|
موعد مع السلام
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 12:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أحدث قرار مجلس الأمن الدولي ( 2268 ) القاضي بوقف العمليات العدائية في سوريا ، لدى الشعب السوري ، الذي دفع ويدفع ثمناً باهظاً ، في التصدي لعدوان الإرهاب الدولي ، أحدث ارتياحاً واسعاً .. مع أمنيات أن تعقبه مصالحات واتفاقات سورية ـ سورية ـ دولية ، تؤدي إلى إنهاء جحيم وعذابات الحرب . لكن الذين خططوا للحرب ، وأشعلوها ، ووفروا مقوماتها وآلياتها القذرة ، وارتزقوا منها لم يظهر عليهم الارتياح . بل أحدث القرار لديهم ارتدادات سيئة محرجة ، جعلتهم يتابعون الإجراءات العدوانية الجديدة على سوريا ، من حشود عسكرية ، واستفزازات سياسية ، وتهديدات بالتدخل البري المباشر من قبلهم ، لتحويل ما حدده القرار من مواعيد لإجراءات السلام .. إلى مواعيد لحرب شرسة أكثر ووحشية أكثر . ، أبرز وأسوأ هذه الارتدادات ، هو ما صدر عن حكومة " أردوغان " والمملكة السعودية ، وإسرائيل ، والأردن .وذلك انسجاماً مع أدوارها في تصعيد وتوتير الأزمة السورية ، وفي دعم المعارضة المتطرفة ، بالمال والإعلام والسلاح ، وباستقدام مئات آلاف المسلحين من مختلف البلدان للقتال في سوريا ، الذين استباحوا الدم السوري والأراضي والمدن السورية .. بلصوصية ووحشية غير مسبوقة .
والارتدادات السيئة لهذه الدول ، بالرغم من أنها تبدو متناقضة مع الدور الأميركي .. الشريك في القرار( 2268 ) مع روسيا ومجلس الأمن ، ومتناقضة أيضاً فيما بينها ، حول مشاريعها التوسعية الخاصة في المنطقة ، إلاّ أنها ، في اللحظة الراهنة متكاملة ، بفعل الضرورة المتأتية عن المتغيرات في موازين القوى الدولية ، التي أحدثها التدخل الروسي في الحرب السورية لدعم الجيش السوري في حربه ضد الإرهاب الدولي . ودون أدنى شك ، أن الدور السلبي في التعامل مع القرار ( 2268 ) الذي يعني مواصلة الحرب ، هو نابع من الخوف ، إن توقفت الحرب ، على فرص تحقيق مشاريعها التوسعية في سوريا . فعين إسرائيل على الجولان ومحافظة القنيطرة ، وعين الأردن على درعا ومحيطها المشترك مع محيط دمشق ، وعينا تركيا على الأراضي السورية من كسب بجوار اسكندرون ، إلى محافظات إدلب وحلب والرقة ، وهو ما يعادل أكثر من ربع سوريا ، وعين المملكة على ما سيتبقى من سوريا لتدخله بيت الطاعة السعودي ، كما لبنان واليمن ودول الخليج .
الدولة الأكثر استعجالاً في حركتها التوسعية ، هي تركيا . فهي تملك الإمكانيات الكبيرة والكثيرة ، لتحقيق مشروعها ، يأتي في مقدمتها الامتداد الجغرافي الحدودي المشترك ، الذي يسهل كل أشكال التدخل وخاصة التدخل العسكري . وهي عضو في " حلف الأطلسي " الذي يرحب بطبيعته ، بازدياد قوة وتوسع عضو فيه . وهناك الخرائط التركية الاستعمارية التاريخية ، التي تعتبر محافظة حلب ، وبقية الأراضي والمدن السورية ، والموصل ، الواقعة على الحدود التركية ، جزءاً من تركيا . وهناك مخزون الطاقة في سوريا والعراق ، الذي تشارك الآن " داعش " بسرقته وتسويقه . وهناك الشوفينية العثماتية المخزونة ، لدى " حزب العدالة والتنمية " الأردوغاني ، وقوى تركية أخرى ، إزاء الشعوب القاطنة في جنوب الإمبراطورية المنقرضة ، من العرب والكرد والأرمن والكلدان والآشوريين .
