أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - رحلة في السياسية والأدب ( 10 )















المزيد.....

رحلة في السياسية والأدب ( 10 )


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 5094 - 2016 / 3 / 5 - 10:42
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


رحلة في السياسية والأدب ( 10 ) سهر العامري
المزاجية أو الاستعداد النفسي التي تحدثت عنهما فيما مضى من هذه الرحلة عرفت عند شعراء كثيرين ، وفي عهود مختلفة ، وكان فيها يرفضون أن يقف في طريق مزاجيتهم تلك الحكام والولاة الذين يعترضون على سلوكهم وتصرفاتهم التي تبدو غير مقبولة من قبل الآخرين ، تلك التصرفات التي قادت بعضهم الى الموت ، فقد مررت أنا على شاعرين من هؤلاء في كتاب صدر لي منذ سنوات تحت عنوان : ظرف الشعراء ، كان أحدهم هو أبو الهندي الذي كان مغرما بالشراب ، مستهترا به ، فقد شرب ذات يوم وهو على قارعة الطريق بخراسان ، فمر به ساعتها نصر الليثي ، حاكمها ، فقال له : ويحك - يا أبا الهندي – ألا تصوننّ نفسك ؟ فقال له : لو صنت نفسي أنا لما حكمت خراسان أنت !
شرب هو ذات ليل مع نفر على سطح دار ليس فيه ستر في قرية من قرى مرو ، وقد سكروا فخشوا على أبي الهندي أن يسقط من على سطح الدار حين أرادوا النوم ، فربطوه بحبل من رجله ، وطولوا فيه ، فقام أبو الهندي في بعض الليل ليتبول ، فسقط وظل متدليا بالحبل ، وهم لا يشعرون ، فلما أصبحوا وجدوه متدليا ، ميتا !
أوصى أبو الهندي أن تكتب أبياته التالية على قبره بعد موته :
اجعلوا إن متّ يوما كفني
ورق الكرم وقبري معصره
ودفنوني ودفنوا الراح معي
واجعلوا الأقداح حول المقبره
إنني أرجو من الله غدا
بعد شرب الراح حسن المغفره
وهذا ابن هرمة الشاعر الذي كان شرّابا ، مغرما في الخمرة ، مدمنا عليها ، أتى أبا عمرو بن أبي راشد ، فأكرمه ، وسقاه إياها أياما ثلاثة ، ثم طلب ابن هرمة النبيذ ، فقال غلام أبي عمرو : لقد نفد نبيذنا ! فنزع ابن هرمة رداءه عن ظهره ، وقال للغلام : اذهب به الى النّباذ ( بائع الشراب ) ، وارهنه عنده ، واتِنا بنبيذ ، ففعل ، وجاء أبو عمرو ، وشرب معه من ذلك النبيذ ، وقال له : أين رداؤك يا أبا أسحاق ! ؟ فقال : نصف في القدح ، ونصف في بطنك !
كان ابن هرمة يقول :
أسأل الله سكرة قبل موتي
وصياح الصبيان : يا سكرانُ !
كان ابن هرمة قد مدح المنصور مرة ، فأعطاه عشرة آلاف درهم على بخل المنصور ، لكن ابن هرمة رفضها ، فقال له المنصور : إنها كثيرة ! فقال : إن أردت إسعادي فأبحْ لي الشراب ، فاني مغرم به ! فقال الخليفة: ويحك ! هذا حد من حدود الله ، فقال : إحتل لي بحيلة عليه يا أمير المؤمنين ! قال : نعم . فكتب الى والي المدينة : من أتاك بابن هرمة سكرانا ، فاضربه مئة سوط ، واضرب ابن هرمة ثمانين سوطا ، فصارت شرطة المدينة تمرّ به ، وهو سكران ، فينادي الواحد منهم : من يشتري الثمانين بالمئة !
إذا كان أبو الهندي قد مات ليلا ، وهو متدليا من سطح دار بحبل ، فقد مات بعده الشاعر عبد الأمير الحصيري الذي رفض وظيفة وزير الإعلام العراقي على أيام حكم الرئيس أحمد حسن البكر ، مثلما رفض ابن هرمة العشرة آلاف درهم التي قدمها له الخليفة أبو جعفر المنصور ، مات وهو على سرير في غرفة حقيرة في فندق من فنادق جانب الكرخ من بغداد ، ولم يقف على رأسه سوى الشاعر المعروف سعدي يوسف ، كما مات الشاعر قيس لفتة مراد ذات الميتة في غرفة حقيرة أخرى في جانب الرصافة من بغداد بعد أن كان قد هجر زوجته وابنته من قبل .
