|
في المغرب سلك القضاء من وظائف الامامة
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5090 - 2016 / 3 / 1 - 18:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فضلنا استعمال تعبير سلك القضاء بدل استعمال الهيئة القضائية ، فأحرى السلطة القضائية غير الموجودة اصلا ، لأنه في بلاد امير المؤمنين لا وجود بالمطلق لفكر مونتسيكيو، ولا لفكر هوبز ، ولا وجود لمبدأ الفصل بين السلط . في بلاد امير المؤمنين هناك فقط الرعية التعبير المخفف لتعبير عبيد ، وهناك الامير الامام الذي يختزل الدولة في شخصه لا في المؤسسات غير الموجودة اصلا ، وما موجود منها مجرد ديكور، وتزليج ، وصباغة يدرك كنهها الاوربيون العارفون بخبايا الامور، وبأسرار الدار . لذا لفهم سلوك رئيس الدولة كأمير للمؤمنين وليس كملك حين رفع قلمه وشطب بكل سهولة عن قضاة رأي لم يرتكبوا اية افعال مشينة او جرائم ، وأنّ ما قاموا به ، هو مجرد ابداء رأي في اصلاح منظومة القضاء ، باعتبارهم ينتمون الى الدار ، ومن حقهم وواجبهم ان يدلوا بما ادلوا به ، لا بد ان نطرح السؤال عن السلك القضائي المغربي الفريد من نوعه في العالم . لكن ان اي حديث عن هذا السلك ، لكي يكون جامعا مانعا ، يجر الى الحديث عن النظام الاثوقراطي المزيف الذي محوره امارة المؤمنين ، ورئيس الامارة امير المؤمنين ، باعتباره الامام الاول ( القاضي الاول ) ، والرئيس الفعلي لجميع المأمومين ( القضاة ) . اي سنجد دولة داخل دولة . من جهة دولة اللاّهوت المزيف التي تستبد بكل شيء ، حيث يجسد الامير الدولة في شخصه ( الدولة انا – انا الدولة ) . وهنا حين نتحدث عن الدولة ، فان حديثنا يبقى مجازا ، لأنه لا توجد هناك دولة طبقا لتعريف الدولة من خلال القانون الدولي ، ومن خلال القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، ومن خلال علم الاجتماع السياسي . ففي الدول الحديثة ، والدول الديمقراطية ، تتكون الدولة من الارض ، والسيادة ، والشعب ، في حين ان ما يسمى مجازا بالدولة في المغرب ، تفتقر الى احد العوامل والشروط في تعريف الدولة التي هي الشعب . فما يوجد بدولة السلالة او القبيلة العلوية هم مجرد عبيد في صورة ملطفة تأخذ شكل رعية . وإذا كانت الدولة في الدول الديمقراطية هي دولة الشعب ، فان ما يسمى بدولة الامارة هي دولة القبيلة السائدة والمسيطرة والتي هي دولة القبيلة العلوية . لذا جرى ربط تعريف الدولة في المغرب بالسلالة او القبيلة الحاكمة ، فجرى المؤرخون على ترديد الدولة العلوية ، والدولة السعدية ، والدولة المرينية ، والدولة الموحدية ، والدولة الوطاسية وهكذا . لذا فحين كانت تسقط دولة لسبب من الاسباب كانت تسقط القبيلة او العائلة ، وكانت تأتي على انقاضها ( دولة ) جديدة هي دولة العائلة او القبيلة الجديدة . لذا جرى تعريف ما يسمى بالدول في المغرب بأسماء القبائل ، او الاسر التي استبدت بالحكم والسلطة ، اي الدولة المرينية ، والسعدية ، والوطاسية و العلوية وهكذا . وباستثناء سقوط كل الدول التي عرفها المغرب ، كان من الصحراء من قبل اسر وقبائل ، تُعدّ المحاولة الانقلابية التي قام بها الجيش في سنة 1971 و 1972 ، وكاد ان يقوم بها الجنرال احمد الدليمي في 1982 محاولات لاسقاط حكم الاسرة خارج الاسرة او القبيلة . انه فيما لو نجح الانقلاب ، كان المغرب سيتخذ لأول مرة تسمية خارج تسميات الاسر والقبائل . اي الجمهورية المغربية مثل الجمهورية الريفية . والى جانب ما يسمى بالدولة الاثوقراطية المزيفة التي تبني كل