أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - عراق الغد بين العلمانية والإسلاموية















المزيد.....


عراق الغد بين العلمانية والإسلاموية


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 377 - 2003 / 1 / 24 - 17:05
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



 
مقدمة


 
لحد وقت قريب، كانت كلمة (الليبرالية) تعتبر من الكلمات البذيئة في القاموس السياسي العراقي والعربي المؤدلج. فإذا أردت أن تحط من قدر أي شخص، يكفي أن تقول عنه أنه ليبرالي. وبعد انهيار الآيدولوجيات القومية والشيوعية خفت الحملة ضد الليبرالية نوعاً ما، لتوجه ضد (العلمانية) كمصطلح يجب الحذر من ذكره. نعم، هناك سوء فهم لدى الكثير من الناس حول مفهوم العلمانية. فالجهات السلفية المتطرفة والتنظيمات الإسلامية الأصولية تحاول عن عمد تشويه هذا المصطلح والترويج ضده بأنه مرادف لمصطلح الكفر والإلحاد وهو ليس كذلك بطبيعة الحال. فالعلمانية لا تعني الإلحاد وإنما تعني الإهتمام بالمصلحة العامة وإدارة شؤون الناس والعمل على تنظيم حياتهم في هذه الدنيا. أما مسألة إرشاد الناس في أمورهم الدينية فتترك لرجال الدين المتخصصين بالأمر للقيام بواجبهم الديني-الإخلاقي في التوجيه والتثقيف والحفاظ على القيم الإجتماعية والإخلاقية والحلال والحرام والروابط الأسرية وغيرها والتي لا يستغني عنها أي مجتمع يريد أن يعيش بسلام. وموقف رجل الدين هنا لا يتعدى توجيه النصح وتقديم الإرشاد للناس وما على الرسول إلا البلاغ المبين. ويترك الباقي في العلاقة بين الإنسان وربه إلى يوم الحساب حيث يكون الإنسان مسؤولاً عن أعماله الدنيوية أمام الله وحده سبحانه وتعالى وليس أمام إنسان آخر.
ليس مبالغة إذا قلت أن هناك نوع من الإرهاب الفكري من الإسلامويين كوسيلة لردع المثقفين من الخوض في موضوعة العلمانية وذلك بإصرارهم على وصفها بالكفر كسلاح يشهرونه في وجه كل من يتجرأ على تناول هذا الموضوع والترويج له. وعلى سبيل المثال لا الحصر، بعثت قبل عام مقالة إلى إحدى صحف المعارضة العراقية تطرقت فيها إلى الديمقراطية والعلمانية، فما كان من المحرر إلا وأن حذف كلمة العلمانية كلما ورد ذكرها في المقالة. ولما عاتبته أجاب بأنه لا يريد أن يزعج الإسلاميين ويفتح باباً للسجال بهذا الموضوع "الخطير".


