا الغرض، سيكون لهم نمطا جديدا وارفع من الوجود الجسدى:
"هو ذا سر أقوله لكم؛ لا نرقد كلنا (حتى يأتى المخلص) ولكننا كلنا نتغير، فى لحظة، فى طرفة عين، عند البوق الاخير، فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمى فساد ونحن (الأحياء) نتغير". (15/51،52) إن رؤيا القديس يوحنا تتحدث عن قيامتين، أولهما سوف تحدث بعد الإطاحة بروما:
"ورأيت عروشا فجلسوا عليها، وأعطوا حكما: ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن اجل كلمة الله..... فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة، وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة. هذه هى القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب فى القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثانى سلطان عليهم. بل سيكونون كهنة الله والمسيح وسيملكون معه ألف سنة"(20/4،6).
ولكن عندئذ يقوم تمرد من أمم الارض ضد هؤلاء الرجال المقدسين. يُرمى المتمردون فى بحيرة من النار والكبريت، و يدان الموتى الذين قام جميعهم الآن، ويلقى، بغير البررة فى بحيرة النار، بينما البررة لن يعرفوا الموت بعد وسوف يبتهجون بالحياة فى أورشليم الجديدة التى سوف تأتى لها أمم الارض بمفاخرها وكنوزها. سوف يلاحظ القارئ ان القومية اليهودية لاتزال تلوح هنا من خلال أشد الطرق سذاجة، إن نموذج نبوءة القديس يوحنا المسيحية ذو أصل يهودى وقد جرى تأليفه فى فترة حصار أورشليم.
كانت مازالت هناك نبوءات يهودية، عبرت بالمثل عن آمالها الخلاصية، حتى بعد سقوط أورشليم ومثالها باروخ والسفر الرابع من عزرا. يعلن باروخ أن المخلص سوف يجمع الشعوب وسيمنح الحياة لهؤلاء الذين سوف يخضعون لنسل يعقوب ويدمر الآخرين الذين اضطهدوا اسرائيل. سوف يجلس المخلص عندئذ على عرشه فيسود فرح دائم؛ وتمنح الطبيعة كل هباتها بأسخى شكل، خاصة الخمر. سوف يقوم الموتى وينظم الرجال بشكل مختلف تماما. لن يكون البررة متعبين بعد ذلك بالعمل، سوف تتألق أجسادهم بفخامة، ولكن غير البررة سوف يكونون حتى أكثر قبحا من ذى قبل وسوف يعذبون.
يعرض مؤلف الإصحاح الرابع من سفر عزرا أفكارا مماثلة. سوف يأتى المخلص، سوف يعيش لمدة أربعمائة عام، ثم يموت مع بقية البشر. عندئذ، سوف يلى ذلك قيامة عامة ودينونة ينال البررة فيها السلام وبهجة مضاعفة سبع مرات. نحن نرى كيف أن الاختلاف طفيف فى كل هذه النقاط بين الآمال الخلاصية للمسيحيين الأوائل وآمال السكان اليهود ككل. جذب أيضاً الِسفر الرابع من عزرا، مع تزيينات عديدة لاحقة، انتباها عظيما فى الكنيسة المسيحية، وأدخل فى عدد من الترجمات البروتستانتية للكتاب المقدس.
ب - أسلاف يسوع
توافق المفهوم المسيحى الباكر عن المسيح بشكل كامل مع المفهوم اليهودى فى ذلك الوقت الذى كانت فيه الأناجيل لاتزال تضع اشد تأكيد على (جعل) يسوع من نسل داود. لأن المخلص حسب الفكرة اليهودية، كان ينبغى أن يكون من عرق ملكى. وقد جرى التحدث عنه المرة بعد المرة باعتباره "من نسل داود" أو "ابن الله" الذى يساوى نفس الشيء فى العبرية وهكذا فإن السفر الثانى لصموئيل (7/14) يجعل الرب يقول لداود: "أنا "أكون له (من نسلك) أبا وهو يكون لى ابنا؟
"ويقول الملك فى المزمور الثانى:
"إنى أخبر من جهة قضاء الرب. قال لى أنت ابنى. أنا اليوم ولدتك".
لقد كان ضروريا من ثم البرهنة بواسطة شجرة نسب طويلة أن يوسف، أب يسوع، كان من نسل داود، وأن يجعل يسوع، الناصرى، يولد فى بيت لحم، مدينة داود. حتى يجعل هذا جديرا بالتصديق، وظفت أشد التأكيدات بروزا. لقد أشرنا قبلا للرواية التى أوردها لوقا (2/1ومايليها).
"وفى تلك الايام صدر من أغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة. (وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والى سورية). فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته. فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التى تدعى بيت لحم (لكونه من بيت داود وعشيرته) ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهى حبلى".
إن مؤلف أو مؤلفى انجيل لوقا لديهم شك فى أن شيئا ما كان خاطئا وفى جهلهم دونوا أصرح أنواع الهراء. لم يأمر أغسطس أبدا بإحصاء إمبراطورى شامل. تخص الإشارة بوضوح الإحصاء الذى قام به كيرينيوس فى عام 7 ب.م فى اليهودية التى كانت قد أصبحت لتوها ولاية رومانية. كان هذا هو الإحصاء الأول من نوعه فى اليهودية.
هذا الخطأ على أية حال، غير مهم. ولكن ماذا نقول عن فكرة أن يتطلب إحصاء إمبراطورى عام، أو حتى مجرد إحصاء ولاياتى من كل شخص أن يسافر إلى مسقط رأسه حتى يسجل! حتى اليوم، فى عصر السكك الحديدية، فإن مثل هذا الإجراء سوف يترتب عليه حدوث هجرة ضخمة، وستتزايد ضخامتها بسبب بلاهتها فقط.
فى الواقع، لم يتطلب الإحصاء الرومانى أبدا من أى أحد أن يتواجد إلا فى محل إقامته وقد كان على الرجال أن يحضروا شخصيا.
ولكن لم يكونوا ليخدموا الغاية الورعة إذا كان يوسف الطيب قد سافر وحده إلى مدينة داود. إن إجراء هذا الإحصاء من ثم قد صور بحيث يتطلب من كل رب عائلة أن يسافر إلى موطن أسلافه مع الطفل بقضه وقضيضه حتى يمكن أن يعرض يوسف وهو يجر زوجته إلى هناك بالرغم من المرحلة المتقدمة لحملها.
ولكن كل عمل الحب هذا قد ضاع. فى الواقع، لقد أصبح حتى مصدرا لحرج خطير للفكر المسيحى، حين بدأ المجمع المسيحى يتجاوز الوسط اليهودى. لم يكن للوثنيين اهتمام خاص بداود، وكونه من نسل داود لم يكن ليزكيه فى أعينهم. إن نمط التفكير الهيلينى والرومانى كان يميل كثيرا لأخذ أبوة الإله بجدية، بينما كان بالنسبة لليهود رمزا فحسب للنسب الملكى. لم يكن شيئا غير عادى بين اليونانيين والرومان، كما رأينا، أن يمثل رجل عظيم باعتباره ابن ابوللو أو أى إله آخر.
ولكن الفكر المسيحى، فى جهده لإيلاء المخلص مكانه فى عيون الوثنيين، واجه صعوبة قليلة: أى، التوحيد، الذى استعاره من اليهود. واقعة أن الله أنجب ابنا ليست شيئا خارج السياق فى تعدد الآلهة؛ لديك ببساطة إله واحد أكثر لتتعامل معه. ولكن أن تجعل الله ينجب إلها آخر، ومع ذلك يبقى الله واحدا ليس فى غاية السهولة تفسير هذا. ولم يبسط الأمر بعزل القوة الخلاقة المنبثقة من رأس الإله فى شكل روح قدس خاص، كانت المهمة الآن التوفيق بين هؤلاء الأشخاص الثلاثة تحت مفهوم واحد يمكن أن يحتضنها جميعا. لقد كانت مهمة جلبت الأسى حتى للخيال الأكثر تهورا ولأكثر المراوغات حذقا. أصبحت عقيدة التثليث واحدة من الأسرار التى يجب الإيمان بها ببساطة دون فهم، سرا يجب الإيمان به بسبب لا معقوليته خاصة.
ليست هناك ديانة دون تناقضات. لم تولد ديانة قط من عقل مفرد بوصفها نتيجة لعملية منطقية محضة: كل ديانة هى نتاج لتأثيرات اجتماعية متعددة، غالبا ما تمتد خلال قرون، وتعكس أكثر الأوضاع التاريخية اختلافا. ولكنه سوف يكون من الصعب أن تجد ديانة غنية جدا بتناقضاتها وغير معقولة فى افتراضاتها كما هى المسيحية، لأنه لاتوجد بالكاد أى ديانة أخرى قد نشأت من مثل هذه العناصر المتباينة بشكل صارخ: لقد انتهت المسيحية بواسطة اليهود إلى الرومان، وبواسطة البروليتاريين إلى حكام العالم، وبواسطة تنظيم شيوعى إلى تنظيم تشكيل لاستغلال كل الطبقات.
مع ذلك، فإن اتحاد الأب والابن فى شخص واحد لم يكن الصعوبة الوحيدة التى نشأت من صورة المخلص، للفكر المسيحى، بمجرد أن أتت تحت تأثير بيئة غير يهودية.
ماذا كان يجب أن يصنع بأبوة يوسف؟ لم يعد من الممكن جعل مريم تحمل بيسوع من زوجها. وحيث أن الله قد عاشرها ليس كإنسان وانما فى شكل روح، فلابد أنها بقيت عذراء. عنى هذا التخلى عن انحدار يسوع من داود. ولكن قوة التقليد العظيمة فى الدين أدت إلى أنه بالرغم من كل هذا استمرت شجرة الأسلاف المخترعة بجمال ليوسف هذا وتعيين يسوع باعتباره ابن داود متصلة بإخلاص. ولكن بالنسبة للمسكين يوسف فقد عزيت إليه الآن المهمة البغيضة بالعيش مع عذراء دون انتهاك عذريتها، وأيضا، بكونه لم ينزعج بأى طريقة من حملها.
ج- يسوع كمتمرد
بالرغم من أن مسيحيي الأزمنة اللاحقة لم يكن بمقدورهم أن يتحملوا التخلي كلية عن النسب الملكى لمخلصهم، بالرغم من اصله الالهى، فقد عانوا أشد معاناه لاستبعاد ملمح آخر لميلاده اليهودى، أى، روحه المتمردة.
