|
لماذا العداء للغتنا المصرية ؟
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 12:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا العداء للغتنا المصرية ؟ طلعت رضوان يرفض المُــتعلمون المصريون المحسوبون على الثقافة السائدة من شعراء وروائيين وباحثين وإعلاميين الاعتراف بأنّ شعبنا المصرى يتكلــّـم فى حياته اليومية لغة مُـستقلة عن اللغة العربية، حتى ولو كنا نستخدم الكثير من الكلمات العربية ، لأنّ المعيار العلمى فى توصيف أية لغة (البنية) Structure وليس الكلمات ، كما قال علماء علم اللغويات ، وحتى عميد الثقافة المصرية (طاها حسين) كتب فى كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) الصادر سنة 1938 أنّ الناس فى الشارع لا يتكلــمون اللغة العربية ، بما فيهم رجال الأزهر. ومن بين القلة من المثقفين المصريين (بحق وحقيق) الذين اهتموا بعلم اللغويات ، الراحل الجليل بيومى قنديل ، والأستاذ شريف الصيفى والأستاذ عبد العزيز جمال الدين . طغتْ شهرة المُحقق لكتب التراث على الباحث الجاد عبد العزيز جمال الدين بسبب دوره فى تحقيق (عجائب الآثار فى التراجم والأخبار) للجبرتى ، وتحقيق (تاريخ مصر من خلال البطاركة لساويرس بن المقفع) و (أحمد باشا الجزار) وتحرير وتدقيق (يوحنا النيقوسى) أول من كتب عن دخول العرب مصر، بخلاف إصداره لمجلة (مصرية) فى أواخر سبعينيات القرن العشرين. وقد ظلمتْ هذه الشهرة كتبه المؤلفة مثل كتابه المهم (المسيحية فى مصر) وكتابه (لغتنا المصرية المُعاصرة) عن (منشورات مصرية نحو ثقافة وطنية ديموقراطية) عام 2011، الذى طرح فيه قضية غاية فى الأهمية والحساسية فى نفس الوقت ، وهى قضية اللغة التى يتكلمها شعبنا المصرى فى حياته اليومية : هل هى لغة مُستقلة لها قواعدها اللغوية الخاصة ، أم هى عامية اللغة العربية كما تقول الثقافة السائدة فى مصر؟ اقتحم أ. عبدالعزيز جمال هذا المجال وهو يعلم أنه يُجابه صخرة الثقافة السائدة التى ترفض الإنصات لأى صوت يختلف مع مُعتقداتها المُتوراثة. وقد شجّعه على دخول حقل الألغام هذا امتلاكه لمنهج علمى رصين ، يستطيع به الدخول فى جدل علمى مع كل من يرغب فى مناقشته أو حتى الاختلاف معه ، طالما أنّ الحوار يتأسّس على لغة العلم . كما أنه امتلك شجاعة الاعتراف بفضل الأجيال التى سبقته فى هذا المجال مثل عبد العزيز فهمى وإبراهيم أنيس ومصطفى مشرفة ولويس عوض وبدر نشأت وبيومى قنديل ، هذا بخلاف الدور الذى قام به بعض المؤرخين فى تطوير اللغة العربية بفضل وعيهم بجماليات وخصائص لغة شعبنا المصرى ، بمراعاة أنها تحليلية وليست لغة تركيبية (أى مُعقدة بسبب قواعدها الكثيرة وفق شهادة مُـدافع عتيد عن اللغة العربية (د. عبد الوهاب مسعود) الذى قال إنّ اللغة العربية بها 12ألف قاعدة رياضية ( نقلا عن بيومى قنديل فى كتابه "دفاع عن تراثنا القبطى" ميريت للنشر2008ص56) يذهب أ. عبد العزيز جمال إلى التاريخ القديم إذْ أنه بعد الغزو اليونانى لمصر وتخلى المُتعلمين