 
نبذة تاريخية


 
هناك ثلاثة مصطلحات ذات علاقة ببعضها وهي التنوير والحداثة والعلمانية. وأحيانا تتماها هذه المفردات مع بعضها فتبدو وكأنها تعني شيئاً واحداً. والمعروف أن كبار فلاسفة التنوير من أمثال فولتير، وروسو، وكانط كانوا مؤمنين حقيقيين. ولكنه ايمان مستنير قائم على العلم والبصيرة ورفض التعصب والتزمت والأحكام المسبقة.
ومن الجدير بالذكر أن الفكر البشري عموماً مر عبر التاريخ بثلاث مراحل وهي: المرحلة اللاعقلانية (الخرافات والغيبيات والأساطير) والمرحلة العقلانية (الفلسفة والأديان السماوية) والمرحلة العلمية أو الحداثة. وكما يقول الوردي أن كل مرحلة هي ثورة على المرحلة السابقة. ويقسم الفلاسفة الأوربيون تاريخ الفكر الأوربي ما بعد اللاعقلانية إلى ثلاثة أحقاب كبيرة: العصور اليونانية-الرومانية القديمة، العصور الوسطى المسيحية، وعصور الحداثة والعلم. أما في الشرق وخاصة في المنطقة العربية، فقد مر التطور الفكري منحىً آخر. ونحن إذ نركز على الفكر الأوربي لأن الحضارة الحديثة قد رست في هذه المنطقة أخيراً والشعوب الغربية هي في المقدمة في سلم التطور الفكري والحضاري وبيدها المبادرة والتأثير على الشعوب الأخرى.
فالحقبة الأولى كانت بدون سيطرة دينية بدأت في القرن الخامس قبل الميلاد على أيدي الفلاسفة اليونان العقلانيين ومن ثم الرومان. وبرز في العهد اليوناني فلاسفة عظماء مثل سقراط الحكيم وإفلاطون وأرسطو وغيرهم كثيرون وكان التطور الفكري يسير بهم هادئاً نسبياً دون هزات عنيفة أو مقاومة تذكر، إلى أن حل القرن الخامس بعد الميلاد حيث بدأت الحقبة الثانية عندما خضعت أوربا بكاملها لحكم الكنيسة البابوية. ومنذ ذلك الوقت واجه التطور الفكري عقبات كبيرة وغرقت أوربا في عصر سمي بحق بعصر الظلمات أو القرون الوسطى المظلمة والذي دام ألف عام. ففي هذه المرحلة المظلمة كان التطور الفكري بطيئاً جداً أو شبه متوقف وعانى المفكرون من الاضطهاد إلى أن بدأ عهد التنوير في القرن السادس عشر عندما ظهر العالم البولندي كوبرنيكوس الذي قال بكروية الأرض وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس ومن ثم غاليلو الذي قال أن الشمس ليست مركز الكون وهو الذي يعتبر مؤسس العلم بمعناه الحديث، والذي قال : رأيت في عشر سنوات أكثر مما رأته البشرية طيلة خمسة آلاف وستمائة سنة! كذلك ظهر في هذه الفترة ديكارت وفرانسيس بيكون، وجميعهم كانوا متدينين كما أسلفنا.
وكما يقول الأستاذ هاشم صالح: "ومن الأحداث الأساسية التي يؤَرَّخ بداية العصور الحديثة بها اندلاع حركة الاصلاح الديني الشهيرة على يد "لوثر" في ألمانيا عام 1517.فهذا الحدث هزّ أوروبا هزا وزعزع الدوغمائية اللاهوتية والجمود المسيحي أو الكنسي ودعا إلى تحكيم العقل والتفحص الحرفي في مسائل الدين وشؤون العقيدة." . وأكد لوثر أن البابا هو إنسان غير معصوم عن الخطأ ودعا المسيحيين إلى عدم طاعة رجال الدين إذا كانوا على خطأ أو يستغلون الدين لأغراض شخصية، ولا حاجة للوساطة بينهم وبين الله. ثم تواصلت حركة الحداثة التي تعني اعتماد العلم في مركز الحياة الاجتماعية بدلا من العقلية الغيبية أو الميتافيزيقية.
ولم يسلم رواد التنوير من الإضطهاد، فلولا وفاة كوبرنيكوس بفترة قصيرة بعد نشر كتابه لأضطهد، وقد سجن غاليلو في بيته إلى وفاته بعد ثمان سنوات من نشره لنظريته. وفي أواخر القرن السابع عشر، نشر الفيلسوف التنويري الانجليزي، جون لوك، كتاب «رسالة في التسامح» بدون توقيع اسمه خوفا من ردود فعل غاضبة قد تهدد حياته، لأنه دعا في كتابه إلى القضاء على بنية التفكير الأحادي المطلق، وروح التعصب الديني المغلق، وإقامة الدين على العقل، وبناء منظومة حقوق تؤسس لمفهوم التسامح تعتمد مبدأ فصل المهام بين دور الكنيسة ودور الدولة، ومبدأ المساواة في الحقوق بين جميع الطوائف الدينية.
وقد قال البابا عام 1862: " لن نسمح للعقل بان يغزو المجال المخصص للايمان لكي يزرع فيه الشكوك والقلاقل..". ثم اصدر عام 1864 رسالة بابوية يهاجم فيها بشدة أفكار الحداثة، كالعقلانية والليبرالية، وحقوق الانسان التي لا تبالي بحقوق الله، الخ.. وكان ذلك يعتبر بمثابة رد مباشر على التيار العلماني المتمثل بالمثقفين والفلاسفة. وهذا يذكرنا بموقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي عندما قال: "الفكر والكفر شيء واحد لأن إسميهما مكونان من نفس الحروف".

