ماجد هديب
الحوار المتمدن-العدد: 5093 - 2016 / 3 / 4 - 17:15
المحور:
الصحافة والاعلام
حماس.. إعلام بلا قانون
ماجد هديب
كما هو معلوم فان للإعلام دوراً مهما في مخاطبة عقول الجماهير من أجل نشر الافكار ولم يقتصر دوره على نشر الأخبار فقط ,ولذلك فان الإعلام وكما ذكرنا في مقالات سابقة يحمل سلاحاً ذو حدين ,فهو إما أن يكون معول هدم اذا ما تم نشر كل ما يؤدي الى تهديد الكيان الاجتماعي والاقتصادي والأمني ,وإما أن يكون عنصرا فعالاً في استتباب الأمن وتوطيده وذلك لما للإعلام من قدرة في توجيه الانسان من خلال مشاعره وسلوكه , ومن أجل ذلك فان حركة حماس قد استخدمت الإعلام بكل قوتها وبطريقة ذكية ومحسوبة لها, وبشكل يؤدي الى استمرار حكمها لقطاع غزة واستقراره ايضا من خلال ما تنشره من مواد اعلامية عبر ما تمتلكه من وسائل اعلام بكافة انواعها وخاصة المرئية منها, ومن خلال ما تفرضه من قيود ايضا على باقي وسائل الإعلام العاملة في قطاع غزة والتي لا تتفق معها ,في الوقت الذي سعت وما زالت تسعى فيه لبث رسائلها الاعلامية الأمنية من اجل اشاعة الاضطرابات والانحرافات في مناطق الضفة الفلسطينية قصد اضعاف السلطة ومن ثم العمل على انهائها دون ان تُلزم نفسها بما فرضته على غيرها من وسائل الإعلام من حيث الالتزام بالقانون حيناً مع العمل على فرض مراعاة هذا الإعلام للأبعاد الامنية بحجة حماية المقاومة حيناً آخر .
ان المتتبع لما تعرضه حركة حماس من مواد اعلامية موجهة للضفة الفلسطينية على كافة ما تمتلكه من وسائل يجد بأنها تتجاوز الدستور بما فيه من نصوص متعلقة بتنظيم استخدامات وسائل الإعلام والأنظمة الخاصة بالمطبوعات والنشر, في الوقت الذي تعمل فيه على تقييد الحريات الاعلامية في قطاع غزة بحجة الضوابط القانونية لحرية الصحافة والإعلام حيناً ,ولما في هذه الحرية من تعارض مع المقاومة حيناً آخر, فلماذا تعمل حماس على تأليب جماهير الضفة ضد السلطة في الوقت الذي تعمل فيه على تركيع الجماهير في غزة من خلال رسائل اعلامها الأمني؟, وهل يمكن لإعلام حركة حماس التأثير على المجتمع بالضفة في ظل ما تعرضه من مواد اعلامية قد تحرك سلوك الجريمة تحت شعارات وطنية كالتحريض على السلطة لمنعها عسكرة هبة الاقصى في الوقت الذي نجد فيه ان هناك اجماعاً وطنياً على عدم اختراق المقاومة الشعبية والتوقف عن محاولات عسكرتها ؟.
من البديهي, وفي ظل عصر العولمة وتطور الاتصالات ومن بينها الاعلام أن نعلم بأن الجيوش وكذلك أجهزة الأمن لم تعد وحدها فقط من يعمل على استقرار المجتمعات ,حيث أصبح الاعلام ومن خلال أساليبه المتنوعة قوة مؤثرة في الاقناع والتفكير, وهو بذلك اصبح اكثر تأثيرا من الحروب وأقل تكلفة منها ,وذلك من خلال ما تبثه من مواد اعلامية في اطار نفسي واجتماعي قصد التأثير بالاعتماد على عمليتي الاقناع والسلوك , وهذا ما تنبهت اليه حركة حماس رغم حداثتها في دخول المعترك الاعلامي دون اكتراث من جانب الاعلام الرسمي رغم ما تمتلكه من وسائل الاعلام تفوق عددا وعدة وكوادر على حركة حماس ,الا ان الفارق بينهما ان حركة حمس تعلم ماذا تريد, وكيف تعمل على تحقيقه ومتى , وبشكل يخدم استراتيجيتها السياسية والأمنية ,وهذا ما يلاحظه المتتبع من خلال ما يتم عرضه من مواد اعلامية عبر اعلامها المتعدد وتسعى بكل جهدها لحشد الجماهير للاقتناع بما تبثه من برامج .
