|
سوريا الفدرالية
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5090 - 2016 / 3 / 1 - 23:03
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
ليس سراً أن نبيح كلاماً ورد في لسان صاحب القرار الأول في الكرملين ، وليس سراً أن نقول : إن سوريا مقبلة على أيام جديدة غير التي ألفناها ، فيها يكون لها تاريخ جديد وجغرافيا جديدة وواقع فرضته الدماء والحرب والمُكايدة ، و أبناء سوريا يعون ذلك تماماً يستشعرونه في صيغة معادلة إعلامية وحوارية ومفاوضات ، فيها تُرسم خارطة وعي جديد ليس لحدود وحسب ، بل لتعيين ملاكات جديدة للدولة السورية المقبلة ، وشعب سوريا كشعب العراق تماماً يعيش التناقض والتناحر والطائفية والسلوك السيء ، وهذه الصفات غدت واقع جعل من الإختلاف الغير محمود حقيقة ضد التعددية - والتي هي طابع كان من المميزات الجيدة للبلاد الشامية - ، لقد أستُغل الإختلاف الثقافي والديني والقومي من قبل الغير لكي يكون أداة هدم وتفتييت ، وقد ساعدهم في ذلك سياسيون نفعيون ومرتزقة وصوليون وطبل لذلك رجال دين مزيفون ، لقد كانت سوريا الآمنة مضرباً للمثل في التعايش السلمي وفي قبول الآخر المختلف ، وكانت التعددية الثقافية عنصر قوة ونماء للبلاد السورية وعنصر قوة للشعب السوري ، ولهذا نعتبر دعوى التقسيم أو الفدرلة تفتييت وتشجيع للإيغال في الفتنة وكل مسبباتها ، ولكننا لا نمانع هذه المرة للقبول حين يكون ذلك سداً للذرائع وحقناً للدماء ، وحين يكون التعايش ضرباً من المستحيل ، وفي هذه لابد لنا من مواجهة الحقيقة من غير تردد والقبول بكل ما يخدم قضية الشعب السوري وفي عودته للحياة ، فالشعب السوري لم يعد يحتمل العيش في ظل الإنقسام والحرب والدعايات المضادة ولم يعد واحدا كما كان ، ولهذا ذهبت مع الحرب كل ثقافة الوحدة ولم يعد يهتم بها ، تلك الثقافة التي كانت في السابق مدعاة للفخر ، لكنها اليوم أصبحت نشازاً في ظل واقع تتحكم فيه البندقية والدم ، ولغة مغايرة لكل شيء وفيها كل شيء غريب ، ونفس الشيء الذي نقوله هنا نقوله عن الواقع العراقي ، والذي في نهاية المطاف سيتقسم إلى دول أو أقاليم وتلك حقيقة ، وفي هذا لا يقرر الشعب لأنه مضطرب التفكير تعوزه الحكمة والحرية والإرادة ، وهي أشياء بعيدة المنال طالما يتحكم بها سياسيون جهلة وقد أثبتت التجربة إنهم من غدى ونمى وشجع هذا التخالف وهذا التناقض ، إن لسان المتحدثين بالسياسة بعيدٌ عن منطق التعايش السلمي وبناء الدولة أو الإهتمام بحاجات المواطن - وفي ذلك الكل سواء - ، وكان لدول الجوار والدول الإقليمية الدور الباز في تشجيع النزعات الإنفصالية والفئوية والتقاطع ، وهذه الدول التابعة للغير تنظر بعين الريبة للدول ذات التاريخ والحضارة ، وتلك تسبب حفراً في ذاكرة الناس لا تمحوها الكلمات والتنظيرات . إن سوريا هذا البلد الجميل قد تفكك ولم يعد صالحاً للحياة تلك هي الحقيقة ، وحتى إعادة الإعمار يحتاج لأموال كبيرة وكبيرة جداً ، ولا نرى من متبرع يفي أو يعد بذلك ، ولذلك يهجرها ربعها وخلانها واحبابها مولين شطرهم نحو الغرب ، وفي هذه الهجرة التي ستطول وتطول و لن تُعيد من هاجر إلى الوراء ، ومادمنا نتكلم عن الهجرة فعلينا الإمتثال للقول الدارج : إن الناس يبحثون عن فضاءات حرة تؤمن لهم الحرية الإجتماعية والحرية الإقتصادية والحرية الفكرية ، ولكن هذا البحث العفوي يصطدم دائماً بمنظمات السوء التي تتكاثر بعشوائية هناك في بلاد الغرب ، فتولد نزعات متطرفة وكانتونات فئوية وعنصرية تتنازع فيما ما بينها عن الأحقيات التي هجروها في بلدانهم الأم ، والقضية جدلية شائكة بين الحرية وبين العدالة والقانون ، هذا التشابك تسلل من خلفه رجال دين متطرفين وحاقدين يوزعون الكراهية والعنف ويباعدون بين الناس وقدرتهم على التعايش ، وهناك ثمة شيء في هذه الكتل المهاجرة التي ينقصها العمق الثقافي والوعي المباشر في معاني الحرية ، ولذا يكون التسرب عبر بوابات خلفية ضيقة تغلق عليهم منافذ الحياة والقدرة على الإبداع والتنمية ، وهذا الأمر ليس إفتراضياً بل عشناه هنا ورأيناه هنا وهو يتكاثر بنسبة خطيرة ، تُنذر حسب بعض المنظرين الغربيين إلى إمكانية خلق مجتمعات بديلة ، ولهذا بدأت خطوات في الإتجاه الأخر ولنقل هي تجربة جس النبض ، في سويسرا هذا البلد الهادئ ليقول إن هذه الفوضى لا تخلق إسقراراً وتعايشاً ، بل ستؤدي على المستوى البعيد إلى خلق تخالف في بنية المجتمع ، وبالتالي تتحول الدولة المحايدة إلى صيد ثمين عند المتطرفين والإرهابيين ، وبالقدر الذي نلتزم فيه الحياد تجاه قرارات الدول ، بالقدر الذي نطالب فيه التدقيق في الأوراق والسجلات لكل وافد ، حتى لا يحدث ما لا يمكن توقعه ، ولندع حُسن النوايا جانباً خاصةً في النواحي الإستراتيجية ، و طالما هناك ماقد يثير أو يشعر مجتمعاتنا بعدم الإسقرار . ، والأمن ، ولهذا تبدو معادلة الفدرالية في ظل الوحدة الممكن الذي يجب ان يذهب إليه من يريد التفاوض بجد ومن دون شعارات فوضوية براقة ...
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفدرالية في مواجهة التقسيم
-
في الطريق لليبرالية الديمقراطية ومفهوم الإيمان
-
يا غريب كٌن أديب
-
الشيرازية وداعش وجهان لعملة واحدة
-
العراق والمستقبل المجهول
-
في وداع 2015
-
إنتصارنا في الرمادي
-
في أعياد الميلاد المجيدة
-
التحالف الإسلامي مع الإرهاب
-
كلمة في اليوم الوطني لدولة الإمارات
-
توضيحات
-
ما بين تركيا وداعش !!
-
برقية شجب وإستنكار
-
من يصنع الإرهاب ؟
-
لمن نكتب ؟
-
عن القضية السورية
-
لماذا نؤيد روسيا وإيران ؟
-
لتحيا روسيا
-
تضامناً مع ثورة الإصلاح في العراق
-
قراءة هادئة في تطورات القضية السورية
المزيد.....
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
-
تسعة شهور من الحبس الاحتياطي.. والتهمة “بانر فلسطين”
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|