وهكذا دخلت أوربا عصر التنوير الذي يعرِّفه الفيلسوف ايمانويل كانط في نص له مشهور قائلا: انه خروج الإنسان من مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن الرشد. فالقصور العقلي يعني عدم القدرة على استخدام عقلنا بدون وصاية شخص آخر يقف فوقنا يحصل ذلك كما لو إننا أطفال.. ونحن مسؤولون عن حالة القصور هذه لأنها لا تعود إلى نقص في العقل، وإنما إلى نقص في الشجاعة والجرأة لدينا.
 
ولو أمعنا النظر فيما يجري الآن في البلدان العربية والإسلامية لوجدناه مطابقاً لما حصل في أوربا خلال عصر النهضة. وبالتالي فكما انتصرت الحداثة والتنوير والعلمانية في أوربا في نهاية المطاف، فلابد وأنها ستنتصر في الشرق وخاصة في البلاد العربية. إن المعركة بين القديم والحديث والسلفية والحداثة تزداد ضراوة كلما شعر السلفي بأن منظومته الفكرية مهددة بالزوال.
فكما إن العلمانية لا تعني الكفر، كذلك الحداثة لا تعني التنكر للماضي وما فيه من تراث. نعم عندنا تراث غني بالكنوز الفكرية وماض مجيد نعتز به ولكن يجب أن لا نعيش به ونترك الحاضر والمستقبل. فالحياة سلسلة متواصلة في عملية التطور وأية أمة تمتنع عن التطور تنقرض. ولذلك نجد السلفيين يصرون على مواقفهم في إعادة شعوبهم إلى عصر السلف وبعملهم هذا يرتكبون جريمة بحق هذه الشعوب ويعملون على إعادتها إلى الوراء وبذلك فهم يقومون بعملية إنتحارية لأنفسهم ولأبناء جلدتهم. وكما حصل في أوربا حيث كان النصر حليفاً للحداثة والعلمانية كذلك الحال في الشرق.


 
الدين والحرية


 
نعم، نحن بحاجة إلى الدين ونحترمه ونجله، وهو جزء من كياننا التربوي والثقافي وهويتنا وتشكيل شخصيتنا. فحاجة الإنسان والمجتمع إلى الدين والإهتمام بالقضايا الروحية كحاجتهما إلى الطب والعلوم وسائر المعارف والإختصاصات الأخرى. ولكن يجب أن يكون الدين عن قناعة وليس بالقوة والقسر والتعسف. وهناك عشرات الآيات في القرآن الكريم تؤكد أنه لا إكراه في الدين.. وجادلهم بالتي هي أحسن.. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون. إلى آخره من آيات فقه الحريات.
ولكن عندما يتم إقحام الدين في المزايدات السياسية تكون النتائج ضارة على الدين ذاته. إذ تقول الحكمة (الإنسان حريص على ما منع). وقد نشر أمير طاهري مقالة له في الشرق الأوسط اللندنية، ذكر فيها نتائج إستطلاع رأي قامت به مؤسسة ألمانية في كل من إيران الإسلامية وتركية العلمانية قبل الإنتخابات الأخيرة في تركية التي فاز فيها حزب التنمية والعدالة ذو التوجه الإسلامي. لقد أوضحت الأرقام في هذا الإستطلاع أن حوالي 95 في المائة من السكان في تركيا العلمانية يؤمنون بالله، بينما يصف 70 في المائة منهم أنفسهم بأنهم «مسلمون ورعون»، فهم يقومون بأداء الصلوات بانتظام ويصومون رمضان. وحوالي 55 في المائة من السكان يذهبون للمساجد على الأقل مرة في الأسبوع.
بينما في جمهورية إيران الإسلامية يصل عدد الذين يقولون انهم يؤمنون بالله إلى 65 في المائة، والذين يصفون أنفسهم بأنهم «مسلمون ورعون» لم يحصلوا على أكثر من 60 في المائة، والذين يذهبون للمساجد على الأقل مرة في الأسبوع لا يمثلون أكثر من 12 في المائة.
كما نشرت الصحف قبل أشهر أن هناك أكثر من 300 ألف مومس في المدن الإيرانية وحوالي 30 ألف منهن في طهران وحدها مما يدل على أن النظام الإسلامي فشل في حماية المجتمع من تفشي الرذيلة. ومن هذه الأرقام في كل من إيران الإسلامية وتركية العلمانية نتوصل إلى نتيجة مفادها أنه إذا كان الإسلاميون فعلاً حريصين على الإسلام فعليهم تبني النظام العلماني ودعمه، أما إذا أصروا على فرض نظام إسلامي، فإنهم سينفرون الناس من الدين كما لاحظنا ذلك في البلدان التي تفرض الدين بالقوة. 