كانت المسيحية فى القرن الثانى تتسم أكثر فأكثر بطاعة سلبية، مختلفة تماما عن الطبيعة اليهودية للقرن السابق. لقد علمنا سلفا بالطابع المتمرد لتلك الشريحة من الشعب اليهودى التى كانت تنتظر المخلص، خاصة بروليتاريي أورشليم وعُصب الجليل المتجوله، وبصفة أخص العناصر التى استمدت منها المسيحية أصلها. لابد وأن نفترض من ثم فى البداية أن المسيحية كانت تتسم بالعنف فى بداياتها. يصبح هذا الافتراض يقينا حين نكتشف آثارا لهذا الوضع فى الأناجيل، بالرغم من حقيقة أن محرريها اللاحقين كانوا طموحين بقلق لاستبعاد أى عنصر يمكن أن يزعج هؤلاء الذين فى السلطة.
رغم أن يسوع قد يبدو رقيقا ومذعنا كقاعدة، فإنه يصدر تصريحاً ذو نوع مختلف كلية، تصريح يضطرنا إلى افتراض أنه - بغض النظر عما إذا كان قد وجد فعلا أم كان شخصية مثالية تعكس رؤى البشر فحسب - كان، فى التقليد الأصلى متمردا صلب بوصفه قائدا فاشلا لانتفاضة. حتى الطريقة التى يتحدث بها عرضا عن الأشخاص البررة شرعا جديرة بالملاحظة:
"لم آت لأدعو أبرارا (δ-;---;-----;---ι-;---;-----;---κ-;---;-----;---α-;---;-----;---ί-;---;-----;---ο-;---;-----;---υ-;---;-----;---ς-;---;-----;---) بل خطاة" (مرقس 2/17). يترجم لوثر: "لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة ". ربما كان هذا هو المتغير فى النص الذى استخدمه. بالتأكيد، لابد وأن المسيحيين قد تعلموا مبكرا بالأحرى أن من الخطر الإقرار بأن يسوع دعا إليه تلك العناصر التى كانت مناهضة للشرائع خاصة. أضاف القديس لوقا من ثم إلى الدعوة: الندم(ξ-;---;-----;---ί-;---;-----;---ς-;---;-----;--- μ-;---;-----;---ξ-;---;-----;---τ-;---;-----;---ά-;---;-----;---υ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ι-;---;-----;---α-;---;-----;---υ-;---;-----;---) ، وهى الإضافة التى يمكن أن نجدها أيضاً فى كثير من نصوص القديس مرقس. ولكن متغيرة "دعا إلى نفسه" أو "دعا" (κ-;---;-----;---α-;---;-----;---λ-;---;-----;---ξ-;---;-----;---ω-;---;-----;---) إلى الكلمات "دعا إلى التوبة" فقد سلبوا هذه الجملة أى معنى على الإطلاق. من سوف يفكر فى دعوة "البار"، كما يترجم لوثر الـ (δ-;---;-----;---ι-;---;-----;---κ-;---;-----;---α-;---;-----;---ί-;---;-----;---ο-;---;-----;---υ-;---;-----;---ς-;---;-----;---)، إلى التوبة؟ أضف إلى ذلك، مثل هذا التغيير سوف يناقض السياق، لأن يسوع يستخدم الكلمة لأنه قد أتهم بالأكل بصحبة أشخاص محتقرين، وبالارتباط بهم، "وليس لأنه ناشدهم تغيير سلوكهم فى الحياة. لم يكن أحد ليعارض دعوة الخطاة "الى الندم".
يعلق برونوباور بصواب فى مناقشته لهذا المقطع:
" إن هذا القول فى شكله الأصلى لايتعلق بمسألة ما اذا كان الخطاة بالفعل سوف يقومون بالكفارة، يقبلوا الدعوة ويكسبوا حقهم فى مملكة السماء بطاعة من يبشر بالكفارة. كونهم خطاة، يخولهم ميزات تتجاوز تلك التى للبررة. لكونهم خطاه فإنهم مدعوون للنعمة، أعطوا معاملة مفضلة بلا شرط. إن مملكة السماء قد خلقت للخطاة والدعوة التى توجه لهم تقرهم فحسب فى حقوق ملكيتهم، الملازمة لهم كخطاه" .
يوحى هذا المقطع باحتقار للشرائع التقليدية، والكلمات التى يعلن بها يسوع مجيء المخلص موحية بالعنف: سوف تفنى الإمبراطورية الرومانية القائمة فى عربدة القتل. ويبدو أن القديسين لن يلعبوا دورا سلبيا فى هذه العملية.
يعلن يسوع:
"جئت لألقى نارا على الأرض؛ فماذا أريد لو اضطرمت؟ ولى صبغة اصطبغها وكيف انحصر حتى تكمل ! أتظنون انى جئت لأعطى سلاما على الارض؟ كلا أقول لكم، بل انقساما: لأنه يكون من الآن خمسة فى بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة". (لوقا 12/49)
وفى متى نقرأ الكلمات الصريحة:
"لاتظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الارض، ماجئت لألقى سلاما بل سيفا". (10/34)
حين وصل إلى أورشليم فى عيد الفصح، يطرد التجار والصيارفة من الهيكل، العمل الذى لايمكن تصوره دون مساعدة مجموعة معتبرة من الناس حرضها، ليس طويلا بعد، فى العشاء الأخير، قبل الكارثة مباشرة، يقول يسوع لتلاميذه:
"الآن، من له كيس فليأخذه، ومزود كذلك، ومن ليس له، فليبع ثوبه، ويشتر سيفا، لأنى اقول لكم إنه ينبغى أن يتم فى أيضاً هذا المكتوب: وأحصى مع إثمه (ά-;---;-----;---ν-;---;-----;---ό-;---;-----;---μ-;---;-----;---ω-;---;-----;---ν-;---;-----;---)، لأن ماهو من جهتى له انقضاء . فقالوا: يارب هو ذا هنا سيفان، فقال لهم يكفى".
بعد ذلك مباشرة، يجرى النزاع مع القوة المسلحة للدولة على جبل الزيتون. يسوع على وشك ان يقبض عليه
"وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه".
ولكن فى هذا الإنجيل يبدو يسوع معارضا لإراقة الدماء، ويقبل أن يقيد في هدوء، بينما يبقى رفاقه هادئين تماما.
فى الشكل الذى لدينا، فإن هذه القصة هى الأكثر بروزا، إنها من ناحية مليئة بالتصريحات المتناقضة التى لابد وأنها كانت أصلا مختلفة تماما.
يدعو يسوع لحمل السلاح كما لو أن ساعة العمل قد حانت، انطلق المؤمنون به مسلحين بالسيوف - وفى ذات اللحظة التى واجهوا فيها العدو وسحبوا سيوفهم، يعلن يسوع فجأة أنه يعارض مبدئيا كل استعمال للقوة - بالطبع هذا التصريح حاد بصفة خاصة فى حالة متى:
"رد سيفك إلى مكانه: لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. اتظن انى لا أستطيع الآن أن اطلب إلى أبى فيقدم لى أكثر من اثنى عشر جيشا من الملائكة؟ فكيف تكمل الكتب إنه هكذا ينبغى أن يكون؟"
ولكن اذا كان يسوع معارضا من حيث المبدأ لأى استخدام للقوة، لم دعا إلى حمل السيوف؟ لم سمح لأصدقائه بحمل السلاح حينما صحبوه؟ نستطيع ان نفهم هذا التناقض فقط بافتراض أن التقليد المسيحى فى شكله الأصلى لابد وانه قد احتوى تقريرا عن انقلاب مخطط بعناية، أسر فيه يسوع، انقلاب بدا الوقت ناضجا له بعد أن طرد الصيارفة والباعة خارج الهيكل بنجاح. لم يجرؤ المحررون اللاحقون أن يلقوا بهذا التقرير جانبا، لأنه متأصل بعمق فى التراث، فى مجموعه. لقد بتروه بجعل استخدام القوة يظهر باعتباره عملا قام به الرسل ضد مشيئة يسوع.
ربما كان من غير النافل أن نتذكر أن هذا التصادم حدث على جبل الزيتون. كانت هذه نقطة الانطلاق المشار إليها لأى انقلاب ضد أورشليم.
دعنا نسجل، على سبيل المثال، الرواية التى يوردها يوسيفوس التى تتعلق بالانتفاضة غير الناجحة التى قادها يهودى مصرى فى زمن الضابط المالى فيلكس (52-62ب.م) .
جاء هذا الرجل من الصحراء إلى جبل الزيتون مع ثلاثين ألف رجل حتى يهاجم مدينة أورشليم ويطرد الفيلق الرومانى ويحوز السلطة. تعارك فيلكس مع المصرى وفرق أتباعه؛ ويبدو أن المصرى نفسه قد هرب.
يعج تاريخ يوسيفوس بأحداث مماثلة. إنها ذات دلالة على مزاج السكان اليهود فى زمن المسيح. لن تتناقض انتفاضة حاولها النبى الجليلى يسوع مع هذا المزاج على الإطلاق.
اذا كان لنا أن ننظر إلى مشروعه كمحاولة من هذا النوع، فإننا نستطيع ان نفهم أيضاً خيانة يهوذا التى تتداخل مع التقرير الذى نناقشه الآن.
وفقا للطبعة التى حفظت لنا، فإن يهوذا قد وشى بيسوع من خلال قبله، وهكذا عَرَّفه للعسس بوصفه الرجل الذى ينبغى القبض عليه. ولكن لم يكن لهذه العملية أى معنى على الإطلاق. كان يسوع معروفا جيدا فى أورشليم، وفقا للأناجيل؛ لقد كرز علنا كل يوم؛ وتلقته الجماهير بأذرع مفتوحة، ومع ذلك علينا أن نصدق فجأة انه كان من الضرورى ليهوذا أن يدل عليه، حتى يمكن تمييزه من أتباعه. يشبه ذلك إلى حد ما أن نرى شرطة برلين تدفع لجاسوس من أجل أن يدلهم على من هو بيبل. (أوجست بيبل، أحد قادة الحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية البارزين - المترجم ).
ولكن الأمر يصبح مختلفا تماما، إذا كنا نتعامل مع انقلاب متقن بعناية. سوف يتضمن مثل هذا الموقف شيئا جديرا بالخيانة، سر جدير بالشراء. إذا وجب استبعاد رواية الانقلاب الذى خطط له من القصة، تصبح خيانة يهوذا لا معنى لها ايضا. ولكن حيث أن فعل الخيانة هذا كان بوضوح معروفا للغاية بين الرفاق، وكراهتهم للخائن عظيمة للغاية، فقد كان من المستحيل على الإنجيلى أن يستبعد هذا الحدث كلية. ولكن بات الآن مضطرا لأن ينشئ فعلا جديدا للخيانة من خياله الخاص، وإن لم يلق فيه نجاحا كثيرا.