لقد عرفت أنا الشاعر عبد الأمير الحصيري بعد أن انتقلت للدراسة في كلية التربية من جامعة بغداد بعد أن أنهيت دراستي في ثانوية الناصرية ، وقد قررت الدخول الى تلك الكلية وأنا لازلت طالبا في تلك الثانوية ، ومازلت أذكر أنني قلت لجمع من زملائي الطلاب ، وكنا واقفين في ساحة الثانوية المذكور ، وقبل أن تنتهي السنة الدراسية الأخيرة بأشهر ، قلت لهم إنني في مثل هذا الوقت من السنة القادمة سأكون أحد طلاب كلية التربية ، وقد حققت ما قلته لهم بعد أن ثابرت على الدراسة في الأيام الأخيرة من تلك السنة الدراسي ، فقد صرت أخرج صباحا من تلك الأيام للقراءة في بستان نخيل لرجل يدعى زامل يقع على مقربة من جسر الناصرية ، ومازلت أذكر ذلك اليوم منها اليوم الثالث عشر من شهر نيسان سنة 1966 حين جاءني زميل لي من الطلاب الدارسين معي راكضا يطفح وجهه بخليط من الدهشة والفرح قائلا لي : إترك القراءة ، وتعال معي ، لقد مات الرئيس عبد السلام عارف !
تركت القراءة وعدت معه ، وفي الطريق تحدث لي عن الرواية التي سمعها هو عن موت عارف من خلال إذاعة بغداد التي أعلنت في صباح ذلك اليوم عن سقوط واحتراق الطائرة التي كانت تقل الرئيس عبد السلام عارف مما تسبب بموته وموت رفاقه ، وكان مكان سقوطها في ناحية من نواحي البصرة تدعى " النشوة " .
كان عبد السلام عارف يجول في تلك الأيام في بعض المحافظات العراقية ، ويحاول أن يتقرب الى الناس فيها ، وهو لهذا الهدف كان يستخدم بعض الأمثال والمقولات الشعبية التي يعتقد أنها تقربه من الناس فيها ، ولذلك فقد خطب في محافظة بابل " الحلة " وهو في معرض حديثه عن تعبيد طريق يربط ما بين تلك المدينة ، ومدينة الشوملي القريبة منها فقال : " أما طريق الشمولي ، نارك ولا جنة هلي" ، فسيباشر بتعبيده بعد العيد ، ومثلما هو معروف فإن " نارك ولا جنة هلي " شطر مجتزأ من أغنية عراقية شعبية هي :
عل شوملي عل شوملي
نارك ولا جنة هلي .
وحين وصل البصرة قال خلال خطاب له : " طاسة بطن طاسة وبالبحر ركاسه " وهذا التعبير الشعبي هو ما نعده في علم البلاغة كناية عن موصوف ، والموصوف هنا هو : السلحفاة . ومثله قوله في الآية : " وحملناه على ذات ألواح ودسر " ففيها كناية عن موصوف هو السفينة .
باشرت أنا الدراسة في كلية التربية في بغداد التي آل الحكم فيها بعد موت عبد السلام عارف الى أخيه عبد الرحمن عارف الذي ضعفت فيه صرامة الاستبداد ، ولهذا السبب نشطت الحركة السياسية في بغداد والمدن العراقية الأخرى ، وصار لبعض القوى الدينية بعض النشاط السياسي الملحوظ ، ولكنه بشكل عام لم يكن نشاطا سياسيا معارضا للحكومة ورئيس عبد الرحمن عارف الذي كان يتعاطف مع تلك القوى المتمثلة بأخوان المسلمين وكذلك بالتنظيم الديني الشيعي الذي كان يتصدره مهدي الحكيم ، فكلا التنظيمين كان لهما نشاط محسوس في أوساط الحركة الطلابية ، ولكن ليس لدرجة النشاط الواضح للأحزاب اليسارية في صفوف تلك الحركة ، ذلك النشاط الذي كان الحزب الشيوعي العراقي يتصدره بدرجة كبيرة جدا ، فقد فازت القائمة الطلابية التي كانت تمثل الاتحاد العام لطلبة العراق فوزا ساحقا في الانتخابات الطلابية التي جرت بموافقة حكومة عبد الرحمن عارف ، وفي جميع كليات جامعة بغداد ، وبنسبة تخطت التسعين بالمئة في بعض الكليات ، وأمام هذه النتيجة التي أرعبت الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية ، مثلما أرعبت أجهزت المخابرات الغربية ، بادرت تلك الحكومة الى إلغاء نتائج تلك الانتخابات التي دعت لها هي نفسها . وردا على ذلك أعلن طلاب كلية التربية الإضراب عن الدوام في اليوم الخامس من شهر كانون ثاني " يناير " ، وشكل الطلاب في الوقت نفسه فرق تفتيش تقف على أبواب الكلية المذكور خوفا من دخول عناصر الاستخبارات العسكرية الى داخل حرم الكلية ، وكنت أنا شاهد على تسلل ضابطين من الاستخبارات العسكرية حاولا الدخول من باب فرعي للكلية يربطها بمكتبة الكلية التي تقع على الجانب الثاني من خط سكة الحديد الذي يخترق أرض الكلية بعد أن يعبر جسر الصرافية .