 
معالجة الإسلام السياسي لمشاكل الأمة


 
يقول المستشرق البريطاني المعروف الأستاذ فريد هاليدي في كتابه (ساعتان هزتا العالم): "ليس هدف الحركات الأصولية والمتطرفة التي اجتاحت غرب آسيا في السنوات الأخيرة، هدفا دينيا، بمعنى إيماني، أو ثقافيا، بمعنى قيمي، وإنما هو هدف سياسي: إنه انتزاع السلطة من الذين يسيطرون على الدولة، والاحتفاظ بها بعد انتزاعها.."
فمن المعروف في العلوم السياسية أن أهم عامل محرك وراء الثورات والإنتفاضات الشعبية المسلحة هي العامل المادي، أي الإقتصادي والإجتماعي. بعبارة أخرى الفقر الذي قال عنه الإمام علي (ع) لو كان رجلاً لقتله وقال أيضاً (أينما سار الفقر قال له الكفر خذني معك). ولكن ماذا كان موقف الثورة الإسلامية في إيران من هذه الأزمة المعيشية للجماهير الكادحة التي احتضنت الثورة منذ ساعاتها الأولى. نعود إلى فريد هاليدي الذي تابع هذه الثورة وألف كتباً عنها فيقول: لا حاجة للاسهاب عن اصالة هذه الثورة بالمقارنة بالثورات الأخرى في التقليد الذي بدأ في فرنسا عام 1789. فهي لم تكن ثورة صنعتها قيادة دينية تدعو للعودة إلى نموذج حكم مستمَد من القرن السابع فحسب بل بدا من نواح أخرى أيضا إنها ترفض الفرضيات التي انطلقت منها كل الثورات التي قامت بعد 1789. فقد رفضت التطور المادي (قال الخميني ذات مرة أن الاقتصاد شغل الحمير).
ولذلك اعتمدت قيادة الثورة في معالجة الأمراض الإجتماعية المزمنة الناتجة عن الفقر في إيران عن طريق القمع والإعدامات بعد محاكمات تفتقر إلى الحد الأدنى من أصول المحاكمات في العصر الحديث. فإحدى هذه المحاكم التي نصبتها الثورة كانت برئاسة آية الله الشيخ صادق الخلخالي الذي حاكم عدداً كبيراً من المتهمين بتهم الدعارة والسمسرة والمدمنين على المخدرات وتجارتها وكان فيهم مرضى نفسانيين بحاجة إلى العناية والمعالجة الطبية، حكم بالإعدام على معظمهم. وينقل عنه الصحفي البريطاني المعروف روبرت فيسك أنه عندما سأل الصحفيون الغربيون الخلخالي عن عدالة هذه المحاكمات وفيما إذا كان مرتاح الضمير بعد إعدام هذا العدد الكبير من الناس، فأجابهم بأن الذين أعدموا إما مجرمين أو أبرياء. فإذا كانوا مجرمين فقد نالوا جزاءهم العادل وهم الآن يحترقون في جهنم وبئس المصير. أما إذا كانوا أبرياء فتهانينا لذويهم لأنني أرسلتهم إلى الجنة! وعليه فقد نشر فيسك في جريدته الإندبندنت اللندنية تقريراً بعنوان (أرسلتهم إلى الجنة I sent them to paradise). لا أدري كيف يتفق هذا المنطق مع الآية الكريمة: "ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ".