ومع ارتفاع منسوب القلق على المشروع الإمبراطوري ، نتيجة التدخل الروسي ، وتقدم الجيش السوري اللافت ، واقتراب فشل حرب الإرهاب على سوريا ، وصدور القرار ( 2268 ) ، ارتفع منسوب الحقد لدى أردوغان وحكومته على الشعب السوري ، وخاصة الكرد ، بالتنسيق مع داعش والنصرة وجماعات إرهابية أخرى . وقد تجلى ذلك بالقصف المدفعي الثقيل على مواقع سورية على الحدود ، وعلى إعزاز ، وتل أبيض ، وبدفع أعداد من المسلحين عبر الحدود التركية ، للقتال لصالح قوى الإرهاب الدولي في تل أبيض ، وبحشود عسكرية قبالة ، تل أبيض ، وعين العرب ، ورأس العين ، وتجلى أيضاً بتكرار أردوغان موقفه المعاكس من الإرهاب ، بإعلانه رفض تركيا السماح للمسلحين الهاربين من القتال في سوريا ، العبور إلى تركيا .. ليقاتلوا في سوريا حتى الموت . وأن تركيا لن تسمح لأي منظمة بإقامة منطقة خاصة بها بجوار الحدود التركية .. وهو يقصد الفصائل الكردية المقاتلة ضد " داعش " دفاعاً عن الأراضي السورية . فيما يسكت عن .. ويدعم .. الوجود القائم " لداعش " في الرقة .. والنصرة في إدلب .. على الحدود التركية مباشرة .
ولا تقل ارتدادات القرار (2268 ) السيئة على المملكة السعودية عن تركيا بشيء . ولو أن للمملكة حدود مشتركة مع سوريا ، لقامت بممارسات عدوانية متعددة الأشكال ، أكثر بكثير مما تفعله الآن . فالقرار ومقتضياته ، الإجرائية والتنفيذية ، والحوارية ، برعاية دولية شفافة ، إن أوقف الحرب على سوريا ، وكرت خطوات السلام ، وإعادة البناء ، سوف يحدث اختراقات مؤلمة للمملكة : - أولها : اختراق العقلية القبلية السعودية الثأرية . لأن إنهاء الحرب ، وتكريس السلام في سوريا ، سوف يحول دونها والثأر من بشار الأسد ، الذي تعتبره قد وجه إهانة كبيرة لها ، إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان ( 2006 ) ، كما فعلت مع صدام حسين ومعمر القذافي وجمال عبد الناصر . - ثانيها : اختراق عمليات نشر مذهبها الوهابي المتطرف ، السائرة به قدماً ، لاكتساح المذهب الشيعي ، وإيران وحزب الله ، ومذاهب سنية أخرى لا تقبل بالوهابية بديلة عن موروثاتها المذهبية التاريخية . - ثالثها : اختراق مشروعها " الإمبريالي البدوي " ، الذي يطمح ، بحكم ثراء المملكة ، ومخزونها الهائل من الطاقة ، وتأثيرها البارز ، السياسي ، والمالي ، والدعوي ، في مجلس التعاون الخليجي ، وجامعة الدول العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وفي " أوبك " ومجموعة الدول الأغنى عالمياً العشرين ، وفي أوساط دولية أخرى ، يطمح للتوازي مع الدول العظمى ، في التعامل مع مختلف الشؤون العالمية . ولديها القناعة أنها تستحق هذه المكانة الدولية . بيد أنها لديها قناعة مقابلة ، في اللحظة السياسية القائمة ، أنها إن خسرت حروبها ، في اليمن ، وسوريا ، والعراق ، ولبنان ، ذهبت كل أحلامها الدولية ، وكل مشترياتها بمئات المليارات من الدولارات ، من السلاح ، وزعماء الدول ، وقيادات الأحزاب السياسية ، ورجال دين ، وإعلاميين ، وفضائيات تلفزيونية ، وملايين المواقع الإلكترونية ، ذهبت أدراج الرياح ، وفقدت ما لن يعوض في المستقبل .. وقد تتفكك المملكة ضمن مشاريع تفكيك دول عدة في المنطقة .