ليس أقل تعاسة من الطبعة الحالية من خيانة يهوذا اختراع أسر يسوع. فهو الذى قبض عليه فقط، بالرغم من أنهم صوروه باعتباره يكرز باستخدام الطرق السلمية، بينما الرسل الذين أخرجوا سيوفهم واستخدموها لم يزعجهم أحد. فى الواقع، يمشي بطرس، الذى "قطع" أذن مالخوس MALCHUS، وراء الشرطة ويجلس فى فناء رئيس الكهنة ويتحدث معهم بسلام. تخيل فقط رجلا من برلين يعارض بالقوة اعتقال رفيق، ويطلق غدارته فى هذه الحالة، فيجرح شرطيا، ثم يمشى عقب ذلك بهدوء، متحدثا بود مع الشرطة، وبعدئذ يجلس معهم فى مخفر الشرطة ليتدفأ ويشرب معهم قدحا من الجعة!
لقد كان من المستحيل اختراع أوضاع أكثر غباءا. ولكن هذه الخرافة تحديدا هى التى ينبغى ان تظهر لنا ان هناك جهدا قد جرى القيام به لإخفاء شئ كان يجب أن يستبعد بأى ثمن. إن عملا طبيعيا، يمكن أن يفهمه المرء ببساطة، نزاع التحامى ينتهي بهزيمة بسبب خيانة يهوذا، وبأسر القائد، يصبح عمليه بلا معنى مطلقا ولايمكن فهمها حين توصف بأنها من أجل "أن يتم المكتوب".
إن إعدام يسوع، الذى يسهل فهمه اذا كان متمردا، يصبح الآن عملا شريراً لا معنى له لا يمكن فهمه، الذى ينجح حتى فى تحقيق هدفه بمعارضة الوالى الرومانى، الذى كان سوف يحرر يسوع. هذا تراكم لأوضاع غير معقولة يمكن أن تفسرها فقط الحاجة التى شعر بها المحررون اللاحقون لأن يبيضوا الحادثة الحقيقية.
حتى الإسينيين، الذين كانوا مسالمين ومعارضين لكل نزاع، قد انساقوا وقتها مع الموجه العامة للوطنية. نحن نجد إسينيين بين القادة اليهود فى الحرب العظمى الأخيرة ضد الرومان. وهكذا يروى يوسيفوس عن بداية الحرب: لقد اختار اليهود ثلاث قواد عتاة، تمتعوا ليس فقط بالقوة البدنية والشجاعة، وإنما أيضاً بالذكاء والحكمة، ينجر من بيريا، سيلاس من بابل، ويوحنا الإسينى" .
افتراض أن إعدام يسوع كان يعود لحقيقة أنه كان متمردا هو من ثم ليس الافتراض الوحيد الذى يمكن أن يجعل الإشارات فى الإنجيل واضحة ، وإنما يتوافق تماما مع طابع الحقبة والمكان. من الوقت الذى يعزى إليه موت يسوع عامة، حتى تدمير أورشليم، لم تكن هناك نهاية لعدم الاستقرار فى تلك المدينة. كانت حروب الشوارع شيئا شائعا للغاية، وكذلك إعدام منتفضين أفراد. شنت حرب الشوارع كهذه مجموعة صغيرة من البروليتاريين، تبعها صلب قائد حلقتها، الذى كان مواطنا من الجليل، التي كانت دائما مقاطعة متمردة ربما خلقت بالفعل لمدى بعيد انطباعا عميقا على كل المشاركين الذين بقوا على قيد الحياة، بينما التاريخ نفسه ربما لم يكلف نفسه عناء تسجيل مثل هذه الحادثة اليومية.
بالنظر إلى التحريض المتمرد الذى كان يعيش فيه كامل العرق اليهودى فى هذه الفترة، فقد كان من الطبيعى لهذه الطائفة التى أثمرت هذه الانتفاضة التى جرت محاولتها أن تشدد عليها لأغراض الدعاية، معطية إياها هكذا مكانا راسخا فى التراث ومن الطبيعى أيضاً أن تبالغ إلى حد ما وأن تزين تفاصيل مثل شخصية البطل.
ولكن الوضع تغير حين دمرت أورشليم مع تدمير المجتمع اليهودى، دمرت البقايا الأخيرة من المعارضة الديمقراطية التى كانت ماتزال تحافظ على نفسها فى الإمبراطورية الرومانية أيضا. تتوقف فى حوالى هذا الوقت الحروب الأهلية فى الإمبراطورية الرومانية ذاتها.
فى القرنين اللذين يقعان بين المكابيين وتدمير أورشليم على يد تيتوس، كان الحوض الشرقى للبحر الأبيض المتوسط فى حالة دائمة من عدم الاستقرار، انهارت حكومة بعد أخرى، وفقدت أمة بعد أخرى استقلالها أو مركزها المهيمن. ولكن القوة التى كانت خلف كل هذه الاضطرابات مباشرة أو غير مباشرة، أى، الدولة الرومانية، كانت تمزقها فى نفس الفترة أشد الكوارث ضخامة من الجراكسيين إلى ڤ-;---;-----;---سباسيان، الذين ظهروا أكثر فأكثر من بين الجيوش وقادتها. فى هذه الحقبة، التى تطور فيها وتمتن توقع المخلص، لم تبد أى عضوية سياسية أكثر من مؤقتة، بينما بدت الثورة السياسية وكأن لم يكن ممكنا تفاديها، وكان يجب توقعها. انتهت هذه الفترة فى ظل ڤ-;---;-----;---سباسيان. حققت الملكية العسكرية فى ظل حكمه، أخيرا، الترتيب المالى الذى كان يحتاجه الإمبراطور حتى يعوق مقدما أى نشاط لمنافس محتمل فى نيل حظوة الجنود وليوقف هكذا لفترة طويلة التمردات العسكرية عند منبعها.
لدينا منذ هذا الوقت فصاعدا "العصر الذهبى" للإمبراطورية، وضع عام من السلام الداخلى يستمر لأكثر من قرن، من ڤ-;---;-----;---سباسيان (69ب.م) حتى كومودوس (180ب.م). بينما كان الاضطراب بالنسبة للقرنين السابقين هو القاعدة، كان الهدوء شعار هذا القرن. الثورة السياسية، التى كانت سابقا شيئا طبيعيا، أصبحت الآن الأكثر شذوذا. بدا الآن الخضوع للسلطة الإمبراطورية، والطاعة الصابرة، ليس فقط وصية الحكمة للجبناء وإنما أصبح ضاربا بجذوره أكثر فأكثر كالتزام أخلاقى.
طبيعى أن كان لهذا تأثيره على المجمع المسيحى. لم يعد بمقدور الأخير بعد أن يستخدم المخلص المتمرد، الذى كان مقبولا لدى الفكر اليهودى. حتى الشعور الأخلاقى للمجمع تمرد ضد هذا المخلص المتمرد. ولكن حيث أن المجمع اعتاد أن ينظر إلى يسوع إلهه باعتباره اندماجا لكل الفضائل، لم يتضمن التحول تخليا عن يسوع المتمرد وإحلال صورة مثالية لشخصية أخرى، أكثر تكيفا مع الظروف الجديدة، ولكنها عنت ببساطة استبعادا تدريجيا لكل العناصر المتمردة من صورة يسوع الإله، هكذا محوله تدريجيا يسوع المتمرد بعدوانية إلى شخصية سلبية، الذى قتل ليس بسبب انتفاضة وإنما ببساطة بسبب طيبته اللامحدودة وقداسته، وفساد وحقد الحساد الغادرين.
لحسن الحظ فإن إعادة التلوين قد صنعت بغير مهارة حتى ان آثارا من الأصباغ الأصلية مازال يمكن اكتشافها، وهي تسمح لنا بأن نخلص إلى استنتاجات بالنسبة لكامل الصورة. يمكن لنا بسبب ان هذه البقايا تحديدا لاتتناسق مع اعادة التلوين اللاحقة أن نستنتج على نحو أكثر تأكيدا أن الأولى حقيقية وتمثل الرواية الفعلية الأصلية.
تتوافق تماما فى هذا الصدد، وكذلك فى (الجوانب) الأخرى التى نوقشت سلفا صورة المخلص فى المجمع المسيحى الأولى مع الصورة الاصلية اليهودية. بدأ المجمع المسيحى اللاحق فقط فى طرح الاختلافات. ولكن هناك نقطتان تختلف فيها صورة المخلص فى المجمع المسيحى منذ البداية الأولى عن المخلص اليهودى.
د- قيامة المصلوب
لم يكن هناك نقص فى المخلصين فى زمن يسوع، خاصة فى الجليل، حيث ظهر الأنبياء وقادة العُصب فى كل لحظة، معلنين أنفسهم فادين وممسوحين من الرب. ولكن حين خضع مثل هذا الفادى للسلطة الرومانية، وأخذ أسيرا، صلب أو قتلَ، يكون دوره الخلاصي قد انتهى، وكان طبيعيا أن يعتبر نبيا زائفا ومخلصا زائفا. ومازال على النبى الحقيقى أن يأتى.
ولكن المجمع المسيحى وقف إلى جانب بطله. بالنسبة لهم أيضاً ما زال على المخلص فى كل مجده أن يأتى. ولكن المخلص الذى كان عليه ان يأتى لم يكن أحدا آخر غير من كان بالفعل، أى، المصلوب، الذى قام بعد ثلاثة أيام من موته وبعد أن ظهر لتلاميذه، صعد إلى السماء.
كان هذا المفهوم خاصا بالمجمع المسيحى. فماذا كان أصله؟
وفقا للمفهوم المسيحى الاولى فقد كانت معجزة قيامه المسيح فى اليوم الثالث بعد صلبه هى التى أثبتت طابعه الإلهى وأدت إلى تشكل توقعات عن عودته من السماء. لم يتقدم لاهوتيى زمننا الحاضر ماوراء هذه النقطة. بالطبع لم تعد "النفوس الليبرالية" بينهم تأخذ القيامة حرفيا. لأن الأخير، يسوع لم يقم حقا من "بين الأموات، ولكن تلاميذه إعتقدوا انهم رأوه فى نشواتهم الصوفية بعد موته، ومن ثم استنتجوا أنه ذو أصل إلهى:
"من ثم، علينا أن نعتبر الظهور الأول للمخلص الذى خَبَرَه بطرس بنفس طريقة بولس أى ظهور النور السماوى للمسيح فى رؤية صوفيه مفاجئة فى طريقه إلى دمشق - تجربة طبيعية ليست بأى حال معجزة غير قابلة للفهم، ويمكن تصورها سيكولوجيا استنادا لكثير من التجارب المشابهة فى كل العصور...... اقتفاءً لتشابهات أخرى، فمن السهل أيضاً أن نفهم أن هذه التجربة للرؤية الملهمة لم تقتصر على بطرس، ولكنها سريعا ما تكررت لتلاميذ آخرين، وأخيرا، لمجموعة من المؤمنين..... نجد الأساس التاريخى لاعتقاد التلاميذ فى القيامة فى التجارب الرؤيوية الصوفية التي تنبثق عن فرد وسرعان ما تقنع الجميع، وقد اعتقدوا فى هذه التجارب انهم رأوا المعلم المصلوب حيا وصعد إلى مجد سماوى. فى البيت فى عالم عجائبى، نسج الخيال الرداء ليلبس ما كان يحرك ويغمر النفس. فى الأساس، لم تكن القوة المحركة لقيامة يسوع فى اعتقادهم شيئا أكثر من الانطباع الذى لايمكن محوه الذى خلقه شخص واحد فيهم، كان حبهم وثقتهم فيه أقوى من الموت. كانت معجزة الحب هذه وليس معجزة كلى القدرة أساس عقيدة القيامة فى المجمع الأولى. من ثم لم يتوقف عندئذ تمرير العواطف، ولكن المستيقظ حديثا، ألهم عقيدة دفعت إلى الفعل، أدرك التلاميذ مهمة حياتهم. كان عليهم أن يعلنوا أن يسوع الناصرى، الذين سلموه لأعدائهم، كان المخلص، وقد أظهره الله أكثر بقيامة يسوع وصعوده إلى السماء، وأن يسوع سوف يعود سريعا ليتولى الحكومة الخلاصية للعالم" .
