عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 5094 - 2016 / 3 / 5 - 19:33
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كيف تستطيع أن تقوم بإصلاح حقيقي في العراق ؟ كيف ؟
إلى من يعنيهم الأمر .. وإلى "أولي الأمر" في هذا البلد ..
كيف يمكن لأيّة حكومة ، انجاز أيّ "اصلاح" حقيقي ، وهي مُقيّدة دستوريّاً ، بالأحكام والاشتراطات الآتية:
أوّلاً : رئيس مجلس وزراء مُكَبّلْ بمواد دستورية ،لا تتيح له اختيار وزراءه على اساس الخبرة والكفاءة في مجال الاختصاص ، و لا تعيينهم ، أو إقالتهم ، أو استبدالهم ، بدون موافقة مجلس النوّاب . كيف ؟
بموجب المادتين (76) - رابعاً ، و (78) من الدستور، يجب أن يوافق مجلس نواب "المُحاصصة" ، على وزراء مجلس الوزراء "التكنوقراط" !!!!" ..
فمن أين أتيتم بقُدرة رئيس مجلس الوزراء لوحده على تشكيل حكومة تكنوقراط ؟؟
- ليس هناك نصٌّ في الدستور ، يشترط توافر الخبرة والكفاءة "العلميّة والمهنيّة" في اختيار ، وتعيين رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والوزراء. كيف؟
- المادة (77) - ثانياً - من الدستور ، تنُصّ على : " يُشْتَرَط في الوزير ما يُشْتَرَط في عضو مجلس النواب ، وأن يكون حائزاً الشهادة الجامعية أو ما يُعادلها " .. فقط ، لا غير .
تُرى ماهي شروط عضو مجلس النواب ، التي يُشترط توفّرها في الوزير ؟
- بموجب المادة ( 49ثانياً) من الدستور، التي تنُصّ على : " يُشترَط في المرشح لعضوية مجلس النواب ان يكون عراقياً كامل الأهليّة" . أمّا مؤهلات عضو مجلس النواب التي ينُصُّ عليها قانون الانتخابات النافذ ، فأتركها لكم ، ولكم ان تقولوا لي كيف بوسع "المؤهلات" الخاصة لعدد كبير من أعضاء المجلس ، أن تجعل هذا النائب مؤهّلاً للحكم على خبرة وكفاءة مُرشّح مُعيّن لوزارة مُعيّنة .
فمن أين أتيتُم بـ "بُدعة" الوزير التكنوقراط ؟؟
- لا يُشترَط في رئيس مجلس الوزراء أن يكون من ذوي الخبرة والكفاءة في اختصاص معيّن من اختصاصات المجلس . كيف ؟؟
- المادة (77) -أوّلاً- من الدستور تنُص على: " يُشترَط في رئيس مجلس الوزراء ما يُشترَط في رئيس الجمهورية . وأن يكون حاصلاً على الشهادة الجامعية أو ما يُعادلها ، وأتمَ الخامسة والثلاثين من عُمره " .
تُرى ما الذي يَشترِط الدستور توفّرهُ في رئيس الجمهورية ، ليسري على رئيس مجلس الوزراء ؟ إنّ ذلك بعيدٌ كلّ البُعد عن التكنوقراط . كيف ؟؟
- المادة (68) - ثالثاً من الدستور تنُصّ على أن يكون رئيس الجمهورية "ذا سمعة حسنة و"خبرة سياسية" ومشهوداً له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والاخلاص للوطن ".
فمِن أين أتيتُم بـ "بُدعة" رئيس وزراء تكنوقراط ؟؟.
ثانياً :كيف يمكن لأيّة دولة ، انجاز أيّ "اصلاح" اقتصادي حقيقي ،وهي دولة غير قادرة أصلاً على تقديم توصيفٍ دقيق لـ "نظامها" الاقتصادي؟ كيف؟؟
ثمة من يعتقد بأن مضمون المادة (25) من الدستور الدائم (والمقدّس) لجمهورية العراق لعام 2005، يُفيد ،أو يُفصِح ، عن تحديد واضح لطبيعة النظام الاقتصادي الجديد في العراق .
ونص هذه المادة هو : "تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة , وبما يضمن استثمار كامل موارده , وتنويع مصادره , وتشجيع القطاع الخاص وتنميته" .
- ويستند هؤلاء إلى أن الاشارة إلى "إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة" ستعني توفير الأسس الكفيلة للانتقال به من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد السوق الحر. كما أن الاشارة إلى "تشجيع القطاع الخاص وتنميته" ستضمن تحقيق هذا الانتقال.
- غير أننا جميعا ً ندرك أن سعي الدولة لإصلاح اقتصادها لن يكتب له النجاح , إلاّ إذا قامت عملية الاصلاح على "أسس اقتصادية حديثة" , وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه الدولة رأسمالية أم لا . أما تشجيع القطاع الخاص وتنميته" فهو نصٌّ نمطيّ في كافة دساتير الحكومات المركزية (بما في ذلك دساتير الأنظمة الاستبدادية منها) , ولا يوجد دستور من دساتير الدولة العراقية لم ينص على هذا التوجه ،رغم اختلاف الصياغات .