ما زالت حركة حماس وعبر ما تبثه من مواد اعلامية تعمل على اضعاف السلطة وبشكل منهجي ومركز تمهيدا للانقضاض عليها ,تماما كما حدث في خطابها الاعلامي قبيل سيطرتها على قطاع غزة من حيث استخدام القران والأحاديث النبوية وإسقاط ما جاء بهما من قصص وعبر على الحالة الفلسطينية، قصد العمل على الغاء واستئصال من تشبههم بالكفار او المرتدين وتوظيف ذلك بما يخدم اهدافها من خلال مقارنة الماضي بالحاضر ,وذلك في محاولة الربط بينهما من حيث الظروف والأهداف ,حيث ان التركيز على حصار الرسول ومقارنته بحصار حركة حماس من حيث تشابه أهداف الحصار لكل منهما ما هو إلا لحشد الناس حول ما تخطط له من خلال استغلال العاطفة الدينية وارتباط الناس بعقيدتهم الاسلامية وإيمانهم بما جاء من أحداث ارتبطت بسيرة الرسول وصحبه اثناء نشر الدعوة , وذلك لإيهام المتلقي لموادهم الاعلامية بأن حصار الرسول كان لفعله في نشر الدعوة من أجل الايمان بالله , فيما أن الحصار المفروض على حركة حماس كان وما زال لمحاولتها في نشر الفعل المقاوم من أجل استمرار الدعوة اليه والعمل على تحرير مقدساته.
اساليب حماس النفسية فيما تبثه من مواد إعلامية
استطاعت حركة حماس ,وهذه حقيقة لا يجب التعامي عنها او التقليل من شأنها ,بأن تجلب المتابعين لوسائل إعلامها بفعل قوة أساليبها النفسية في الاعلام , وبفضل اهتمام هذه الوسائل ايضا بقضية فلسطين فقط ,مع الابتعاد عن محاولات التنوع في البرامج ,حيث تسعى حركة حماس وبكل جهد على اقناع هؤلاء المتابعين بالاعتماد على اساليب الإعلام النفسية بأنها تعمل على تحقيق اهدافهم وطموحاتهم بتحرير فلسطين من البحر الى النهر والقضاء على اليهود ايضا ,ولذلك نجد محاولاتهم الدءوبة بالاهتمام على مخاطبة كل المستويات مع حرصهم التام على انتقاء المادة الاعلامية اعدادا وتقديما ومضمونا وبما يحقق أهداف حركة حماس السياسية منها والأمنية من حيث تركيز هذه المواد على الانفعال العاطفي وتعزيز الفكرة بأسلوب مبسط لإقناع المتابع بها ,مع التركيز ايضا على نفسية وسيكولوجية المتلقي لهذه المادة, ولذلك نجد قدرة المقدم بالتفنن في أداء رسالته الاعلامية تحقيقا للنتائج المرجوة من هذه الرسالة , وذلك بالاستناد الى معرفة هذا المعد والمقدم بأهداف حركة حماس الانية والمستقبلية وهذا ما اكسبهما قدرة التعامل مع المادة الاعلامية المقدمة محاورةً وتحليلاً وبأساليب متنوعة وبأوقات تجعل من اختيارها يخدم أهدافها رغم عدم قانونيتها انجاحا لمقاصد حركة حماس ومأرب قيادتها وصولا الى خدمة أهدافهم الاستراتيجية .
عدم قانونية مواد حركة حماس الإعلامية
ان طبيعة الشعب الفلسطيني وظروفه جعلت منه شعبا يتميز عن غيره بالرؤى والأهداف اعتمادا على ايديولوجيات متعددة قد تتطابق احياناً وتتنافر حينا آخر, وقد تصل الى الصدام ايضا ,وهذا ما دعا حركة حماس أن تجعل من الاعلام بأنواعه المختلفة معول بناء لفكرتها في الوقت الذي تستخدمه ليكون بمثابة معول هدم على غيرها دون الالتفات الى موضوع التكامل الوطني او الالتزام بمرتكزات الأمن الاعلامي وفقا لما نص عليه الدستور الفلسطيني وخاصة ما يتعلق منه بتنظيم استخدامات وسائل الاعلام والأنظمة الخاصة بالمطبوعات والنشر ,حيث لم يكتفي اعلام حركة حماس بالاعتماد على الأساليب النفسية لتكوين خطاب اعلامي يتناقض مع الكل الوطني كمقدمة لاستئصال الغير ,بل نجدها وعبر اعلامها قد تدعو الى ما يجرمه القانون والدستور ,حيث تعمل وبكل جد وبصور وأشكال متعددة من أجل التشكيك في معرفة وإلمام كل من لا يلتقي معهم فكريا من اجل ثنيه عن افكاره والتحول عنها , وذلك عن طريق تكرار بث موادهم الاعلامية المدروسة الأهداف مع الايحاء للمتلقي لهذه المواد ايضا وباستخدام لغة الاغلبية والتمويه والتأثير وغيرها من الاساليب النفسية بضرورة الاستعداد لجريمة اسقاط السلطة بذريعة استمرارها وعلى سبيل المثال في التنسيق الامني.