سوف يجعلنا العرض السابق نقبل انتشار إعتقاد المجمع المسيحى في المخلص، ومعه كل الظاهرة الضخمة التاريخية للمسيحية، كنتائج لهلوسة عرضية لإنسان فان بمفرده.
ليس من المستحيل أن تكون قد خطرت لواحد من الرسل رؤيا عن المصلوب، وليس من المستحيل أن يكون قد آمن عديد من الأشخاص بهذه الرؤية، لأن الحقبة كانت (حقبة) ساذجة تماما وكان الشعب اليهودى متأثرا بعمق بالاعتقاد فى القيامة. لم يكن يعتبر القيام من بين الأموات بأى حال غير قابل للتصور. دعنا نضيف بضعة أمثلة إلى التى قدمناها قبلا.
فى إنجيل متى، يصف يسوع للرسل أنشطتهم:
"اشفوا مرضى، طهروا برصا، أقيموا موتى، أخرجوا "شياطين". (10، 8)
الإقامة من الموتى قد ضمنت هنا بأشد الطرق واقعية فى تعداد للواجبات اليومية للرسل، مع شفاء المرضى. وقد أضيفت مذكرة تحذرهم من قبول أجر لقاء هذا العمل. اعتبر يسوع أو بالأحرى مؤلف الإنجيل الإقامة من بين الموتى مقابل أتعاب، بمعنى آخر، أن يقام بها كعمل، تدخل تماما فى مجال الممكن.
مميزة تماما قصة القيامة كما رويت عند متى. مقبرة يسوع حرسها الجنود، حتى لايسرق الرسل الجثة وينشروا الخبر بأنه قد قام. ولكن الحجر قد تدحرج عن فتحة القبر مصحوبا بومضات ضوء وزلازل، ويقوم يسوع.
"وفيما هما ذاهبتان، إذا، قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة، وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ماكان. فاجتمعوا مع الشيوخ، وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولوا، إن تلاميذه أتوا ليلا، وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع هذا عند الوالى، فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم: فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم". (28، 11 ومايليها) "
تخيل هؤلاء المسيحيون من ثم أن إقامة رجل مات ودفن لثلاثة أيام لن تخلق انطباعا شديد العمق على شهود العيان حتى تجعل من الضرورى إعطاء أكثر من رشوة سخية من أجل فرض الصمت عليهم، وحتى لإغوائهم بنشر رواية كانت عكس الحقيقة.
قد نعتقد عن طيب خاطر بأن المؤلفين الذين تبنوا نظرات كتلك التى عبر عنها الإنجيليون هنا كانوا قادرين على قبول خرافة القيامة بدون أدنى تردد.
ولكن هذا لايحسم كامل السؤال. هذه السذاجة، هذا الاعتقاد الحازم فى إمكانية القيامة، لم يكن سمة خاصة بالمجمع المسيحى، حيث شارك فيه كل السكان اليهود فى هذا الزمن، على الأقل ذلك القسم من السكان اليهود الذى كان يتوقع مخلصا. لم امتلك المجمع المسيحى فقط رؤيا لقيامة مخلصه؟ ولم يمتلكها أيضاً أتباع واحد من المخلصين الآخرين الذين عانوا الموت كشهداء فى هذا العصر؟
سوف يجيب لاهوتيونا بأننا يجب أن نفسر هذا بواسطة الانطباع العميق الذى خلفته بصفة خاصة شخصية يسوع، انطباع لم يكن أى من المخلصين الآخرين قادر على خلقه. ويناقض هذا التصريح حقيقة أن أنشطة يسوع، التى لم تستمر وفقا لكل المؤشرات سوى لوقت قصير، لم تترك آثارا فى الجماهير، انتهاءا إلى انه لم يسجلها معاصر واحد. ولكن استمر مخلصون آخرون فى القتال لوقت طويل ضد الرومان وحققوا مؤقتا انتصارات عظيمة ضد الأخيرين، نجاحات سجلت فى التاريخ؛ هل كان يمكن أن يكون هؤلاء المخلصين قد خلقوا انطباعا أقل من يسوع؟ لكن دعنا نفترض أن يسوع، بينما لم يكن قادراً على التأثير فى الجماهير، كان قادرا رغم ذلك على أن يخلف وراءه انطباعات لاتمحى بين بضعة من تلاميذه، بسبب قوة شخصيته. هذا سوف يفسر على الأكثر لماذا استمر الايمان بيسوع بين أصدقائه الشخصيين، وليس لم حازت الدعاية قوة بين الأشخاص الذين لم يعرفوه، والتى لم تستطع شخصيته أن تؤثر فيهم. اذا كان الانطباع الشخصى الذى خلقه يسوع هو الذى أنتج الاعتقاد بقيامته وبمهمته الإلهية فقط ، فإن هذا الاعتقاد سوف يصبح بالضرورة أضعف حيث تخبو الذكرى الشخصية عنه، ويتناقص عدد الأشخاص الذين كانوا على اتصال شخصى معه .
ليس للأخلاف أمجاد المنجزين الدراميين وفى هذا الصدد فإن رجل الكوميديا والإكليركى يتشابهان كثيرا. ماهو صحيح بشأن الممثل صحيح أيضاً بشأن المبشر، إذا كان مبشرا فقط، ويؤثر فقط من خلال شخصيته، ولايترك كتابات وراءه تتجاوز حياته الشخصية، ربما تكون مواعظه دوما مؤثرة بعمق شديد، ربما ترتفع دوما بقوة شديدة، ولكنهالا تستطيع أن تنتج نفس الانطباع على هؤلاء الذين لايسمعونها، على هؤلاء الذين حصلوا عليها بالنقل فقط. فلن يكون لشخصيته أى أثر على مثل هؤلاء الأشخاص على الإطلاق، لن يستثار خيالهم بها. لايمكن لأحد ان يترك خلفه ذكرى شخصية وراء دائرة هؤلاء الذين كانوا على اتصال شخصى معه، مالم يكن قد انتج ابداعا جديرا بخلق انطباع منفصل تماما عن شخصيته، أن يكون إبداعا فنيا، صرحا، إعادة إنتاج، تأليفا موسيقيا، عملا أدبيا، أو إنجازا علميا، مجموعة من المواد المرتبه منهجيا، نظرية، اختراعا، اكتشافا، أو، أخيرا، مؤسسة أو تنظيم سياسى أو اجتماعى من نوع أو آخر، أنتجه أو على الأقل نتج بتعاونه المميز.
مادام هذا النتاج وأثره يستمر، فسوف يستمر الاهتمام بشخصية المبدع أيضا. فى الواقع، بينما قد يتم تجاهل مثل هذا الإبداع عمليا خلال حياة منتجه، سوف ينمو بعد موته ويُبدأ فى تبين مغزاه، كما هو الحال مع مكتشفات عديدة، اختراعات وتنظيمات، حيث يمكن تماما أن يبدأ الاهتمام بمبدعها بعد موته فقط، وقد يستمر في التزايد أكثر فأكثر. كلما كان الانتباه الذى أولى إياه أقل حين كان حيا، وقل ماهو معروف بالفعل عن شخصه، كلما استثار هذا الجهل الخيال، وكلما كان إبداعه قويا، كلما أحيطت هذه الشخصية بهالة من الحكايات والخرافات. فى الواقع، إن حب الإنسان للعلاقات السببية، الذى يبحث فى كل حدث اجتماعى - وكذلك أيضاً فى كل حدث طبيعى – (عن) شخصية فعاله وراءه، هذا الحب للعلاقات السببية قوى بما فيه الكفاية حتى يؤدي لإيجاد مبدع لأى عمل أصبح ذو أهمية عظيمة، أو على الأقل ربط هذا العمل باسم ما وصل إلينا، فى حالة ما اذا كان المبدع الفعلى قد نسى، أو، كما هو الحال كثيرا جدا، اذا كان نتاجاً لتعاون مواهب غاية فى الكثرة، لايبز أحد منهم الآخرين تماما - حتى يؤدي منذ البداية لاستحالة تسمية مبدع معين.
ليس علينا ان نبحث فى شخصيته، وإنما فى الإبداع الذى ارتبط باسمه، عن سبب أن النشاط الخلاصى ليسوع لم يلق مصير النشاطات المماثلة ليهوذا وتيوداس ومخلصين آخرين لهذا الزمان. الإيمان الصوفى بشخصية النبى، وحب المعجزات، النشوة، الايمان بالقيامة - كل هذه نجدها بين أتباع المخلصين الآخرين وكذلك بين تلامذة يسوع. قد لانبحث سبب اختلاف واحد منهم فيما يشتركون فيه جميعا. بينما قد يكون طبيعيا للاهوتيون، حتى الأكثر ليبرالية، أن يفترضوا بأنه رغم أن كل المعجزات التى أشيعت عن يسوع قد تطرح، فإن يسوع نفسه يبقى معجزة، إنسانا أعلى، لم ير العالم مثله قط - وإننا مضطرون حتى لإنكار هذه المعجزة. إن نقطة الاختلاف الوحيدة بين يسوع والمخلصين الآخرين هى فى حقيقة ان الأخيرين لم يتركوا شيئا ورائهم يمكن ان تحفظ فيه شخصيتهم، بينما أورث يسوع تنظيما ذو عناصر حُسبت بامتياز لتُبقى تلاميذه معا وتجذب أعدادا متزايدة من التلاميذ الجدد.
جمع المخلصون الآخرون معا عُصبا بغرض الانتفاض فحسب؛ وتفرقت العصب بعد إخفاق الانتفاضة. إذا لم يكن يسوع قد فعل أكثر من هذا، لكان اسمه قد اختفى دون أثر بعد صلبه. ولكن يسوع لم يكن متمردا فحسب، لقد كان أيضاً ممثلا وبطلا، ربما حتى مؤسس تنظيم تجاوزه واستمرت أعداده فى التزايد والقوة.
