احمد جميل برهان
الحوار المتمدن-العدد: 5094 - 2016 / 3 / 5 - 11:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعتبر موضوع الوعي الاجتماعي من الموضوعات السوسيولوجية ذات الأهمية القصوى فى حياة الأفراد والمجتمعات على السواء ؛ فالوعى هو نتيجة للتفاعل بين أنفسنا وعالمنا المادى المحيط بنا، وهو يلعب دوراً هاماً فى التطور الاجتماعى، سواء كان هذا الدور إيجابياً أو سلبياً، فالأفكار التى توجد لدى الناس قد تساعد على تطور المجتمع أو قد تكون عائقاً أمام هذا التطور .
ويشير الوعى إلى " إدراك الإنسان لذاته ولما يحيط به إدراكاً مباشراً، وهو أساس كل معرفة. كما يشير الوعى إلى الفهم وسلامة الإدراك، ويقصد بهذا الإدراك إدراك الإنسان لنفسه وللبيئة المحيطة به. ولعل هذا يعنى فهم الإنسان لذاته وللآخرين عند تفاعله معهم سعياً لإشباع حاجاته، وقضاء مصالحه وهو مدرك للعلاقات بينه وبين الآخرين والبيئة من خلال المواقف المختلفة.
ولئن تغايرت دلالات الوعي وتعددت فإنها ترتد إلى فاعلية خاصة بالإنسان وهي التفكير. والوعي كخاصية إنسانية هو تلك المعرفة التي تكون لكل شخص بصدد وجوده وأفعاله وأفكاره فأن يكون الشخص واعيا ويتصرف طبقا للمعرفة التي تحركه والعيش بوعي الوجود. وهذه الازدواجية هي التي تميز الإنسان .
فالحديث عن الحرية والوعي الاجتماعي وجهان لعملة واحدة؛ وهي الوصول بالمجتمع إلى مرحلة من الرقي الفكري والنضج المعرفي والسمو الأخلاقي، فالحرية في ظل مستويات واسعة وعميقة من الوعي المجتمعي سوف تعمل في إطار متوازن قادر على تشخيص الحالة المجتمعية والانطلاق بها لمرحلة التأثير وتقديم الحلول للمشكلات والتحديات التي تواجهها المجتمعات سواء الأخلاقية منها والاجتماعية والثقافية والفكرية والتعليمية والاقتصادية وغيرها. وتستطيع الحرية في ظل الوعي تحويل الواقع السلبي إلى موجهات إيجابية من خلال ما تحمله من أطر وأدوات وآليات وما تؤمن به من منطلقات قائمة على النقد البناء والاعتراف بالرأي والرأي الآخر وحرية التعبير في ظل القانون، فالوعي يمنح الحرية مساحة أكبر للبروز والظهور والتأثير والاستدامة واقتناص الفرص وتوظيف البدائل وخلق مرحلة متفاعلة منسجمة في فهمها للحريات؛ إذ هي بالأساس حريات مسؤولة يكفلها القانون وتحميها الأنظمة والتشريعات وفق ممارسات معتدلة وأنماط فكرية متزنة واعية بقيمة حس الكلمة ونمط التعبير وآلية الوصول للحقوق وطريقة الحصول عليها وفق موجهات وأطر وطنية وتشريعية وفكرية قادرة على نقلها من سلطة الأنا إلى المجتمع ومن سلبية النظرة والتفسيرإلى مساحات أوسع من التأمل والتحليل والإيجابية قائمة على الدراسات والبحوث والاستراتيجيات التنموية والإحصاءات؛ فالحرية في ظل الوعي هي حرية مسؤولة تستهدف بناء الإنسان وتعزيز العيش الكريم له ومنحه فرصًا أكبر للإنتاجية وابتكار الأدوات المناسبة لطبيعة التحدي. هذا التنوع في البدائل واستخدام أدوات أخرى في التعبير عن الحقوق والمطالبة بها سوف يضمن الاستفادة من الاختلاف وتوجيهه لصالح العمل النوعي وهي بالتالي فرصة للتصالح الذاتي والترابط المجتمعي.
أما أسباب تراجع الوعي لا بل آفات الوعي هي التبعيات , التبعيات بمختلفها سواء أكانت تبعية سياسية او أيديولوجية أو ثقافية أو أقتصادية . كون التبعيات بمختلفها تصادر عملية التفكير وتُغيبها , بالتالي الفرد يتبع دون تفكير , أي تفكير وأتخاذ قرار من المؤسسة السياسية او الثقافية او الايديولوجية وما على الفرد الا أن يُنفذ .