ان استخدام لغة الأغلبية عند عرض موادهم الاعلامية وإيهام المتلقي ان ما بها من افكار هي مستوحاة عن الكل الوطني مع تركيزهم على الشعور الجماعي عند مخاطبتهم للغير هو اسلوب نفسي يحمل في طياته اخطار جمه , ولذلك نجدهم قد انتقلوا نوعيا مع بدء هبة الاقصى على مستوى الخطاب الاعلامي من حيث بث اغاني الثورة الفلسطينية والتوشح ايضا بالكوفية ,وذلك في اطار محاولاتهم ترسيخ خطابهم الاعلامي على انه المعبر عن وحدة الصف الوطني اسلوبا وأهدافا ,ولذلك فإننا نجدهم أيضا يكثرون في التنوع بالضيوف سياسياً وأيديولوجياً للحديث عن قضية حقة ,ولكن يراد بها باطل كالحديث مثلا عن اهمية الهبة ومحاولة تفعيلها لتصبح ثورة مع ضرورة اسقاط قضية التنسيق الامني دون التطرق لتفصيلات اخرى قد لا يلتقي الضيف معهم فيها.
اساليب كثيرة تنتهجها حركة حماس لخدمة أهدافها, فمنها ما يتوافق مع اصول العمل الاعلامي ,ومنها ما يتجاوزه ولا يخضع لقانون او دستور , ومنها ما يتوافق ايضا مع اصول العمل المهني والقانون ايضا ,ولكن في اطار استخدامهما وصولاً لأهداف يُجرمها القانون, فعندما نجد اعتماد برامجها على اسلوب الشريك والتمويه والتشويه وكذلك سيكولوجية المواطن من أجل التدرج مع المتلقي بالأفكار الصحيحة وصولا الى غرس فكرة خاطئة في عقله فان ذلك ما يتطابق مع الاحترافية والمهنية دون تطابق هذه الفكرة التي تحاول زرعها في عقل المتلقي مع القانون ومن ذلك مثلا ان في الانقضاض على السلطة وقادة الاجهزة الامنية وفاءا للشهداء واستمرارا للسير على دربهم ,وما برامجهم الاخيرة التي تبثها قناة الاقصى والتي تعتمد على اسلوب التأثير والتحويل في مخاطبة ابناء الاجهزة الامنية في السلطة الوطنية للتحريض على سياسة السلطة وقادتها من خلال استخدامهم صفات محببة لهم والتغني ببطولات بعض عناصرها في الوقت الذي كانوا في القريب العاجل يشنون حمله عليهم باعتبارهم يتبعون لدايتون لا لفلسطين ,والتغني ايضا بمواقف ياسر عرفات الذي خونوه في حياته ما هي إلا من اجل محاولة اقناع ابناء الاجهزة بمصداقية ما يقدمونه من افكار مع التدرج بنشر هذه الافكار وبما تحقق اهدافهم وصولا للصدام مع السلطة مع محاولة إحداث شرخ ما بين فتح والسلطة ,والعمل على تغذية الخلاف داخل فتح نفسها ,وهذا نفسه ما كانت قد دعت اليه حركة حماس سابقا وقبل امتلاكها هذه الوسائل الاعلامية وذلك من خلال ما جاء في المنشور الصادر في جريدة الرسالة العدد 26 عام 96 الذي حاول ان يميز بين فتح والسلطة وما بين فتح نفسها والذي كان بمثابة بروتوكول الاعداد والتجهيز لإسقاط السلطة والذي نجحت بتطبيق ما جاء به من توصيات في غزة .
حتى لا نكون إعلاماً بلا ضمير, ومن أجل أن نبقى شعباً يُحتذى بوعيه, فان على حركة حماس وإعلامها التوقف اولا وفورا عن توظيف القران والأحاديث النبوية لحشد الجماهير ضد السلطة ,مع التوقف عن ممارستها لدور الشريك مع فضائية الجزيرة بهدف الاساءة للاستقرار والأمن الداخلي للسلطة في اطار محاولاتهما معا نزع الشرعية عنها لتعزيز وجود حماس عربيا ودوليا كبديل عن مشروع الدولة ,مع ضرورة الابتعاد عن لغة التخوين، والتوقف ايضا عن اخافة كل من يحاول التعرض لبرامج حماس ومخططاتها السياسية وكأنه يتعرض للمقاومة حيث ان الناس في حالة خوف من اتهامهم بأنهم في الصف المعادي للمقاومة في الوقت الذي ما كان للمقاومة أن تكون لولا حضنهم الدافئ لها ,والمساهم فيها , والمشارك معها ,مع ضرورة ان تلتزم حماس ايضا ,ومن خلال اعلامها بما نص عليه الدستور وقانون النشر والمطبوعات ليكون اعلاماً مهنياً وموضوعيا يخضع لقانون لا أن يبقى بلا قانون.
ماجد هديب
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]
#ماجد_هديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