وفي محاولة لتجنب هذا المصير المؤلم ، تتصدر المملكة الأنشطة المشككة بجدوى القرار ( 2268 ) ، وتدعو ، وتجهز ، القوى لمواصلة الحرب ، بقوى إرهابية مضافة ، متمثلة بجيوش نظامية عربية وغير عربية ، للقيام بالتدخل البري في سوريا ، لإفشال إجراءات البحث عن السلام ، ولمتابعة تحقيق برنامجها ، الثأري ، والمذهبي ، والإمبريالي البدوي " التوسعي . ولا غرابة أن تسلح الجماعات الإرهابية المتطرفة من مخزون سلاحها المتطور بقرار منفرد ، وأن تدفع المزيد من الرشاوى والأموال للسياسيين المعارضين المرتزقة ، وأن تعزز تحالفاتها مع إسرائيل وتركيا وغيرها ، لمواصلة الحرب . ويدخل في هذا السياق قرار مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية اعتبار " حزب الله اللبناني " المقاوم للإرهاب الإسرائيلي ، والمدافع عن لبنان وسوريا ضد الإرهاب الدولي ، منظمة إرهابية . وقد اعتبرت إسرائيل هذا القرار الخليجي إنجاز إسرائيلي .
ما يستدعي بالمقابل ، أن تقوم كل القوى الوطنية السورية ، والقوى المتضررة خارجها من الحرب ، بحشد وتوحيد قواها ، وبذل كل الجهود لتصعيد التصدي للإرهاب الدولي الرجعي ، وفرض السلام ، والدفاع عن حق الحياة والكرامة لكل أبناء الشعب السوري .. والشعوب الأخرى . لقد برهن ، وقف العمليات العدائية " في الأيام الماضية ، والوصول إلى مصالحات في مناطق عدة ، والإقبال المتزايد للمسلحين لتسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم ، واستبشار الجموع الشعبية في سوريا وخارجها بالسلام والأمان والاستقرار ، والرغبة الشديدة بعودة الحياة الطبيعية على كل المستويات إلى البلاد ، برهن على أن عدوان الإرهاب قد اقترب أكثر من الفشل . وأن التغيير الديمقراطي المزعوم بالسلاح وبالاستعانة بالأجنبي المعادي قد فشل .
إن أمام السوريين أجندة واسعة ، لا غنى عن تطبيقها ، عنوانها رغم كل أعداء سوريا .. " موعد مع السلام " . وبدايتها المشرفة .. حوار " وطني ـ وطني " .. ندي ، يضع خريطة شفافة لبناء الثقة ، والعمل الوطني المشترك ، لإنهاء الحرب وطرد الإرهاب الدولي المحتل ، وانتزاع السلام ، والحفاظ على وحدة الوطن أرضاً وشعباً ، وإعادة بناء الإنسان والعمران .. والحلم .. والفرح ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذروة التحول إلى سناء وبدر
-
لماذا .. ولمصلحة من المفاوضات والحل السياسي ؟
-
حرب بلا حدود
-
هل تصل عواصف الحزم السعودية الأمريكية لدمشق
-
بانتظار - دمشق 1 -
-
كلمات ما قبل الأخيرة
-
أية هيئة ؟ .. أي حل سياسي ؟ ..
-
نوع من الحرب
-
دفاعاً عن آمال العقلانية والعلمانية والتقدم
-
التحالف العدواني التوسعي الجديد ومخاطره
-
الأرض السورية تقاتل
-
إنها البرهان
-
من الربيع العربي إلى التحالف الإسلامي
-
الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
-
سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
-
- الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
-
الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
-
جلالة الشهيدة
-
داعش يغزو فرنسا
-
- فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
المزيد.....
-
مدفيديف: مارك روته -أطلسي الهوى ومعروف بمعاداته لروسيا- وهذا
...
-
بعد محاولة الاغتيال.. الشرطة تقتل شخصا قرب مبنى انعقاد مؤتمر
...
-
لافروف يحذر.. واشنطن تدفع بأوروبا للهلاك
-
لافروف: واشنطن تدفع بأوروبا نحو الهلاك
-
لافروف يجري محادثات مع نظيره البحريني
-
مصادر في الجيش الإسرائيلي: -حماس- في وضع يزداد صعوبة والعملي
...
-
تسريب مكالمة ترامب مع المرشح المستقل كينيدي جونيور عقب محاول
...
-
ليبيا.. مصرع سيدة وإنقاذ عائلات عالقة في تاجوراء وسط تصاعد ا
...
-
الولايات المتحدة: هيئة محلفين تدين السناتور روبرت مينينديز ب
...
-
تقارير تتحدث عن مؤامرة إيرانية لاغتيال ترامب وطهران ترد
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|