جرد الطلاب الواقفون في ذاك الباب الضابطين من أسلحتهما ، وهي عبارة عن مسدسين ، ثم قاموا بضربهما ضربا شديدا ، فرا هما على إثر ذلك نحو الباب الرئيس للكلية بينما لاحقهم بعض الطلاب بالركلات على مؤخرتيهما ، ومن بين هؤلاء الطلاب كان الطالب نبيل العماري الذي ظل يلاحقهما حتى خروجهما من الباب المذكور .
لم تمض على ذلك أكثر من ساعة حتى وصلت قوة من المدرعات العسكرية الواقفة في باحة وزارة الدفاع يتقدمها آمر الانضباط العسكري صعب الحردان الى الكلية وتوقفت عند بابها الرئيس ، ومن هناك راح جنود تلك القوة يطلقون النار على الطلاب الذين ردوا عليهم بالحجارة من داخل حرم الكلية .. ولكن بعد أن سقط ثلاثة طلاب وطالبة واحدة برصاص أولئك الجنود انسحب الطلاب الى داخل البنايات الدراسية ، وقاموا بغلق أبوابها بإحكام ، خوفا من دخول القوة العسكرية التي اجتاحت الكلية الى داخل تلك البنايات .
من داخل البناية التي كنت فيها أنا اتصل بعض الطلاب برئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف تلفونيا ، وقالوا له لتسمع أصوات الرصاص الذي لم ينقطع منذ ساعات ! وعد هو بوضع حل للمشكلة تمخض عن اتفاق بين الطلاب والقوة العسكرية المهاجمة يقضي بالسماح للطلاب أن يغادروا الكلية بعد تفتيشهم عن المسدسين اللذين أخذا من الضابطين في صباح ذلك اليوم ، ولكن بعد أن تعرضنا للتفتيش صار الجنود يفردون الطلاب الذين يجدون على ملابسهم بعض من أثر لدم الضابطين اللذين أشبعهما الطلاب ضربا ، وقد بلغ عدد هؤلاء الطلاب المفردين قرابة الخمسين طالبا نقلوا من الكلية الى وزارة الدفاع ، وأمضوا هناك ليلة تعرضوا فيها الى تعذيب شديد من قبل المخابرات العسكرية ، ورغم كل هذا التفتيش لم يعثروا هم على المسدسين اللذين أخفاهما الطلاب في قسم علوم الحياة من أقسام كلية التربية.
أبلغ النشطاء من الطلاب سرا في مساء ذلك اليوم بضرورة المشاركة الفاعلة في التظاهرة الضخمة التي ستنطلق في اليوم التالي من أمام رئاسة جامعة بغداد " البلاط الملكي سابقا " الواقعة في منطقة الوزيرة من بغداد ، وعلى أن يكون التجمع في بناية كلية التربية بالنسبة لطلابها ، ثم السير منها على شكل مجموعات صغير لا تتعدى خمسة أو ستة طلاب ، وذلك لضمان عدم منع الطلاب من الوصول الى مكان انطلاق المظاهرة ، وهذا ما جعل المخابرات العسكرية تتساءل عن الكيفية التي استطاع بها الطلاب من الوصول الى مكان انطلاق المظاهرة ، مثلما أخبر بذلك أحد العسكريين العاملين في محطة لاسلكي وزارة الدفاع العراقية " يتبع "



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في السياسة والأدب (9)
- رحلة في السياسة والأدب ( 8 )
- رسالة الرئيس
- العبور الى أيثاكا
- الهجرة الى دول الكفر !
- مرضان مستبدان في العراق : أمريكا وإيران
- الدين والحكم (2)
- الدين والحكم (1)
- لا وجود لدولة اسلامية أبدا !
- الحل في الثورة الشعبية !
- رحلة في السياسة والأدب ( 7 )
- رحلة في السياسة والأدب ( 6 )
- رحلة في السياسة والأدب ( 5 )
- البيت الذي طاردته شرطة الأمن !
- الأزمات في العراق تجاوزت الحلول !
- السقوط المذل !
- الى بلاد العم سام (3)
- الى بلاد العم سام (2)
- الى بلاد العم سام* (1)
- التعصب الطائفي صنو التعصب القومي (3)


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - رحلة في السياسية والأدب ( 10 )