 
الإسلاموية وعراق ما بعد صدام


 
نعم هناك طائفية سياسية في العراق، عانى منها الشيعة منذ الحكم الأموي ولحد الآن. وقد برز هذا التمييز ذروته في عهد نظام صدام حسين. وكرد فعل لهذا التمييز برزت إلى الوجود الأحزاب و التنظيمات السياسية الشيعية والتي تطالب بحقوق الشيعة. ولكن السؤال هو: هل الشيعة وحدهم عانوا من ظلم النظام الجائر؟ أليس السيد مهدي الحكيم رحمه الله هو صاحب القول المشهور بأن النظام كان عادلاً فقط في توزيع ظلمه على الجميع؟ ولماذا هذا التركيز على الماضي دون التطلع للمستقبل؟
إن مشكلة الحكم في العراق أكثر تعقيداً من أي بلد آخر. فهذا الفسيفساء المتعدد الألوان لمكونات الشعب العراقي، الإثنية والدينية والمذهبية، من المستحيل أن يسمح بالنجاح لأي نظام ديني أو مذهبي أو عنصري. فإذا تم تبني نظام إسلامي فعليه أن يكون وفق مذهب معين من مذاهب الإسلام وفي هذه الحالة هناك تقسيم المواطنين إلى درجات، مسلمين من المذهب الحاكم يعاملون كمواطنين من الدرجة الأولى، ومسلمين من المذاهب الأخرى وغير مسلمين من أهل الذمة وهكذا. فهل تسكت أبناء المذاهب والأديان الأخرى وتقبل أن تعامل كمواطنين من الدرجة الثانية في وطنها.. متساوون في الواجبات وغير متساوين في الحقوق؟ فهل يعقل تطبيق مثل هذا النظام في القرن الحادي والعشرين؟ قرن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل هناك جمعيات تطالب بحقوق الحيوان والنبات والحيتان في البحار وحماية البيئة وغيرها.
وفي هذه الحالة فسيواجه هكذا نظام مقاومة من أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى. وعندها لا بد أن تلجأ الحكومة الإسلامية إلى الإعتماد على القمع للحفاظ على السلطة. وكما يخبرنا التاريخ إن أي سلطة تعتمد على القمع في البقاء فلا بد وأن يتسع القمع وسيطال في نهاية المطاف أقرب الناس إلى النظام الحاكم نفسه.
فأيهما أفضل، نظام إسلامي قمعي ضد قطاع واسع من أبناء الشعب يقاوم التقدم الحضاري أم نظام علماني ديمقراطي يسمح لجميع الأديان والمذاهب بممارسة شعائرها بحرية ودون أي اضطهاد ؟
 يرد الدكتور ليث كبة وهو كاتب إسلامي متنور على هذه المسألة وخاصة عن مظلومية الشيعة وأفضل نظام حكم لرفع هذه المظلومية، فيقول: " والنتيجة التي نصل إليها هي ضرورة فتح الحوار والبحث عن المشاكل السياسية والإجتماعية والدينية التي تحيط بشيعة العراق.. والعمل على ما هو ممكن لرفع الظلم السياسي عنهم ضمن إطار الوطن والمجتمع المدني المتحضر الذي يسمح بحرية الرأي والعقيدة والذي يكفل الحقوق المدنية والسياسية ويقيم مفهومه على أساس المواطنة والدستور. وقد يجادل البعض من الشيعة بأن الإسلام قد كفل هذه الحقوق وأن الحل الإسلامي هو الأمثل. وهذا صحيح من الناحية النظرية ونتمنى حصوله إلا إن الخيار المطروح أمامنا اليوم بسيط وواضح. لو خيّر الشيعة بين حكم إستبدادي، تلبس بإسم الدين، كما جرى على مر التاريخ وبين حكم مدني يكفل الحقوق المدنية والدينية والسياسية ولا يفرق، دستورياً وعملياً، بين الشيعة وغيرهم، لكان الخيار واضحاً. (د.ليث كبة، الشيعة في العالم. صحيفة، النور العدد الثاني، ذوالحجة/محرم الحرام1412 هجرية، تموز 1991م".
كذلك أود التوكيد على حقيقة مفادها أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية إلا في ظل نظام علماني. كما لا يمكن قيام نظام ديمقراطي في ظل حكومة تعتنق أية آيدولوجية شمولية، سواءً كانت آيديولوجية إسلامية، قومية أو شيوعية.
لقد أثبتت تجارب القرن العشرين فشل الآيديولوجيات القومية والشيوعية، واعتقد الإسلاميون أن جاء دورهم لملء الفراغ وتجربة آيديولوجيتهم فرفعوا شعارهم المعروف: (لا حل إلا في الإسلام ولا دستور إلا القرآن). ولكننا نعرف أن القرآن الكريم حمال أوجه. وكل مفسر يفسره بشكل مختلف، لذلك هناك 73 فرقة في الإسلام وكل فرقة تعتقد أنها هي وحدها الناجية والفرق الأخرى في النار. لقد تمت تجربة النظام الإسلامي في أفغانستان متمثلاً في حكم طالبان وبن لادن وانتهت بكارثة. كذلك النظام الإسلامي في السودان لا يحسدهم عليه أحد. أما في إيران فإنهم في مأزق يبحثون عن مخرج منه وبأقل خسائر وبعد ربع قرن من المعاناة. وإذا كانت هذه هي نتائج الأنظمة الإسلامية السابقة والراهنة، فهل نحتاج إلى المزيد من الأدلة لنقول أنها هي الأخرى فاشلة ونرجو الإسلاميين العراقيين أن يوفروا على هذا الشعب المزيد من الويلات التي نزلت عليه بسبب الآيدولوجات الأخرى؟ وهكذا نتوصل إلى أنه ليس هناك حل أفضل من النظام الديمقراطي العلماني يتمتع فيه الجميع بالمساواة في الحقوق والواجبات.