مما لاريب فيه، فإن الافتراض التقليدى يفيد بأن مجمع المسيح لم يكن منظما من قبل الرسل حتى بعد موته. ولكن لاشئ يضطرنا لقبول هذا الافتراض، الذى هو، أضف إلى ذلك، غير جدير بالتصديق بالمرة. لأن هذا الافتراض يأخذ كأمر مسلم به ليس وضعا أقل من أنه بعد موت يسوع مباشرة أدخل تلاميذه فى مذهبه عنصرا جديدا كلية، جرى تجاهله حتى حينه وغير مرغوب فيه من جانبه، وان هؤلاء الذين بقوا غير منظمين حتى هذا الوقت انطلقوا فى اتخاذ خطوة التنظيم، التى كان يعارضها معلمهم، فى نفس اللحظة التى عانوا فيها هزيمة كانت قوية بما فيه الكفاية لأن تدمر حتى تنظيما محكما.
إذا حكمنا قياسا على تنظيمات أخرى مماثلة نحن ملمين ببداياتها على نحو أفضل، فيجب علينا أن نفترض بالأحرى أن التنظيمات الخيرية الشيوعية لبروليتاريى أورشليم، تشربت بالأمل بمجيء المسيح، وقد وجدت حتى قبل زمن يسوع، وان محرضا جريئا ومتمردا يدعى يسوع، أتى من الجليل، أصبح بطلهم وشهيدهم الأشد بروزا فحسب.
وفقا ليوحنا، كان للرسل الاثنى عشر صندوقا عاما حينما كان يسوع مازال حيا. ولكن يسوع يطلب أيضاً أن يتخلى كل تلاميذه الآخرين عن كل ملكيتهم.
ولا نقرأ فى أى مكان فى أعمال الرسل أن الرسل والمجمع لم يكونوا منظمين حتى بعد موت يسوع. نجدهم بالفعل منظمين فى هذا الوقت، ويقيمون اجتماعات عضويتهم قائمين بوظائفهم. إن أول ذكر للشيوعية فى أعمال الرسل هو مايلى:
"وكانوا يواظبون (η-;---;-----;---σ-;---;-----;---α-;---;-----;---ν-;---;-----;--- δ-;---;-----;---ε-;---;-----;--- η-;---;-----;---ρ-;---;-----;---ο-;---;-----;---σ-;---;-----;---κ-;---;-----;---α-;---;-----;---ρ-;---;-----;---τ-;---;-----;---ξ-;---;-----;---ρ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ΰ-;---;-----;---ν-;---;-----;---τ-;---;-----;---ε-;---;-----;---ς-;---;-----;---) على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات". (2، 42) بمعنى آخر، فقد استمروا فى تناول وجباتهم معا كما كانوا قبلا، وأيضا مواصلين ممارسات شيوعية اخرى. إذا لم تكن هذه الممارسات قد أدخلت حتى بعد موت يسوع، ماكانت لتستخدم صياغة الكلمات هذه.
لقد كان تنظيم المجمع هو الذى خدم كرابطة تضم تلاميذ يسوع معا بعد موته، كوسيلة لإبقاء ذكرى بطلهم المصلوب حيا، الذى اعلن نفسه وفقا للتقليد أنه المخلص. مع زيادة التنظيم، ونمو قوته أكثر فأكثر، شغل شهيده بالضرورة خيال أعضاءه أكثر فأكثر، وأصبحوا بالضرورة مبغضين أشد البغض لاعتبار المخلص المصلوب مخلصا غير حقيقيا، مرغمين غاية الإرغام على اعتباره المخلص الحقيقى رغم موته، بوصفه المخلص الذى سوف يأتى مرة اخرى بكل جلاله؛ وأصبح أكثر طبيعية بالنسبة لهم ان يؤمنوا بقيامته، وأصبح الإيمان بالطابع الخلاصى، وفى قيامة المصلوب العلامة المميزة للتنظيم، فارقة إياه عن المؤمنين الآخرين بالمخلص. اذا كان الإيمان بقيامة المخلص قد نشأ من انطباعات شخصية، لكان سيصبح بالضرورة أضعف وأضعف فى مجرى الزمن، حيث يكون قد طمس أكثر فأكثر بواسطة انطباعات اخرى، وسوف يختفى فى النهاية مع موت هؤلاء الذين عرفوا يسوع. ولكن اذا كان الإيمان فى قيامة المصلوب نتيجة نفوذ تنظيمه، فإن هذا الإيمان سوف يصبح أكثر متانة وحمية مع تزايد التنظيم، وكلما عرف أقل عن شخص يسوع، كلما قل تقيد خيال عابديه بتفصيلات محددة.
لم يكن الايمان بقيامة المصلوب هو الذى خلق المجمع المسيحى وأعطاه قوته، ولكن على النقيض، لقد كان نشاط وقوة المجمع هو الذى خلق الاعتقاد فى الحياة المستمرة للمخلص.
لم يكن هناك شيء فى الاعتقاد فى قيامة المخلص الذى صلب، يتناقض مع الفلسفة اليهودية للحياة. لقد رأينا إلى أى حد جرى تخلل هذه الفلسفة تماما بالاعتقاد بالقيامة، ولكن لاينبغى أن نغفل عن حقيقة أن كامل الأدب الخلاصى لليهود قد تخللته فكرة ان المجد المقبل يمكن إحرازه فقط لقاء معاناة وموت البار، فكرة كانت نتيجة طبيعية للمحن والبلايا التى تعرض لها اليهود آنذاك.
لقد أعطى الإيمان بالمخلص المصلوب كل علامة من ثم، لصيرورته ببساطة واحدا من التنويعات المتعددة للنبوءة الخلاصية بين يهود تلك الأيام، ربما لم يبلغ أبدا أكثر من ذلك. ولكنه أنقذ من هذا المصير - ومن النسيان الناشئ - بواسطة حقيقة أن الأساس الذى أقيم عليه كان أساسا تضمن بالضرورة تطور معارضة ضد اليهود. هذا الأساس، الذى كان حياة ونشاط التنظيم الشيوعى للبروليتاريا ارتبط بوثوق مع النوعية الخاصة للتوقعات الخلاصية للبروليتاريين الشيوعيين فى أورشليم.
هـ - الفادى الأممى
كانت التوقعات الخلاصية لبقية اليهود قومية محضة في طابعها، بما فيها تلك التى تخص الغيورون. لقد تضمنت: إخضاع الأمم الأخرى للهيمنة اليهودية العالمية، التى كان عليها أن تحل محل الحكم الرومانى للعالم؛ والانتقام من الأمم التى كانت تضطهد اليهود وتسيء معاملتهم. ولكن كانت التوقعات الخلاصية للمجمع المسيحى مختلفة تماما. كان هذا المجمع أيضاً حافلا بالوطنية اليهودية وبالعداء للرومان؛ مثلت الاطاحة بالنير الأجنبى الشرط، الاولى الضرورى لأى تحرير، ولكن أتباع المجمع المسيحى لم يكتفوا بذلك. فهم لم يخططوا للإطاحة بنير الحكام الأجانب فقط، وإنما بكل الحكام، بمن فيهم هؤلاء الذين فى الوطن. لقد دعوا لأنفسهم المرهقين والمثقلين بالهموم فقط؛ لقد كان يوم الدينونة هو يوم الانتقام من كل الأغنياء والأقوياء.
لم تكن العاطفة التى حركتهم حقدا عرقيا وإنما حقدا طبقيا، وكانت هذه السمة هي جرثومة انفصالهم عن بقية اليهود، الذين كانت توحدهم روح قومية. ولكن مثل هذا العنصر أيضاً جرثومة تقارب مع بقية العالم، العالم غير اليهودى. وقد بقيت النظرية القومية للمخلص قاصرة على العالم اليهودى، حيث رفضت من بقية العالم، الذى كان إخضاعه جزءا من هذه الفكرة.
لم يكن الحقد الطبقى ضد الأغنياء وكذلك التضامن البروليتارى أفكارا يقتصر قبولها بأي حال على البروليتاريا اليهودية فقط. لابد أن أملا خلاصيا تضمن انقاذ الفقراء وجد بالضرورة أذنا صاغية بين فقراء كل الأمم. فقط المخلص الاجتماعى، وليس المخلص القومى، يمكن أن يتعالى على حدود اليهودية. يمكن لمثل هذا المخلص أن يتجاوز منتصرا الكارثة الفظيعة التى ألمت بالمجتمع اليهودى، والتى انتهت بتدمير أورشليم.
من ناحية أخرى، فإن تنظيما شيوعيا لايمكن ان يحافظ على نفسه فى الامبراطورية الرومانية، إلا فى اقليم قوى فيه هذا التنظيم بالإيمان فى مجيء المخلص وفى إنقاذه لهؤلاء الذين اضطهدوا وأسيئت معاملتهم. كانت هذه التنظيمات الشيوعية عمليا، كما سوف نعلم لاحقا، مؤسسة على جمعية للمساعدة المتبادلة.
أصبحت الحاجة لمثل هذه التنظيمات شاملة فى الإمبراطورية الرومانية بدءا من القرن الأول لعصرنا، وقد شعر بها على نحو أكثر حيوية حيثما تزايد الفقر العام وحيث كانت البقايا الأخيرة للشيوعية الأولية التقليدية تتحلل. ولكن الاستبداد الشاك يقمع كل أشكال التنظيم؛ لقد رأينا أن تراجان كان خائفا حتى من منظمات الحريق الطوعية. كان قيصر مازال مبقيا على التنظيمات اليهودية، ولكنها فقدت لاحقا أيضاً مركزها المتميز.
لم تستطع منظمات المساعدة المتبادلة أن تستمر فى الوجود إلا كجمعيات سرية. ولكن من يقبل ان يخاطر بحياته لاجتناء مساعدات فى المرض فحسب؟ أو من سوف يخاطر بحياته من خلال شعور بالتضامن مع رفاقه فى وقت كانت فيه كل روح عامة قد أخمدت؟ أيا مابقى من مثل هذه الروح العامة، أو من التفانى للرفاه العام، لم تواجه فى أى مكان فكرة، عظيمة سامية مثل فكرة التجديد الخلاصي للعالم، التى تعنى، المجتمع. والأكثر أنانية بين البروليتاريين، هؤلاء الذين انضموا إلى جمعيات المساعدة المتبادلة من اجل امتياز شخصى قد اطمأنوا إذا عرضوا أشخاصهم للخطر بفكرة حدوث قيامة شخصية ترافقها مكافأة سخية لاحقة؛ فكرة لم تكن ضرورية الا من اجل رفع معنويات المضطهدين فى عصر دفعت فيه أوضاعه الغرائز الاجتماعية والمشاعر إلى الحد الأقصى، حتى ان الفرد شعر بنفسه مجبرا بشكل لايقاوم على الانصياع لها، إلى حد تعريض امتيازه للخطر، أي حياته ذاتها. كانت فكرة حدوث قيامة شخصية، من ناحية أخرى، لامفر منها، فى مسار صراع خطر ضد قوى عاتية، فى عصر كانت فيه الغرائز والمشاعر الاجتماعية قد قمعت إلى حد غاية فى التدني بواسطة، التفسخ الاجتماعى المتلاحق، ليس فقط ضمن الطبقات الحاكمة، وإنما أيضاً ضمن المضطهدين والمستغلين.