- ولا تتضمن المواد (26) و (27) و (28) من الدستور نصوصا ً ذات مضمون مختلف عن مضامين الدساتير السابقة (بقدر تعلق الأمر بكفالة الحقوق الاقتصادية الأساسية) , لذا فأنها لا تفصح عن توجهات اقتصادية محددة .
- ونود الاشارة هنا إلى المادة (112) –ثانياً – ( التي ربما كانت الأساس الدستوري لتوصيف البعض للنظام الاقتصادي في العراق على انه اقتصاد السوق ) . ونص هذه المادة هو :
" تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم , والمحافظات المنتجة معاً , برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز , بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق , وتشجيع الاستثمار " .
وفي هذه المادة بالذات وردت (ولأول وآخر مرة ) عبارة " أحدث تقنيات مبادئ السوق". وليس من الواضح ما هو المقصود بهذه العبارة من الناحيتين المهنية والعلمية . فهل تعني أن الحكومة الاتحادية ستعتمد مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار ( الأجنبي) لتطوير ثروة النفط والغاز فقط ؟؟ أم أنها ستتبنى هذه المبادئ في جميع المجالات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي؟؟ وهل أن هذا النص لوحده سيسمح بتوصيف النظام الاقتصادي للدولة في العراق , على انه اقتصاد السوق ؟؟ أم أن هناك أساس دستوري آخر لهذا التوصيف ؟؟
إن الاجابة على هذه الأسئلة , هي مسألة بالغة الأهمية , لأنها هي التي تحدد دور وطبيعة الدولة والقطاع الخاص في الاقتصاد العراقي .
ثالثاً : كيف يمكن لأيّة دولة ، انجاز أيّ "اصلاح" حقيقي وشامل ومُستدام ، وهي دولة "مُعَوّقة" باختصاصات "حصريّة" للسلطات الاتحاديّة . كيف ؟؟
- تنص المادة(110) من الدستور على ممارسة السلطات الاتحادية الاختصاصات الحصرية الآتية:
"أولاً: رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية .
ثانيا: وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه .
ثالثا : رسم السياسة المالية والكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء بنك مركزي وادارته .
رابعا: تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزان .
خامسا: تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي .
سادسا: تنظيم سياسة الترددات البثيّة والبريد .
سابعا: وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية .
ثامنا: تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه و توزيعها العادل داخل العراق . وفقا للقوانين والاعراف الدولية .
تاسعا: الاحصاء والتعداد العام للسكان ".
إن ملاحظاتنا حول إمكانية إعاقة هذه النصوص لعملية رسم السياسة الاقتصادية , هي :
- انّ "دولة العراق" الاتّحادية - التعددية - الديموقراطية - التوافقية _ التشاركيّة ( سمّها ما شِئتْ) لم تتمكن من ممارسة بعض هذه الصلاحيات على الأطلاق ، بل وتم منعها من ذلك (خُذ التعداد العام للسكان مثلاً). أمّا بقيّة الاختصاصات فلم تتمكن "دولة العراق" من انجازها كما يجب(خُذ السياسة التجارية مثلاً ..وأنتم ادرى بالأسباب).
- انّ حصر الوظيفة الاقتصادية "الرئيسة" للسلطات الاتحادية برسم السياسة الاقتصادية العامة وباستخدام أدوات السياستين المالية والنقدية يعد شرطاً غير كاف ٍ لتحقيق إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة , خاصة وأن هذا الاقتصاد يعاني من اختلالات هيكلية مزمنة استمرت عقوداً طويلة . أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي القائم في العراق حاليا ً يتطلب دوراً أكبر للدولة في الشأن الاقتصادي (والاجتماعي أيضاً) ، وما يرتبط بذلك من منظومات وسلوكيات وقِيَم ، لسنوات طويلة قادمة . وبالتالي فمن غير المنطقي أن يحدد الدستور صلاحيات الدولة بهذه الاختصاصات الحصرية (المحددة والمقيدة بدورها بالصلاحيات المشتركة مع صلاحيات الأقاليم والمحافظات , كما وردت في المواد الدستورية ذات الصلة) .
- أن اقتصار دور الدولة على إعداد موازنة عامة , موزعة للتخصيصات , سيكرس الطابع الريعي لدولة تعتمد اعتماداً شبه مطلق على عائدات تصدير النفط الخام بهدف تمويل الإنفاق الجاري . وفي ظل غياب شبه تام لدور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي , لن يتاح لسلطات اتحادية , بصلاحيات حصريـّة ( مقيدة بحكم الدستور) أن تحقق أي إصلاح جاد يسمح بانتقال ناجح إلى اقتصاد سوق متنوع , وحديث .
بعد كلّ هذا .. كيف بُمكنُ انجاز عملية اصلاح شاملة وجذريّة في هذا البلد ؟
كيف ؟
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