|
عيد المرأة في زمن الانحدار
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 5093 - 2016 / 3 / 4 - 11:05
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2016 - المرأة والتطرف الديني في العالم العربي
منذ هبوط المرأة عن عرشها في العهد الأمومي، حين كانت سيدة الحياة والنسب، وحين تجسّدت الآلهة ذاتها بالنساء من آلهة الخصب إلى الحب والجمال.. من عشتار وحتى نينار ووووو ، ومنذ اعتلاء الرجل عرش السيادة المطلقة بخروجه للصيد والحرب والعمل والتجارة. منذ مجيء الأديان التي استمدت قيمها والعديد من مفاهيمها ورواياتها من أساطير أقصت الربّات ومنحت الإله/الرجل سلطات مطلقة، منذئذٍ تراجع حضور المرأة في الحياة إلى داخل جدران كهفها وخيمتها وبيتها، فانكفأت داخل أنوثتها التي لم تعد تعني سوى المتعة والإنجاب، مما قلّص لديها أيّة إمكانية امتلكتها حين اكتشفت الزراعة والنار، والعديد من أدوات الصيد التي كانت ربما وبشكل غير مباشر الفخ الذي أدى إلى ما أصبحت عليه ما بعد ظهور الطبقات في المجتمعات اللاحقة(طبقة الأسياد وطبقة العبيد) وتقسيم العمل سواء بين الجنسين أو بين تلك الطبقات، حيث كانت المرأة دائماً اجتماعياً ودينياً واقتصادياً من عداد طبقة العبيد. منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، تكاتفت وما زالت العديد من القيم الدينية بتشريعاتها، والاجتماعية بأعرافها في نسج منظومة تعامل دونية تجاه المرأة، منظومة تعتمد تعنيفها والتمييز ضدها رغم كل الأعباء التي تنوء بها كإنسانة وأم وزوجة وربّة بيت، ولاحقاً عاملة خارجه بلا أدنى تقليص أو تقدير لتلك الأعباء، إذ ما زال عمل المرأة المنزلي وحتى أمومتها خارج حسابات مداخيل وموازنات واقتصادات عموم دول العالم، مثلما هو خارج حسابات وتقدير رجال القبيلة الذين لا يرونه سوى عمل دوني وواجب تقتضيه طبيعتها الأنثوية. وقد سُنّتْ التشريعات الدينية والقانونية في العديد من الدول بناءً على تلك النظرة المتشددة والتي أدّت لاحقاً إلى تبني رؤى وخطابات متخلّفة جعلت المرأة رمزاً أوحد للشرف، مُحررة الرجال من تبعات الشرف المُنْتَهَكْ يومياً على أعتاب مختلف النظم والسلطات المتعددة التي استباحت كل شيء في سبيل تعزيز بقائها على عروشها. وهذا ما جعل المرأة دائماً سواء في السلم أوالحرب ضحية هذا المفهوم الذي دفع برجالات القبائل لقتلها دائماً بذريعة صون الشرف الرفيع من الأذى، كما كانت الهدف الأساس لإذلال الخصم في العديد من الدول التي تشهد حروباً، فاغتُصبت بأبشع الطرق والوسائل وعلى أيدي الجميع بلا استثناء، مثلما انتُهكت كرامتها وإنسانيتها حينما خسرت في تلك الحروب كل شيء ابتداءً من الأمان والسلم والاستقرار وفقدان الأبناء والإخوة والأزواج، وصولاً إلى التراجع عن الكثير من المكتسبات التي حققتها عبر سنين طوال من الكفاح والمطالبة الحثيثة الدائمة، لتصبح اليوم وبنظر المتطرفين المتشددين دريئة تُصَوّب نحوها كل سهام الدونية والحقد والتخلّف عبر الرجم والجَلد والسبي المستمد من قيم ومفاهيم مجتمعية بائدة لا ترى في المرأة سوى جارية أو أَمَة أو سبيّه تُباع في سوق النخاسة، أو المستند إلى تشريعات وفتاوى سُنّت منذ قرون كانت لا