المصريين عن اللغة المصرية كنوع من النفاق للغزاة بدأوا يتعلمون اليونانية ، ولكن من حافظ على اللغة المصرية وحماها هم الأميون ، فكتب أنّ الأمية المصرية ((ساعدتْ على عدم وصول المفردات اليونانية إلى لغة المصريين ، فظلــّـتْ فى مستواها الشعبى بعيدة كل البُعد عن المفردات اليونانية)) (ص7) وتمثل دور الأميين فى الأغانى والأمثال الشعبية مجهولة المؤلف. وبعد الغزو الرومانى تعرّضتْ اللغة المصرية للهجوم بسبب الحملة التى شنـّها الغزاة الجُدد على ((البرديات المكتوبة باللغة المصرية. وتم تدمير ومصادرة العديد منها لإحتوائها على أقدم أشكال أدب مقاومة المحتل الأجنبى .. وبعد اعتناق الرومان للمسيحية شنوا حملة ضد المصريين ومُعتقداتهم الوطنية . كانت الكنيسة المصرية بحاجة إلى نشر الدين المسيحى بين المصريين الذين لا يعرفون غير لغتهم الأم ، ولكنها اعتمدتْ على كتابة المخطوطات الدينية باللغة المصرية بالحروف اليونانية. (اللغة القبطية تتكون من 32حرفـًا – 25من اليونانى ، 7حروف من المصرى القديم الديموتيكى) هروبًا من كتابتها بالحروف الديموتيكية المصرية بزعم أنها (وثنية) وقد أدى تحالف الكنيسة مع الرومان إلى ((طمس العديد من مظاهر الحضارة المصرية وثقافتها وأصبح من النادر أنْ نجد بين المصريين من يُـتقن كتابة لغته وفق محتواها الثقافى مما سهّـل على العرب بعد غزوهم مصر احلال الحروف النبطية محل القبطية / اليونانية فى كتابة اللغة المصرية. ورغم هذه الحقيقة استطاعتْ البنية اللغوية لشعبنا أنْ تؤثر فى اللغة العربية. ويلتقط أ. عبد العزيز جمال شهادة أحد المُدافعين عن اللغة العربية هو د. أحمد مختارعمر الذى قال فى كتابه (تاريخ اللغة العربية فى مصر) : ((كان نفوذ اللغة المصرية على اللغة العربية كبيرًا)) (ص18، 19) وعن الإعراب فى اللغة العربية والذى طالب كثيرون بإلغائه مثل طه حسين فى دفاعه عن اللغة العربية ، كتب أ. عبد العزيز جمال ((إنّ فكرة البناء والإعراب فى الأفعال لا تـُشير إلى وظيفة تُؤديها هذه الحركات. وأنّ قول النحاة العروبيين بأنّ الفعل المضارع فعل معرّب قول غير صحيح لأنّ الإعراب يعنى الرفع أو النصب أو الجر. والفعل المضارع لا يقع مجرورًا أبدًا ولا يكون منونـًا. كما أنّ الإعراب والبناء صفتان فقط للأسماء دون الأفعال)) ورغم ذلك فإنّ د. شوقى ضيف فى كتابه (تحريفات العامية للفصحى) هاجم ابن برى العالم اللغوى والشاعرابن سناء المُلك لإهمالهما قواعد الإعراب (24، 25) وهكذا ينضم أ. عبد العزيز إلى الأجيال التى طالبتْ بإلغاء الإعراب بعد شرح مُفصّـل. ثم ينتقل إلى ضرب الأمثلة عن ملامح البنية اللغوية للغتنا المصرية المُعاصرة لنا حاليًا والتى هى إمتداد للغة المصرية القديمة. فمثلا نحن لا نستخدم فى لغتنا المنطوقة أسماء الإشارة العربية (هذا الولد وهذه البنت وهذان وهاتان إلخ) وإنما نقول الولد دا ، البنت دى وفى الجمع والمثنى نقول الولاد دول البنات دول وهنا نلاحظ تغيريْن الأول أنّ الاسم يأتى فى المصرى