خاص بأصداء
الخميس 22 يناير 2003



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الهجوم على كنعان مكية والمعارضة العراقية في هذا الوق ...
- هل يستفيد العراقيون من التجربة الإيرانية؟
- مؤتمر المعارضة العراقية.. ما له وما عليه!
- موقف المثقفين العرب من القضية العراقية.. رد على إدوارد سعيد
- الحوار المتمدن علامة مشرقة في مجال تكريس الديمقراطية
- رد على بيان المثقفين السعوديين الجديد
- هل حقاً أمريكا تريد الديمقراطية للعراق؟
- هل يبقى العراق موحداً بعد صدام؟
- مناقشة هادئة لشعار: -لا للحرب.. لا للديكتاتورية
- تحية للمثقفين الكويتيين على تضامنهم مع شعبنا
- موقف العراقيين من الضربة الأمريكية للنظام!
- شكراً لجورج بوش على موقفه لنصرة الشعب العراقي
- إعلان شيعة العراق.. ما له وما عليه!!
- العراق بعد صدام مثل ألمانيا بعد هتلر
- سجال حول الشرعية الأمريكية لضرب النظام الصدامي
- هل سيعيد التاريخ نفسه في حرب تحرير العراق؟
- العرب والقضية العراقية.. وبرميل البارود!!
- دبلوماسية.. أم توبة بن آوى؟؟
- يكفي العراقيين ما بهم.. فلا تحملوهم المزيد
- قراءة في كتاب رياض العطار: إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - عراق الغد بين العلمانية والإسلاموية