ترى في المرأة سوى موطوءة وواقعة تحت وصاية وولاية ذكور القبيلة مهما علا شأنها ووعيها، في محاولة ورغبة أكيدة بإقصائها عن الحياة بكل أبعادها. بالمقابل لا يمكننا إغفال ابتعاد أو رفض أو تراجع الحكومات عن تنفيذ أجندات تمّ الاتفاق عليها بعد نضال مرير من النساء من أجل تعزيز حقوقهن كافة سواء عبر وضع دستور وطني مدني وعلماني يحقق المساواة الكاملة بين الجنسين، أو عبر تعديل القوانين التمييزية ضدهن وأهمها قانوني الأحوال الشخصية والجنسية، وكذلك رفع التحفّظات التي اغتالت روح اتفاقية السيداو المناهضة للعنف والتمييز ضدّ المرأة. مما جعل الأمل واهياً بالوصول يوماً إلى دولة مدنية- علمانية يتمّ فيها سنّ التشريعات بناءً على مبدأ المواطنة الحقيقية الداعية إلى المساواة بين جميع المواطنين بكافة اتجاهاتهم وانتماءاتهم وأجناسهم، لا الاستمرار في التشبث بقوانين وتشريعات لا تتوافق ووضع المرأة وتضحياتها الجسام لاسيما خلال حرب أتت على كل وجودها، وذلك في محاولة لإرضاء رجال الدين عبر تبادل المصالح والسلطات المختلفة ما بينهم وبين تلك الأنظمة. وهنا يكمن جذر المشكلة المتمثلة في التناغم الأزلي القائم ما بين رجال الدين والساسة حكّاماً كانوا أم سياسيين ينظّرون بما لا يؤمنون به، أي تبادل وتداخل السيطرة على المرأة خاصة والمجتمع عامة ما بين الدين والسياسة. وهذا يقودنا إلى أنه لا يمكن للمجتمع أن يصل إلى العدالة الاجتماعية والمساواة المنشودة إلاّ في ظل سيادة وترسيخ مبدأ المواطنة القائمة في أصلها على فصل الدين عن الدولة، واعتماد النظام المدني العلماني الذي يحترم خصوصية أي انتماء دون أن يكون له أدنى تأثير على الحقوق والحريات العامة والخاصة، وبالتالي الوصول إلى مساواة حقيقية وتامة ما بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وكافة مناحي الحياة، مساواة تدعمها دساتير وطنية ينتفي منها الاستناد إلى تشريعات دينية- تمييزية، مثلما تدعمها قوانين مدنية عصرية متوافقة مع التطورات التي طالت الجنسين معاً، باعتبارهما في مجمل أوجه حياتهما يُعانيان ذات الاضطهاد والخوف من مختلف السلطات(سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية ... الخ) في ظلّ أنظمة قائمة على التسلط والقمع، إلاّ أن المرأة تعاني اضطهاداً مركباً من الرجل والمجتمع بآنٍ معاً. واستناداً إلى هذا، فإن مسألة القمع والاضطهاد والتمييز المجتمعي، تقتضي النضال لتحقيق العدالة والمساواة من الرجل والمرأة معاً، مثلما يقتضي تحرير المرأة ورفع العنف والتمييز عنها موقفاً حاسماً ومسؤولاً من الرجل الذي لا يمكنه أن يكون رجلاً حراً بكل معنى الكلمة بعيداً عن اهتمام ورعاية وحرية المرأة بكل حالات صلتها به، لأن الحياة بأساسها قائمة على وجودهما وجهودهما معاً، مما يتطلب منه في كل المواقع التي يشغلها أن يكون داعماً للمرأة وقضاياها العالقة، لا بل يجب أن يعمل على وصولها إلى حقوقها التي ترتقي به وبأبنائه والحياة، لا كما فعل أعضاء مجلس الشعب حين رفضوا مناقشة تعديل المادة/3/ من قانون الجنسية بما يسمح للمرأة السورية بمنح جنسيتها لأبنائها، والإقرار بأن الزواج المدني زنى كما صرّح القاضي الشرعي/ المعراوي. لقد خاضت