قبل الأداة (عكس العربى) الثانى الاختصار الذى استغنى عن الإعراب أما اسم الموصول العربى (الذى ، التى إلخ) ويصل إلى تسع حالات فإنّ اللغة المصرية اختزلتهم فى أداة واحدة (اللى) : الواد اللى ، البنت اللى ، الناس اللى إلخ هذا بخلاف استخدامات أخرى لا تعرفها العربية مثل اللى اختشوا ماتو، اللى أوله شرط آخره نورإلخ . وفى حين تبدأ العربية بالفعل تبدأ المصرية بالفاعل (جاء الولد، عربى – الواد جا ، مصرى) وبذلك تحوّلت الجملة من فعلية فى العربى إلى اسمية فى المصرى. وفى الأوزان العربية نجد تعدد الصيغ مثال : مبراة ، حدأة ، كوب إلخ ، نجد المصرية تختزلهم فى صيغة واحدة : برايه ، حدايه. كبابه على التوالى. وفى أسماء الأفعال صيغة مصرية واحدة : بردان ، دفيان ، جعان إلخ وهذا ما يعتبره علماء اللغويات إبداعًا فى توفير الجهد ، بدلا من الجهد الضائع فى تعدد الأوزان كما أنّ المصرية أدخلتْ بعض التغيرات على الكلمات العربية : أرانب ، ببغاء (عربى) أنارب ، بغبغان (مصرى) وفى الأفعال حدث تغيير أكثر تأثيرًا : يرتعش ، يهتز، يحترق (عربى) لتكون فى المصرى : يترعش ، يتهز، يتحرق . ونقل المؤلف عن د. إبراهيم أنيس فى كتابه (الأصوات اللغوية) ((اتضح لنا أنّ القاف والطاء كما وصلتْ قد أصابهما التطور حتى صارتا إلى النطق الشائع بين قرائنا الآن ، فقد انتقل الضاد إلى الدال ، كما أنّ كلا من القاف والطاء القديمتيْن أصبحتا مهموستيْن فى نطقنا الحديث)) (44) استخدم شعبنا بعض الألفاظ العربية ومنحها معنىً مختلفـًا عن معناها المحدود فى العربية. مثل كلمة (يتكلم) فمعناها قاصر على التحدث ، بينما فى المصرية تحمل الكثير من الدلالات مثل : فلان مِتكلم على فلانه. أى أنه ينوى الزواج منها . أما لو سمعنا ((بيتكلم عليها)) فالمعنى يكتسب صفة الذم والتشهير. وفى العربية ((دخل عليها)) بمعنى دخول شخص لبيت فلانة. بينما فى المصرى تعنى ليلة الزفاف. وكلمة (ظرف) أى الغلاف الذى يحوى الخطاب بالعربى ، وظفه المصرى لمعنى آخرهو الرشوة ((فلان بيظرف فلان)) ومن التعبيرات المصرية : داس علا طرفه. فكلمة الطرف فى العربى تعنى نهاية شىء ما بينما فى المصرى أخذتْ دلالة معنوية بمعنى الاعتداء . وكلمة (شال) العربية تعنى رفع الشىء من على الأرض بينما فى المصرى تأخذ معانى مُتعددة مثل (فلان شايل من فلان) بمعنى زعلان منه و(فلان شايل الشغل عن فلان) بمعنى مساعدته. وفى العربية (الكوع) جزء من الذراع فطوعتها اللغة المصرية لحركة مرئية مثل (فلان بيكوع) أى يأخذ قسطـًا من الراحة بالاستناد إلى كوعه. وفى العربية (اليد) فتـُثريها المصرية بمعانى معنوية مثل (فلان إيده فرطه) بمعنى الكرم الزائد ، (فلان إيده ناشفه) بمعنى البخل ، (فلان إيده طارشه) بمعنى القوة الغشيمة. وفى العربية (عين) تستلهما المصرية فى معانى مختلفة مثل (فلان عينه فارغه) بمعنى الطمع وعكسها (فلان عينه مليانه) وفى العربية (يأكل الطعام) أما فى المصرية فلها معانى مختلفة (فلان ياكلها والعه) أى بلا