فقط فى الشكل الشيوعى للمجمع المسيحى، ذلك الذى ينتمي إليه المخلص المصلوب، أمكن لفكرة المخلص أن تضرب بجذورها خارج اليهودية. فقط من خلال الإيمان بالمخلص وفى القيامة أمكن للتنظيم الشيوعى أن يبقى ويوسع نفسه فى الإمبراطورية الرومانية كجمعية سرية. ولكن حين اتحد، هذين العاملين - الشيوعية والايمان بالمخلص - أصبحا لايقاومان. ما أمل اليهود فيه بلا جدوى من مخلصهم ذو النسب الملكى قد انجز بواسطة المخلص المصلوب الذى تحدر من البروليتاريا: اخضع روما، جعل القياصرة يركعون، قهر العالم. ولكنه لم يقهر العالم من أجل البروليتاريا. فى مجراه المنتصر، أصبح التنظيم الخيرى، البروليتارى، الشيوعى وقد تحول إلى أكثر الأدوات روعه للهيمنة والاستغلال فى العالم. ليست هذه العملية الجدلية جديدة كلية. لم يكن المخلص المصلوب لا أول ولا آخر قاهر يحول جيوشه التى كسبت انتصاراته فى النهاية، لتقاتل شعبها، موظفا إياها لإخضاعهم واستعبادهم.
كان لقيصر ونابليون أيضاً أصلهما فى الانتصارات الديمقراطية.
******
الفصل الثالث
المسيحيون اليهود والمسيحيون الوثنيون
أ- التحريض بين الوثنيين
تشكل المجمع الشيوعى الأولى للمخلص فى أورشليم؛ وليس لدينا أدنى سبب لنشك فى التصريحات التى تفيد ذلك فى أعمال الرسل. ولكن سرعان ما نشأت المجامع فى مدن أخرى بها بروليتاريا يهودية. كانت هناك بالطبع بين أورشليم والأقسام الأخرى من الإمبراطورية، خاصة نصفها الشرقى، مواصلات نشطة، على الأقل بسبب الكثير من مئات الآلاف، وربما الملايين من الحجاج، الذين حجوا سنويا لتلك المدينة. وكان عديد من المتسولين الذين لايملكون شيئا وبدون عائلة أو بيت يرتحلون بلا توقف من مكان إلى مكان، كما لايزال الحال فى أوروبا الشرقية، مقيمين فى كل مكان حتى تستنفذ الصدقة المحلية. هذا هو معنى التعليمات التى أعطاها يسوع لرسله:
"لاتحملوا كيسا، ولامزودة، ولاأحذية: ولاتسلموا على أحد فى الطريق. وأى بيت دخلتموه، فقولا أولا: سلام لهذا البيت. فإن كان هناك ابن السلام، يحل سلامكم عليه: وإلا، فيرجع إليكم، وأقيموا فى ذلك البيت، آكلين وشاربين مما عندهم: لأن الفاعل مستحق لأجرته. لاتنتقلوا من بيت إلى بيت. وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم، فكلوا مما يقدم لكم، واشفوا المرضى الذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله. وأية مدينة دخلتموها، ولم يقبلوكم فيها، فاخرجوا إلى شوارعها، وقولوا:
"حتى الغبار الذى لصق بنا، من مدينتكم. ننفضه لكم: ولكن اعلموا هذا قد اقترب منكم ملكوت الله. وأقول لكم أنه يكون لسدوم فى ذلك اليوم حالة أكثر احتمالا مما لتلك المدينة". (لوقا 10/4-13)
إن التهديد الأخير الذى يضعه الإنجيلى فى فم يسوع يعكس نموذجياً حقد المتسول الذى خدع فى توقعاته بشأن الصدقة. الذى سوف يرضيه أن يرى المدينة كلها تشتعل باللهب. ولكن المخلص فى هذه الحالة هو من يلعب (دور) مشعل الحرائق له.
كل المحرضين الذين لايملكون شيئا وينتمون للتنظيم الجديد الذين تجولوا هكذا كانوا يعتبرون رسلا، وليس فقط الاثنى عشر الذين وصلت إلينا أسمائهم ممن نصبهم يسوع ليعلنوا كلمته. إن أعمال الرسل DIDACHE التي سبق وأن ذكرناها (تعاليم الرسل الاثنى عشر) مازالت تتحدث فى منتصف القرن التالى عن الرسل النشطين فى المجمع.
مثل هؤلاء "المتسولون والمتآمرون" الرحالون، الذين اعتبروا أنفسهم ملأى بالروح القدس أتوا بمبادئ التنظيم البروليتارى الجديد "البشرى الفرحة" للإنجيل من أورشليم إلى المجتمعات اليهودية المجاورة وأخيرا بعيدا حتى روما. لكن بمجرد أن ترك الإنجيل تربة فلسطين، فقد دخل بيئة اجتماعية مختلفة كلية تركت طابعا مختلفا كلية عليه .
وجد الرسل مع أعضاء الجماعة اليهودية، جماعة أخرى، على اتصال وثيق بهؤلاء الأعضاء، زملاء اليهود، الوثنيون "الذين يخشون الله" (σ-;---;-----;---ε-;---;-----;---β-;---;-----;---ό-;---;-----;---μ-;---;-----;---ε-;---;-----;---γ-;---;-----;---ο-;---;-----;---ι-;---;-----;---) الذين عبدوا الإله اليهودى، وحضروا فى الكنيس، ولكنهم لم يكونوا قادرين أن يبلغوا حد قبول كل العادات اليهودية. فى الأغلب فقد كانوا يخضعون لاحتفال الغمر أو التعميد؛ ولكن لم تكن لتكون لهم صلة بالختان أو شرائع التغذية، ومراعاة السبت، والمظاهر الأخرى التى سوف تنزعهم كلية من محيطهم "الوثنى".
لابد وان المحتوى الاجتماعى للإنجيل قد وجد قبولا جاهزا لدى الفئة البروليتارية من نمط "الوثنيون الذين يخشون الله". وهم من نقلوه إلى مجموعات بروليتارية غير يهودية أخرى، التى قدمت تربه مواتيه لمذهب المخلص المصلوب، على الأقل إلى المدى الذى وعد فيه بتحول اجتماعى ومؤسسات منظمة مباشرة لتقديم المساعدة. ولكن لم تتعاطف هذه الطبقات مع كل العادات اليهودية بصفة خاصة، وفى الواقع، فقد نظرت لها ببغض واحتقار.
كلما انتشر أكثر التعليم الجديد فى المجتمعات اليهودية خارج فلسطين، كلما أصبح واضحا بالضرورة انه سوف يكسب قوة دعائية أكثر لحد هائل إذا نبذ خصائصه اليهودية، وكف عن أن يكون قوميا، وأصبح على وجه القصر اجتماعيا فى طبيعته.
الرجل الذى أدرك أولا هذا الشرط ودافع عنه بحمية يدعى شاول، يهودى يقول عنه التراث أنه لم يأت من فلسطين، ولكن من المجمع اليهودى لمدينة إغريقية، طرسوس، فى قيلقيه. روح نارية، لقد رمى بنفسه أولا بكل قوته فى الدفاع عن الفريسية، وحارب باعتباره فريسيا المجمع المسيحى، الذى كان مرتبطا بوثوق بنزعة الغيورين، حتى اقتنع فجأة، وفقا للرواية، بخطأ طريقه من خلال رؤيا، انتهاءا إلى أنه اندفع للطرف المعاكس. انضم للمجمع المسيحى، ولكنه ظهر فيه فورا باعتباره واحدا من المحبذين للإطاحة بوجهات النظر القائمة، فمادام الأمر قد تطلب أن يروج المذهب الجديد بين غير اليهود، فمن غير الضرورى لهم أن يقبلوا اليهودية.
حقيقة أنه غير اسمه العبرى من شاول إلى الاسم اللاتينى بولس نموذجى فى الدلالة على ميوله. وقد أجرى كثير من اليهود الذين رغبوا فى أن يلعبوا دورا فى الدوائر غير اليهودية مثل هذه التغييرات في الأسماء. إذا كان على منسى أن يغير اسمه إلى مينيلاوس، فلم لايسمى شاول نفسه بولس؟
من المحتمل أننا لايمكن أن نحدد فى يومنا هذا القسم الصحيح تاريخيا من قصة بولس بأى يقين. كما فى كل الامور التى تتعلق بالتواريخ الشخصية، فالعهد الجديد هنا أيضاً مصدر لا يعتمد عليه لأقصى حد، وهو حافل بالتناقضات وحكايات المعجزات المستحيلة. ولكن أعمال بولس الشخصية هى أمر ثانوى. النقطة المهمة هى معارضته مبدئياً للنظرات السابقة للمجمع المسيحى. نشأت هذه المعارضة من طبيعة الحالة، التي لم يكن ممكنا تجنبها، ولايهم كم قد يبالغ أعمال الرسل فى الأحداث الفردية، فحقيقة الصراع بين هذين الاتجاهين داخل المجمع لم تخفى علينا. أعمال الرسل نفسها هى نتاج جدالى، نتيجة لهذا الصراع، كتبت بغرض كسب الأصدقاء للموقف البولسى، وأيضا لتهدئة المعارضة بين الاتجاهين.
من المحتمل فى البداية أن الاتجاه الجديد قد كان غاية فى التواضع، ولم يتطلب فقط سوى تسامح فى بعض النقاط التى احتمل المجمع الأم أن يتغاضى عنها.
على الأقل هذا ما يبدو محتملا من الرواية (الواردة) فى أعمال الرسل، التى، يجب أن نعترف، على أية حال، بأنها لونت الوضع بألوان وردية بالأحرى وتظاهرت بأن السلام قد حل بينما كان هناك بالفعل صراع وحشى يتطور .