ممارساتها الاستبدادية والقمعية على امارة امير المؤمنين ، وبواسطة عقد البيعة العبودي الذي يجعل الامير فوق القوانين والدساتير حتى وهي ممنوحة تؤسس للاستبداد ، لأنه يستمد قوته الشرعية من الله الذي هو ممثله وخليفته في الارض ، هناك ما يسمى بالدولة العصرية الحداثية التي يتصرف بمقتضاها رئيس الدولة كملك وليس كأمير للمؤمنين . وهو هنا بهذه السكيزوفرينية ، ملك عصري وأمير تقليدي ، يُكيّف سلوكه عند مخاطبته للغرب المسيحي اليهودي . ففي ما يسمى بدولة امير المؤمنين ، هناك فقط الامير الذي يعلو على الجميع في نظام مغلق ، وفريد من نوعه في العالم . لكن فيما يسمى بالدولة العصرية الحداثية ، سنجد النظام الاثوقراطي المزيف ينظم الانتخابات ، من جماعية ، وتشريعية . يسمح بتأسيس الاحزاب طالما انها على المقص . يسمح بتأسيس النقابات ، الجمعيات ، النظام البنكي الذي يأخذ بنظام الفائدة ، دور السينما ، الخمارات ، المراقص ، محلات لعب الرهان المختلفة ... لخ . فعندما نجد محاكم من مختلف الدرجات ، وقضاة ومحامون من مختلف المستويات ، يحيل لك المنظر ، او المشهد ، انك حقا تتواجد بدولة عصرية حداثية ، كفرنسا ، او المانيا ، او بلجيكا ، او اسبانيا او هولندة .... لخ لكن حين تتمعن في السلك " النظام " القضائي ، حتى تكتشف بكل سهولة ان القضاء كسلطة مستقلة غير موجود بدولة امير المؤمنين . وهنا يستحضرنا النظام الاثوقراطي المزيف ، الجمع بين الاصالة غير اصالة والمعاصرة غير معاصرة ، حيث يعتبر القضاء من وظائف الامامة ، وان الامام ، اي القاضي الاول الذي هو امير المؤمنين ، هو الرئيس الفعلي للمأمومين ( القضاة ) ، ومن ثم فان المأموم ( القاضي ) هو مِلكُ للإمام الذي هو الامير ، ومن ثم فان وظيفة المأموم ( القاضي ) ، هي الحرص ما امكن على تنفيذ وتطبيق قوانين الامام الامير التي شرعها مجلسه التشريعي باعتباره ، ومن خلال مصطلح " الممثل الاسمى للأمة " ، فهو فوق البرلمان الذي لا يمثل الامة ، ولا الشعب ، ولا الرعية الذي يمثلهم ممثلهم الاسمى ، الذي هو امير المؤمنين حامي حمى الملة والدين ، ومن ثم فان تمثيلية البرلمان تبقى شخصية وليس مؤسساتية . اي انه رغم انتخاب البرلمانيين من قبل الكتلة الناخبة ، فان تمثيلية كل برلماني تنحصر في تمثيل سكان الدائرة ، او المنطقة ، او الجماعية التي انتخب فيها ، ولا يمثل الامة التي يبقى ممثلها الاسمى رئيس الدولة كإمام و كأمير للمؤمنين وليس كملك . ان امير المؤمنين الامام الاول ( القاضي ) الاول ، هو الذي يرأس السلك التشريعي ، والسلك التنفيذي ، والسلك القضائي ، وهو كإمام ، يعين ويعفي المأمومون ( القضاة ) باقتراح من مأمومين ( قضاة ) من درجة عليا . كما ان الاحكام تصدر وتنفذ باسم الامام امير المؤمنين ( الملك ) . والأعوان الذين ينفذونها ، من بوليس ، وقوات مساعدة ، ورجال سلطة ، ودرك ، هم خُدام وجُند للإمام امير المؤمنين . وهنا نطرح السؤال : هل يمكن قبول الطعن في احد قرارات الملك كملك ، وليس كأمير للمؤمنين ، وإمام اول ( قاضي ) اول التي يتخذها عند ممارسة الشأن العام ؟ هنا لا يفوت عن انظارنا الاجتهاد القضائي لرئيس المجلس الاعلى للقضاء المأموم ( القاضي ) الحاج احمد ابّا احنيني ، عندما رفض قبول دعوى الالغاء ضد القرارات الملكية المضرة بحقوق المواطنين في قضية مزرعة عبد العزيز وفي قضية الروندة ، حيث اعتبر ان القضاء من وظائف الامامة ، وان ( القضاة ) المأمومون رئيسهم هو الامام ( القاضي ) الاول ، ومن ثم لا يمكن للمأموم وهو بدرجة دنيا بالنسبة للإمام ، ان يطعن في قراراته تحت اي تبرير كان . لذا قضت الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى للقضاء برفض دعوى الالغاء . وبالنسبة لرئيس المجلس الاعلى للقضاء ، ان الحالة الوحيدة التي يمكن لأي متضرر من التصرفات الملكية الولوج اليها تبقى هي الاستعطاف . يسرقون حقك ، ويطلبون منك استعطافهم ، ليس لاسترداده لأنه لن يرجع ابدا ، بل لإثبات دونيتك ازاء الامام الممثل للحق الالهي وخليفة الله في ارضه . وإذا كانت الاحكام تصدر وتنفذ باسم الامام امير المؤمنين ( الملك ) ، فكيف يمكن تصور صدور حكم باسم الملك وضد الملك . شيء غير منطقي ولا يمكن لعقل سليم تقبله . ان جرأة وشجاعة بعض قضاة الرأي ( هؤلاء ليسوا مأمومين ) هو ابداء وجهة نظرهم المشروعة كمعنيين بإصلاح منظومة القضاء الذي ينتمون اليه ، اعتبر من قبل الامام ، امير المؤمنين خروجا عن طاعة الامير ، وعن سلطة الامام ، ويشكل تمردا لا يجعل صاحبه يحظى بإكراميات ، وعطف دولة امير المؤمنين ، بل نظرا لان الامير يستمد قوته من الله ، وانه خليفته في الارض ، قد يؤدي بالمأمومين ( القضاة من درجة عليا ) ، وببعض فقهاء السلطان والبلاط ، الى اعتبار ابداء الرأي من قبل قضاة قالوا ( لا ) ، خروجا عن المألوف ، وخروجا عن طاعة الامير ، ورفضا لتصرفات الامام ، بل قد يعتبرونه كفر ، وزندقة ، وخروجا عن ( الاجماع ) اجماع الامة . ويذكرنا هذا التصرف بما قاله الحسن الثاني عند رفض المعارضة الاتحادية الاصلاحية العودة الى البرلمان ، واصفا اياهم بالخروج عن اجماع الامة . وهو اتهام خطير قد يشكل دعوة مبطنة لإهدار الدم بدعوى الخروج عن اسلام امير المؤمنين . إذن الآن يمكن ان نفهم تشطيب الامام ( القاضي ) الاول امير المؤمنين ، على القضاة الذي رفضوا ان يكونوا مأمومين ، وتشبثوا بان يكونوا قضاة ، كما نفهم تجنب هؤلاء القضاة تفادي اية اشارة الى الامام امير المؤمنين ( الملك ) مباشرة ، وتفضيلهم حصر المشكل في وزير العدل .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اربعون سنة مرت على تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية
-
النظام الملكي في مواجهة مباشرة مع مجلس الامن والامم المتحدة
-
الدولة القامعة
-
عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه
-
تحقيق الوعد الالهي : دولة الاسلام
-
سؤالان حرجان ومحرجان : هل يوجد هناك شعب صحراوي . وان كان الا
...
-
لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من
...
-
مملكة السويد تقرر عدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية -- حين ي
...
-
شيء من الدراما : الأبسينية دون كيتشوتية مُتطورة لحل ازمة الث
...
-
الدولة البوليسية : ان الشكل الاكثر بشاعة للقهر هو استغلال اج
...
-
المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو
-
تحليل : في استحالة ثورة شعب مخزني اكثر من المخزن
-
فشل القصر الملكي في تدبير ملف الصحراء
-
محكمة العدل الاوربية تلغي الاتفاق التجاري حول المواد الفلاحي
...
-
فشل زيارة المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة السيد كر
...
-
الى الجلاد المجرم الجبان المدعو عبداللطيف الحموشي المدير الع
...
-
تهديد البوليساريو بالعودة الى الحرب
-
بين رسالة بانكيمون وخطاب العيون ورقة حمراء في وجه الملك
-
المنع من مغادرة التراب الوطني او اغلاق الحدود
-
من اغتال الشهيد المهدي بن بركة
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|