ضمير. وكلمة (والعه) نحت مصرى مثل (يولع النور) ، (يولع على الطبيخ) وفى المصرى تعبير(قرش ملحته) بمعنى خبر باطنه (من 48- 52) وهكذا تمتلىء معظم صفحات الكتاب بالأمثلة سواء المعاصرة لنا أو من الماضى . ونقل الباحث عن العالم (يوهان فيك) أنّ اللغة المصرية - خاصة اللهجة القاهرية - هى لغة العصور الوسطى فى كل المنطقة المحيطة بمصر(57) ركــّـزأ. عبد العزيز جمال على حقيقتيْن فى كل صفحات الكتاب : الأولى أنّ اللغة المصرية المعاصرة لنا امتداد للغة المصرية القديمة خاصة مرحلتها الثالثة (القبطية) استنادًا إلى البنية وليس إلى الألفاظ ، وذلك بمراعاة أنّ الظواهر اللغوية الموجودة فى اللغة القبطية هى هى ذات الظواهر فى لغتنا المعاصـرة . الثانية أنها ضمن أشكال المقاومة الثقافية فى مواجهة الدخيل الأجنبى وتستوعبه فى سياقاتها ((وهى الآن تسعى كى تتخلص من مشاكلها القائمة والمُـتمثلة فى ازدواجية لغتنا التى نتعلمها واللغة التى نتكلمها)) (ص 90) فإلى متى يظل إصرار الثقافة السائدة فى مصر، على رفض الخصوصية الثقافية لشعبنا المصري ، وعلى رأس تلك الخصوصية لغتنا القومية المصرية؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موجز لتاريخ الطغاة
-
النقاب على عقول المتعلمين المصريين
-
لماذا مرض عبادة البطل ؟
-
العلاقة الملتبسة بين الرب العبرى والأنبياء والإنسان
-
لماذا جرّح الإسلاميون بطرس غالى ؟
-
تابع المزامير العبرية
-
التوجه الأيديولوجى فى المزامير العبرية
-
من يمتك مفتاح الفهم الصحيح للإسلام ؟
-
كيف اخترقت الأصولية التعليم الجامعى
-
متوالية العداء بين الفلسطينيين وبنى إسرائيل
-
الرب العبرى مُخلّص إسرائيل
-
ما سر ازدواجية شخصية الحجاج ؟
-
جذور طقوس الزار
-
الميول السياسية واجهاض الموضوعية
-
عجائب أنبياء بنى إسرائيل الخارقة
-
هل البخارى (ألّف) الأحاديث ؟
-
رد على الأستاذ سلام صادق بلو
-
لماذا ينخدع شعبنا بالأحزاب الظلامية ؟
-
ما مغزى تهمة ازدراء الأديان ؟
-
لماذا غضب إله إسرائيل على سليمان؟
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة 2024 على ا
...
-
الحلو صار يحبي .. استقبل تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد عل
...
-
خلى طفلك يستمتع باجمل الاغانى والاناشيد.. التردد الجديد لقنا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن استهداف مستوطنة مرغليوت بصل
...
-
غضب فرنسي من إسرائيل واستدعاء لسفيرها بعد اعتقال دركيين في إ
...
-
فتوى دينية من غزة تدين هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أك
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام في باريس تقرع مجددا لأول مرة منذ حري
...
-
البرلمان الألماني يصادق على قرار لحماية الحياة اليهودية
-
لأول مرة منذ حريق 2019.. شاهد أجراس كاتدرائية نوتردام تقرع م
...
-
بعد خمس سنوات على الحريق... أجراس كاتدرائية نوتردام تقرع من
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|