خالد فضل
الحوار المتمدن-العدد: 5089 - 2016 / 2 / 29 - 13:26
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2016 - المرأة والتطرف الديني في العالم العربي
جمعتني مصادفة مع شاب سوداني ذي خلفية عسكرية/أمنية, يحمل الجنسية الأمريكية , بدا ذاك الشاب حانقا مما آلت إليه الأوضاع في السودان من مختلف الزوايا وفي كافة مجالات النشاط البشري , ولكنه ظلّ طيلة فترة حديثه معي لما يقارب الساعة يركّز على جانب الانهيار الأخلاقي في المجتمع السوداني , ويستشهد دوما على ذلك الانهيار , بفساد النساء ,وملابسهنّ , وعهرهنّ , وجلبهن السمعة السيئة للسودان والسودانيين في الخارج والداخل . معتبرا أنّ الماسونية هي السبب في فساد الحكّام السودانيين وتخليهم عن مشروعهم الاسلامي الصحيح , وأورد من شواهد أفعال الماسونية وأثرها ؛ سيطرة النساء على الوظائف في السودان , بل منهنّ من صارت قاضية ووزيرة وأستاذة جامعية وعدّ هذا الوضع كنتاج لهيمنة الماسونية على السودان ! للأمانة احتجت لصبر طويل وأنا ألوذ بصمت قلق حتى يفرغ ذاك الشاب ما في جعبته من تشويش لم يخف عليّ أثره منذ البداية , ورويدا رويدا حاولت استدراجه بلطف الى الحقائق , حتى بلغ درجة الاستشهاد بمقولة حكيمة نًسبت للمستشارة الألمانية ميركل مؤخرا عندما قارنت بين سكان الصين والهند وأعدادهم المليارية وآلهتهم الخمسمائة ومع ذلك لم تسل دماؤهم بسبب الآلهة , وبين حال المسلمين الذين تقلّ أعدادهم عن الصينيين والهنود كثيرا و إلههم واحد وقرآنهم واحد , ومع ذلك تمتلئ شوارع بلدانهم بدماء بعضهم البعض وبالأشلاء . قلت في سريّ لقد استشهد صاحبنا بإمرأة إذا , رغم حملته الشعواء ضد نساء السودان وتهكمه على شغلهنّ وظائف القضاة وهنّ (حائضات ) , ولعلّه لم يدر بخلدّه أنّ الحيض دليل الخصوبة , وما أخصب المرأة عندما تكون هي وليس الرجل من تتولى مسؤولية حفظ النوع البشري من الانقراض بسبب نزوات ونزاعات الرجال غالبا , هل هذه شهادة بنقصان ؟ يا مرحبا بالنقص عندما يكون فيه تمام الحياة , وكفى .
لم يمض على حديثي مع ذلك الشاب سوى دقائق معدودات , استوقفني خبرا منشورا على أحد المواقع الإعلامية الألكترونية السودانية مفاده حصول إعلامية سودانية شابة تعمل مراسلة عالمية لشبكة(سي ان ان) الأمريكية اسمها نعمة الباقر على جائزة جمعية التلفزيون البريطانية للعام 2015م تقديرا لأدائها المتميز في التقارير المتخصصة , خاصة في مناطق ومجالات وعرة , مثل الإتجار بالبشر , وأحياء الإرهابيين والمتشددين , وختان الإناث , والناجيات من خطف واسترقاق جماعة بوكو حرام ..إلخ . رددت في سري , أو ليس نعمة وقريناتها من النساء السودانيات يعكسن صورة مغيرة لما قرّ في وعي ذاك الشاب ؟ وهنا تتبدى أوجه مفارقات لا تنقضي بشأن المرأة السودانية وأوضاعها على المستوى السياسي والإجتماعي والثقافي والإقتصادي . فنجد مثلا أنّ د. حسن الترابي ؛ عرّاب الإسلاميين السودانيين المعاصرين , لا يفتأ يرفد الساحة الفقهية بآراء تثير الجدل , مثل إمامة المرأة للمصلين , وحديثه عن الحور العين في الجنّة اللائي هنّ نساء الدنيا أنفسهنّ مع قليل من (المكياج), هو ذاته لم يتورع في وقت سابق وعندما كانت له السطوة المطلقة على السلطة حتى نهاية القرن الماضي من سن التشريعات والقوانين التي تحطّ من قيمة المرأة وكرامتها كإنسان , مثل فرض أزياء معينة على النساء حتى الطفلات في رياض الأطفال , والمحاولات الساذجة للفصل بين الجنسين في قاعات المحاضرات والمعامل في الجامعات , وفي بوابات الدخول , كما تم سنّ قوانين جنائية تحت مسمى قانون النظام العام تندرج تحت طائلته سلسلة واسعة من الممارسات العادية التي تمّ تجريمها , وتمّ تدجيج القانون بمنظومة كاملة من الشرطة والنيابات والمحاكم , وظلّت غائلة هذا القانون كسيف مسلّط بصورة خاصة ضد النساء , بل أعتبر الرئيس البشير أنّ شرطة النظام العام تطبّق في حدود الله وفق الشريعة الاسلامية , عندما شاع على نطاق واسع مقطع مصوّر لفتاة تتعرض للجلد على يدي رجال شرطة في الخرطوم وبعض المارة يتحلقون حول ساحة التنفيذ في مشهد مقزز ومثير للغثيان , وعندما أعلنت رئاسة الشرطة السودانية عزمها على إجراء تحقيق حول الواقعة , جاء البشير في خطاب جماهيري معلنا إلغاء لجنة التحقيق , بل أعلن تأييده لما قام به رجال الشرطة بإعتباره امتثالا لأمر الله , وعلى هدي الرئيس سار مساعده وقتذاك د. نافع علي نافع . كما جرت محاكمة بعض الصحفيين والصحفيات الذين /اللاتي تناولوا/ن الموضوع مطالبين بفتح تحقيق في الواقعة . كما تم في وقت سابق عندما كان الترابي في أوج سطوته , إقصاء عدد كبير من النساء من وظائفهنّ , ضمن موجات ما عرف بسياسات التمكين للاسلاميين , بل تم إقصاء متعمد للنساء في بعض الوظائف كوزارة الخارجية والنفط والشرطة استنادا فيما يبدو على التفرقة في النوع المنبثقة من تعاليم الشريعة حسب الفهم السلفي للمسلمين السنيّين , لأنّه في مقابل ذلك الفهم نجد فهما آخرا إفترعه الأستاذ الشهيد محمود محمد طه , من أسسه الراسخة المساواة الكاملة بين الرجال والنساء بإعتبار أنّ أيّا منهما يمثل إنسانا في الأساس , هذا الفهم والفكر الجمهوري قوبل بالوأد والتضييق ووصل الأمر حدّ إغتيال الأستاذ محمود بتهمة الردّة في 18ينائر1985م .
المرأة السودانية من جانب آخر ما تزال تعاني من أوضاع اجتماعية حاطة من كرامتها , مثل تفشي عادة ختان الإناث بنسبة كبيرة , وتعاني ضمن معاناة الشعب السوداني من تدني وانعدام خدمات الرعاية الصحية الأولية وترتفع تبعا لذلك وفيات الأمهات أثناء الولادة , وهنالك عادات زواج القاصرات وما يترتب على ذلك الزواج من مشكلات صحية ونفسية واجتماعية , كما تسود بعض الأدبيات والممارسات الثقافية التي تحطّ من قيمة وكرامة المرأة , وهناك إجحاف في حقوق المرأة فيما يتعلق بحقوق الميراث , والطلاق , والتضييق في حرية السفر والتنقُّل والأزياء . كما يبدو الوضع الأسوأ للنساء السودانيات في مناطق النزاعات المسلحة حيث يشكلّن أهدافا عسكرية يمارس ضدهنّ الإغتصاب كسلاح قذر , وتضجّ معسكرات النزوح واللجؤ بملايين النساء السودانيات المنحدرات من أقاليم دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق بوجه خاص . تأتي مناسبة اليوم العالمي للمرأة كل عام , وأوضاع النساء السودانيات لم تتطور بالقدر الملائم لقيمة النساء في المجتمع السوداني , فهنّ يشاركن في النشاط الإقتصادي بصورة واضحة وخاصة الزراعة والرعي , إضافة الى مهن التعليم والصحة , وهنّ من يتحملّن بجرأة وجسارة أعباء تنشئة وتربية الأطفال في ظل واقع اجتماعي واقتصادي متردي جعل الهجرة والإغتراب من أحد أهم وسائل كسب العيش في السودان , وهنّ في معسكرات اللجوء والنزوح يتحملّن العبء كاملا من توفير الحماية والأكل والشراب والملبس للأطفال , وهنالك مئات الالآف من النساء السودانيات يعلن أسرهنّ بإقتدار , كما يشكلنّ العمود الفقري في مرافق الخدمة العامة الحكومية وفي القطاع الخاص والقطاعات غير المنتظمة , ومع ذلك ظللن بإستمرار أهدافا سهلة للقمع والمطاردات الأمنية ومصادرة وسائل كسب العيش البدائية كما في ظاهرة (الكشّات) التي تنفذها شرطة النظام العام وسلطات المحليات في العاصمة الخرطوم ومدن الأقاليم الأخرى , وهي حملات تستهدف بصورة أساسية النساء العاملات في بيع المأكولات والقهوة في الأسواق , دون مراعاة للظروف المضنية التي يعملن فيها . وهكذا تمر الذكرى وتتجدد بيد أنّ عزم النساء السودانيات يتطوّر كذلك , التحية لكل النساء في العالم , والمجد لنضالات المرأة السودانية المناضلة والمكافحة رغم المتاريس .
#خالد_فضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