التبعية السياسية
من المؤكد أن التبعية السياسية في العراق تتمثل بالاحزاب المختلفة التي تحكم العراق . تعمل الأحزاب الجماهيرية، الديمقراطية والدكتاتورية على حد سواء، من اجل استقطاب التأييد الجماهيري عبر وسائل عديدة، منها: خدمة الجماهير والتفاعل مع مشاكلها تفاعلاً ايجابياً وتنظيم صفوفها، من خلال المشاركة في انشاء الجمعيات والنوادي والنقابات أو بايصال العناصر الحزبية إلى المراكز القيادية العليا في تلك المجتمعات.
إن خضوع تلك التنظيمات الاجتماعية لتوجيهات هذا الحزب أو ذاك يسمح بوصفها بالتنظيمات التابعة للحزب، أي أنها هيئات غير مستقلة بل في حالة تبعية لتنظيم أو تجمع آخر ذي طابع سياسي محض (هدفه الرئيسي هو الوصول إلى السلطة) وليس ذا طابع مهني .
بالتالي بانتماء الفرد لحزب معين يتخلى عن بعض استقلاليته ويصبح في حالة تبعية لسلسلة قيادات الحزب وتوجيهاته . وهنا سيكون ولاء هذا الفرد للحزب الذي ينتمي اليه أكبر من الولاء للوطن نفسه , ويصبح أداة في يد هذا الحزب يُنفذ ما يمليه عليه دون مناقشة .
التبعية الايديولوجية
لا توجد تبعية الا بما هو موجود في الكتاب والسنة , وخلاف ذلك مما تدعيه الاحزاب الدينية فهو مصادر للوعي وغيابه , وعلى سبيل المثال عملية الانتخاب التي كانت وما زالت الدين او الطائفة على حساب الوطن حتى وأن كان الفرد يعلم بأن هذا الشيء سيأخذ بهذا الوطن الى الهاوية , فما يقوله زعيم الطائفة يجب أن يُطبق دون أن يُناقش او يتم التفكير بالامر , التبعية الايديولوجية هي نفسها التبعية الدينية , ولكن الفرد لا يعلم بأن التبعية الدينية لا تتعدى غير ما هو موجود في الكتاب والسنة , وما هو خلاف ذلك فهو باطل وسبب من اسباب تراجع الوعي المجتمعي لا بل الوعي الديني ايضاً .
التبعية الاقتصادية
تعني التبعية ارتباط الاقتصاد المحلي بالدول الأجنبية وتتضح التبعية في الاقتصاد العراقي من اعتماده الكلي على البلدان الأجنبية في تسويق منتجاته النفطية واستيراد احتياجاته السلعية من نفس الدول التي تستورد النفط ومن بعض الدول الأخرى المرتبطة بها. ونتيجة لذلك فالاقتصاد العراقي يتأثر بالأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تتعرض لها البلدان الرأسمالية، ومن نتائج التبعية للخارج تأثر الاقتصاد العراقي بتقلبات أسعار النفط التي تقررها السياسات الدولية. وبالتالي فالتبعية تعبر عن حالة التخلف التي يعيشها الاقتصاد العراقي واعتماده على قطاع النفط وخضوعه للسياسات الدولية مما افقده بعض الاستقلالية في سياساته الاقتصادية. والاقتصاد العراقي بسبب طبيعته الريعية وارتباطه الوثيق بالرأسمالية العالمية تعمقت تبعيته للخارج
التبعية الثقافية , الفكرية
أن من أخطر المشاكل التي يعاني منها الفرد والأمة هي مشكلة التبعية للآخر وهذه المشكلة لا تقف عند حد معين بل تشمل كل الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى تصل إلى مرحلة الذوبان الكلي وضياع هوية الفرد والأمة , اي هنالك من يفكر بالنايبة عن الفرد ويتخذ القرار وما على الفرد الان ان ينفذ وان يعتقد بمثل ما ادعاه المتبوع وأن لا يخالفه . على الصعيدين الثقافي والفكري .
مسألة التبعية برمتها لا تختلف عن قصة ذلك الرجل الاسيوي في زمن انتشار الشيوعية الذي كان يرتدي في فصل الصيف ملابس الشتاء وعندما قيل له لماذا تفعل ذلك ؟ قال إن السماء في روسيا تسقط ثلجا في مثل هذا الوقت .
جميع هذه التبعيات هي السبب الرئيسي والمباشر لغياب الوعي المجتمعي وتردي الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية للعراق , متى ما تخلص الفرد من هذه التبعيات ستبدأ ملامح الوعي بالظهور والانتشار بين الافراد وخصوصا الشباب . الا أن المشكلة الحكومة العراقية والاحزاب التي تُمثلها وتمثل السلطة هي تابعة لحكومات دول أخرى , أي انها نفسها لم تتخلص من مسألة التبعيات الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية , أي أن المتبوع هو تابع ايضاً فما بال الفرد العراقي نفسه .
#احمد_جميل_برهان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