وهكذا تروى الأعمال، على سبيل المثال، من زمن نشاط بولس الدعائى فى سوريا:
"وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الأخوة، أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لايمكنكم أن تخلصوا. فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثه ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم إلى الرسل والمشايخ إلى أورشليم من أجل هذه المسألة. فهؤلاء بعدما شيعتهم الكنيسة اجتازوا فى فينيقية والسامرة يخبرونهم برجوع الأمم وكانوا يسببون سرورا عظيما لجميع الأخوة. ولما حضروا إلى أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل والمشايخ فأخبروهم بكل ماصنع الله معهم. ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا إنه ينبغى أن يختنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى". (أعمال الرسل 15/1-5)
الرسل والشيوخ، بمعنى آخر، اللجنة التنفيذية للحزب، تجتمع الآن، بطرس وكذلك يعقوب يلقيان خطابى صلح، وقرروا فى النهاية إرسال يهوذا وبرنابا وسيلاس، وهم أعضاء كذلك فى اللجنة التنفيذية إلى سوريا، من أجل إعلام الاخوة هناك (أعمال الرسل، 15/28،29):
"لأنه قد رأى الروح القدس، ونحن، أن لانضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة؛ أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنى". وهكذا فإن اللجنة التنفيذية قد تخلت عن تختين المهتدين الجدد الوثنيين، ولكن الممارسات الخيرية قد لاتهمل: "غير أن نذكر الفقراء، وهذا عينه كنت اعتنيت أن افعله" هذا هو تقرير الرسول فى رسالته إلى الغلاطيين. (2/10)
كان نظام المساعدات عزيزا على قلوب كل من المسيحيين اليهود والمسيحيين الوثنيين، ولم يشكل موضوعا للخلاف بينهم. ومن ثم فقد ذكر قليلا جدا فى أدبهم، الذى كان معنيا تقريبا على وجه الحصر بأغراض جدالية. ولكن سيكون من الخطأ الافتراض من هذا التنويه غير المتكرر أن هذا النشاط الخيرى لم يلعب دورا فى المسيحية الأولية. انه من الحقيقى أنه لم يلعب دورا فى خلافات الأخيرة الداخلية.
استمرت هذه الخلافات بالرغم من كل جهود الصلح.
"فى رسالة القديس بولس إلى الغلاطيين التى اقتبسناها آنفا، نجد بالفعل أن المدافعين عن الختان اتهموا بالتصرف استنادا لاعتبارات إنتهازية:
"جميع الذين يريدون أن يعملوا منظرا حسنا فى الجسد هؤلاء يلزمونكم أن تختتنوا لئلا يضطهدوا لأجل صليب المسيح فقط". (6/12)
بعد المؤتمر المذكور فى أورشليم، يصف أعمال الرسل بولس باعتباره قائما بجولة تحريضية عبر بلاد الإغريق، موضوعها هو مرة أخرى التحريض بين الوثنيين. وبعد عودته إلى أورشليم، يقدم تقريرا لرفاقه حول نجاح مهمته.
"فلما سمعوا كانوا يمجدون الرب. وقالوا له أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعا غيورون للناموس. وقد أخبروا أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد". (أعمال الرسل 21/20-21)
مطلوب من بولس الآن أن يبرئ نفسه من هذه التهمة وان يقدم الدليل على أنه مازال يهوديا ورعا. وهو يعلن أنه مستعد لأن يفعل هذا، ولكنه يمنع من تنفيذ نيته بواسطة هجوم مفاجئ شنه اليهود عليه، ممن رغبوا فى قتله كخائن لأمتهم. تضعه السلطات الرومانية تحت نوع من الاعتقال الوقائى وأخيرا ترسله إلى روما، حيث يتمكن من أن يواصل تحريضه دون تحرش به بتاتا، الأمر الذى يختلف عما كان عليه الحال فى أورشليم: "كارزا بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة ولامانع". (28/31)
ب - التعارض بين اليهود والمسيحين
لقد كان من الطبيعى أن يعلن المسيحيون الوثنيون موقفهم على نحو أكثر توكيدا حين تزايدت أعدادهم. لقد كانت المعارضة من ثم مصممة على أن تصبح أكثر حدة.
كلما بقيت هذه المعارضة أطول، وكلما كثرت أوجه الخلاف، كلما كان موقف هذين الاتجاهين بالضرورة أكثر عدائية كل منهما إزاء الآخر. وقد تأجج هذا الوضع أكثر بتفاقم التضاد بين اليهود والأمم التى عاشوا وسطها، فى العقود التى سبقت توا تدمير أورشليم . لقد كان تحديدا العنصر البروليتارى فى اليهودية، خاصة فى أورشليم، الذى قارب الأمم غير اليهودية، خاصة الرومان، بحقد متعصب أكثر فأكثر. لقد كان الرومانى أسوأ مضطهد ومستغل، أسوأ عدو، وكان الهيلينى حليفه. كل مسألة تميز بها اليهود عنهم جرى تأكيدها الآن أكثر من ذى قبل بما لايقاس . كل هؤلاء الذين شددوا على الدعاية بين اليهود كانوا مدفوعين بالضرورة، باعتبارات قامت على نجاح تحريضهم، إلى أن يشددوا على السمات اليهودية، وأن يتمسكوا بكل الشرائع اليهودية، التى كانوا إضافة إلى ذلك ميالين إليها، بسبب تأثيرات محيطهم.
ولكن بنفس القدر الذى تزايد به الحقد المتعصب لليهود ضد قوميات مضطهديهم فإن، المقت والاحتقار الذى شعرت به الجماهير نحو اليهود تزايد أيضا. مرة أخرى قاد هذا أيضاً عديداً من المسيحيين الوثنيين ومحرضيهم ليس فقط لأن يطلبوا إعفاءا من الشرائع اليهودية، وإنما إلى أن يتحدثوا باستخفاف أكثر فأكثر عن هذه الشرائع. أصبح التضاد بين المسيحيين اليهود والمسيحيين الوثنيين أكثر فأكثر، فى حالة الأخيرين، بات عداء لليهودية ذاتها. مع ذلك، كان الاعتقاد فى المخلص، بما فيه أيضاً المخلص المصلوب، لحد بعيد أيضاً متداخلا بوثوق مع اليهودية حتى انتهى المسيحيين الوثنيين إلى إنكار الأخيرة كلية. لقد استعاروا من اليهودية كل النبوءات الخلاصية وبعض الروافد الاخرى للاعتقاد فى المخلص، وبالرغم من ذلك كانوا يصبحون فى نفس الوقت أكثر فأكثر عداء تجاه اليهودية. أضاف هذا تناقضا جديدا للتناقضات الكثيرة الموجودة سلفا فى المسيحية.
لقد رأينا قبلا كيف كان التأكيد الذى وضعته الأناجيل على انحدار يسوع من داود عظيما، وكيف صنعوا أكثر التركيبات غرابة لجعل الجليلى يولد فى أورشليم. وهم يقتبسون مرة بعد مرة مقتطفات من الكتابات المقدسة لليهود، حتى يثبتوا بواسطتها مهمة يسوع الخلاصية. وهم يعرضون يسوع نفسه بوصفه محتجا ضد أى اتهام برغبته فى نقض الشريعة اليهودية "لاتظنوا أنى جئت لأنقض الناموس، أو الأنبياء: ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم: إلى ان تزول السماء والارض، لايزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (متى "5/17؛ انظر لوقا 16/16)
ويأمر يسوع تلاميذه بما يلى:
"الى طريق أمم لاتمضوا والى مدينة للسامريين لاتدخلوا: بل اذهبوا بالأحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة". (متى 10/6)
هذا منع صريح ضد الدعاية خارج اليهودية. وقد عبر يسوع عن نفسه بالمثل، وإن بشكل أكثر لطفا، لامرأة كنعانية عند متى (امرأة اغريقية، ولدت فى فينيقيا السورية، عند مرقس ): صرخت اليه قائلة:
"ارحمنى ياسيد، يا ابن داود: ابنتى مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة. فتقدم تلاميذه، وطلبوا اليه قائلين: اصرفها؛ لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة: ياسيد أعنى. فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب، فقالت: نعم، ياسيد، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذى يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال: يا امرأة عظيم إيمانك: ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة". (متى، 15/21ومايليها؛ انظر مرقس 7/27).
يذعن يسوع فى هذه الحالة لصوت العقل. ولكن يظهر فى البداية أنه فظ جدا إزاء المرأة، الإغريقية، لأنها ليست يهودية، رغم أنها دعته ابن داود وهي كلمات تشى بإيمان يهودى بالمخلص.
تتراءى لنا الفكرة الكامنة وراء وعد يسوع لرسله بأنهم سوف يجلسون فى دولته المقبلة على اثنى عشر كرسيا، حاكمين أسباط إسرائيل الاثنى عشر يهودية تماما. كان يمكن لهذا الوعد ان يكون جذابا ليهودى فقط، وليهودى فى اليهودية فقط. لقد فقد أهميته تماما فى الدعاية بين الوثنيين.
ولكن بينما استعارت الأناجيل هذه الأمارات المؤثرة عن الإيمان اليهودى بالمخلص، فقد وضعتها غالبا فى تجاور مباشر مع انفجارات العداء تجاه اليهود التى كان مؤلفوها ومحرروها مملوءين بها. يلقى يسوع المرة بعد المرة مواعظه ضد كل شئ عزيز على اليهودى الورع، الصيام، سنن التغذية، مراعاة السبت. وهو يرفع الوثنيين فوق اليهود:
"لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره". (متى 21/43)
ويذهب يسوع إلى حد أن يلعن اليهود صراحة:
"حينئذ ابتدأ يوبخ المدن التى صنعت فيها أكثر قواته، لأنها لم تتب: ويل لك، ياكورزين ! ويل لك، يابيت صيدا ! لأنه لو صنعت فى صور وصيدا ، القوات المصنوعة فيكما، لتابتا قديما فى المسوح والرماد. ولكن أقول لكم: إن صور وصيدا تكون لهما حالة أكثر احتمالا يوم الدين، مما لكما. وانت، ياكفر ناحوم، المرتفعة إلى السماء، ستهبطين إلى الهاوية: لأنه لو صنعت فى سدوم القوات المصنوعة فيك لبقيت إلى اليوم. ولكن أقول لكم إن أرض سدوم تكون لها حالة أكثر احتمالا يوم الدين ممالك". (متى 11/20-24)
هذه الكلمات دليل على حقد متميز تجاه اليهود. نحن لانعد نسمع طائفة من اليهودية تسب طائفة أخرى من نفس الأمة. لقد وصمت الأمة اليهودية هنا بصفتها هذه باعتبارها متدنية أخلاقيا، وعرضت باعتبارها خبيثة على نحو غير عادى وعنيدة.