النساء عموماً وما زالت، لاسيما أولئك الناشطات في الحقل النسوي نضالاً عنيداً في سبيل وصول المرأة إلى المساواة الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتبنّت التنظيمات النسوية أجندات واقعية من صميم معاناة المرأة، لكن، هذا العمل المضني والنضال العنيد لم يلقَ إلاّ فيما ندر التقدير أو الآذان الصاغية من قبل المعنيين لأسباب مختلفة أهمها عدم القناعة المتجذّرة بحقوق المرأة ونضالها، وكذلك الوقوف إلى جانب رجال الدين الذين حاربوا وخوّنوا أولئك الناشطات، وبالتالي عرقلة تحقيق أيٍّ منها، إضافة إلى التشكيك الدائم في نزاهة بعض الناشطات حتى من الأوساط التي تدعي العلمانية، مما جعل جميع تلك الجهود تبوء بالإهمال والتجاهل أمام صعود التيارات المتشددة والداعية إلى عودة المرأة ليس فقط إلى داخل أسوار الحرملك، بل إلى مغاور وكهوف العصر الحجري بكل ما فيه. كما أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عامة، والمرأة خاصة والتي قد توصّلت إلى صياغة مواثيق ومعاهدات( السيداو مثلاً) مُلزمة لكل الدول التي صادقت عليها، إلاّ أن التحفظات التي تبنّتها حكومات بعض الدول قد أفرغتها من مضومنها الحقيقي والفعّال، في صمت مطبق من قبل الهيئات الدولية التي شرّعتها، وهو ذات الصمت الذي لاذت به تلك الهيئات أمام معاناة النساء في البلدان التي تشهد نزاعات وحروب، في تجاهل تام لاتفاقيات جنيف المعنية، وهذا ما جعل من كل تلك الجهود لا ترقى إلى قيمة الحبر المُصاغة به أمام تسلط الأنظمة ورجال الدين من جهة، مثلما جعلها ورقة في مهب رياح الحرب وتبعاتها على النساء من جهة ثانية. أمام الواقع المأساوي الذي تلاقيه النساء، وأمام كل هذا الانحدار في وضع المرأة، من المفترض أن يبقى عيد المرأة رمزاً للنضال الدؤوب والدائم من أجل مستقبل أفضل لدولة مدنية علمانية تحقق المساواة بأبهى صورها الإنسانية.. وكل آذار ونساء بلادي أشدُّ عزيمة وإصراراً.. كل آذار وهن رائدات في الصبر والعطاء والأمل.
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاندماج مع الآخر.. حكمة ومهارة
-
المرأة في السياسة.. حضور لافت واهتمام واهي
-
لا علمانية ولا مدنية بعيداً عن تمكين المرأة قانونياً
-
الشباب شريان الحياة وعنفوانها
-
حين يتخلى النقابيون عن ناخبيهم
-
ما بين الداخل والخارج قيمنا متبدلة
-
الهجرة ملاذ للمرأة من شرنقة العنف
-
لا حرية للنساء بعيداً عن حرية الرجال
-
سوريا وأطفالها في نفق مظلم
-
الاستثمار في النساء يحفّز التنمية..!!*
-
المرأة تحارب خطط صندوق النقد الدولي
-
لا تُبنى الأوطان إلاّ بسواعد شبابها
-
عيوب الماضي مناقضة لمفاهيم الحاضر
-
طاقات الشباب بين متاهات العولمة... والواقع
-
الرجولة.. مفاهيم أم مواقف..؟
-
ما بين الحاجة والواقع المرأة عماد اقتصاد الأسرة
-
نساء سوريا طرّزن وشاح الجلاء وتحملن اليوم أسمال الحرب
-
التحوّلات السياسية الطارئة وآثارها على المرأة
-
البطالة والفقر والتهميش تخلق مناخات العنف والإرهاب
-
الشرعة الدولية واتفاقياتها ومعاهداتها في مهب رياح الأزمة الس
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الانثى في الرواية التونسية
/ رويدة سالم
المزيد.....
|