نحن نجد أيضاً هذه الفكرة وقد عبرت عنها النبوءات التى وضعت فى فم يسوع وتخص تدمير أورشليم، التى اصطنعت بالطبع بعد أن تحقق هذا الحدث. الحرب اليهودية، التى كشفت بشكل يثير الدهشة قوة اليهود والخطر الذى جسدوه بالنسبة لأعدائهم، هذا الانفجار الوحشى لليأس الضارى، قد زاد العداوة بين اليهود والوثنيين إلى أقصى درجة، وكان له تقريبا من ثم نفس الأثر الذى كان لمعركة يونيو وكومونة باريس على الحقد الطبقى بين البروليتاريا والبورجوازية. عمق هذا أيضاً الهوة بين المسيحية اليهودية والمسيحية الوثنية، ولكن يضاف إلى ذلك فقد حرم الأولى أكثر فأكثر من أساسها. انتزع تدمير أورشليم الأرض من تحت أقدام أى حركة طبقية مستقلة من جانب البروليتاريا اليهودية. فهذه الحركة يجب أن تؤسس على استقلال الأمة. بعد تدمير أورشليم، تواجد اليهود فقط فى بلدان أجنبية، وسط أعداء، حيث كانوا جميعهم أغنياء وفقراء، مكروهين ومضطهدين منهم على السواء، والذين كان عليهم أن يتضامنوا بحزم ضدهم. ان خيرية الأثرياء نحو مواطنيهم الفقراء وصلت من ثم نقطة عالية جدا تحديدا وسط اليهود، وفى حالات كثيرة فاق الشعور بالتضامن القومى العداوات الطبقية. فقدت المرحلة اليهودية من المسيحية من ثم بالفعل قوة دعايتها. أصبحت المسيحية منذ هذا الوقت فصاعدا أكثر فأكثر على وجه الحصر مسيحية وثنية، لم تعد بعد حزبا سياسيا داخل اليهودية، وإنما حزبا سياسيا خارج اليهودية، معاديا حتى لليهودية.
ولكن مع سقوط المجتمع اليهودى، فقد الأمل اليهودى القومى فى المخلص التربة التى نما منها. لقد كان من الممكن له أن يستمر فى الحياة لبضعة عقود، ليصنع المزيد من بضع حركات تشنجية قبل موته، ولكن تلقى ضربة الموت كعامل مؤثر فى التطور السياسى والاجتماعى فى تدمير العاصمة اليهودية.
ولكن هذا لم يكن صحيحا عن آمال المخلص بين المسيحيين الوثنيين، الذين كانوا منفصلين تماما عن الأمة اليهودية ولم تمسهم محنها. ان فكرة المخلص قد احرزت الآن قوتها الحية فقط فى شكل المخلص المصلوب، بمعنى آخر، المخلص غير اليهودى، المخلص المترجم إلى الإغريقية، المسيح.
فى الواقع، ذهب المسيحيون بعيدا إلى حد تحويل الحدث الرهيب الذى دل على إفلاس الأمل اليهودى فى المخلص إلى انتصار لمسيحهم. تبدأ أورشليم الآن فى الظهور كعدو للمسيح، تدمير أورشليم هو انتقام المسيح من اليهود، دليل مخيف على قوته المنتصرة. يروى لنا "لوقا عن دخول يسوع إلى أورشليم:
"وفيما هو يقترب، نظر إلى المدينة، وبكى عليها، قائلا: انك لو علمت أنت أيضا، حتى، فى يومك هذا، ماهو لسلامك! ولكن الان قد اخفى عن عينيك. فإنه ستأتى أيام، ويحيط بك أعداؤك بمترسه، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك، وبنيك فيك ولايتركون فيك حجرا على حجر، لأنك لم تعرفى زمان افتقادك". (لوقا 19/14-44)
وعقب ذلك مباشره يقول يسوع مرة أخرى إن أيام تدمير أورشليم، آتية بالإبادة حتى للحوامل والأمهات الحاضنات، سوف تكون "أيام الانتقام".(έ-;---;-----;---κ-;---;-----;---δ-;---;-----;---ι-;---;-----;---κ-;---;-----;---ή-;---;-----;---σ-;---;-----;---ε-;---;-----;---ω-;---;-----;---ς-;---;-----;---، لوقا 12/22)
إن اغتيالات سبتمبر الخاصة بالثورة الفرنسية، التى لم ترتكب بغرض إشفاء غليل الانتقام من الأطفال، وإنما من أجل صد عدو قاسى، تبدو نسبيا رقيقة حين تقارن بحكم الراعى الطيب.
ولكن تدمير أورشليم كان له أيضاً نتائج اخرى على الفكر المسيحى. لقد أشرنا سلفا كيف أن المسيحية، التى كانت حتى آنذاك قد وسمت بالعنف، حققت الآن طابعها السلمى. وكان يمكننا أن نجد فقط بين اليهود ديمقراطية نشطة فى البدايات الأولى للعصر الإمبراطورى. كانت أمم الإمبراطورية الأخرى قد أصبحت جبانة وعديمة اللياقة لشن الحرب، بل وحتى البروليتاريا. لقد قضي تدمير أورشليم على الاحتياطى الأخير للطاقة الشعبية فى الإمبراطورية. أصبح كل تمرد الآن ميئوسا منه. وغدت المسيحية الآن مسيحية وثنية فقط؛ لقد جعلها هذا خانعة، بل عبيدية.
ولكن كان حكام الإمبراطورية رومانيين. لقد كان من الضرورى لكل العناصر الأخرى فى الإمبراطورية أن تفوز لنفسها بالحظوة لدى الرومان. بينما كان المسيحيون الأوائل وطنييين يهود وأعداء لكل حكم أجنبى واستغلال، أكمل المسيحيون الوثنيون حقدهم لليهود بتقديس النزعة الرومانية والسلطة الإمبراطورية. نحن نجد أن هذا قد جرى التعبير عنه حتى فى الأناجيل، فى القصة المعروفة جيدا عن المحرضين الذين أرسلهم "الكتبة والفريسيين" إلى يسوع حتى يثيرونه للنطق بما ينطوى على خيانة:
"فراقبوه وأرسلوا جواسيس (έ-;---;-----;---γ-;---;-----;---κ-;---;-----;---α-;---;-----;---θ-;---;-----;---ε-;---;-----;---τ-;---;-----;---ο-;---;-----;---υ-;---;-----;---ς-;---;-----;---) يتراءون أنهم ابرار لكى يمسكوه بكلمه حتى يسلموه إلى الوالى وسلطانه. فسألوه قائلين يامعلم نعلم أنك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولاتقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله، أيجوز لنا أن نعطى جزية لقيصر أم لا. فشعر بمكرهم وقال لهم لماذا تجربوننى. أرونى دينارا. لمن الصورة والكتابة. فأجابوا وقالوا لقيصر. فقال لهم أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر ومالله لله". (لوقا 20/20-25)
يقدم يسوع هنا نظرية استثنائية عن النقود والضرائب: العملة النقدية تخص من تحمل صورته ونقشه؛ فى دفع الضرائب، وعليه فإننا نعيد فقط النقود إلى الإمبراطور.
تتخلل نفس الروح كتابات أبطال الدعاية بين المسيحيين الوثنيين. وهكذا فنحن نقرأ فى رسالة بولس للرومانيين. (13/1-7) "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة. لأنه ليس سلطان إلا من الله: والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان، يقاوم ترتيب الله: والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة.... لأنه لايحمل السيف عبثا، إذ هو خادم الله، منتقم للغضب من الذى يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع. ليس بسبب الغضب فقط بل أيضاً بسبب الضمير. فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضا: إذ هم خدام الله، مواظبون على ذلك بعينه. فاعطوا الجميع حقوقهم: الجزية لمن له الجزية. الجباية لمن له الجباية والخوف لمن له الخوف والإكرام لمن له الإكرام".
كم نحن بعيدون الآن عن يسوع الذى دعا تلاميذه لشراء السيوف والذى بشر بالحقد على الأغنياء والأقوياء، كم نحن بعيدون عن المسيحية التى تلعن روما فى رؤيا القديس يوحنا والملوك المتحالفون معها بكل قسوة: "بابل العظيمة (روما) مسكنا لشياطين ومحرسا لكل روح نجس ومحرسا لكل طائر نجس وممقوت. لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم وملوك الأرض زنوا معها وتجار الأرض استغنوا من وفرة نعيمها.... وسيبكى وينوح عليها ملوك الأرض الذين زنوا وتنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها" إلخ. (18/2-3-9)
إن الملاحظة الأساسية فى أعمال الرسل هى التأكيد على العداوة التى شعر بها اليهود نحو تعاليم المخلص المصلوب، وايضا التأكيد على استقبال معين مزعوم للرومان لتعاليمه. مارغبه المسيحيون أو تخيلوا أنه الحال بعد سقوط أورشليم قد عرضوه وكأنه كان الحال فى تلك المدينة.
الدعاية المسيحية، وفقا لأعمال الرسل، مقموعة مرة بعد أخرى من قبل اليهود فى أورشليم؛ اضطهد اليهود ورجموا المسيحيين حيثما استطاعوا، بينما حمت السلطات الرومانية المسيحيين. لقد رأينا أنه قد قيل إن بولس قد هدد بجدية فى أورشليم بينما سمح له أن يكرز دون إزعاج فى روما. الحرية فى روما، القمع بالقوة فى أورشليم !
ولكن أكثر الأدلة سطوعا على كراهية اليهود وتملق الرومان يظهر فى قصة آلام المسيح، حكاية معاناة وموت المسيح. هنا يمكن أن نلاحظ بتميز كيف أن مضمون قصته قد تحول إلى عكسه تماما تحت تأثير الاتجاهات الجديدة.
حيث أن قصة الآلام هى القسم الأشد أهمية للمختصر التاريخى الذى قدمته الأناجيل، القسم الوحيد الذى نستطيع أن ندعى فيه بأننا نتعامل مع التاريخ، وحيث أنه غاية فى النموذجية عن نمط الكتابة التاريخية للمسيحية الأولية، فإن هذه القصة جديرة ببحثنا.



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نمط الانتاج العبودى وبنيته الفوقية فى المجتمع الرومانى - كار ...
- فى الاصول التاريخية والاسطورية للشعب اليهودى - كارل كاوتسكى
- بين معركتين ( مقتطف ) ف . إ . لينين
- رسالة الى مستشرق فرنسى عن ترجمة بعض مؤلفات عالم الاجتماع بيي ...
- لاهوت التحرر الآسيوى بين الماركسية والمسيحية والثورة
- فى ذكرى ثورة ادسا الفليبنية ( 22 - 25 فبراير 1986 )
- حل العقدة فى متناول يدنا ( مقتطف ) ف . إ . لينين
- تريبوف فى السلطة ( مقتطف ) - ف .إ . لينين
- سفسطة سياسية ( مقتطف ) ف. إ . لينين
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضايا الثورة الافريقية ( 1 ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من دعاوى القومية اليهودية ( 1 ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من انقلاب السادات على مراكز ا ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى ومطالب الحريات الديموقراطية فى مصر ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى وطبيعة الثورة المقبلة ( 1971 )
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقضية التحالف الطبقى والجبهة المتح ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقضية التحالف الطبقى والجبهة المتح ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من سلطة البيروقراطية البورجوا ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - الازمة وا ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - قضية التو ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - قضية التو ...


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد العليمى - الشيوعية فى اليهودية والمسيحية الأولية - القسم الاول - كارل كاوتسكى